لا يمكن وصف قرار الحكومة بالذهاب إلى المحكمة الدستورية بغير العنجهية والعناد السلطوي، وكان أولى للسلطة أن تبادر من ذاتها بقراءة الواقع السياسي والتغيرات التي تعصف بالمنطقة، والتي ترشح الكويت على أنها الأقرب لتحقيق “الإمارة الدستورية” أو الملكية الدستورية من بقية دول الملكيات العربية في منطقة الخليج، والمقصود بالملكية الدستورية تفعيل المادة السادسة من الدستور بأن الأمة مصدر السلطات كواقع حقيقي وليس كلاماً على الورق وجدلاً فارغاً بأن الكويت فعلاً إمارة دستورية… فعلى من نضحك…!
كان أولى للسلطة أن تستمع لصوت العقل وتغلق أبواب الأزمة السياسية منذ لحظة حكم المحكمة الدستورية ببطلان المجلس الأخير، وأن تأخذ خطاب أغلبية نواب ذلك المجلس على محمل الجد، رغم أن المواطنة الحقة القائمة على مبدأ المساواة واحترام كرامة البشر ترفض الطرح الديني المذهبي المتشنج للقوى النافذة من المجلس السابق، الذي قنن حالة قديمة من بداية الثمانينيات بإعادة خلق الدولة كمثلث للكآبة والملل وأرض خصبة للنعرات المذهبية، تغطيها سماء من الفشل الاقتصادي والفراغ الاجتماعي والسياسي، لكن ما العمل اليوم وقد أضحينا نجني حصاد الأمس المر الذي بذرته السلطة بقصر نظر. ومهما رفضنا ممارسات عدد من نواب الأغلبية اليوم حين ذروا الملح على الجرح الكويتي في المسألة الطائفية فإنه من الواجب أن نرفض قبل ذلك ما حدث من تصرفات سلطوية سابقة متخلفة في “دهان سير” بعض نواب مجلس ٢٠٠٩ مع ما رافقها من سياسة “الجيب المفتوح” من المال العام لإسكات الجمهور وتخدير وعيه السياسي وصرف نظره عما يحدث في الأمة العربية.
ليس هناك من يريد الخروج إلى ساحة الإرادة لممارسة اعتصام شعبي ضد قرار الإحالة إلى “الدستورية”، وليس هناك من يريد للدولة أن تغرق في قضايا هامشية ونتناسى الإجابة عن سؤال فحواه، ماذا خططنا لما بعد حقبة “البندروسا” النفطية؟، وهل استثمرنا بشكل صحيح في الإنسان أم في شراء ذمة هذا الإنسان؟! إلا أن السلطة هي الآن من تفتح الأبواب للتجمعات والاعتصامات حين “ركبت رأسها” واستمعت لنصائح “وعاظ السلاطين” بطرق أبواب المحكمة الدستورية كي تحدد المحكمة مفهوم “العدالة” في توزيع الدوائر الخمس! هل فكرت السلطة عام ٢٠٠٦ في العدالة حين شرع نظام الدوائر الخمس؟، وهل نظرت هذه السلطة في ميزان العدالة حين كانت الأغلبية في جيبها بمجلس ٢٠٠٩؟! سبحان الله… كيف خطرت العدالة على بالها اليوم وكانت بالأمس نسياً منسياً… سبحان مغير الأحوال… هي الأحوال التي تتغير برضانا ورغم أنوفنا، ومع ذلك مازالت السلطة والكثيرون منا للأسف يصرون على بقاء ما كان على ما كان… هم يعاندون قدر الزمن… والخاسر الكبير هم أبناؤنا في النهاية، أما نحن فلم يعد لدينا ما نرتجيه لا من السلطة الحاكمة ولا من يطرح نفسه كبديل عنها.