قضيت الليل أشاهد مقاطع فيديو لبعض جلسات البرلمان المصري، وهالني ما رأيت…
دع عنك صراخ رئيس البرلمان، رجل “الإخوان” المعتق د. سعد الكتاتني وتكراره جملة “أنا رئيس المجلس وأعرف كيف أدير الجلسة”، رغم أن الوضع لا يدل على ذلك البتة بتاتاً، فلا هو سيطر على الجلسات ولا هو توقف عن ترديد جملة “أنا الرئيس”.
أقول: دع عنك هذا، وتعال معي نشاهد كيف تتعامل الأغلبية المتدينة هناك مع الأقلية، لتتأكد أنك أمام منظر مرعب، سواء في التعامل مع الأقلية أو حتى مع الوزراء (شاهد طريقة تعاملهم مع وزير التموين الدكتور جودت واحسب كمية صراخهم).
شاهد هذا ثم تعال معي نقارن الوضع هناك بالوضع هنا، فكما أن هناك أغلبية جاء بها الربيع إلى البرلمان، قبل أن تسقطه المحكمة الدستورية، هنا أيضاً جاء الربيع بأغلبية سيطرت على البرلمان، قبل أن تسقطه المحكمة الدستورية، لكن الفرق هو في التعامل مع الأقلية، سواء من جهة الأغلبية أو من جهة الرئيس.
وكلنا نتذكر صراخ النائب الباصق محمد جويهل على الرئيس السعدون، وسخريته من عيونه وطريقة كلامه، ومع ذا كان الرئيس السعدون صامتاً يتلقى السباب دون أن يمنعه ذلك من الانتصار للنائب الباصق ضد وزير الداخلية، في مشهد لا أظنه يتكرر في أيّ من برلمانات العالم.
صدقاً لا حمية، أرى أن أغلبية برلماننا (السابقة واللاحقة إن شاء الله) ورئيسه أكثر ديمقراطية في التعامل مع الأقلية رغم سوئها، ويظهر ذلك بجلاء إذا ما وضعنا صورتي الأغلبيتين، المصرية والكويتية، والرئيسين، جنباً إلى جنب وحرصنا على إظهار الفوارق بينهما.
القمع هناك، أقصد قمع الرأي والصوت، قمعٌ واثق الخطى، بالشمع الأحمر، أما هنا فلا قمع ولا شمع، واليوتيوب بيننا وبينكم.
الشهر: يوليو 2012
التصويت على الدائرة والحزبية والحكومة الشعبية.. والحرب الأهلية!
إعلان بعض الساسة انهم سينزلون بقوائم موحدة امر جيد حيث سيعرف الناخب الكويتي على ماذا سيصوت خاصة اننا نعيش مرحلة حرجة سياسيا واقتصاديا وامنيا، وعليه فعلى وسائل الاعلام في الانتخابات القادمة تذكير الشعب الكويتي بأن هناك تكتلات يعني التصويت لمنضويها التصويت للدائرة الواحدة والحزبية والحكومة الشعبية ولربما لبدء اشعال الحرب الاهلية علما بأن الداعين للشرور الثلاثة بعضهم في الاكثرية وبعضهم في الاقلية، والرافضون لتلك الشرور الماحقة بعضهم في الأكثرية وبعضهم في الاقلية.
***
لذا فإن كنت تؤيد خلق حياة حزبية في الكويت ستكون مطابقة عقلا ومنطقا للحياة الحزبية في لبنان والصومال والعراق واليمن وغيرها من دول المنطقة ولن تكون بالطبع مقاربة لتجربة سويسرا والدول الاسكندنافية فاختر من يدعو لذلك الخيار الذي سيقنن ويمنح صك الشرعية لكل التخندقات والممارسات الخاطئة من فئوية وقبلية وطائفية ومن ثم ستبقى للابد تحت مسمى الاحزاب المختلفة وستقودنا تلك الاحزاب الى ما قادت اليه الاشقاء العرب من دمار وحروب اهلية حتى تحولت من دول الى غابات قتل ونحر!
***
وان كنت تؤيد الحكومة الشعبية والملكية الدستورية التي جربت – للعلم – في الملكيات العربية فلم تخلق حياة سياسية مستقرة قط، حيث كان معدل عمر الوزارات في العراق الملكي كما يذكر المؤرخ عبدالرزاق الحسني في كتابه «تاريخ الوزارات العراقية» لا يزيد عن 6 اشهر رغم ان جميع تلك الحكومات كانت تملك اغلبية حزبية في البرلمان الا ان العراقيين حالهم حال الكويتيين كما اثبتت التجربة مرارا وتكرارا لا يستقر لهم حال ويبدلون تحالفاتهم مع كل صباح ومساء، وقد نتج عن الوزارات الشعبية في الكويت اي التي تقلدها الوزراء النواب المحللون، ومثلهم الحكومات الشعبية في اوطاننا العربية كارثة «الاستباحة» حيث لم يعد احد يأمن على وظيفته ومصدر رزقه، فمع وصول الحزب الكويتي الذي سيشكل الحكومة سيبدأ بتكريم منضويه وداعميه بالمناصب والترقيات ظالما وطاردا من لا ينتمي إليه من الموظفين. ومن طرائف الحكومات الحزبية والشعبية العربية ان مصطفى النحاس باشا في آخر وزارة له تقلد منصب رئيس الوزراء ورئيس ديوان الموظفين لزوم مكافأة الاتباع والمناصرين على حساب الآخرين فإن كنت تريد ان تقتدي الكويت بمثل تلك التجارب المريرة فصوت للكتل التي تدعو لها وتذكر قبل ذلك ان الاسر الحاكمة الخليجية هي عوامل استقرار في بلداننا وتقف على مسافة واحدة من جميع الفئات والشرائح بعكس الآخرين.
