التكتيكات العسكرية كلها، ومعها الاستراتيجيات الحربية، سواء تلك التي يدرسها الطلبة المبتدئون في الكليات العسكرية، أو التي يدرسها القادة، تقول: “لا تدخل حرباً مع عدو تجهل تفاصيل قوته وضعفه ونوع أسلحته ووو، باستثناء الحرب الدفاعية. بل حتى الحرب الدفاعية لا تخضها إذا كان الفارق بينك وبين عدوك كبيراً، انسحِب انسحاباً منظماً وأعد تجهيز نفسك وصياغة تحالفاتك قبل خوضها”.
ولطالما كررتُ: “يجب أن ينطلق الكاتب من خلفية شعرية، والسياسي من خلفية عسكرية”، أي أن يكون لدى السياسي اطلاع على تواريخ الحروب العسكرية وتكتيكاتها، وأن يمتلك مخزوناً لا بأس به من العلوم العسكرية، ليستشرف مآلات الأمور ويتنبأ بنتائجها.
وأجزم وأقسم أن السلطة بمستشاريها وإعلامييها وتجارها ووو، تعتبر النظريات العسكرية من أساطير الأولين، وإلا ما كانت أقدمت على هذه المغامرة السياسية الرعناء عندما استبدلت خصماً معروفاً لديها بكل تفاصيله (الأغلبية البرلمانية)، بخصم مجهول سياسياً بالنسبة إليها، لا تعرف عنوان سكنه ولا هواياته ولا نقاط ضعفه وقوته ولا نوعية أسلحته ولا عدده ولا حدود طموحه، ولا حتى أغنياته المفضلة. أقصد المجاميع الشبابية المتحمسة.
لاحظوا مطالب الأغلبية في السنوات الماضية، وقارنوها بمطالب الحركات الشبابية، وتذكروا حكاية “الجزة والخروف” وترفقوا بكفوفكم وأنتم تضربون كفاً بكف.
بل الأدهى والأمر، أن السلطة بخطواتها الحالية واستفزازها الأخير، فتحت على نفسها جبهتين مع قوتين نوويتين، الأغلبية والحركات الشبابية، وقد تتحالف هاتان القوتان بين ليلة وضحاها، أو دقيقة وضحاها، على أن تتولى المجاميع الشبابية القيادة والتخطيط، ويرتفع “بيرقها” في المقدمة، ويأتي بيرق الأغلبية في المؤخرة، وقد يختفي بيرق الأغلبية، ويتم اعتماد البيرق الشبابي وحده، ويتحول قادة الأغلبية إلى جنود في الجيش الشبابي.
وبهذا، يسعدني في هذه الليلة المباركة، وفي هذا الحفل الكريم، أن أقول للسلطة ما كان يقوله لنا “ِشيباننا” إذا أرادوا السخرية من تصرفاتنا أو قراراتنا الطفولية: “يا بيلي بالا”، قبل أن يُلحقوا هذه المفردة المجهولة الأبوين والمعنى، بكلمات زاجرة ناهرة.
وسأقلب فنجان السلطة وأفتح كفها وأقول لها، بعد أن “ترمي بياضها”: “دخلتِ حرباً أكبر من قدراتك، مع عدو تساوت عنده الأمور، ولا يعرف الرحمة ولا الهوادة ولا التعب، متسلح بسنوات من الغضب، وأطنان من عشق هذا الوطن، والنتيجة في أحسن الأحوال ستكون استسلامك غير المشروط، وتحمل تكاليف الحرب… ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد”.
الشهر: يوليو 2012
ليالي الأنس في فيينا
التقيت في عاصمة السحر والجمال (فيينا) سفير الكويت في جمهورية النمسا الصديق محمد الصلال الذي يسعد الانسان بوجود امثاله كسفراء في وزارة الخارجية لما يملكه من فكر سياسي راق وعمل دؤوب في المنظمات الدولية المتواجدة بقرب محيط عمله مثل منظمة الطاقة الدولية لخدمة مصالح الكويت.. السفير المحترف ابوفراس يعكس صورة لانواع من السفراء بدأت ـ للاسف الشديد ـ تنقرض هذه الايام.
***
الطريق من بودابست الى فيينا يقارب الـ 200كم من المروج الخضراء والبحيرات الزرقاء والازهار الصفراء والورود الحمراء وتمر خلالها برجلي شرطة لا تشعر بهما وان كان مشهدهما يعني انك انتقلت من هنغاريا الى النمسا وهي دعوة لمن ادمنوا الزيارات السنوية لمدن مثل لندن وباريس وجنيف للتجوال بالسيارة او القطار في دول وسط اوروبا، ولن تندموا!
***
مع بداية القرن الماضي كانت هناك امبراطورية نمساوية ـ هنغارية جرت بها احداث تسبب فيها طالب صربي فوضوي يدعى «غارفيلو برنسب» ادت الى مقتل 70 مليون انسان هم مجموع ضحايا الحربين الاولى والثانية التي قامت بسبب هزيمة ألمانيا المذلة في «الاولى» وبسبب تلك الحرب تساقطت الامبراطوريات الاوروبية وقامت الشيوعية في روسيا وبدأ تدخل الولايات المتحدة بالشأن الدولي وسقطت الدولة العثمانية، وقسمت الدول العربية، وصدر وعد بلفور الذي كان بامكانه ان يبقى حبرا على ورق لولا جرائم النازيين بحق اليهود بعد ان اتهموهم بالتسبب في هزيمتهم في الحرب الاولى، وكانت الدولة العثمانية قد دخلت الحرب الاولى بعد ان شهدت الانتصارات الالمانية على الحلفاء في بدايتها لعدم وجود اطماع المانية في اراضيها بعكس الروس والانجليز والفرنسيين.
***
ففي 28/6/1914 زار ولي عهد الامبراطورية النمساوية ـ الهنغارية، البوسنة التابعة له واثناء خروجه من قاعة المجلس البلدي في سراييفو قام عضو عصابة الكف الاسود الطالب «غارفيلو برنسب» باطلاق النار عليه وعلى زوجته وحبيبته صوفيا، وجرت احداث انسانية مؤثرة يرويها شاهد عيان كان بقرب السيارة المقلة لهما جمعت بين الصلابة الشديدة للامير النمساوي «فرانز فيردنياند» والرقة الشديدة، فمع اطلاق النار عليه وبدء خروج الدم من فمه سأله الشاهد ان كان يشعر بشيء، فأجابه بشجاعة نادرة «لا شيء على الاطلاق» ولكن ما ان سقطت زوجته التي يعشقها عند رجله بسبب اطلاق النار عليها حتى بدأ وهو في حشرجة الموت يترجاها الا تموت لحبه الشديد لها وكانت آخر كلماته «صوفي ارجوك لا تموتي اذا لم يكن لأجلي فلأجل اطفالنا الصغار» ثم اسلم الاثنان الروح فيما يمكن اعتباره اعظم جريمة في التاريخ لعظم تداعياتها.
***
تلت تلك الجريمة الشنعاء احداث اشبه بتساقط احجار الدينمو فقد وجه امبراطور النمسا وهنغاريا رغم كراهيته لولي عهده الاصلاحي انذارا لحكومة صربيا رغم عدم وجود دليل حتى اليوم على تورطها بالجريمة، واعلنت روسيا على الفور وقوفها مع صربيا، بينما ارسل امبراطور المانيا ما سمي بـ «شيك على بياض» لامبراطور النمسا وهنغاريا، واعلنت فرنسا، احياء تحالفها مع روسيا فاحتلت القوات الالمانية بلجيكا استعدادا للحرب القادمة مع فرنسا فأعلنت بريطانيا العظمى احياءها لمعاهده قديمة تضمن حياد بلجيكا كما دخلتها في اكتوبر من ذلك العام الدولة العثمانية في محاولة للحفاظ على ما تبقى من اراضيها.
***
آخر محطة: لأسباب غامضة تعطل جهازا الملاحة اللذان أستعين بهما في تنقلاتي بين دول وسط اوروبا والمانيا، وقد زودني مشكورا الديبلوماسي النشط في سفارتنا بفيينا ياسين الماجد بجهاز ملاحة ثالث مما جعل السيارة التي تقلنا اقرب لـ «طائرة اواكس باجهزتها الملاحية المتعددة» والله يستر من تعطل الجهاز الثالث.
قصتي مع السيجار الكويتي
ناولني الصديق فؤاد زيدان سيجارا كوبيا فاخرا فاعتذرت عن قبوله، فاستغرب ذلك لمعرفته بعشقي للسيجار، وسألني عن سبب الرفض فقلت له، وأنا أرفع صوتي ليسمعني، وسط كل صخب الموسيقى والغناء في مربع «اللودج» الفاخر، بأنني سأرد عليه في مقال يحكي علاقتي بالسيجار الكوبي، وقبلها بالسيجار الكويتي!
