احمد الصراف

تكلم.. لكي أراك

وقف رجل وسيم وأنيق أمام سقراط، وأخذ يتبختر في مشيته ويتباهى بمنظره، فقال له سقراط: تكلم حتى أراك! ولو فكر الكثيرون منا في مدى عظمة هذا القول لاختاروا الصمت، قولا وكتابة، ولا استثناء هنا! فالغالبية تظهر حقيقتها عندما تنطلق في الكلام، وكثيرا ما نتمنى لو أن البعض بقي صامتا، فالكلام هو ما يميزنا كبشر، إضافة بالطبع لأفعالنا. وما هو محير هو ذلك الإصرار الذي يبديه البعض، ومنهم رؤساء دول، في الظهور على التلفزيون وإلقاء الخطب، بالرغم من أن قدراتهم لا تساعدهم حتى على إنهاء قراءة «بسم الله الرحمن الرحيم» من دون ارتكاب خطأ في اللفظ! وما يود سقراط قوله هنا أنه لا يرى البشر كما يبدون، بل بما في استطاعتهم قوله. وهنا نجد أن لغات العالم الرئيسية تبلغ نحو 1300 لغة، وهو رقم مختلف عليه بشكل كبير، ولكن اللغات المعتمدة في منظمة الأمم المتحدة، والتي تدون بها جميع مستنداتها، هي ست: الإنكليزية والمندرين (الصينية) والفرنسية والروسية والاسبانية والعربية. أما اللغات العشر الأكثر تحدثا، كلغة أم، فهي المندرين، لغة مليار صيني، تليها الإنكليزية بنسبة النصف، حيث لا يتحدث بها أكثر من 490 مليونا، ومن بعدها الهندية بأقل قليلا من ذلك، ثم الاسبانية ومن بعدها الروسية والعربية والبنغالية والبرتغالية، أي لغة البرتغال والبرازيل وانغولا ومكاو ودول أخرى صغيرة، ثم تأتي بعد ذلك لغة المالاي في ماليزيا وأجزاء كبيرة من أندونيسيا، وأخيرا الفرنسية! إلا أن الإنكليزية تبقى لغة العالم الرسمية والأكثر انتشارا، واللغة الثانية لغالبية البشر. كما أن اتقانها مسألة حيوية لكل العاملين في الملاحة الجوية والبحرية، فهي لغة التواصل والاتصالات.
وقد كسبت الإنكليزية مكانتها بداية بفضل أنشطة إنكلترا الاستعمارية ودورها الريادي في الكثير من الاكتشافات والاختراعات، واكملت الولايات المتحدة مهمة نشرها بثقافتها الجديدة وأدبها الحديث وفنونها وبما أنجزته وقدمته للعالم من كلمات حديثة في الطب والكمبيوتر والفضاء وفي غيرها.
نعتقد للوهلة الأولى أن غالبية دول العالم تعرف بلغاتها، أي أن الهندية يتكلمها الهنود، والبرتغالية يتكلمها البرتغاليون، ولكن بالتدقيق أكثر نجد أن العكس هو الصحيح، فغالبية دول العالم تختلف أسماؤها عن أسماء لغاتها، فالصينيون والتايوانيون يتحدثون المندرين، ولغة الفلبين هي التاكالوك، والنيذرلاندز وغالبية البلجيك يتحدثون الدتش، والبرازيل تتحدث البرتغالية، أما النمسا فلغتها الألمانية، كما نجد أن إنكلترا هي الوحيدة التي يتطابق اسمها مع لغتها ولكنها جزء من المملكة المتحدة او بريطانيا، وبالتالي فإن جميع الدول الناطقة بالإنكليزية، وعددها يزيد على الستين، ومنها دول الكومنولث والولايات المتحدة تختلف تسمياتها على تسمية لغاتها، وكذا الأمر مع مجموع الدول الناطقة بالفرنسية أو الاسبانية والعربية. وبالمناسبة فإن إطلاق تسمية هولندا على النيذرلاندز Netherlands غير دقيق، فرسميا لا توجد دولة بهذا الاسم، والاسم قديم ويعود لإحدى مقاطعاتها، ولا يستخدم في الداخل إلا تجاريا. كما لا توجد لغة سويسرية، حيث يتحدث هؤلاء بأربع لغات، الألمانية والفرنسية والإيطالية إضافة إلى أقلية تتحدث بلغة هي خليط من اللغات الثلاث.

أحمد الصراف

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *