حتى جمال الدين الأفغاني نفسه، بجلال علمه و”تأزيمه”، لو كان كويتياً يطالب بالإصلاح لما سلم من التهم التي سيطلقها عليه جمعٌ من المرتزقة، وما أكثر تهمهم وأكذبها وأتفهها… فهو إن سلم من تهمة “ليس من أهل الكويت ولا من عيال بطنها” وهذه طبعاً لا تحتاج إلى دليل أكبر من مراجعة اسمه للتأكد من جنسيته، فلن يسلم من تهمة “الروس نامت والعصاعص قامت”، وهي تهمة كويتية خالصة، عصرة أولى، لا أظن أن شعباً سبقنا عليها ولا تبعنا إليها، وكانت تقال لمن لا يملك المال والحظوة ويناقش الشأن العام… أقول، حتى جمال الدين بكل تضحياته لم يكن ليسلم من الطعن في شرفه (الشرف الذي أعنيه لا علاقة له بجسم المرأة بل بالقيم والمبادئ الأساسية للنبل).
وجمال هو المؤزم الأكبر في العالم الإسلامي في السنوات الخمسمئة الأخيرة. فبعد أن ضاقت عليه كابول لمطالبته بالإصلاح والديمقراطية، هرب إلى مصر، وهناك أسس المدارس والمعاهد، وحرض الشعب المصري على الثورة على الإنكليز، وقامت ثورة، ثم ضاقت عليه مصر، فهاجر إلى إيران بدعوة من الشاه، فأسس قواعد الحكم هناك، وطالب بالدستور والديمقراطية ومشاركة الشعب في الحكم، وطالب بتأميم الشركات الأوروبية وتنمية المواطن الإيراني، فضاق به الشاه وطرده، فحرّض جمال الإيرانيين على مقاطعة التبغ كي تخسر الشركة الأوروبية المحتكرة لهذه الصناعة، وخاطب أكبر رجال الدين، فصدرت فتوى بذلك، فامتنع الإيرانيون عن التدخين، فتدهورت الشركة، وتوقفت، وتم تأميمها، واغتيل الشاه على يد مجنون من مريدي “عالم الإسلام” صاحبنا جمال الدين.
وفي اسطنبول دعا جمال الدين الناس إلى المطالبة بدستور والقتال من أجل الديمقراطية، ووو، فقتله السلطان بالسم.
كان كلما أغرته السلطات بالمال ليسكت ويجامل، ازدادت حماسته للديمقراطية والدستور! وأجزم جزماً مغلظاً لو كان جمال كويتياً لاتُّهمَ بـ”القبض” من قطر، ومن رئيس وزرائها تحديداً، حمد بن جاسم.
هنا الكويت يا جمال فاعذرنا.