***
كذلك ان كنت تعتقد ان بعض ساستنا اكثر فهما وذكاء وحكمة وعقلا من ساسة الغرب والشرق ودول مثل الولايات المتحدة والمانيا واليابان وبريطانيا وباقي دول العالم قاطبة (عدا اسرائيل) التي تأخذ بمبدأ «تعدد الدوائر» كوسيلة لضمان تمثيل عادل لجميع شرائح المجتمع السياسي والاجتماعي والفكري فانتخب من يدعو من ساستنا للتحول الى الدائرة الواحدة التي قد تجر – وحدها – المجتمع الكويتي إلى شفا حرب اهلية عندما تطغى توجهات سياسية على توجهات سياسية، وطوائف على طوائف وفئات على فئات وتستباح موارد الدولة وميزانيتها العامة من قبل التحالف الفائز وتشعر مجاميع بأكملها بأنها اصبحت خارج كعكعة الدولة ضمن مجتمع لا تسامح ولا مغفرة فيه، ويكفي ان تمد نظرك الى ما يحدث على بعد امتار قليلة من حدودنا الشمالية ثم قرر كيف ستصوت.
الرد على الخازن
كتب الزميل جهاد الخازن مقالا في «الحياة» يوم الخميس، سرد فيه وضع الكثير من الدول العربية وما يجري فيها من قتل ودمار وتخريب، وما تواجهه غيرها من مشاكل بيئية واقتصادية وبشرية لا حصر ولا حل لها، ووجه اللوم للكويتيين لعدم رضاهم عن أوضاعهم، وانهم يكثرون من توجيه التهديدات والتهم لبعضهم، وأن لا أحد منهم يود رؤية حقيقة أن كل دولة عربية لها مشاكل يصعب حلّها، إن لم يستحل ذلك، وأن الكويت هي الاستثناء، ومع كل ذلك يختار الكويتيون أن ينكدوا عيشهم بأيديهم، وان عليهم القبول بالوضع، وان يسافروا وينبسطوا ويصوموا رمضان (!). الغريب أن المقال وجد تجاوبا كبيرا، خاصة على الإنترنت، ومن يقرأه بعجالة يجد أن مع الكاتب الحق في ما ذكره، وان على الكويتيين القبول بأوضاعهم وان يحمدوا ربهم ويذهبوا ليهنأوا بعيشهم! ولكن بالتمعن قليلا في المقال نجده يروّج لفكرة أن أوضاعنا، بفضل حكوماتنا، هي الأفضل، وانه ليس بالإمكان افضل مما كان! وهو هنا لا شك يقارن وضع الكويت بما يجري في سوريا والعراق ومصر وليبيا، ولا يقارنها بالتي أفضل منها كماليزيا وتركيا والسويد، وبالتالي علينا أن نسكت ونستمتع بحياتنا، لأن حكومتنا أفضل من غيرها، وسلطتنا أعدل ما يمكن الحصول عليه، وأوضاعنا جميلة، وخزائننا ممتلئة بالأموال ورواتبنا جيدة وبترولنا تتنافس الدول على شرائه، وبالتالي، لمَ الاحتجاج؟ وما موجب رفع سقف المطالب؟! فيكفي أننا نجد دائما شيئا نأكله وجنسا نمارسه، وتجولا نقوم به، وكل عام والجميع بخير. ولكن يا سيد جهاد، ماذا عن حقوق المرأة المُهدَرة؟ ماذا عن آلاف الطلبة الذين كدستهم حكوماتنا في صفوف مكتظة؟ وماذا عن تدهور التعليم وانتشار الفساد الإداري والرشى وسرقات المناقصات؟ وماذا عن نقص الجامعات الرهيب؟ وماذا عن الزيادات الهائلة في رواتب الموظفين، التي أكلها الغلاء، والتي دفعت لشراء الولاءات وإسكات المطالبات، التي اختفى مفعولها بعد ساعات؟ ماذا عن انقطاع الكهرباء وتأخر تنفيذ مشاريع حيوية يحتاجها المواطن؟ ماذا عن مشاكل المرور التي يذهب ضحيتها المئات سنويا من دون سبب؟ ماذا عن الكوارث البيئية والجرائم التي ارتكبت في حق الوطن والمواطن، والتي لم توجه التهم حتى لفرد على ارتكابها؟ ماذا عن مشكلة «البدون» التي خلقتها السلطة وعجزت عن وضع حل لها حتى الآن؟ جميل أن تكتب مقالك يا عزيزي جهاد وتقارن اوضاعنا بغيرنا، ولكن عليك أن تتذكر انه ليس بالخبز وحده، ولا حتى بالجاتوه، يحيا الإنسان! فسقف مطالب إنسان القرن الــ 21 لا تقتصر على توفير الخبز، بل تتضمن أيضا عودة الليبرالية التي طالما اشتهرت بها الكويت، ودستورها شبه العلماني خير شاهد، وتطالب بوقف التضييق على الحريات، ووقف مطالب قوى الظلام، التي تكسب أرضا جديدة كل يوم، ولن يكون هناك مكان لغير رأيها قريبا، وقانون قتل من يتعرّض للرسول وزوجاته، ولو سرا وهمسا، خير مثال، وهكذا! وبعد كل ذلك تريدنا أن نسافر وننبسط ونصوم رمضان؟ وهذا طبعا يفترض أن الجميع قادرون على السفر، أو أن الكل مطمئن على مستقبل ابنائه وأحفاده، وهذا غير صحيح في ظل كل هذا الخراب الذي نعيشه، فالخبراء يقولون ان حكومتنا، التي أطنبت في مدحها، ستعجز قريبا عن دفع رواتب موظفي الدولة، دع عنك توفير بقية مطالب وحاجات الأمة، إن استمرت اسعار النفط في الانخفاض، فما الذي ستقوله في حينها؟!
شكرا للفت نظرنا لأوضاعنا، وللسعادة التي نعيشها، وأتمنى أن يبقى قلمك حرا وبعيدا عن المدح الزائف، فمن السذاجة الا ترى في الكويت غير تلك الصورة النمطية المتمثلة بملايين دولارات النفط التي تصب في جيوب المواطنين، وتجعلهم الشعب الأكثر «سعادة» و«ثراء»، وبالتالي عليه أن «يسكر نيعه» ويسكت عن التجاوزات والسرقات وانتهاك الحريات، وأن يصوم بعدها رمضان!
أحمد الصراف
اليسار يغير جلده
لوحظ منذ اكثر من عقد من الزمان ان التيار اليساري الكويتي، والذي يمثله المنبر الديموقراطي الكويتي، بدأ في تغيير جلده، فمن اقصى المعارضة ضد الحكومة والنظام في الستينات والسبعينات الى عقد الصفقات والتحالفات مع الحكومة في مطلع القرن الجديد، ولعل مقال الدكتور الخطيب في صفحة القبس الاولى في الاسبوع الماضي عندما طالب ما يسمى مجلس القبيضة (مجلس 2009) بالانعقاد لأكثر من جلسة وإصدار قوانين مهمة مثل قانون نزاهة الانتخابات، وحرص الرمز اليساري على الا يتم حل المجلس الا بعد ان يصدر هذه القوانين، اقول هذا المقال تأكيدا لاستمرار هذا التيار في تبني خط مخالف لكل المواقف والثوابت الوطنية التي كان الدكتور يقاتل من اجلها منذ الستينات من القرن الماضي!
ثم جاء اجتماع ديوان الصقر، والذي حدد فيه هذا التيار خطه ومنهجه بكل وضوح، وهو التنسيق مع التحالف الوطني الديموقراطي، وكلنا يعرف مبادئ هذا التحالف الذي يمثل المصالح التجارية لبعض العوائل الكويتية الكريمة ومآسي تلزمه ذلك من مراعاة التوجهات الحكومية ومصالح مكوناتها الاجتماعية وما أدى ذلك الى تحالفات صريحة بين التيارات الشيعية على اختلافها والتيار الوطني في مجلس الامة والمحسوب على التحالف والمنبر عندما كانت هذه التيارات «خوش بوش» مع الحكومة وتوجهاتها ايام حكومات سمو الشيخ ناصر المحمد.
واستمرارا لهذه المتغيرات الأيديولوجية والفكرية والمنهجية لدى رموز اليسار الكويتي ومؤسساته، دأب مفكروه ومنظروه بانتهاج هذا الخط الجديد منذ سنوات عدة، ولعل المتابع لكتابات احد هؤلاء المنظرين وهو الكاتب الكبير والزميل عبداللطيف الدعيج وانتقاده المستمر لخط المعارضة السياسية الكويتية ومدحه المتكرر لبعض المواقف الحكومية المناوئة لهذه المعارضة، يلاحظ ذلك!
هذا المقال ليس انتقاصا لليسار الكويتي فالتغيير ليس عيبا ولا نقصا بل هو شكل من اشكال التطوير في العمل ومجاراة الواقع ومتغيراته، خاصة اذا تبين ان بعض أفكار التيار اصبحت بالية او ان بعض مبادئه لم تعد قادرة على الصمود في وجه التطور الطبيعي للحياة مما حدا بالتيار الى تغيير كبير ولو أدى الى تغيير الجلد..!
ما أتمناه ألا نسمع من منابر هذا التيار من يكرر أمجادا كلنا يعلم انها اصبحت اطلالا في تاريخه ولم يعد لها وجود!
***
• يعجبني جاسم القطامي عليه رحمة الله، عاش ومات على المبدأ نفسه من دون ان يغير جلده…!! ويذكرني بالعم عبدالله العلي المطوع عليه رحمة الله الذي عاش ومات من اجل مبدئه…. أولئك رموز دخلت التاريخ من أوسع أبوابه فهل من مدكر؟
من أقوال الرئيس المخلوع
في الغالب، وكما جرت عليه العادة، تتصدر أقوال الرؤساء، كل وسائل الإعلام ولافتات الميادين ومقدمات الكتب والكتيبات والمطبوعات… وتطل في حركات (فلاشية) على شاشات التلفزيونات الرسمية… بل وربما كتبت على الساعات الفاخرة وزجاج السيارات الخلفي وربما الأمامي… وقد تجدها حاضرة دائماً في مقالات بعض الكتاب وهكذا.
قد تبقى تلك الأقوال بعد موت موتاً طبيعياً لكنها سرعان ما تختفي، وتختفي بوتيرة أسرع من كل مكان… كل مكان… حين يسقط بثورة أو يتنحى أو يقع بين أيدي الثوار، إلا أن الذي يبقى منها هو تلك الأقوال التي صاغ فيها المخلوع ومستشاروه واعلامه خطابات وكلمات فيها استسخفاف واهانة لشعبه، أو تحوي بشكل متعمد إهانة معارضيه واغاظة شعبه بالشتائم والأوصاف الكريهة التي تشبهه.
لو أجرينا رصداً مختصراً لأمثلة من تلك الأقوال التي قالتها مجموعة من المخلوعين: التونسي زين العابدين بن علي، المصري محمد حسني مبارك، الليبي معمر القذافي واليمني علي عبدالله صالح، سنجد بعضها يشبه الآخر من ناحية (اللسان الدكتاتوري) وقوة الاستبداد والتعنت! فيما لا تخلو من بذاءة اللسان حيناً والخداع احياناً أخرى.
* زين العابدين بن علي: أكلمكم الآن لأن الوضع يفرض تغييراً عميقاً… نعم تغييراً عميقاً وشاملاً… وأنا فهمتكم… اي نعم أنا فهمتكم… فهمت الجميع… البطال والمحتاج والسياسي والذي يطالب بمزيد من الحريات… فهمت الكل، لكن الأحداث الجارية اليوم (مهيش بتاعنا) والتخريب ليست من عادات التونسي المتحضر… التونسي المتسامح: المخلوع تأخر في فهم شعبه (أي نعم تأخر)، من السياسي الى البطال، فيما تبين أن الرجل لا هو سياسي ولا هو مطالب بمزيد من الحريات… بل هو البطال فعلاً.
* حزني وألمي كبيران لأنني قضيت 50 سنة في خدمة تونس: مرد حزن المخلوع أنه قضى 50 عاماً في حرمان الشعب التونسي من حقوقه الأساسية في الحياة، ولهذا فإن الحزن والألم يصبحان كبيرين فعلاً حين يجد المخلوع أن شعبه لا يحبه اطلاقاً، وما العقود الخمسة من الحكم الا فجيعة تراكمت لحكم استبدادي آن له أن يسقط.
* اصبحنا خائفين عليهم من عنف مجموعات سطو ونهب واعتداء على الأشخاص (هذا اجرام موش احتجاج وهذا حرام): كل من يقف مخالفاً أو معارضاً للمخلوع أو من هم على شاكلته يصبحون مجموعات سطو ونهب وارهاب واجرام، وفي لحظة، يصبح المخلوع هو المفتي يحلل ويحرم كما يشاء.
مقبور ليبيا… ملك ملوك افريقيا معمر القذافي ايضاً فهم شعبه حين قال: «انا فهمتكم، ولم أكن أنوي الترشح لفترةٍ رئاسيةٍ جديدة»… لكنه لم يفهم شعبه ولم يعرفهم حين وصفهم بالجرذان، وأنه سيلاحقهم: «شبر شبر، بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة، فرد فرد»… مع أن الخداع لم يكن مخفياً في كلامه: «لقد وجهنا الحكومة لتلبية كل طلبات الشباب».
* لا امتلك أي سلطة سياسية أو إدارية، أنا وضباط آخرون حررنا ليبيا وسلمنا السلطة للشعب منذ عام 1977: ولعل الشعب الليبي هو الذي أدرك أن السلطة ليست له، بل لملك الملوك الذي ابقاهم طيلة أربعين عاماً في رعب لا يوصف.
هناك قائمة لطيفة من أقوال المقبور القذافي ستبقى خالدة على ما أظن، لأنها أسعدت الشعوب العربية، وغير العربية، لما فيها من حكم ودرر لا تقدر قيمتها:
* للمرأة حق الترشح سواء كانت ذكراً أم أنثى: طبعاً طبعاً… فلا علاقة للمقبور بالجندر (الفروق بين الرجل والمرأة)، فعند المقبور الرجال نساء والنساء رجال، وحين يقول: «أيها الشعب، لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام»، وليس في ذلك ما هو غريب… يستطيع الشعب تشغيل التلفزيون باسطوانة غاز! وهو «ليس دكتاتوراً لاغلق الفيس بوك… لكنني سأعتقل من يدخل عليه»… ومن قال ان في ذلك دكتاتورية يا ملك الملوك؟ وأكبر دليل على عدم دكتاتوريته: «تظاهروا كما تشاءون ولكن لا تخرجوا الى الشوارع والميادين»… جميل جداً، لا بأس في اعتصام أو مظاهرة في الخيمة! ولذلك هو: «سأظل في ليبيا الى أن أموت أو يوافيني الأجل»… تبارك الرحمن، درر… حقاً درر! أما الموت، اذا كنت رجلاً يجب أن تدفعه، واذا كنت امرأة يجب أن تستسلم له! وكانت النهاية في انبوب مجارٍ.
مخلوع مصر محمد حسني مبارك تعهد أيضاً: «بعدم الترشح لولاية رئاسية جديدة، والتزم بإدخال اصلاحات جذرية على الدستور لتوسيع قاعدة المعارضة، وأرفض الإذعان لمطالب المحتجين وبعض القوى السياسية بالرحيل الفوري من الحكم»… لكنه اليوم في أشد حالات الانكسار وشعبه يحاكمه على جرائمه رغم أنه قال يوماً: «سأعمل لفترة الشهور القليلة التي تبقت من ولايتي على الحفاظ على الاستقرار وذلك تمهيدا لنقل سلس للسلطة»… تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن يا بوجمال وعلاء.
* «هذا عهدي الى الشعب خلال ما تبقى من ولايتي كي اختتمها بما يرضي الله والوطن وابناءه»… لاشك في أن المخلوع كان يخاف الله كثيراً، ويسعى للعمل بما يرضي الله، وربما اعتقد بأن معركة الجمل وقتل المتظاهرين في ماسبيرو وفي كل محافظات مصر شكل من أشكال العمل لنيل رضا الله… استغفر الله.
ولم يتهم اليمني المخلوع (علي عبدالله صالح) النساء المشاركات في الساحات في عفتهن فحسب… أو يصف الشعب اليمني في حراكه وساحاته بأنهم (بلطجية) مستأجرون معروف من يؤجرونهم، أو يكرر بأن الاحتجاجات وراءها اميركا واسرائيل وكأنه لم يكن (good boy) للأميركان… بل كانت له أقواله التي لم تختلف كثيراً عن سابقيه من ناحية (احتقار) الشعب والإساءة الى كل مكوناته، فم ن قائمة أقواله هذه الأمثلة:
* في 11 شهرا قطعت الطرقات والشوارع وانقطع التيار الكهربائي وفجر أنبوب النفط، هذه ثورة الشباب التي سرقها من سرقها: لكن المخلوع لم يتمكن من تقديم دليل على (من سرق) ولا على كيفيته في منع السرقة والاستجابة لمطالب الشعب اليمني.
