سامي النصف

دماء على أرض الفيروز

ختمت مقالي الأخير الذي نشرته «المصري اليوم» بتاريخ 23/6/2012 والذي كان عنوانه «أيها السادة سيناء أمانة في أعناقكم»، بالقول إن الأطماع في سيناء قائمة على قدم وساق فالحكمة الحكمة فالثالثة ثابتة وقصدت بالثالثة ان تهيأ الظروف وردود الأفعال لاحتلال سيناء مرة ثالثة.

زرت خلال السنوات الخمس الماضية سيناء الساحرة عدة مرات وجلست مع شيوخ قبائلها وأطلعوني على الأنفاق التي تربط رفح بغزة والمباني التي تقام فوقها للتمويه والمكائن التي تشترى من تركيا للقيام بعمليات الحفر، وما يهرب عبر تلك الأنفاق.. كما زرت خلال تلك المدة قطاع غزة أثناء الحصار أكثر من مرة ضمن وفد إعلامي كويتي ولعدة أيام للزيارة الواحدة وجلسنا لساعات طوال مع القيادة السياسية هناك ممثلة بالدكتور اسماعيل هنية ومحمود الزهار وسعيد صيام واستمعنا منهم لشكاوى من المنظمات الإسلامية الفلسطينية غير المنضبطة التي كانت تقذف إسرائيل بما أسموه «صواريخ الألعاب النارية» دون عقل أو تروِ مما يسمح لإسرائيل بردود فعل تدميرية على القطاع.

وفي الطريق من وإلى غزة عبر العريش ورفح كنت أشاهد المركبات التي تحمل المؤن والأغذية والبضائع والوقود التي تهرّب عبر الأنفاق الى غزة وهي تمر على الحواجز الأمنية المصرية العديدة شمال سيناء دون ان يتم توقيفها رغم وضوح حقيقة ان حمولتها متجهة للأنفاق كونها تغلف عادة بالبلاستيك والنايلون الشفاف منعا لها من التلف وكنت أراها بعد ذلك في أسواق ومخازن غزة.

لقد قام صمود قطاع غزة بأكمله على ما يأتي لهم من غذاء ووقود مدعوم من مصر كونه يمثل بضائع رخيصة الثمن مقارنة بالبضائع الاسرائيلية، فليتر البنزين المصري يباع بشيكل بينما يباع ليتر البنزين الاسرائيلي بـ 6 شيكلات في بلد محدود الموارد والقدرات ويعاني أغلب مواطنيه من البطالة.

ان استخدام الأنفاق التي مكنت شعب القطاع من الصمود باتجاه معاكس من قبل المنظمات المتطرفة التي تشتكي منها حماس واسرائيل على حد سواء، وقيامهم بقتل جند مصر المذكورين في القرآن، صبرا وغدرا وهم يتناولون إفطارهم في رمضان المبارك عبر عملية إرهابية حمقاء يصعب فهم الفائدة منها، هي جريمة شنعاء وأفعال نكراء يجب ألا تمر دون عقاب بعد استكمال التحقيقات لا قبلها، مع ضرورة الحرص على عدم خلط الأوراق وتوزيع الاتهامات يمينا ويسارا، فلا مصلحة لحماس من تلك العملية، كما لا مصلحة لإسرائيل منها ولو خططت إسرائيل لها لما فضحت نفسها عبر تحذير مواطنيها قبل يومين من حدوثها.

في الختام، عودة للتحذير الذي أنهينا به مقالنا السابق في «المصري اليوم» وبدأنا به مقالنا الحالي، فهناك من يستغل الأحداث للدفع بطلب تعديل اتفاقية كامب ديفيد من طرف واحد وهو ما سيتيح الفرصة للطرف الآخر لإلغائها والتحلل من التزاماتها، ولا أرى مصلحة لمصر العزيزة في اعطاء الذرائع لإلغاء المعاهدة التي نجحت في وقف الحرب بين مصر واسرائيل لمدة 35 عاما بينما شهدت فترة الـ 25 عاما التي تلت قيام اسرائيل أربع حروب مدمرة بين البلدين هي: 56، 67، الاستنزاف، 73، فالحكمة الحكمة وحمى الله مصر وشعبها من شرور الفتن ما ظهر منها وما خفي.