بدأت علاقتي بالسيجار في نهاية السبعينات، واستمرت حتى اليوم وأصبحت تعلقا أكثر منه إدماناً أو ولهاً، فالوله يؤدي أحيانا الى الابتذال، خاصة إن لم نستطع التحكم في ما نريد ونرغب، ويتحول الاستمتاع الى عشق كاذب وإدمان صادق، وبالتالي تفقد العادة، وإن كانت سيئة، رونقها، وتطلب الأمر هنا وضع طقوس بسيطة للتدخين، ولا تدخين إن لم تتوافر، وأهمها ألا يكون هناك من يتأذى أو حتى ينزعج من رائحة دخان السيجار، وألا يكون التدخين يوميا، ولا تلقائيا، ويكون دائما في الوقت والمكان المناسبين، مع ضرورة توافر الصحبة الطيبة، والمستلزمات الأخرى التي لا دخان وسيجار بغيرها. وحيث انني سبق أن دخنت سيجارا عاديا في الليلة السابقة لعرض السيجار الفاخر علي فقد كان لزاما علي رفض العرض، والأمر ذاته لا يقتصر على التدخين بل ينسحب على بقية أنواع «العشق» الأخرى التي يجب أن نحفظها من الابتذال في الاستخدام أو الاستهلاك! وقد ذكرني سيجار فؤاد بأول تجاربي مع السيجار الكويتي، الذي كنا نصنعه بأيدينا الطاهرة، وكان ذلك قبل أكثر من نصف قرن، عندما كنا في سن المراهقة، وربما لا نزال، فقد كنا نجمع أعقاب السجائر، أو سبارس، بالمصري، من على جنبات الأرصفة، وكانت جميعها في تلك الأيام من دون فلتر، ونقوم بتشريحها بعناية و«استخراج» التبغ منها وتجميعها في لفائف مصنوعة من مخلفات اكياس الإسمنت ولفها على شكل سيجار ضخم وغير فخم، ثم حفظها للمناسبات السعيدة، التي كانت غالبا ما تقع في اليوم نفسه عندما نذهب ليلا لسطح مبنى سينما الحمرا، الذي كان وقتها قيد الإنشاء، بعد مغافلة الحراس، وهناك نضع شرشفا على السطح الإسمنتي الملتهب من اثر شمس الظهيرة، ونخرج عدة الشغل من إبريق شاي ولفائف خبز مدهونة بالزبدة والسكر، وطبعا السيجار الكويتي غير الفاخر، والاستمتاع، من على ذلك الارتفاع، الذي كان يبدو يومها شاهقا، بمشاهدة عرض مجاني للفيلم الذي يعرض في سينما الفردوس الصيفية الملاصقة، والتي كانت بلا سقف وقتها، وغالبا ما يكون الفيلم هنديا، والاكتفاء بالاستماع لأغاني الفيلم لصعوبة قراءة الترجمة من تلك المسافة البعيدة! واثناء ذلك نتبادل انخاب الشاي وأخذ أنفاس عميقة من السيجار الكويتي، المخلوط ببودرة اسمنت بورتلند الأصلي، والعودة بعد انتهاء الفيلم للبيت ونحن في تمام الانتشاء بنكهة نيكوتين ناتج عن خليط من عشرات انواع السجائر المصنوعة من التبغ التركي والفرجيني والإنكليزي والعراقي، مضاف لها كم محترم من الزفت والقطران، ومن ثم قضاء بقية الليل في سعال مستمر.
أحمد الصراف
تقنين العمل السياسي
نبارك للشيخ جابر المبارك اعادة تكليفه بتشكيل الحكومة، ونسأل الله له التوفيق لاختيار وزراء يتمكنون من ادارة البلد في غياب مجلس الأمة، حيث ثبت ان مجلس 2009 لن ينعقد، وأصبح السيناريو المقبل واضحا وضوح الشمس، حيث سيرفع نائب رئيس المجلس كتاباً لسمو الأمير بعد دعوته المجلس مرتين للانعقاد من دون ان يتمكن من تحقيق ذلك، ثم يحق لسمو الأمير ان يحل المجلس وفقا للمادة 107 من الدستور والدعوة لانتخابات جديدة في أكتوبر، وفق المتوقع.
نرجع الى تشكيل الحكومة لنضع بعض الملاحظات، للتذكير فقط والاعتبار، إن أمكن، أقول لا بد من اختيار سمو الرئيس لوزرائه لا أن يُفرضوا عليه. وأقصد لا يكون اختيار بعضهم نتيجة «كوتا» من بعض أقطاب الأسرة، هذا محسوب على عيال… وذاك ممثل لفخذ… صحيح لا بأس من وجود شباب يمثلون أسرة الحكم فهذا مقبول في غياب النظام الحزبي والحكومة الشعبية، لكن ليتم الاختيار بإرادة رئيس الحكومة لا بإرادة غيره!
وبما ان الحكومة تُشكل بعد اجراء الانتخابات البرلمانية، فلا بد ان تنسجم مع الاغلبية البرلمانية، إن وجدت، والا فالصدام سيكون عنوان المرحلة.
المشكلة الحقيقية ظهرت في افتتاحية القبس أمس الثلاثاء عندما طالبت بحكومة قوية تبتعد عن المساومات. وأنا أقول إن المشكلة التي ستواجه رئيس الوزراء في غياب النظام الحزبي هي كيفية التعامل مع هذه الأغلبية، فإن أعطاها ما تريد وحقق لها برنامجها وصف بالضعف والخوار، وان واجه الاغلبية وحمّر عليها العين نشأ الصدام وعُرق.ل الانجاز ورجعنا الى قاعدة «لا حل.. إلا بالحل». لذلك ــ وهو القصد من هذا المقال ــ هو التأكيد على ان أي وزارة جيدة.. مهما عملت واتبعت من سياسات.. وأي رئيس حكومة بروح جديدة ونهج جديد كما تُطالب به المعارضة دائماً.. فان ذلك لن يحمينا من الصدام المقبل مع أي مجلس يأتي، والسبب هو النظام السياسي الذي نعمل به! لا مخرج من هذه الأزمة الا بتقنين العمل الحزبي، حيث الوضوح في المبادئ والبرامج والرموز ومصادر التمويل وأدوات التنفيذ، عمل حزبي مناسب للكويت وطبيعتها وموروثها، وليس عملاً حزبياً منسوخاً من تجارب الدول العربية التي خربتها الأحزاب!
هذا هو المخرج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، مهما غيرنا من رئيس الحكومة، ومهما جاءت لنا أغلبية بشكل أو بآخر، ومهما حللنا مجلسا وجئنا بآخر.. الأزمة ستلد أزمة أخرى وهكذا ما دمنا في هذا النظام.
***
النائب وليد السيد الطبطبائي.. يمتاز بصفاء السريرة.. وحسن المعشر.. لذلك كل أعداء الخير هم أعداؤه.. بحثت عنه فلم أجده، سألت أصحابه في كتلة التنمية فلم يزيدوا على كلمة: «انه مسافر». ظننت انه مسافر الى أوروبا للاستجمام أو إحدى الجزر النظيفة للراحة من تعب ومواجهة كُتّاب الزوايا.. وفجأة يتصل بي صديق سوري لاجئ في الأردن يطمئنني على حالته ليخبرني انه قابل اليوم د. وليد وزوجته (أم عيسى) ووزعا عليهم مساعدات جلباها معهما من الكويت!
النائب يسافر في هذه الأجواء مع زوجته التي تزوجها أخيراً للراحة من التعب.. يسافر بها الى مخيمات اللاجئين السوريين يوزع عليهم المساعدات.. من دون اعلام ولا بهرجة.. لله درك يا وليد.. على الرغم من كل ما يقال عنك وعن زوجك.. الا انك في واد.. وخصومك في واد آخر.
مريم فخر الدين أفضل من موضي علف
الله يرحمك يا يوسف السباعي، الأديب المصري، أستغفر الله العظيم (كل من يعتبر يوسف السباعي أديباً، عليه أن يستغفر ربه ثلاثاً، وأن يُطعم مسكيناً ويعتق ستين رقبة… أقول هذا بعد أن أمدني الله بكميات من الصبر والجلَد فقرأت بعض إنتاجه، وتوقفت قبل أن أموت كمداً، وقبل أن تتشقق شفتي السفلى بعد أن اعتادت المطَّ تذمراً وامتعاضاً، وضمرت عظامي لعدم وجود الملح في قلمه، ومن يقرأ للسباعي شهراً متواصلاً سيشتكي نقص الكالسيوم، وجفاف شفته السفلى)…
كان ضباط الثورة بجبروتهم، وعلى رأسهم أنور السادات، يدلّعون زميلهم الضابط “الأديب” يوسف السباعي ويمنجهونه، فمنحوه منصب نقيب الصحافيين، ورئيس تحرير إحدى أكبر الصحف القومية، أظنها الأهرام، ووو، وتحولت رواياته، التي لا تعادل جناح بعوضة أمام روايات نجيب محفوظ، إلى أفلام ومسلسلات، ولا تكاد تخلو صحيفة من تحليل لهذا “الأدب السباعي العظيم”، ولا يمر يوم على الإذاعة دون أن يعلن “النقاد” انبهارهم بهذا الأدب الذي لا يعادله إلا شعر شوقي، ووو، ولم يكتفِ السباعي بكل هذه “الديكتاتورية الأدبية” بل راح يحارب الآخرين من الذين ولدتهم أمهاتهم أدباء، وسعى إلى قطع كل زهرة زاكية زاهية في بستان الأدب، فحارب نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومحمد عودة ومحمود السعدني وعبدالرحمن الخميسي والرائع الساخر المسالم، أحد أشهر علماء اللغة وعشاقها، محمد مستجاب وغيرهم، فاستسلم بعضهم أمام جبروته وسلطاته وبحثوا عن أراضٍ أخرى غير الأرض المصرية تقبل إنتاجَهم، وقاومه بعضهم…
لكن المشكلة كانت في الناس، وآه من هؤلاء الناس، الذين هجروا “أدب السباعي” وتفرغوا للبحث عن أدب نجيب محفوظ وصحبه، رغماً عن أنف كل هذه الميزانيات التي تفرغت لتسويق السباعي وطمس أي أدب آخر، بطريقة فجة كريهة.
ينشر السباعي كتبه في أعرق المكتبات، فيعافها الناس ويبحثون عن قصاصات عبد الرحمن الخميسي على الأرصفة والمقاهي الشعبية الفقيرة. يعلن السباعي في جميع وسائل الإعلام نيته تبني الأدباء الشبان، فلا يأتيه إلا شاب خاوٍ طامع في سلطة أو مال، ويتزاحم الشبان حول نجيب محفوظ في مقهى الفيشاوي. تصرح الممثلة مريم فخرالدين أنها لا تقرأ إلا ليوسف السباعي و”الباقي كخة”، فيضرب الناس كفاً بكف، سخرية من الكاتب والقارئة، لكن بنت فخرالدين، كما يقال، نجحت في تسليط جزء من الأضواء على كتبه، ما أدى إلى أن يتهكم البعض على طريقة تسويقه كتبه: “مش ناقص إلا فرقة حسب الله تمشي في زفة وراء كتب السباعي”.