* مساكين الشباب 11 شهرا في الاعتصامات، فيا شباب ارجعوا إلى مساكنكم، عودوا إلى بيوتكم، عودوا إلى أسركم أنا أشفق عليكم وأدعوكم للعودة إلى مساكنكم وتبدأون صفحة جديدة مع القيادة الجديدة (يقصد قيادة عبدربه منصور هادي): لم يشفق عليهم حين قتل منهم من قتل وقصف منهم من قصف في الساحات، واصبح مشفقاً لا يتحمل رؤية جيل جديد من الشباب لا يقبل الانتهازية والاستبداد.
* أخيراً، أطلب العفو من كل أبناء وطني رجالاً ونساءً عن أي تقصير حدث أثناء فترة ولايتي 33 سنة، واطلب المسامحة وأقدم الاعتذار لكل المواطنين اليمنيين واليمنيات، وعلينا الآن أن نهتم بشهدائنا وجرحانا: لو طلب المخلوع العفو عن التقصير حال انطلاق الاحتجاجات في بداياتها وسعى لإصلاح حقيقي لما احتاج أن يكرر عفواً وهو في حال سقوط مرير.
من على ضفاف نهر الدانوب!
تناولنا العشاء قبل أيام في مطعم يطل على ضفاف نهر الدانوب في بودابست عاصمة هنغاريا والتي تكوّن مسماها من اتحاد مدينتين هما: مدينة «بودا» وتعني «ينبوع الماء» ومدينة «بست» وتعني «فرن النار»، وقد لاحظنا أن شابين يافعين أخذا يعزفان الموسيقى أمام المطعم وهما يتمايلان طربا، وأن كثيرا من المارة يسعدون بعزفهما فيقومون بالرقص ثم يلقون بالنقود في القبعة التي رسم عليها الشابان وجها ضاحكا.
***
وأعلم أن الشابين وكثيرا من المارة هم ضمن الحالة الاقتصادية السيئة التي تجتاح أوروبا وأميركا والعالم، وقد عجبت من سعادتهم رغم القليل وتعاستنا ككويتيين رغم الكثير، وهو أمر قد نندم عليه لاحقا حين تنخفض أسعار النفط ويتعاظم عجز الميزانية الى حد سيمس مستوى معيشة أغلب الكويتيين وحينها سنندم حين لا ينفع الندم على أننا ضيعنا على أنفسنا فرصة السعادة الحقيقية ابان رغد العيش كوننا تفرغنا وبذكاء بالغ لخلق المشاكل من عدم في مجتمعنا.
***
وإذا كانت الدول المتقدمة قد تفوقت على بلداننا العربية والاسلامية في قضايا العلم والصناعة والزراعة والتكنولوجيا والديموقراطية والحرية وحقوق الانسان، فإنهم تفوقوا علينا كذلك حتى في قضايا «الشحاذة» حيث يعمد شحاذوهم لنشر السعادة بين الجموع عبر اتقان عزف الموسيقى أو الرقص أو الألعاب البهلوانية كوسيلة للحصول على المال، بينما تعمد شعوبنا لفقء الأعين وقطع الايدي وإخراج العجزة وأصحاب العاهات من المنازل لنشر التعاسة وحصد العطف للوصول إلى نفس النتيجة.
ومما رأيناه أيضا في تجوالنا في بودابست والضواحي المحيطة، هناك فندق ومقهى نيويورك الذي أنشئ عام 1894 ويعتبر أجمل مقهى في العالم، وفي شانزليزيه بودابست الذي يضم أرقى المحلات يقع «متحف الرعب» الذي كان مقرا للغستابو النازي حتى عام 45 ثم أصبح مقرا للقيادة السوفييتية والهنغارية، حيث يمارس القتل والتعذيب بأشد صورة واحترت بعد زيارة مطولة لذلك المتحف، أيهما أكثر قمعا وظلما وقتلا في تاريخنا الحديث نظاما هتلر وستالين أم نظاما حزب البعث في بغداد ودمشق؟!
***
آخر محطة: (1) من مآسي تاريخنا العربي الحديث وكثرة التزييف فيه ما حدث عام 1956 عندما حاول العالم الحر ممثلا ببريطانيا وفرنسا بطريقة ملتوية الاستفادة من الحرب التي قامت بين مصر وإسرائيل للتدخل وإسقاط الحكم العسكري القمعي القائم في مصر لصالح قيام نظام ديموقراطي في بلاد النيل، إلا أن العرب سموا تلك العملية (29 أكتوبر – 7 نوفمبر 56) بالعدوان الثلاثي ولهجوا بشكر نصير الشعوب وعدو الاستعمار الاتحاد السوفييتي لموقفه من تلك الحرب.
(2) ما لم يقله مضللو العقول ومزيفو الحقائق وعلى رأسهم الاستاذ هيكل وكتبه عن حرب السويس أن الشعب الهنغاري ثار في ذلك العام على الحكم الشيوعي القمعي الذي أباد وهجر مئات الآلاف، الا ان الجيش الروسي دخل هنغاريا بدباباته ورجال مخابراته (23 أكتوبر – 11 نوفمبر 56) وقمع الشعب ودخل بودابست وأعدم رئيس الوزراء الذي لجأ للسفارة اليوغوسلافية آنذاك، ومع ذلك ينتقد من لم تدم حربه إلا 7 أيام وكان يهدف لنشر الحرية والديموقراطية ولم يدخل العاصمة المصرية أو يعدم الرئيس عبدالناصر ويمدح في المقابل كل من قام بتلك الجرائم.. في الوقت ذاته.. وعجبي!
