سعيد محمد سعيد

رمضانيات (4): الاحتقان الطائفي

 

أليس من العجب العجاب أن يـُظهر البعض خوفه وهلعه الشديدين من (الاحتقان الطائفي) في المجتمع البحريني، ويشتد عليه الوجد والألم وهو يزايد ويضاعف من عواقب ذلك (الاحتقان) المزعوم كمصيبة نازلة ما مثلها مصيبة… دون أن يطرح بعد كل تلك (الهستيريا الذميمة) تصوراته في شأن مسببات الاحتقان وكيفية التصدي له؟

أليس من المعيب والمنكر، أن يبالغ ذلك النفر في إظهار وجعه من الاحتقان الطائفي ويتناسى أنه كان ولا يزال طرفاً رئيسياً في إشعال نفوس «الطائفيين» ممن هم على شاكلته ليطول طابور جوقة (تجار الطائفية)، ويستعر أوارهم ونيرانهم التفكيكية كلما عمل المخصلون على إنهاء الأزمة في البلد؟ هل يعقل أن يركن أولئك إلى القول بأن الأزمة في البلد يمكن حلها، فيما الاحتقان الطائفي لا يمكن حله؟ حبذا لو ألقم ذلك النفر نفسه حجراً ليصمت ويصبح المجتمع البحريني بخير بعيداً عن تأجيجهم الطائفي المستمر.

قد تكون قائمة الأسئلة المشروعة طويلة! فمن الذي شجع وأوسع دائرة الطرح الطائفي في البلد على مستوى الإعلام؟ ومن الذي فتح المجال للخطب الطائفية التي استهدفت تفتيت علاقات أبناء الطائفتين في منابر تتحرك بالريموت كونترول؟ ومن الذي حول المعارض إلى خائن والموالي إلى صاحب وطنية وإخلاص بالمطلق؟ ومن الذي تعمد استهداف الضرب في (المعتقدات الدينية) وزجها زجاً مقصوداً لتصبح الوجه الآخر (للمواقف السياسية)؟ ومن الذي خصص الأموال لمجموعة من المتاجرين بحب الوطن المزعوم كذباً ليتقافزوا في وسائل الإعلام ويبثوا سمومهم دون أدنى إدراك بعواقب ذلك الخطاب الإجرامي في حق الوطن؟

نعم، قد تكون الأسئلة عديدة الأوجه، غير أن ما يهمنا هنا هو بروز ذلك النفر الذي لا يمكن أن يشعر بالراحة وهو يرى العلاقات بين أبناء الطائفتين طبيعية قائمة على المواطنة والتواصل والتفريق بين الموقف السياسي والانتماء المذهبي… وقائمة أيضاً على الأخوة الدينية التي يحاولون دائماً هدمها بأسطوانات بالية من قبيل:»هم أعداؤنا وليسوا أخوتنا… هم يشتمون الصحابة وأمهات المؤمنين… هم مجوس وأذناب للفرس… كيف نآخي من يريد قتلنا؟ لن نقبل بأن يكون في بلادنا طائفة مشركة يعبدون غير الله! وهكذا تتوالى فذلكات الساقطين أخلاقياً وفكرياً.

في مقال الأسبوع الماضي، أوردت نصاً أعجبني للروائي المصري علاء الأسواني تحت عنوان: «كيف تقضي على الثورة»، طرح فيه أفكاراً ساخرة لكيفية نجاح الحكومات المستبدة في القضاء على مطالب شعوبها، ومن بينها تلك النصيحة المفجعة: «اترك أحوال البلد تتدهور حتى تصل إلى الحضيض»، ويمكنني أن أضيف إلى ذلك الحضيض ما يسعى تجار الطائفية إلى نشره كسمٍ في المجتمع بإبقاء أكذوبة (الاحتقان الطائفي)… فهذا بالنسبة لهم (مسمار جحا)!

لكن، هل يمكن أن يبقى ما يسمى (احتقان طائفي) في مجتمع تسوده العدالة والمساواة والديمقراطية الحقيقية وضمان حقوق جميع المواطنين من كل الديانات والمذاهب؟ وهل هناك من مانع في أن تشارك التيارات السياسية في تحقيق مطالب الناس؟ هل يمكن، في ظل (افتراض) وجود تحولات إصلاحية حقيقية، أن يبقى مجال لتجار الطائفية حين ينقطع عنهم الدعم والمدد؟ العجيب، أن الروائي علاء الأسواني ينهي خطواته التهكمية بالقول: «(ملحوظة: خطرت لي فكرة هذا المقال وأنا أقرأ عن تاريخ الثورات في جمهورية جزر القمر، وبالتالي لا علاقة للمقال بما يحدث الآن فى مصر بتاتاً).. ويختم الأسواني بالقول: الديمقراطية هي الحل!

على أية حال، أود أن أطرح سؤالاً على مروجي أكذوبة (الاحتقان الطائفي) وهو: «ماذا يضيركم إن وضعت الحلول للأزمة في البلاد ونال الجميع حقوقهم وساد صوت العدالة والقانون على الجميع؟ ترى، من الذي سيبقى بعد ذلك في دائرة (الاحتقان الطائفي) غيركم؟

قد يسأل سائل: «لماذا تنكر الاحتقان الطائفي الذي نعيشه في بيتنا البحريني ويعرفه الجميع؟»، وأقول مكرراً: «نعم، هو احتقان قائم بين أهل الطائفية وتجارها ومروجوها وليس بين السواد الأعظم من أبناء البلد سنة وشيعة، إنما هم تجار الطائفية الذين يعشقون تدمير المجتمع من الداخل.. هم منزعجون كثيراً من عودة المياه إلى مجاريها بين الكثير من أبناء الطائفتين.. هم يموتون غيظاً من تعالي الأصوات المخلصة لترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية للجميع دون استثناء مذهبي أو سياسي.. هم يعلمون أن للناس عقولاً تميز بين الغث والسمين.. يدركون جيداً أن رواج تجارتهم مرهون ببقاء ممارسات الطأفنة وإخافة الناس من بعضهم البعض.. لهذا أجد الشيطان الرجيم عليه اللعنة مستغرباً من كونه واتباعه (مصفدين) في شهر رمضان المبارك، فيما شياطين الطائفية عندنا يمارسون طقوس «الاحتقان الطائفي».. فشكراً لأبناء البلد المخلصين الذين جعلوا شياطين الطائفية تحت طائلة المقولة الشعبية: «دودهو.. من دودهك.. من طقك».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *