هناك مهن كثيرة في العالم تدر الكثير من المال، ولكن غالبيتها تتطلب قدرات عقلية ومواهب ومؤهلات لا تتوافر لدى غيرهم! وهنا نتكلم عن أصحاب مهن وليس أصحاب الثروات! فمديرو المحافظ المالية في المصارف والشركات الاستثمارية وصناديق الأسهم والسندات هم الأكثر دخلاً في العالم، ولكن عدد هؤلاء في العالم لا يتجاوز بضع مئات! ويأتي بعدهم ممثلو السينما ونجوم الغناء والإعلام وأطباء التجميل وغيرهم. ولكن جميع هذه المهن خطرة، ومن يعمل بها معرض لفقد وظيفته نتيجة خسارة مالية أو سمعة، أو فقد البريق أو الجمال البدني والصوت مع التقدم في العمر، أو غياب المواهب، ويجمع أصحاب كل هذه المهن عامل مشترك واحد، وهو انها مهن تتطلب في الغالب جلداً وقوة في التحصيل والمعرفة، ومهنية عالية مع موهبة في حقل أو آخر، وبالتالي لا نستغرب أن البعض من هؤلاء يلجأ الى المخدرات والمسكنات ومراجعة مستمرة للأطباء النفسيين وغيرهم لمساعدتهم في تحمل الضغوط الجسدية والنفسية الهائلة، وإطالة بقائهم تحت الأضواء! وحدهم رجال الدين، ونتكلم هنا بشكل عام، وبالذات من المنتمين لأنظمة سياسية، أو من المؤيدين لها، من بإمكانهم تحقيق الكثير من الشهرة والمال والنفوذ والاحترام الاجتماعي من دون بذل الكثير، ومن دون مخاطرة حقيقية. كما يمتازون عن غيرهم من أصحاب المهن الأخرى في أن تقدمهم في العمر يزيد من أهميتهم ولا ينقصها!
فهؤلاء عادة لا يحتاجون للكثير من السهر في التحصيل الدراسي طالما امتلكوا المقدرة على الحفظ وسرعة البديهة، وهؤلاء تزيد أهميتهم مع تخلف مجتمعاتهم، والعراق الحالي مثال حي! فهم العلماء، وليسوا أساتذة الجامعة ولا المؤرخين والمكتشفين والفيزيائيين وكبار الجراحين والأطباء والدستوريين، هم الذين تفسح لهم أفضل الأماكن في المجالس ومن تقبل جباههم وأكتافهم ورؤوسهم وحتى أيديهم وعباءاتهم! وكأي مهنة فإن العاملين منهم بشر مثل غيرهم، لهم نقاط ضعفهم وغرائزهم ورغباتهم المعلنة والدفينة، وقد يحبون الشهرة والمال حباً جماً، وبالتالي يسعون الى زيادة شعبيتهم وجذب الأتباع و«المقلدين» لهم باتباع كل الوسائل، ولو تطلب الأمر المزايدة على بعضهم البعض في عدد من يتبع آراءهم وتوصياتهم وفتاواهم ووجهات نظرهم شبه المصونة، وبالتالي نجد بعضهم نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن مع اشتداد التنافس بينهم سمحوا لأنفسهم بالغش والتزوير، فقد باع داعية معروف ملايين النسخ من مؤلفاته، ثم تبين لاحقاً أنها من «مسروقاته»! وصدرت أحكام إدانة وتعويض بحقه. وكشف موقع Statuspeople، المتخصص في إحصاءات «تويتر»، عن وجود أعداد كبيرة لمتتبعين لمشاهير رجال الدين وغيرهم، وبالملايين، ثم تبين أن في الأمر غشا كبيرا، والمتتبعون شخصيات وهمية.
ولكن بما اننا نعيش في مجتمعات جاهلة فإن سحر هؤلاء الغشاشين والمدلسين سيستمر، والكشف عن ألاعيبهم وغشهم سيستمر، فهذا جزء من حرب الربيع العربي!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com