تعلمت كما تعلم الكثير من أبناء جيلي منكم، وقدمتم رسائلكم في الماضي بأنسب وأفضل شكل ممكن دون تكلّف أو تصنّع أو إقحام للقيم بطريقة التلقين كما يفعلون اليوم وأنتم تشاركونهم أحيانا. فمن “خالتي قماشة” تعلمت أن الحب لا يفرض بل يزرع بالكلمة الطيبة والسلوك الحسن، ومن “مدينة الرياح” و”عجاج” و”علقم” تعلمت الخير والشر بأبسط شكل، ومن “الغرباء – كامل الأوصاف” تعلمت أن الشجاعة غير مرتبطة بذكر أو أنثى، ومن “على الدنيا السلام” عرفت عن أنماط بشرية كثيرة ومشاكلها وهمومها اليومية، و”درس خصوصي” قدم درساً في المعاملة الزوجية، وأفضل الدروس الأسرية في “إلى أبي وأمي مع التحية”، وجزء من التاريخ أخذته من “الأقدار” و”درب الزلق” و”بس يا بحر” وغيرها من أعمال رائعة كـ”رقية وسبيكة” و”خرج ولم يعد”، وغيرها العشرات التي قدمت أفضل وأسمى المعاني بجهودكم وتعبكم أنتم ومن معكم. وتعلقت بحب الوطن من صوت رويشد وعبدالكريم ونبيل وشادي الخليج وسناء الخراز، كل هذا قدمتموه لي ولمن معي من أطفال في ذلك الحين، ومازلت مديناً لكم بكل هذه الدروس طيلة عمري. اليوم اختفى كل هذا الجمال، وفنيت كل تلك الدروس بصفعات وشتائم واغتصاب ومخدرات واستجداء الضحك أحيانا، وهو أمر ساهمت فيه الدولة بدور أساسي مع حلفائها لتهمش صوتكم، بل تلغيه، فرضختم ولم تقاوموا بل قبلتم أن تنجرفوا لهذا الوحل الكريه. وكل يوم تقدمون تنازلاً تلو الآخر حتى بات ما يعرض في التلفزيون لا يحمل هويتنا، وغير مرتبط بحياتنا لا من قريب ولا بعيد. فرضوا الرقابة السخيفة على أعمالكم فقبلتم، حولوا المسارح إلى مبان مهجورة فسكتّم، أقحموا كل تاجر بأعمالكم فشاركتم، جعلوكم تقيمون حفلاتكم في صالة تزلج لمدة عشر سنوات فتسابقتم عليها، وهاهم أمس يمنعونكم حتى من عرض مسرحية أطفال وينقلونها إلى موقع آخر لا لشيء بل لمجرد تهديد نائب فتقبلتم الأمر. أساتذتي حياة وسعاد وعبدالحسين وسعد والصلال والعقل وداود ومريم وهدى وعبدالكريم ورويشد ونبيل أنتم مسؤولون عن هذا التردي، فلا تكتفوا بعبارة “الحكومة مو مقصرة”، بل مقصرة وتقتل إبداعاتكم حتى بتنا بلا جيل ثانٍ منكم قادر على مواصلة مسيرة الفن الجميل الذي يقدم دروساً قد نحتاج إلى سنوات لأن ننالها لولاكم. لا تقبلوا بواقع حكومي تعيس أو بمجاملة وزير، واسالوا أنفسكم في ظل هذه الحكومة وهذه العقليات: هل ستتمكنون من تقديم ما قدمتموه في السابق؟ الإجابة قطعا لا فساحتكم استوطنها المهرجون وبعض من يعرض الأجساد على الشاشة. الأمر لا يعنيكم وحدكم، بل سكوتكم يقتل مجتمعاً كاملاً، فبالفنون الحقيقية والثقافة ترتقي المجتمعات، وما هذا التقهقر الذي نعيشه والتردي بشتى المجالات إلا نتيجة حتمية لخضوعكم لمن لا يستحق أبدا. عودوا إلى الواجهة، فأنتم قطعا أفضل من كل من في الواجهة من نواب ووزراء وغيرهم، وأعيدوا الزمن الذي يجعلنا نحفظ أعمالكم وكل حرف تنطقونه من هذه الدروس.