عادل عبدالله المطيري

أحاديث أولمبية

أنا لست رياضيا لا من حيث الممارسة أو المتابعة، ولكن أخبار اولمبياد لندن تفرض نفسها علينا، كما يحدث عادة في موسم نهائيات كأس العالم لكرة القدم.

فالاولمبياد بالرغم من أنها مسابقة رياضية بحتة، إلا أنها أصبحت منافسة بين الدول لإظهار نمط حياة شعوب العالم ومستوى تحضرهم، تبدأ المنافسة بين الدول على استضافة الحدث نفسه وصولا إلى المنافسة على حصد اكبر عدد من الميداليات الاولمبية.

تنفق الدولة المستضيفة مليارات الدولارات ولكنها حتما تسترجعها وعلى الفور، بل ربما تتضاعف أرباحها الاقتصادية على المدى البعيد، فاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى لها مردود على الإنتاج الصناعي والسياحي والعقاري للدولة المستضيفة، إذ يتسنى للزوار التعرف على الصناعات المحلية بكل أنواعها، وبالتأكيد سيعتادون أماكن التسوق ويألفون مطاعمها وفنادقها وسيحملون ذكرى جميلة ربما تجبرهم على إعادة الزيارة والتجربة مرة أخرى.

وبالعودة للحدث نفسه، تتباهى الدول بنجومها وقدراتهم العالية لأنها دلالة على مدى تحضر الدولة ورقيها، لذلك تولي الدول المتحضرة عناية خاصة بالرياضة والرياضيين، فنجدهم يشاركون بفرق اولمبية عديدة ليحصدوا ميداليات أكثر، يحضرون لاعبيهم جيدا ويعتنون بهم، فنجدهم يأتون بكل حلهم وحللهم، فالاهتمام لا يقتصر على الأداء بل يتعداه إلى الشكل أيضا.

أما نحن معشر العرب فللأسف، نأتي بأقل عددا وعدة، حيث نشارك بأقل فرق اولمبية ونخرج ان كنا محظوظين بميدالية واحدة.

يبدو أننا نحن العرب نسينا تاريخنا وعاداتنا، حيث يقال إن العرب قديما كانت لهم اولمبياتهم الخاصة (كسوق عكاظ)، حيث تأتي له الوفود العكاظية من كل صوب وحدب في جزيرة العرب، ركوبا على أحسن الدواب، محملين بأثمن البضائع، ويلبسون أجمل الملابس، يتنافسون بكل شيء كعادة العرب قديما، ولا يرضون إلا أن يظهروا بأفضل الصور.

لو كنا متمسكين بمبادئنا العكاظية، لحجزنا للاعبينا على الدرجة الأولى أو لحملناهم على طائرة خاصة، وأنزلناهم أجمل الفنادق، ولألبسناهم افخر الملابس، وزودناهم بأفضل المعدات الرياضية والبندقيات.

ولكن للأسف، بعثاتنا الكويتية للاولمبياد كانت متواضعة جدا، فلقد اركبوا لاعبينا الدرجات السياحية وربما كانت الرحلة ترانزيت.

ولم يعفوهم من زيادة الوزن في حقائب سفرهم الاولمبية، وكانت معداتهم الرياضية بدائية.

لكن في النهاية كل الشكر والامتنان للاعبينا في أولمبياد لندن، فلقد جادوا بما هو موجود وأكثر، وخصوصا الرامي فهيد الديحاني لحصوله على برونزية الرماية دبل تراب.