الشعراوي و«الإخوان»
لم أكن يوماً أية مودة أو تقدير لمحمد متولي الشعراوي، الداعية والسياسي والوزير الراحل، والذي كان مقرباً من جهات عليا في أكثر من دولة! فقد كان له دور في تلميع نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ولم يحاول يوماً إدانة حكمه أو التنديد بدكتاتوريته، وظل يحترمه حتى آخر أيامه، وكان له الموقف نفسه من الدكتاتور الآخر أنور السادات! كما ساهم متولي الشعراوي، وبيّنت ذلك في عدة مقالات، بفعالية بالتأثير في العقل العربي المسلم ودفعه نحو التفسيرات الباطلة التي لا أساس لها من الصحة، ويكفي الرجوع إلى مقابلاته الصحفية والتلفزيونية وجملة فتاويه، وما كتب عنه من سير، لنعرف مقدار جدلية الكلام الذي صدر منه وعنه. كما اشتهر عنه تحريمه لاستخدام غرف العناية الفائقة في المستشفيات، وخاصة تلك التي تتوقف فيه حياة المريض على عمل الأجهزة الطبية المساعدة على إبقاء المريض حياً، والتي برفعها يموت المريض، بحجة أن في ذلك تدخلاً من الإنسان في قضاء الله وقدره، وهذا مقبول ربما من بعضهم، ولكن ما أن أصيب متولي بوعكة خطيرة، حتى قبل بنقله بطائرة «ملكية» خاصة لدولة أوروبية ليمكث تحت رحمة الأجهزة الطبية نفسها التي سبق تحريم استخدامها، والتي ساعدت في نهاية الأمر في تمديد عمره بضع سنوات!
نعود إلى موضوع المقال والمتعلق برسالة وردتني على الإنترنت تضمنت نصاً يدّعي مرسله أن قائله هو متولي الشعراوي! وبالرغم من شكيّ الكبير في ذلك، كونه لا يتسق مع ما عرفته عن الرجل من مواقف وأقوال وآراء، على مدى أكثر من 35 عاماً، فإن النص جدير بالتنويه، لما له من علاقة بالأحداث الجارية، خاصة في مصر، وما يبذله بعض الكتاب، في القبس وغيرها، من جهد في لي رقبة النصوص الدينية والسياسية وتطويعها، لخدمة مواقفهم ومصالحهم الحزبية والشخصية… طبعاً! وشكيّ نابع من أنه لو كان هذا ما قاله الشعراوي في حياته لما تردد «خصوم الإخوان المسلمين»، وما أكثرهم، في الترويج له واستغلاله لتشويه سمعتهم السيئة أصلاً، بسبب ما كان للشعراوي من شعبية وقدرة بالتأثير في الجماهير، وأسباب تلك القوة معروفة، ولا تزال صالحة مع غيره حتى اليوم!
يقول النص المنسوب إلى الشعراوي: لماذا لا أنتمي لجماعة الإخوان؟ لأنني مسلم قبل أن أعرف الإخوان أو غيرهم، وأنا مسلم قبل أن يكونوا حزباً وأنا مسلم بعد زوالهم، ولن يزول إسلامي بدونهم، لأننا كلنا مسلمون وليسوا وحدهم من أسلموا، وأرفض أن يتلخص ديني في صندوق انتخاب، فديني هو صلة بيني وبين خالقي! وأرفضهم لأنني أرفض أن أرشح حزباً يستعطفني مستنداً إلى وازعي الديني قبل أن يخاطب عقلي، وهو حزب سياسي أرفض الانتماء له لأن ليس له علاقة بالدين وهو يمثل الفكر السياسي لأصحابه، ولا يمثل المسلمين. لهذا أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة ولا أن يصل أهل الدين للسياسة. وأقول لهم إن كنتم أهل دين فلا جدارة بكم بالسياسة، وأن كنتم أهل سياسة فمن حقي أن لا أختاركم، ولا جناح على ديني. أنتهى.
وفي هذا السياق، يقول أحد المفكرين: لا تحدثني كثيراً عن الدين، بل دعني أراه في سلوكك وأخلاقك وتعاملك! فلم يسبق لفيلسوف أن قتل رجل دين، ولكن رجل الدين ساهم في قتل كثير من الفلاسفة!
أحمد الصراف
الكولونيل… «عباسخوك»
لم يعد قادراً على استذكار البطولات والصولات والجولات العتيدة التي جندل فيها الأبطال وصارع الأهوال وأطاح برؤوس الفرسان في الحروب التي خاضها… هو اليوم، متقاعد! محارب قديم كما يحلو له أن يسمي نفسه، غير أنه من المستعصي عليه أن يستذكر آخر حروبه… هل كانت في أفغانستان أم طاجيكستان أم كرازاكان أم قرقيزستان أم في جمهورية الخرفان التي كانت آخر معاقل قيود أسره قبل تحريره… ذاكرته لا تسعفه! وكلما حاول إنعاشها تصيبه الرجفة.
الكولونيل «عباسخوك» يقضي معظم وقته متحسراً على زمن البطولات الذي مضى… شعور مرير يدك فرائصه ويعصف به كلما راودته الرغبة في أن يحكي للناس واحدة من حكايا بطولاته! ينطلق لسانه في مستهل القصة، لكن سرعان ما تتبخر من رأسه بقية التفاصيل… فيرتجف ثم يرتجف ثم يبكي.
