سامي النصف

رحل رجل الحكمة والإيثار والوطنية الحقة

برحيل العم أحمد زيد السرحان تفقد الكويت عمودا من أعمدة الحكمة والتعقل فيها، فقد كان أبوخالد وطنيا حقيقيا في زمن الوطنية الزائفة، صامتا في زمن الصراخ، هادئا في زمن الانفعال ومحبا للكويت وشعبها في زمن تعددت فيه الولاءات وطغى على ساسته تقديم الأجندات.

***

ولم يعرف عن أبوخالد، وهو الذي كان من شباب الكتلة الوطنية عام 38 ثم نائبا لرئيس مجلس الأمة أعوام 6(3)67 ثم رئيسا للمجلس في دورته الثانية 6(7)70، الانفعال والبحث عن الإشكال واختلاق الأزمات السياسية، بل على العكس من ذلك فقد اشتهر عنه المبادرة برفع الجلسات مع ظهور أول بوادر الخلافات الحادة ورفع الأصوات بين النواب حفاظا على رونق المجلس وسمعته الطيبة، ولم يكن يعيد عقد الجلسة إلا بعد دعوة الفرقاء لمكتبه والعمل بجد لإنهاء الخلاف بين الحكومة والنواب او بين النواب انفسهم، فقد كان يرى ان رئيس مجلس الأمة يجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع لذا اشتهرت المجالس التي شارك بها أو رأسها بوفرة الانجاز لكثرة العمل وقلة الجدل بعكس ما حدث لاحقا ولم يعرف عنه الطمع بالمناصب الزائلة فقد ترك كرسي الرئاسة وهو في قمة العطاء وبقي يؤدي دوره الوطني لمصلحة الكويت وشعبها في الخفاء ودون ضجيج.

***

ومن الأمور التي تدل على حكمة وإخلاص ورجاحة عقل راحل الكويت الكبير المرحوم أحمد زيد السرحان ما حدث بعد انتهاء اجل المعاهدة العسكرية بين الكويت وبريطانيا عام 68 حيث طلبت من القيادة السياسية آنذاك البحث عن بدائل كما اتى في لقائه المتلفز مع الزميل رضا الفيلي حيث كانت لديه خشية من توجهات ومطامع جار الشمال (المستقبلية).

***

وكان للراحل الكبير مساهمته الفاعلة في مشروع السور الرابع، كما لا يعلم إلا القلة تحركه وتوسطه بالسر في أكثر من مرة لإصلاح ذات البين بين كبار المسؤولين في الدولة لاحترامهم وتوقيرهم له، وكان ابوخالد اضافة الى اهتمامه بالشأن السياسي، اديبا ومهتما بقضايا الشعر والأدب والثقافة والفن والرياضة، فرحم الله فقيد الكويت الكبير ابوخالد الخالد في ذاكرة الوطن وألهم أهله وذويه ومحبيه والكويت قاطبة الصبر والسلوان.

***

آخر محطة: جلست مع الراحل الكبير ذات مرة على ضفاف بحيرة جنيف ووجدت فيه الذكاء الحاد والحكمة وذاكرة قوية حافظة لتاريخ الكويت بأدق تفاصيله، ولمواد الدستور ولوائحه الداخلية وكيف تم الوصول لهذه المادة او تلك، وبذا فقدت الكويت كذلك برحيل العم احمد زيد السرحان جزءا مهما من ذاكرتها الحية.

احمد الصراف

التحليلات «الخرطي»!

ضحكتُ كثيراً وأنا أتابع التطورات المتلاحقة التي شهدتها مصر أخيرا، وكيف تمكن حزب الإخوان المسلمين من الاستفراد بالحكم وتجميع كل الصلاحيات في يد ممثلهم، رئيس الجمهورية! وكيف قبل «الفيلد مارشال» طنطاوي، أو أُجبر على قبول الذهاب إلى بيته لكي «يرتاح»، بعد ان كان قبلها بساعات حاكم مصر الفعلي، وكيف أُقيل رئيس الأركان (عنان) وهو نائم، وأعيد بعدها الجيش، لأول مرة منذ أكثر من 60 عاما إلى ثكناته، ليصبح وايضا لأول مرة مؤسسة عسكرية فقط بعد ان كان مؤسسة مالية وصناعية وسياسية، وليصبح وزير الدفاع وزيرا مثل بقية الوزراء وليس أعلى حتى من رئيسهم، كما كانت الحال خلال عهدي السادات ومبارك! ولا ننسى طبعا في هذه العجالة الأحداث المفاجئة الأخيرة في ليبيا، التي اعيد فيها الاعتبار الى الليبرالية في دولة تزخر بالقبلية! وسبب ضحكي هو التعارض الشديد بين كل ما حدث وبين كم التحليلات الفاسدة التي أدلى بها، تصريحا وتلميحا وكتابة، مجموعة من المحليين السياسيين والعسكريين «الاستراتيجيين» من أمثال عبدالباري عطوان ومحمد حسنين هيكل وعلاء الأسواني، الذي نتمنى أن يعود الى الأدب وينسى «حكاية التحليل»، وغيرهم من محللين عرب ومحليين، في ما يتعلق بما يجري في أكثر من دولة عربية، ومنها مصر، وما توقعوه بأن المجلس العسكري الأعلى فيها، والذي أصبح في خبر كان، سيدفع باللواء سليمان ليصبح رئيسا ويعيد مبارك الى قصره ويمنع محاكمة أبنائه، وأن الأمر مسرحية أعد لها الجيش باتقان! أو أن مرشح الجيش هو الفريق شفيق، وأن عهد مبارك سيعود على يديه وان طنطاوي وراءه! وسقط شفيق، ربما بسبب كل ذلك، وعندما نجح محمد مرسي قال هؤلاء المحللون «الخرطي» ان قادة الجيش تركوه ينجح لأنه سيكون ضعيفا، وهم الذين سيحكمون، فالقوة العسكرية والتشريعية بأيديهم! وتبين لاحقا أن لا شيء مما ذكروه كان دقيقا، وأن نظرية المؤامرة، التي طالما آمنوا بها كانت كالرياح التي تهب في اتجاه وسفينة الأحداث تبحر في اتجاه آخر، ولا أريد أن اقول ان طنطاوي لم يكن يحضر نفسه لرئاسة مصر، أو انه كان اضعف مما تصور الكثيرون، وذلك لكي لا اصبح واحدا من «زمرة» المحللين، فالحقيقة أن لا احد «أبدا» توقع ما حصل أو الطريقة التي انتهت بها الأمور، حتى الآن، وصعود نجم محمد مرسي، بهذه السرعة، وهو الذي كان احتياطيا، مع كل تواضع قدراته الشخصية وإمكاناته وخبراته السياسية، فقد نجح الرجل، و«فشل» عباقرة الصحافة والإعلام السياسي في تحليلاتهم، ونتمنى أن يتعلموا شيئا من هذا الدرس ويخففوا عنا مستقبلا إسهال تصريحاتهم، فهم في الحقيقة لا يختلفون كثيرا عن الدجالين من قارئي الطالع وكاشفي البخت الذين يصدرون كتبا سنوية بتوقعاتهم، وما إن يتحقق شيء منها حتى يملأوا الدنيا صراخا! وهنا لا يلتفت أحد للكم الهائل من الكذب الذي ورد في كتبهم، فالناس تهتم بقصص النجاح أما الفشل فله الرحمة، وقد رأينا كيف اشتهر من هاجر الى الأميركتين وأفريقيا، ولم نسمع غير قصصهم، أما الذين أكلتهم التماسيح أو غرقوا في البحيرات والأنهار فلا أحد يود أن يعرف عنهم شيئا!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com