محمد الوشيحي

جمال الدين… يقبض من قطر

حتى جمال الدين الأفغاني نفسه، بجلال علمه و”تأزيمه”، لو كان كويتياً يطالب بالإصلاح لما سلم من التهم التي سيطلقها عليه جمعٌ من المرتزقة، وما أكثر تهمهم وأكذبها وأتفهها… فهو إن سلم من تهمة “ليس من أهل الكويت ولا من عيال بطنها” وهذه طبعاً لا تحتاج إلى دليل أكبر من مراجعة اسمه للتأكد من جنسيته، فلن يسلم من تهمة “الروس نامت والعصاعص قامت”، وهي تهمة كويتية خالصة، عصرة أولى، لا أظن أن شعباً سبقنا عليها ولا تبعنا إليها، وكانت تقال لمن لا يملك المال والحظوة ويناقش الشأن العام… أقول، حتى جمال الدين بكل تضحياته لم يكن ليسلم من الطعن في شرفه (الشرف الذي أعنيه لا علاقة له بجسم المرأة بل بالقيم والمبادئ الأساسية للنبل).
وجمال هو المؤزم الأكبر في العالم الإسلامي في السنوات الخمسمئة الأخيرة. فبعد أن ضاقت عليه كابول لمطالبته بالإصلاح والديمقراطية، هرب إلى مصر، وهناك أسس المدارس والمعاهد، وحرض الشعب المصري على الثورة على الإنكليز، وقامت ثورة، ثم ضاقت عليه مصر، فهاجر إلى إيران بدعوة من الشاه، فأسس قواعد الحكم هناك، وطالب بالدستور والديمقراطية ومشاركة الشعب في الحكم، وطالب بتأميم الشركات الأوروبية وتنمية المواطن الإيراني، فضاق به الشاه وطرده، فحرّض جمال الإيرانيين على مقاطعة التبغ كي تخسر الشركة الأوروبية المحتكرة لهذه الصناعة، وخاطب أكبر رجال الدين، فصدرت فتوى بذلك، فامتنع الإيرانيون عن التدخين، فتدهورت الشركة، وتوقفت، وتم تأميمها، واغتيل الشاه على يد مجنون من مريدي “عالم الإسلام” صاحبنا جمال الدين.
وفي اسطنبول دعا جمال الدين الناس إلى المطالبة بدستور والقتال من أجل الديمقراطية، ووو، فقتله السلطان بالسم.
كان كلما أغرته السلطات بالمال ليسكت ويجامل، ازدادت حماسته للديمقراطية والدستور! وأجزم جزماً مغلظاً لو كان جمال كويتياً لاتُّهمَ بـ”القبض” من قطر، ومن رئيس وزرائها تحديداً، حمد بن جاسم.
هنا الكويت يا جمال فاعذرنا.

سامي النصف

غزو صدامي أم غزو عراقي؟!

  زميلان أقرأ لهما وأحترم آراءهما هما وليد الجاسم وم.غنيم الزعبي، كتبا بمناسبة ذكرى غزو 2/8/1990 مقالين مفادهما ان تلك الجريمة يجب الا تنسب لصدام وحده فهو لم يقدم علينا بمفرده بل ومعه مئات الآلاف من الجيش الرسمي والشعبي وأن جرائم القتل والقمع والسرقة وهتك الأعراض لم يقم بها صدام بذاته بل جنده وزبانيته.

***

«الغزو الصدامي» أم «الغزو العراقي» قضية مهمة جدا سنجتهد في طرح الرأي فيها آملين في حصد أجرين إن أصبنا وأجر إن أخطأنا، فمن جانب استخدام مصطلح الغزو العراقي يخشى ان يستخدم لبقاء العلاقة متوترة بين الشعبين الكويتي والعراقي في وقت نعلم فيه أنه لا مصلحة للكويت في بقاء علاقتها سيئة مع جار الشمال، خاصة مع التباين العددي الكبير بين البلدين وعدم القدرة على الاعتماد للأبد على قوى خارجية يمكن لها ان تنسحب بقرار تفرضه ظروفها الداخلية، كما انه ليس للعراق مصلحة في بقاء علاقاته متوترة مع الكويت كما اثبت التاريخ مرارا وتكرارا.