وكلما رأيت السلطات هنا في الكويت تعبث بالدوائر الانتخابية، فتسحبها مرة إلى اليمين، وتشدها مرة إلى الشمال، وتزوّقها وتمكيجها وتسرح شعرها، وتنشر “النقاد” في وسائل الإعلام يزغرطون لهول جمالها، ووو، تذكرت السادات و”أدب السباعي”! ولأنني أحب السلطة حباً جماً، وبعد أن أيقنت أنا والسلطة والجميع أن “موضي علف”* وقومها لم ينفعوها، سأرشد السلطة ومستشاريها إلى مريم فخرالدين، علها ولعلها… إني لكم من الناصحين.
* * *
*موضي علف: ممثلة كويتية يقال إنها من جنس الذكور، على ذمة الأصدقاء.
فكر ونص د. مصطفى محمود
ولد د. مصطفى محمود عام 1921 وتوفي قبل سنتين فقط. وقد هجر الطب في شبابه ولجأ إلى كتابة الرواية، ولكنه تدروش بعدها عندما لم يجد في ما قرأه واطلع عليه إجابة عن تساؤلاته عن الكون والوجود والموت والحياة، وقام بوضع عدة كتب «فلسفية» دينية. وبالرغم من أن إنتاجه الغزير، الذي قارب 90 مؤلفاً، إلا أن ايا منها لم يحظ بشهرة غير رواية «رجل تحت الصفر». كما قدم لسنوات برنامج «العلم والإيمان» على التلفزيون، وبنى مسجدا عام 1979 اطلق عليه اسم والده ولكن اشتهر باسمه، وألحق به عدة مراكز طبية توفر العلاج للفقراء. وبسبب تعدد قراءاته واهتماماته الثقافية ودراسته للطب فقد تقلبت آراؤه وأفكاره بين ما قد يفسر بانه الإلحاد والتشكيك وبين الإيمان الشديد، ومع كل «ثقافته» لم يستطع غير أن يعجب بشدة بشخصية السادات، الذي رأى فيه البطل و«الرئيس المؤمن»، ربما لأن السادات ساعده في إحدى محنه ووقف معه، وبالتالي لم ير فيه انه ساهم في إيصال مصر لما هي عليه الآن من خراب. ويقال إن السادات عرض عليه يوما الوزارة فاعتذر قائلا انه فشل في إدارة أسرته، حيث طلق مرتين، فكيف ينجح في إدارة وزارة؟!
على الرغم من تدين د. محمود وغزير إنتاجه الأدبي و«الديني» بالذات إلا ان ذلك لم يشفع له عندما تطرفت آراؤه الدينية، من وجهة نظر بعض الأزهريين ورجال دين آخرين، وخاصة بعد وضع كتاب عن «الشفاعة» فحاولوا إخراجه من «الملة» وتكفيره، وهوجم في فكره وشخصه في أكثر من 20 كتابا، وأثر فيه ذلك كثيرا، ولم يستطع مواجهة شراسة الهجوم بسبب عجزه وكبر سنه، فاختار الانزواء، حتى توفي عام 2009.
يقول د. محمود في أحد نصوصه الجيدة: رجل الدين ليس حرفة ولا يصلح لأن يكون حرفة ولا توجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين. وليس عندنا زي اسمه زي إسلامي، والجلباب والسروال والشمروخ واللحية أعراف وعادات يشترك فيها المسلم والبوذي والمجوسي والدرزي ومطربو الديسكو ولحية الهيبي اطول من الجميع! وأن يكون اسمك محمدا أو عليا أو عثمان لا يكفي لتكون مسلما، وديانتك على البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة، والسبحة والتمتمة والحمحمة وسمت الدراويش وتهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر من أصحابها. والرايات واللافتات والمجامر والمباخر والجماعات الدينية أحيانا يختفي وراءها التآمر والمكر السياسي والفتن والثورات التي لا تمت إلى الدين! إلى أن ينتهي بالقول في نصه المطول: هذا هو الدين، وهو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسميا! انتهى.
فهل يفهم صاحبنا، مهندس افكار الجماعة، والذي بنى ثروته وكون شهرة مكتبه، باستغلال الدين، مثل هذا الكلام؟ أشك في ذلك!
أحمد الصراف
رأس قبيلة عريقة!!
على مر سنوات الدستور، بل قبل الدستور أيضاً سعى بعض أبناء الأسرة ومن معهم إلى مقاومة فكرة سيادة الأمة، بحكم أنهم باعتقادي لم يتشربوا المفهوم الديمقراطي بشكل جيد، على الرغم من المحاولات الحثيثة لبعض أبناء الأسرة لترسيخ هذا المفهوم، وأبرزهم المغفور له عبدالله السالم.