ذات يوم، زاره أحد رفاقه بينما كان يتسامر مع نفر من جيرانه… الكولونيل «عباسخوك» طار فرحاً حينما أبصر ذلك الرفيق يحث الخطى متجهاً صوبه… ههههههه… مرحى… أي ريح طيبة… هذا القادم صديق عزيز، وبطل من الأبطال… أسد من الأسود… باسل من البواسل الذين لا يشق لهم غبار… قام له معانقاً بالأحضان… لدقائق ظل الكولونيل «عباسخوك» معانقاً رفيقه ثم ارتجف وانخرط في بكاء أذهل صاحبه وأذهل من كان موجوداً في جلسة السمر!
ترى، ما الذي أبكى الكولونيل «عباسخوك»؟ أهي الفرحة التي فاقت الوصف وهو يرى واحداً ممن تمنت روحه رؤيتهم قبل أن تروح؟ أم أن هول المفاجأة السارة جعلته يشعر بموجة من الغبطة تجاوزت مقدرته على الصمود فانصهر قلبه وجرت دموعه وعلا صراخه؟
عبثاً حاول ذلك الضيف القادم تهدئته… لكن الكولونيل يبكي ويبكي! أحضروا له شربة ماء باردة… شربها ولم يتوقف عن البكاء سوى لحظات ارتشافه الماء! أجلسوه على متكأ مريح فصمت برهة، ثم انخرط من جديد في البكاء والعويل بصوت عال هذه المرة وهو يشير بسبابته إلى ذلك الضيف القادم!
هدئ من روعك يا كولونيل… لقد عهدناك صلباً مقداماً فارساً لا يشق له غبار؟ ثم ما الذي يبكيك؟ سأله ذلك الرفيق القادم من المجهول، وسط ذهول من تبقى من السمار… فأغلبهم ضج مما رأى وانسحب مغادراً المكان… لكن الكولونيل «عباسخوك» لم ينبس ببنت شفة! فقط كان عويله (الفجيع) يشق الأفق ويصل إلى أسماع الفضاء…
صمت رهيب حل على المكان فجأة… من شدة ذلك الصمت الذي أعقب عويلاً كاد يدمر حنجرة الكولونيل «عباسخوك»، كان من السهل على رفيقه الذي بقي وحيداً معه أن يسمع نباح الكلاب في الوادي القريب… الليل يمضي والصمت يضاعف سكون الليل وظلامه وحشة مع المحارب القديم…
فجأة انقلب الوضع! صورتان واضحتان تتصدران ذلك المشهد… هروب الرفيق الذي جاء زائراً حيث أطلق لقدميه الريح راكضاً بكل ما أوتي من قوة، أما الصورة الثانية، فقد هب الكولونيل «عباسخوك» واقفاً على قدميه ورقص رقصاً شديداً وهو يردد : «ردي علي فؤادي… تلعبين به».
خالد الفيصل… هل ما زلت تفاخر؟
الخبر الأول: وطبان التكريتي، وزير الداخلية في عهد أخيه غير الشقيق صدام حسين، يظهر في الشاشة وهو يأمر جلاوزته بضرب (لم أقل قتل) عسكريين اثنين يتبعان شرطة المرور. ليش يا فضيلة الوزير وطبان؟ لأنهما، قبحهما الله، تجاوزا حدود الوقاحة المسموح بها دوليا وأوقفا موكبي وسمحا بمرور موكب عدي بن صدام حسين! وتُظهر اللقطة الموجودة على “يوتيوب” مجموعة من الضباط ينهالون بالعصي والشلاليت على العسكريين اللذين لم يتوقفا عن الاستجداء إلا بعد ان فقدا الوعي، ولم يعودا يشعران بالضرب. الخبر الثاني: صحف فرنسا تمسح بكرامة الرئيس ساركوزي الأرض (كان وقتذاك رئيساً)، وتُظهره في رسومات الكاريكاتير مرتدياً الغترة والعقال، وحوله ترقص مجموعة من الجواري، ويظهر في الخلفية عدد من الجمال، ويقول: “أعطوا ابني “جون” برج إيفل والسياح الموجودين فيه وحوله، وبئر نفط”، أو كما قال، فلم أعد أتذكر. طيب ليش يا أشقاءنا في صحافة فرنسا تهاجمون ولي أمركم بكل هذه الوقاحة؟ “لأنه يا زميلنا المفضال وافق على تعيين ابنه جون عمدة أو محافظاً على مدينة المال والأعمال لاديفانس، بعد أن رشحه أصحاب المال لذلك، سحقاً له ولأبيه”، يا سلام! يعني التجار أصحاب الشأن هم من قام بترشيحه؟ نعم، هذا صحيح، لكن هذا يُعتبر في أعرافنا استغلالاً لنفوذ والده، ثم إن غضبنا ليس منصبّاً على جون بل على أبيه الذي بلغت به الوقاحة أن وافق على هذا الترشيح… وكما كتبت سابقاً، استمر ردح الصحافة الفرنسية على هذا الموضوع أسابيع وأسابيع، لم يوقفه اعتذار جون ولا حتى اعتذار أبيه إلى الشعب الفرنسي ووعده بعدم تكرار ذلك. وعندما شوهد الابن جون في دولة “كوت دي فوار” كتب أحد الصحافيين الملاعين: “يبدو أن الرئيس منح ابنه دولة كوت دي فوار فقد شاهدته هناك”. وتقرر إدارة المحاسبة في القصر الرئاسي في فرنسا، في عهد شيراك، أن يدفع الرئيس من حسابه الشخصي مبلغاً قدره نحو ثلاثة عشر ألف يورو بعد أن تجاوز المبلغ المخصص لحفل استقبال بعض ضيوفه الرسميين. وأمس الأول تقتحم الشرطة منزل ساركوزي بعد اتهامه بارتكاب مخالفات مالية تصل إلى مئة وخمسين ألف يورو، وأمس تصرخ نادلة مقهى في وجه رئيس الوزراء البريطاني ليلتزم بالدور، فيهرع مساعدوه للمقهى المجاور ويجلبون له كوباً من القهوة وقطعة من الكعك لأنه مستعجل (أو على عجلة من أمره، كي لا يغضب علي الأستاذ أحمد الديين). وفي إسرائيل حاكموا الرئيس السابق بسبب تذكرتي سفر مشكوك في مصدرهما (أكرر، تذكرتي سفر لا طائرتين) ومنعوا بصورة نهائية الشركة التي منحته التذكرتين من التعاقد مع أي من مؤسسات الدولة… يفعلون كل ذلك وهم صامتون، ونفعل نحن عكس ذلك ونملأ صفحات الفخر إلى أن ينضب الحبر! ويقول الأمير الشاعر خالد الفيصل، بعد أن يرفع حاجبي الفخر ويمد ذراع العزة إلى الأعلى: “حنا العرب يا مدعين العروبة … حنا هل التاريخ وأنتم به أجناب”، فيرد الكاتبجي الفاخر محمد الوشيحي وهو يفتح شدقيه ويطلق قهقهة عالية: “حنا الفَلَس حنا الشعوب الكذوبة … نلبس من الذلة عمامة وجلباب”.