***

كذلك فإشكالية حصر الغزو في صدام والقول «بالغزو الصدامي» أمر غير مسبوق في العلاقات الدولية، حيث تتحمل الأمم والشعوب دائما نتائج ما يقوم به قادتها، وقد يخلق تحميل صدام فقط مسؤولية الغزو شعورا كاذبا بالظلم لدى الشعب العراقي تماما، كما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وأدى الى نشوب الحرب الكونية الثانية نتيجة لشعور الشعب الألماني بالظلم، ولم تستقر الأوضاع في اوروبا وتتوقف الحروب فيها إلا بعد ان اقر الشعب الألماني بمسؤوليته، يضاف الى ذلك ان المسؤولية الفردية للحروب تعطي الأمم الحق في غزو الجيران فإن انتهى الأمر بخير استفادت الأمة الغازية من خيرات الأمة المغزوة وان انتهى الغزو بالإخفاق يتم لوم القائد الذي قد يموت او يقتل او يختفي ومن ثم تتبرأ الأمة المعتدية من دفع ثمن عدوانها وفي ذلك تهديد للسلم العالمي.

***

لذا قد يكون حل الإشكال هو باعتماد مصطلح «الغزو الصدامي» لا العراقي في الكويت كي لا نورث علاقة متوترة مع الشعب العراقي مع معرفتنا بأن صدام لم يغزنا وحده وان هناك استحقاقا قانونيا وماليا على العراق جراء ذلك الغزو، كما يجب اعتماد مصطلح «الغزو العراقي» لا الصدامي في العراق كوسيلة للإقرار بالمسؤولية الجمعية للحدث، ومنعا للشعور الكاذب بالظلم وحرصا على العلاقة مع الكويت والجيران، والأهم منعا من تكراره تجاه الدول المجاورة مادام الأمر يشارك فيه الآلاف والملايين، فلا تحصر الملامة فيه في شخص واحد.

***

آخر محطة: الغريب أنه لا أحد يجرؤ في العراق الشقيق على القول إن غزو صدام الإجرامي لإيران يُسأل عنه صدام فقط.

