بصرف النظر عما إذا كان “تويت” سب قبيلة المطير والبدون وغيرهم من أهل الكويت، الذين عدهم “من اللفو والهيلق” بعبارة “التويت” المقرفة، موثوقاً بنسبتها للنائب السابق محمد جويهل، أم مختلقة ومنسوبة إليه كما يقول في دفاعه، فليس هذا ما يعنينا، فالإساءة للمطران أو أي قبيلة أو عائلة أو طائفة أو أي جماعة أخرى، وكل إنسان يعيش في الكويت حمل الجنسية أو حمل شقاء عمله في الوطن، “قد” يشكل جريمة حسب قانون الجزاء، أو لا يكون جريمة، وهي مسألة ليست من شأن أحد غير سلطة القضاء في النهاية، وليس لنا أن نصادر اختصاصها مهما كان عمق جرح مشاعرنا وإحساسنا بتفاهة وحقارة من سطر عبارات البؤس السالفة.
همنا الثقيل، ليس الجويهل أو غيره الذين يرتدون “جلباب” الأصالة الحضرية، وأبناء البحر ويرفضون الآخرين، والآخرون اليوم هم أبناء القبائل، وكانوا الشيعة بالأمس وحتى اليوم، أو البدون المبتلين في حياتهم وكراماتهم، وقد يكونون البياسر (كلمة أخذت تزول اليوم ليحل محلها استقطاب الحضر والبدو) أي من غير أبناء القبائل الكبيرة، فهذا الإناء الكويتي اليوم وينضح بما فيه.
همنا هو تلك العقلية الخائبة المؤمنة بحكمة “فرق تسد”، فما قيل بالأمس ويقال اليوم، وقبل “تويت” الكراهية العنصرية المتعالي، إن الجويهل، الذي لم ينزل بصدفة السماء لعالم السياسة وأسن سياسات الجهل بالدولة، ولم يفز في الانتخابات الماضية ببركة وعي وثقافة الثمانية آلاف ناخب فقط (لست متأكداً من عددهم) حين وجدوا (الناخبون) فيه رداً معنوياً لاعتبارهم المنسي، هذا لا يعني أن بقية الناخبين الذين تحلقوا حول القبيلة للحماية ولتعزيز السلطة المتشظية، أو تحلقوا حول الجماعات الدينية المتزمتة، هم أفضل من الثمانية آلاف الذين صوتوا لـ”لوبن” الكويتي، فالحال من بعضه، وإنما هو ومن على شاكلته يمثلون حلقة واحدة من حلقات متصلة لمخطط جهنمي يحيك شباكه أناس كبار في السلطة، يفتت الديرة كي يبقوا وحدهم المهيمنين على الدولة ومقدراتها.
الظاهرة الجويهلية، كما كتبت قبل أشهر، ليست مرتبطة بالجويهل ذاته، هو يعبر فقط بكل فظاظة عنها وعن خوائها وخواء وسخف حياتنا السياسية والاجتماعية. كم أتمنى أن ما يشاع اليوم ليس صحيحاً من أن أفراداً من سلطة الحكم تروج للجويهلية وتنفخ بنفس لا ينقطع على نارها، متوهمة أن هذه وسيلتها كي يكون كلامها مسموعاً، وأن هذا مذهبها القائل إنه “لولانا لتقاتلتم”، فاعرفوا حدودكم يا أهل الكويت إن كنتم لا تعرفون مقامنا، وقد يريد هؤلاء، سواء كانوا من المحرضين على الفتن أو الطامعين في الحكم، استعراض قدراتهم على كبارهم في السلطة، حين شخصوا الحكم على أنه غنيمة يستحقها الأمكر والأذكى… وفي ذلك يتم اختزال الدولة في سلطة الحكم لا أكثر، وتقفل الأمور على استبداد آخر بوجه جديد.
لنحذر… فما يهدد هذه الدولة الصغيرة ليست قوى الخارج، وإنما هو الداخل بالأمعاء المنهكة وهو الداء الجويهلي.
اليوم: 2 أغسطس، 2012
عندما يفتقد البدر
تنفس الكثيرون الصعداء عندما اجبر المرض اللعين الفريق المتقاعد محمد البدر على ترك مهمته لغيره كرئيس للجنة إزالة التعديات على أملاك الدولة، فقد كان الرجل بالمرصاد لمخالفات اقترفها الكثيرون على مدى عقود عدة، وعلى رأسهم شيوخ ووزراء واعضاء مجلس أمة ومتنفذون في البلدي وغيره! وقد نجح في إزالة عشرات آلاف المخالفات الخطيرة، وواجه في عمله معارضة شديدة من اصحاب النفوذ، ولكن قوة شكيمته ونظافة يده واستقامته أجبرت السلطة على مساندته والوقوف معه في كل معاركة التي ربما ربح غالبيتها، حسب الظاهر.
ثم جاء الخبر الثاني المفرح لهؤلاء المعتدين، وذلك عندما ورد في الصحف عن وقف لجنة إزالة التعديات لأعمالها حتى شهر أكتوبر المقبل، فقد شعر هؤلاء بأن هذه بداية نهاية أعمال اللجنة، وأن التسيب والنهب والتعدي على أملاك الدولة سيعود كالسابق! ومن الآن وحتى أكتوبر، وإلى أن تفعّل اللجنة أعمالها، أو تعين من يمتلك قدرات ومقومات الفريق البدر، فإن مياها كثيرة ستمر تحت جسر المخالفات و…التنهدات الكويتي!
الطريف أو المبكي في الموضوع ما تضمنه الخبر من أن لجنة الإزالة قامت بتعيين «شخص واحد»، فقط لا غير لمراقبة (وغير معروف ما يعنيه ذلك) مخالفات المناطق السكنية، وتعيين «فرد» آخر لمراقبة المناطق البرية! وهذا يعني أن كل واحد من هذين المراقبين سيكون مسؤولا عن مراقبة ما يجري على مساحة خمسة آلاف كيلومتر مربع! فهل يعقل ذلك؟ كما أن القرار بين أن المناطق الصناعية والبحرية لن تكون مشمولة بالمراقبة، أيا كان نوع هذه المراقبة! وهي بالتالي دعوة صريحة للمخالفين للشروع في مخالفاتهم. ونقول للسيد المراقب للمناطق البرية، إن كان لا يزال يقوم بعمله الخرافي، أن ما سيراقبه ويدونه في سجلاته من مخالفات لن يساوي قيمة الورق الذي دونت عليه التقارير! كما لا أعلم سبب إعلان اللجنة عن وقف أعمالها، فقد كان بإمكانها القيام بذلك.. من دون ضجة أصلا! كما أن تسيب الوضع في المناطق البرية، والرعوية بالذات، مستمر من دون توقف، ولا نعرف لم السكوت عن ذلك، فمن الآن وحتى نهاية أكتوبر تكون بعارين، وحلال الجيران، قد قضت على الأخضر واليابس في البر الكويتي وخاصة داخل المحميات.
أحمد الصراف