فرغم التزام الشعب، ولمئات السنين، بالعقد الشفهي قبل الدستور، والذي تحول إلى نص مكتوب بعده بأن من يتولى الإمارة في الكويت هم أسرة واحدة ومن ذرية مبارك الصباح، فإن محاولات بعض أبناء الأسرة، وعلى الرغم من هذا الالتزام الشعبي المرسخ في كل الأزمات التي مرت على البلاد، أقول إن محاولات بعض أبناء الأسرة لتغيير هذا العقد مستمرة وحثيثة لتحويل المواطنين إلى رعايا، والشواهد كثيرة على هذه الممارسات التي جوبهت في معظم الأحيان، وكانت الغلبة للشعب والملتزمين بالدستور من أبناء الأسرة.
عموما فإنه، وعلى ما يبدو، قد انتقلت عدوى مسعى بعض أبناء الأسرة لنقض الدستور إلى بعض النواب وبشكل واضح جدا على خلفية اعتقال السيد جدعان الهذال يوم الخميس الماضي، وإليكم تصريحين من نواب حازوا مراكز متقدمة في الانتخابات الماضية.
فحائز المركز الأول بالدائرة الثانية د. جمعان الحربش يقول “نرفض المساس به فهو رأس قبيلة عريقة”!!
وحائز الـ14 ألف صوت في الدائرة الرابعة علي الدقباسي يقول “قرار لا يليق برجل مكانه صدر المجلس”!!
وبغض النظر عن أسباب الاعتقال وصحتها من عدمها فإن التصريحين يحملان نفساً غريباً لا يمتّ لا لدستور الدولة ولا للقانون بأي صلة، فرفض الحربش المساس بالسيد الهذال لم يكن على أساس قانوني بل لأنه رأس قبيلة عريقة، والحال نفسها تنطبق على الدقباسي الذي يرفض القرار لأن الرجل مكانه صدر المجلس.
وهذان الاسمان يطالبان اليوم بحكومة منتخبة، وهو أمر لا بد من الوصول إليه كتطور ديمقراطي طبيعي في حال توافر الأرضية الصلبة التي تقوم عليها الحكومة المنتخبة، إلا أن تصريحات هذين النائبين تثبت بشكل قاطع أن الوضع لن يتغير في حال الحكومة المنتخبة بهذه الظروف والاستثناءات ستكثر، فهذا شيخ قبيلة، وآخر أمير عشيرة، وثالث مرجع ديني، وكلهم يستثنون من القانون لمكانتهم الاجتماعية، وبدلاً من ترسيخ المساواة بين الجميع والصراع من أجل الوصول إليها نتحول إلى دويلات داخل الدولة، الاستثناء فيها هو الأصل.
الوضع في بلادي خطر، فعلى ما يبدو أن الكثيرين من أبناء وطني يريدون أن يكونوا هم الاستثناء، ولا يسعون إلى المساواة والعدالة إلا في حالة ضعفهم فحسب، أما من يلتزم بالمبدأ ويحافظ عليه فهو المنبوذ والمرفوض.
إن ما يحدث اليوم هو نتيجة حتمية لغياب قرار واع يحرص على أن تكون أسس العدالة والديمقراطية والمساواة والحرية منهجاً إلزامياً يدرّس، ويغرس طوال السنوات الدراسية الاثنتي عشرة لنتمكن على الأقل من صناعة جيل جديد يصحح كوارث من سبقه.
الخونة ـ العلمانيون ـ المزدوجون..!
يقول علماء السياسة إن «التاريخ» هو مختبر السياسة ونظريته، لأنه من الصعب أن تختبر مقولة أو فرضية سياسية إلا بإحالتها إلى حوادث سياسية تاريخية ومن ثم تعرف إن كانت فرضيتك صحيحة أم خاطئة.
الحراك السياسي والديموقراطي في الكويت بدأ منذ عام 1938، على أيدي تجار الكويت الذين تعلموا في العراق آنذاك واعجبوا بالحياة الديموقراطية الناشئة فيها، وحاولوا تطبيقها في بلدهم، وعلى الرغم أنهم نجحوا في إقامة أول مجلس تشريعي له صلاحيات تنفيذية، إلا أنه لم يقدر لهذه التجربة الاستمرار، ولكنها استطاعت تحريك المياه الراكدة. مما لا شك فيه ان الكويتيين الأوائل ناضلوا من أجل الحرية والديموقراطية، واعتقل من اعتقل وقتل من قتل، واتهمت «قوى الظلام» آنذاك، بعض النشطاء السياسيين بأنهم «يدعون للوحدة مع العراق» لتنفر الناس من حولهم وتفشل حراكهم السياسي.