حسن العيسى

أبناؤنا سيجنون حصادكم المر

لا يمكن وصف قرار الحكومة بالذهاب إلى المحكمة الدستورية بغير العنجهية والعناد السلطوي، وكان أولى للسلطة أن تبادر من ذاتها بقراءة الواقع السياسي والتغيرات التي تعصف بالمنطقة، والتي ترشح الكويت على أنها الأقرب لتحقيق “الإمارة الدستورية” أو الملكية الدستورية من بقية دول الملكيات العربية في منطقة الخليج، والمقصود بالملكية الدستورية تفعيل المادة السادسة من الدستور بأن الأمة مصدر السلطات كواقع حقيقي وليس كلاماً على الورق وجدلاً فارغاً بأن الكويت فعلاً إمارة دستورية… فعلى من نضحك…!
كان أولى للسلطة أن تستمع لصوت العقل وتغلق أبواب الأزمة السياسية منذ لحظة حكم المحكمة الدستورية ببطلان المجلس الأخير، وأن تأخذ خطاب أغلبية نواب ذلك المجلس على محمل الجد، رغم أن المواطنة الحقة القائمة على مبدأ المساواة واحترام كرامة البشر ترفض الطرح الديني المذهبي المتشنج للقوى النافذة من المجلس السابق، الذي قنن حالة قديمة من بداية الثمانينيات بإعادة خلق الدولة كمثلث للكآبة والملل وأرض خصبة للنعرات المذهبية، تغطيها سماء من الفشل الاقتصادي والفراغ الاجتماعي والسياسي، لكن ما العمل اليوم وقد أضحينا نجني حصاد الأمس المر الذي بذرته السلطة بقصر نظر. ومهما رفضنا ممارسات عدد من نواب الأغلبية اليوم حين ذروا الملح على الجرح الكويتي في المسألة الطائفية فإنه من الواجب أن نرفض قبل ذلك ما حدث من تصرفات سلطوية سابقة متخلفة في “دهان سير” بعض نواب مجلس ٢٠٠٩ مع ما رافقها من سياسة “الجيب المفتوح” من المال العام لإسكات الجمهور وتخدير وعيه السياسي وصرف نظره عما يحدث في الأمة العربية.
ليس هناك من يريد الخروج إلى ساحة الإرادة لممارسة اعتصام شعبي ضد قرار الإحالة إلى “الدستورية”، وليس هناك من يريد للدولة أن تغرق في قضايا هامشية ونتناسى الإجابة عن سؤال فحواه، ماذا خططنا لما بعد حقبة “البندروسا” النفطية؟، وهل استثمرنا بشكل صحيح في الإنسان أم في شراء ذمة هذا الإنسان؟! إلا أن السلطة هي الآن من تفتح الأبواب للتجمعات والاعتصامات حين “ركبت رأسها” واستمعت لنصائح “وعاظ السلاطين” بطرق أبواب المحكمة الدستورية كي تحدد المحكمة مفهوم “العدالة” في توزيع الدوائر الخمس! هل فكرت السلطة عام ٢٠٠٦ في العدالة حين شرع نظام الدوائر الخمس؟، وهل نظرت هذه السلطة في ميزان العدالة حين كانت الأغلبية في جيبها بمجلس ٢٠٠٩؟! سبحان الله… كيف خطرت العدالة على بالها اليوم وكانت بالأمس نسياً منسياً… سبحان مغير الأحوال… هي الأحوال التي تتغير برضانا ورغم أنوفنا، ومع ذلك مازالت السلطة والكثيرون منا للأسف يصرون على بقاء ما كان على ما كان… هم يعاندون قدر الزمن… والخاسر الكبير هم أبناؤنا في النهاية، أما نحن فلم يعد لدينا ما نرتجيه لا من السلطة الحاكمة ولا من يطرح نفسه كبديل عنها.

احمد الصراف

من أمستردام وإلى ماربيا 2-2

حطت بنا الطائرة في مطار ملقه Malaga قادمين من أمستردام، ومنها ذهبنا الى بيت صديق عزيز يقع على بعد بضعة أميال فقط من جبل طارق ومن السهول، التي دارت فيها أولى معارك المسلمين مع القوط Gothics. وهنا تتأمل الوجوه وتقارن عادات الأكل والتصرف والأخلاق ونبرة الكلام والثقافة واسماء المدن والثغور فتجد نفسك أقرب للمغرب منك لأوروبا، خاصة شمالها. كما تجد بونا واسعا، ولا يزال يتسع، مع ازدياد مشاكل اسبانيا، بين المنطقتين، فهنا لا يبدو أن أحدا على عجلة من أمره، وقد يكون هذا مقبولا لو لم تصاحب ذلك عادات الكسل وقلة النظام والمواعيد «الخرطي»، بحيث ترى ما لا تتوقع رؤيته في دولة «أوروبية»! وتشعر أنك لا تزال في بلادنا!
ومع هذا لا يزال الفرق بيننا وبين من استعمرناهم لـ 800 عام، يبلغ 800 سنة أخرى ولكن ضوئية! وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها الاسبان للتخلص من التركة الإسلامية، فإن الأثر الذي تركه هؤلاء خلفهم كان طاغيا، بحيث صعب تجاهله! كما ساهمت البرغماتية الغربية في دفعهم للحفاظ على الكثير من الآثار والأطلال، وحتى الأسماء العربية للمدن والملابس والمأكولات وغيرها.
ولو كنا مكانهم لكانت كل هذه «الروائع» اثرا بعد عين.
رد فعل الاسبان على الحكم الإسلامي تجده ظاهرا في العدد الكبير للكنائس، الذي يزيد نسبيا عن اي دولة اوروبية اخرى. وعلى الرغم من ليبرالية اسبانيا، التي يعيش فيها أكثر من مليون مسلم، غالبيتهم من شمال افريقيا والشرق الأوسط والبعض من جنوب شرق آسيا، إضافة الى أكثر من 20 ألف مسلم اسباني، إلا أنهم، كـ «متشددينا»، لا يميلون للتساهل في قضايا الحريات الدينية، وبالذات مع المسلمين!
وبالتالي لا نجد مثلا مساجد مرخصة رسميا في أنحاء كثيرة من اسبانيا، غير تلك التي بناها اثرياء أو ملوك عرب، والتي بنيت بنفوذهم، وليس برضا اصحاب البلاد!
ففي الوجدان الاسباني يمثل بناء مكان للعبادة مؤشرا على القوة، وإلى ما قام به المسلمون من تحويل الكنائس والأديرة الى مساجد، وبالتالي لا يريدون للتاريخ أن يتكرر. وفي تقرير لإذاعة الـ «بي بي سي» ورد فيه أن الأسباب الكامنة وراء رفض بلديات المدن الاسبانية السماح للجاليات المسلمة ببناء مساجد فيها، على الرغم من كبر عددهم، هو الخوف المتأصل في النفوس، وإلى الكثير من الممارسات الخاطئة للمسلمين فيها، إضافة الى تشددنا الديني مع الغير في بلداننا، وهنا مكمن المشكلة.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سعيد محمد سعيد