احمد الصراف

تخاريف الربيع وهيكل

في مقابلة نشرتها الأهرام في يوليو الماضي، ذكر محمد حسنين هيكل أن ما يشهده العالم العربي اليوم ليس «ربيعا»، وانما «سايكس بيكو» جديد لتقسيمه وتقاسم موارده ومواقعه. وأن التقسيم سيكون ضمن 3 مشاريع، الأول: غربي، والثاني ايراني، والثالث تركي، فضلا عن نصف مشروع اسرائيلي لاجهاض القضية الفلسطينية! والحقيقة أن مثل هذا الكلام ردده هيكل ومعلقون «استراتيجيون» في كل مرة تنشب فيها حرب أو تشتعل ثورة او يحدث انقلاب! فعندما نشبت حرب الخليج الأولى بين ايران وصدام العراق، والحرب الثانية بين صدام وأميركا، ارتفعت اصوات هؤلاء محذرة من أن العراق سيقسم حتما، على الأقل لثلاث دول! وتكرر «الهرج» نفسه عندما بدأت الثورة الليبية، وكيف أن القوى الغربية، التي تساند الثوار، تهدف لتقسيمها لولايات! ويعود الحديث نفسه للتكرار الآن مع الثورة في سوريا، وأنها ستقسم حتما لدول عدة، احداها علوية! وقد تكرر هذا الحديث إلى درجة أنني كلما نويت شراء خريطة حائط أؤجل القرار لحين الانتهاء من تقسيم المنطقة بصورة نهائية، وشراء واحدة جديدة، ويبدو أنني سأنتظر لبعض الوقت قبل تحقيق شيء! ويقول هيكل ان سبب هذا الثورات هو تأديب المواقع، أو الدول، العصية، أو تأديبها واستعادتها لـ «حضن الغرب»، وكل ذلك تمهيدا لفصل جديد في شرق أوسط يعاد تخطيطه وترتيبه وتأمينه، حتى لا يفلت مرة أخرى، كما حدث عندما بدأ رواد العرب حلم مشروعهم القومي، الذي تبدى لسنوات كأنه هو شكل المستقبل! وهذا منطق ساذج فذلك الحلم، والذي لم يكن أكثر من حلم، الذي يتكلم عليه هيكل تهاوى كعلبة كرتون فارغة عند أول اختبار قوة مع اسرائيل، وبالتالي كان مشروعا فارغ المحتوى، ولم يكن يوما مصدر قلق لأحد اصلا غير شعوبها! وهنا من حقنا القول ان الربيع العربي، بصرف النظر عن صحة التسمية أو ما تمخض عنه حتى الآن، كان ولا يزال في مجمله، حركة أو ثورة صحية طال انتظارها، وكانت مستحقة منذ عقود، فالواقع ان كل الأنظمة العربية، من سقط منها ومن بقي، كانت ولاتزال تشكو من اختلالات سياسية واقتصادية وأخلاقية رهيبة، لا يمكن أن تبقى كما هي لمجرد أن المنطقة معرضة للتقسيم ولنهب ثرواتها، وكأن شعوب هذه الدول كانت تعرف أصلا ما تعنيه كلمة «ثروة»، فقد نهب بن علي والقذافي ومبارك وصالح وبطاناتهم ثروات شعوبهم وفشلوا، بقسوة مخيفة، في تحقيق شيء لهم، كما أهانوا كراماتهم لعقود طويلة، ولا يمكن قبول منطق أن ما سيأتي بعدهم سيكون أكثر سوءا، أو التخويف بالبعبع الديني، فالتغيرات الجديدة التي عمت العالم العربي، والتي وصلت تأثيراتها حتى إلى اسرائيل، لا يمكن أن تسمح، في مجملها، بالعودة إلى الوراء، فالشعوب تنفست الحرية وعرفت كيف تحصل على حقوقها! والغريب أيضا تباكي هيكل على ليبيا، وكيف خسرها العرب، وذهبت لقمة سائغة لدول الغرب، وكيف ان الذين لايزالون يقاومون حكومتها بالسلاح، هم وطنيون يدافعون عن أرض ليبيا ومصالحها القومية، وليس عن نظام القذافي!
لا شك في أن الخير قادم، وان ببطء، وهذا ما كان ليحدث لولا الربيع العربي!

ملاحظة: إجابة لغز اينشتاين، هو الالماني، ساكن البيت الاخضر، الذي يدخن سجائر برنس، ويشرب القهوة ولديه سمك!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com