استمرت المطالبات وتوالت التجارب الديموقراطية حتى أصبح للكويتيين دستور يفخرون به وبرلمان منتخب منذ بدايات الستينيات من القرن الماضي، واستمرت «قوى الظلام» بمحاربة دعاة الديموقراطية من أمثال الخطيب والربعي والجوعان وكل من كان يفكر في طريقة حرة، وكل من يريد تطبيق الدستور ومحاربة الفساد، فما كان من دعاة التخلف والفساد إلا أن يتهموهم بـ «العلمانية والكفر» لينفروا الناس من حولهم وخاصة المحافظين والقبائل، وللأسف أيضا نجحوا في ذلك، على الرغم من أنهم كانوا ينادون باحترام الدستور ولم يسوقوا لأفكارهم السياسية.
تراجعت الكويت كثيرا بعدها، وحلت المجالس المنتخبة وعلقت مواد الدستور باسم محاربة العلمانية وزاد الفساد السياسي والاقتصادي.
والآن نرى قوى الفساد والتخلف تعيد الخطة نفسها و«للمرة الثالثة» لإيقاف قطار الديموقراطية وعرقلة الإصلاح السياسي، فبعد أن انتقل الحراك السياسي إلى أبناء القبائل وحلموا لواء محاربة الفساد وتطبيق الدستور، سارعت القوى الظلامية الى اتهام قيادات الحراك السياسي بـ «الشوارعيين» واتهموا الجموع الداعمة لهم بـ «المزدوجين»، وللاسف ـ كل مرة ينجح اعداء الديموقراطية في تحويل الصراع السياسي ـ بين قوى الفساد وقوى الإصلاح ـ الى صراع ديني أو طائفي أو عنصري.
من المؤكد أن الاسلاميين وابناء القبائل عرفوا الخطة واسترعبوا «نظرية القوى الظلامية» والسؤال الآن: متى يستوعب التحالف الوطني والمنبر الديموقراطي الدرس، ويترك الاختلاف الأيديولوجي مع القوى السياسية الأخرى، ويهتم بالمشتركات الوطنية من اجل الاصلاح السياسي؟
فمن غير المقبول ألا يدعى إلى ندوة الصقر، ممثلون عن القوى السياسية والاجتماعية والتي تمثل اغلب مناطق الكويت ومكوناته، كما ان خطاب المتحدثين فيه الكثير من الازدراء للآخرين، واتهام الاغلبية باستقوائها بالشارع ووصفها بالخروج على القانون.
الاغلبية تعلموا السياسة من التاريخ، ولم تعد تنطوي عليهم مصطلحات ـ الخونة ـ العلمانيون ـ المزدوجون ـ وكل التهم التي تقاوم بها «الصحوة السياسية» وروادها ومريديها.
«ستينغر» هو الحل الوحيد للمسألة السورية!
انقرض الغزال أو كاد، عندما قام بعض «القناصة» باستخدام الطائرات العمودية لصيده، حيث لم تعد له فرصة للنجاة، الإنسان كذلك يستطيع ان يصد أذى كثير من الأسلحة الفتاكة كالطائرات النفاثة والدبابات والمدافع، إلا انه لا يقدر على مواجهة قوات تستخدم الطائرات العمودية لبطء وخصوصية حركتها.
***
بقي الجيش الأحمر مسيطرا على الأوضاع في أفغانستان لعشر سنوات حتى سلمت الولايات المتحدة صواريخ «ستينغر» المحمولة على الأكتاف للمجاهدين الأفغان، وبدأت الطائرات العمودية السوفييتية تتساقط كالذباب فأعلن الاتحاد السوفييتي هزيمته وخروجه من أفغانستان فصاروخ صغير لا تزيد قيمته عن آلاف قليلة من الدولارات يسقط طائرات قيمتها عشرات الملايين ومقتل الطيارين والجنود الذين بداخلها.
***
بعد تحرير الكويت عام 1991 وبدء شرارة الثورة الشعبية العراقية في 14 محافظة تم السماح للقادة العسكريين العراقيين المتواجدين في خيمة صفوان بإمكانية استخدام الطائرات العمودية وهو ما أفشل الثورة الشعبية (أول ربيع عربي) وأجل عملية تحرير العراق 12 عاما كاملة توفي خلالها آلاف العراقيين.
***
العين لا تستطيع مقاومة الإبرة والحل الوحيد لنضال الشعب السوري البطل هو بتزويد الجيش السوري الحر والقوى «الليبرالية والوطنية» بصواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات وحتى صواريخ «جافلين» المضادة للدروع وان كان هناك من لا يأتمن القوى «الإسلامية» على مثل تلك الأسلحة خوفا من ان تقع بيد المتشددين، ودون ذلك ستبقى دماء الشعب السوري تسيل أنهارا حتى تصل للنهاية المحتومة وهي استحالة تعايش مكونات الشعب السوري بعضها مع بعض ومن ثم الانشطار والانقسام والتفتيت.
***
آخر محطة:
(1) لو كان العالم يشهد مقتل 100 هر كل يوم لثارت شعوبه ومنظماته وأوقفت تلك المذابح، كيف للعالم ان يصمت أمام قتل 100 إنسان سوري كل صباح بدم بارد؟! لست أدري!