رمضانيات (4): الاحتقان الطائفي

 

أليس من العجب العجاب أن يـُظهر البعض خوفه وهلعه الشديدين من (الاحتقان الطائفي) في المجتمع البحريني، ويشتد عليه الوجد والألم وهو يزايد ويضاعف من عواقب ذلك (الاحتقان) المزعوم كمصيبة نازلة ما مثلها مصيبة… دون أن يطرح بعد كل تلك (الهستيريا الذميمة) تصوراته في شأن مسببات الاحتقان وكيفية التصدي له؟

أليس من المعيب والمنكر، أن يبالغ ذلك النفر في إظهار وجعه من الاحتقان الطائفي ويتناسى أنه كان ولا يزال طرفاً رئيسياً في إشعال نفوس «الطائفيين» ممن هم على شاكلته ليطول طابور جوقة (تجار الطائفية)، ويستعر أوارهم ونيرانهم التفكيكية كلما عمل المخصلون على إنهاء الأزمة في البلد؟ هل يعقل أن يركن أولئك إلى القول بأن الأزمة في البلد يمكن حلها، فيما الاحتقان الطائفي لا يمكن حله؟ حبذا لو ألقم ذلك النفر نفسه حجراً ليصمت ويصبح المجتمع البحريني بخير بعيداً عن تأجيجهم الطائفي المستمر.

قد تكون قائمة الأسئلة المشروعة طويلة! فمن الذي شجع وأوسع دائرة الطرح الطائفي في البلد على مستوى الإعلام؟ ومن الذي فتح المجال للخطب الطائفية التي استهدفت تفتيت علاقات أبناء الطائفتين في منابر تتحرك بالريموت كونترول؟ ومن الذي حول المعارض إلى خائن والموالي إلى صاحب وطنية وإخلاص بالمطلق؟ ومن الذي تعمد استهداف الضرب في (المعتقدات الدينية) وزجها زجاً مقصوداً لتصبح الوجه الآخر (للمواقف السياسية)؟ ومن الذي خصص الأموال لمجموعة من المتاجرين بحب الوطن المزعوم كذباً ليتقافزوا في وسائل الإعلام ويبثوا سمومهم دون أدنى إدراك بعواقب ذلك الخطاب الإجرامي في حق الوطن؟

نعم، قد تكون الأسئلة عديدة الأوجه، غير أن ما يهمنا هنا هو بروز ذلك النفر الذي لا يمكن أن يشعر بالراحة وهو يرى العلاقات بين أبناء الطائفتين طبيعية قائمة على المواطنة والتواصل والتفريق بين الموقف السياسي والانتماء المذهبي… وقائمة أيضاً على الأخوة الدينية التي يحاولون دائماً هدمها بأسطوانات بالية من قبيل:»هم أعداؤنا وليسوا أخوتنا… هم يشتمون الصحابة وأمهات المؤمنين… هم مجوس وأذناب للفرس… كيف نآخي من يريد قتلنا؟ لن نقبل بأن يكون في بلادنا طائفة مشركة يعبدون غير الله! وهكذا تتوالى فذلكات الساقطين أخلاقياً وفكرياً.