استعداء الآخر.. الأكثر قوة!
يستخدم الغرب اصطلاح Islamophobia (الإسلاموفوبيا) للتعبير عن الخوف من كل ما يتعلق بالإسلام، حضورا وعادات وافكارا واسلوب حياة. وقد كتبت عشرات المؤلفات وألقيت مئات المحاضرات ووضعت آلاف الدراسات عن هذا الموضوع، ولا يزال الأمر في بدايته! ولا يقتصر هذا العداء أو التخوف على المجتمعات التي توجد فيها أعداد كبيرة من المسلمين، بل أصبح يشمل جميع المجتمعات الغربية، الأمر الذي سيؤثر حتما في سياسات الهجرة والعيش المشترك فيها. وما يجعل الأمور أكثر تعقيدا وخطورة هو الحجم البشري الضخم الذي اصبح يشكله المسلمون في العالم، وما تجمع لدى البعض منهم من ثروات نقدية نتيجة امتلاكهم لعصب انتاج النفط وغالبية احتياطياته المعروفة، وأخيرا للحالة البائسة التي تعيشها غالبية مسلمي العالم، التي تجعل من أوضاعهم قنبلة موقوتة، وهنا مكمن الخطر، أو هكذا يتصور الغرب! من جانب آخر تشعر غالبية المسلمين، والفقراء منهم بالذات، وهم الأكثر، ان الغرب من جهة، وضعف الإيمان الديني من جهة أخرى، هما سبب كل مشاكل المجتمعات الإسلامية، وأن لا خروج من هذا الوضع البائس بغير التمسك بالدين ونشره! وعندما ينتشر الإسلام ويتسيد أتباعه العالم سيختفي الفقر وتنتهي الأمراض! ولكن بما أن الغرب هو العقبة الكأداء أمام تحقيق مثل هذا الحلم، فلا مفر بالتالي من معاداته، والسعي الى تحطيمه في مرحلة لاحقة، ودفع شعوبه لاعتناق الإسلام، وذلك قبل أن ينتهوا من تآمره على الإسلام والمسلمين وإفنائهم، خاصة أن الغرب يمتلك أسلحة الدمار الشامل اللازمة لأداء هذه المهمة، هذا غير اكتفائه ذاتيا بما يلزم لاستمرار وجوده ورفاهيته! وهنا لا نبالغ إن قلنا ان هناك أنظمة غربية، أو أجهزة سرية متخصصة، تعمل علنا وسرا على التدرب في كيفية محاربة مسلمي العالم، أو على الأقل تحييدهم أو القضاء على ما يشكلونه من خطر على المجتمعات الغربية المتقدمة، خاصة أميركا! ولكن هل لدى أي دولة إسلامية، او المسلمين مجتمعين، أي خطة أو استراتيجية، على فرض أن الكبار يعرفون ما تعنيه الكلمة، لمواجهة مثل هذا المصير الذي يبدو يوما عن يوم أنه الاحتمال الأكثر قابلية للحدوث في السنوات العشر المقبلة، على أقصى تقدير؟! الجواب بطبيعة الحال هو «لا» كبيرة، وبالتالي لماذا كل هذا الإصرار «الأهبل» على معاداة الغير، والغرب بالذات، ونحن بكل هذا الضعف والهوان؟! ول.مَ نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى «رهطا» منا يسعى بكل جهده وزبيبته تسبقه لأن يرعب الغرب ويجعله يحترس منا جميعا، ويعمل لتأمين مجتمعاته من آفاتنا؟ أقول ذلك ليس لإيماني بأننا على باطل وهم على حق، او العكس، فليس لدي أداة لقياس ارجحية أي الرأيين، ولكني أتكلم من منطق واقعيتي، فطالما أننا لسنا بقدر المهمة في مواجهة الآخر، لا بالسلاح ولا بالغذاء ولا حتى بالعصي والحجارة، فالأولى أن نهادنهم، وأن نعمل أولا على تقوية مجتمعاتنا، ورفع مستوى الرفاهية فيه، ووقتها سنكتشف أن لا أحد يود التضحية بما لديه لكي يقضي على الآخر، وإن الغرب ليس عدونا بقدر ما نحن أعداء بعضنا بعضا، ونحن السبب في جهلنا وتخلفنا وفقرنا!
أحمد الصراف