(2) يذكر لي صديق إعلامي سوري ان مذابح سورية قد أسقطت المبرر الأخلاقي للصراع العربي ـ الإسرائيلي، أما الأراضي ـ حسب قوله ـ فيمكن بسهولة التفاهم حولها مستقبلا.
المؤامرات المخجلة
انقلاب يوليو 1952 في مصر كان مؤامرة، وهكذا مع انقلاب تموز العراقي، وكذا الانقلاب على حميد الدين اليمني، والخميني على الشاه، فجميع هذه الانقلابات والثورات دبرتها المخابرات الغربية! وتكرر الأمر ذاته في تونس على بورقيبة وعلى بن علي بعدها، وفي مبارك مصر وقذافي ليبيا، مرورا بالسفيرة إبريل كلاسبي، وكيف «خدعت» صدام واغرته بغزو الكويت! وحتى حرب 2003 على العراق مؤامرة، بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وزادوا على ذلك بأن ما يجري من عقوبات اقتصادية وتهديد عسكري لإيران يصب في نهر المؤامرة نفسه، ولا ننسى طبعا وصول الإخوان للحكم في مصر وتونس، وهكذا مئات المؤامرات تصاغ في وكالات وأجهزة المخابرات الغربية ضدنا يوميا طامعين في مياهنا ومعادننا وبترولنا وارصدتنا النقدية، هذا غير رغبتهم في القضاء على عاداتنا وتخريب معتقداتنا والفتك بديننا! ولكن الغريب ان لا أحد من هؤلاء حاول أن يتساءل يوما: لماذا نحن؟ لماذا لم يتآمروا في نصف القرن الماضي على ماليزيا، وهي مفرطة الغنى، أو تركيا، وهي ليست اقل إسلاما وغنى من ماليزيا؟ ولماذا لا تآمر هناك على النرويج والمكسيك، وبترولهما وغناهما يتجاوز اضعاف ثروات كل الدول العربية؟ ولماذا التركيز الشديد علينا نحن بخلاف هذا العالم، غير متناسين ما حصل ويحصل في أفريقيا واميركا الجنوبية وغيرها؟ هل لأننا صيد سهل وجهلة؟ أم لأننا نشكل خطرا على الغرب؟ أعتقد أن كل ذلك إضافة للسبب الأهم وهو أنظمة حكمنا الدكتاتورية وجهلنا في إدارة ثرواتنا بطريقة سليمة، وفساد سياسيينا، فالمؤامرة، بالرغم من رفضي لها بمعناها الكلاسيكي، أمر تتبعه كل القوى الكبرى! فلا يمكن أن يعتمد الغرب مثلا على مادة حيوية، كالبترول، ولا يخطط في كيفية استمرار تدفقه لمصانعه ومركباته وطائراته بسلاسة وشروط عادلة! وبالتالي ليس بإمكانه ترك الأمر للصدف، بل يتطلب الأمر تخطيطا محكما، ويكون غبيا إن لم يفعل ذلك. ولو كنا نحن، لاعنو المؤامرة، في وضعه لما ترددنا في القيام بالشيء ذاته. وبالتالي فإن ما يجذب «ذباب المؤامرات» لنا هو عسل جهلنا وتخلفنا وتمسكنا بدكتاتورياتنا، فالدكتاتورية هي السلطة المطلقة والسلطة المطلقة فاسدة ومفسدة، والفساد يؤدي إلى تآمرنا على الآخر وتآمر الآخر علينا، اما لأخذ نصيبه من الكعكة أو لضمان «حقوقه» في ما نملك، فمادة كالنفط ليست حقا مطلقا لمن ينتجها! وبالتالي لتجنب تآمر الآخرين علينا يجب أن نحتاط للأمر بالتخطيط السليم وأن نحترم انفسنا وشعوبنا وكراماتنا، وهذا لا يمكن أن يتحقق بغير التحول لدول ديموقراطية يكون فيها القرار للأمة وليس لفرد دكتاتور، فحرب العراق على إيران واحتلالها للكويت، كمثالين حديثين، لم يكونا ليقعا لو كان العراق ديموقراطيا! ومبارك ما كان ليسقط لو كانت مدة حكمه «الشرعية» قد قاربت على الانتهاء! والقذافي ما كان ليقتل كالفأر وتدمر بلاده «بمؤامرة دولية» لو كان مؤمنا بتداول السلطة ويعرف شيئا اسمه دستور! وقيام صدام بقتل عشرات الآلاف من شعبه بأسلحة محرمة ما كان ليقع لو كان القرار جماعيا، ولو كان العراق ديموقراطيا! وهكذا مع سوريا الأسد، التي كان من الممكن ان تكون أغنى واجمل الدول العربية وأكثرها حصانة من المؤامرة، لو كانت تتمتع بنظام ديموقراطي السلطة فيه للأمة وليس لفرد أو عائلة!
شيء مخجل حقا!
أحمد الصراف