في مقال الأسبوع الماضي، أوردت نصاً أعجبني للروائي المصري علاء الأسواني تحت عنوان: «كيف تقضي على الثورة»، طرح فيه أفكاراً ساخرة لكيفية نجاح الحكومات المستبدة في القضاء على مطالب شعوبها، ومن بينها تلك النصيحة المفجعة: «اترك أحوال البلد تتدهور حتى تصل إلى الحضيض»، ويمكنني أن أضيف إلى ذلك الحضيض ما يسعى تجار الطائفية إلى نشره كسمٍ في المجتمع بإبقاء أكذوبة (الاحتقان الطائفي)… فهذا بالنسبة لهم (مسمار جحا)!

لكن، هل يمكن أن يبقى ما يسمى (احتقان طائفي) في مجتمع تسوده العدالة والمساواة والديمقراطية الحقيقية وضمان حقوق جميع المواطنين من كل الديانات والمذاهب؟ وهل هناك من مانع في أن تشارك التيارات السياسية في تحقيق مطالب الناس؟ هل يمكن، في ظل (افتراض) وجود تحولات إصلاحية حقيقية، أن يبقى مجال لتجار الطائفية حين ينقطع عنهم الدعم والمدد؟ العجيب، أن الروائي علاء الأسواني ينهي خطواته التهكمية بالقول: «(ملحوظة: خطرت لي فكرة هذا المقال وأنا أقرأ عن تاريخ الثورات في جمهورية جزر القمر، وبالتالي لا علاقة للمقال بما يحدث الآن فى مصر بتاتاً).. ويختم الأسواني بالقول: الديمقراطية هي الحل!

على أية حال، أود أن أطرح سؤالاً على مروجي أكذوبة (الاحتقان الطائفي) وهو: «ماذا يضيركم إن وضعت الحلول للأزمة في البلاد ونال الجميع حقوقهم وساد صوت العدالة والقانون على الجميع؟ ترى، من الذي سيبقى بعد ذلك في دائرة (الاحتقان الطائفي) غيركم؟

قد يسأل سائل: «لماذا تنكر الاحتقان الطائفي الذي نعيشه في بيتنا البحريني ويعرفه الجميع؟»، وأقول مكرراً: «نعم، هو احتقان قائم بين أهل الطائفية وتجارها ومروجوها وليس بين السواد الأعظم من أبناء البلد سنة وشيعة، إنما هم تجار الطائفية الذين يعشقون تدمير المجتمع من الداخل.. هم منزعجون كثيراً من عودة المياه إلى مجاريها بين الكثير من أبناء الطائفتين.. هم يموتون غيظاً من تعالي الأصوات المخلصة لترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية للجميع دون استثناء مذهبي أو سياسي.. هم يعلمون أن للناس عقولاً تميز بين الغث والسمين.. يدركون جيداً أن رواج تجارتهم مرهون ببقاء ممارسات الطأفنة وإخافة الناس من بعضهم البعض.. لهذا أجد الشيطان الرجيم عليه اللعنة مستغرباً من كونه واتباعه (مصفدين) في شهر رمضان المبارك، فيما شياطين الطائفية عندنا يمارسون طقوس «الاحتقان الطائفي».. فشكراً لأبناء البلد المخلصين الذين جعلوا شياطين الطائفية تحت طائلة المقولة الشعبية: «دودهو.. من دودهك.. من طقك».