حسن العيسى

كي لا نجتر أخطاء تجربة أفغانستان

لا يقل خطر إرهابيي “القاعدة” على الثورة السورية عن خطر النظام ذاته الذي يحاربه الثوار، فكل التعاطف والمساندة اللذين يتلقاهما الجيش السوري الحر من الدول الأوروبية والولايات المتحدة سيحترق تماماً مع كل تفجير انتحاري يقوم به أفراد “القاعدة”، أو حين يوزعون شريط فيديو مرعباً يماثل الأشرطة التي كانت تنشرها “القاعدة” في العراق من بطولة الزرقاوي وخالد الشيخ محمد وغيرهما من مهووسي العقيدة الدينية. الخبر الذي جاء بشكل “مانشيت” كبير في “نيويورك تايمز” عدد الأربعاء الماضي عن ضلوع جهاديي “القاعدة” في عمليات ضد نظام الأسد، يثير القلق، فهذه الجريدة لا تنجم ولا تقرأ الفنجان المقلوب كي تعرف ماذا يحدث في المأساة السورية، فلها اتصالاتها مع أجهزة المخابرات الأميركية، وبالتالي فهي تقرع جرس الإنذار لدول الغرب كي تفكر في ما قد تنتهي إليه الأمور في سورية.  فيروس مرض “القاعدة” إذا توطن في جسد ثوار سورية، فهذا يعني بداية النهاية للثورة، ما لم يتدارك الثوار خطورة مشاركة جهاديي “القاعدة” معهم، ومهما كانت أوضاع الثوار صعبة حين يواجهون ببنادقهم البسيطة دبابات وطائرات النظام الأسدي فإن تصفية فيروس “القاعدة” من جسد الثورة مسألة يجب أن تكون لها الأولوية عندهم. كذلك يفترض، أن يوجه التحذير من وباء “القاعدة” إلى الدول الخليجية التي تضخ أنظمتها الأموال والدعم للثوار السوريين، فعلى هذه الدول أن تميز بين الثوار والإرهابيين الأصوليين، فالثوار ينشدون الحرية والكرامة، بينما الإرهابيون يبحثون عن الانتقام من أي طائفة أو فريق ليس منهم، والأنظمة الخليجية التي اصطفت مع الثورة السورية للروابط المذهبية والقبلية ولمواجهة الامتداد الإيراني في المنطقة العربية، لابد أن تفتح عيونها جيداً على مصارف التبرعات والمساعدات التي تضخ لسورية، وتنتبه لهجرات الجهاد المتجهة من أراضيها إلى سورية، فالبؤساء الذين شردوا من قراهم ومدنهم وأضحوا لاجئين في تركيا ولبنان، ومعهم كل الضحايا المدنيين في الحرب الأهلية هناك، كل هؤلاء يجب أن تكون لهم الأولوية في المساعدة الإنسانية. على دولنا الخليجية أن تقلق من الغد، ليس من أجل سورية الجريحة التي يتهددها التقسيم الطائفي وتهيمن عليها اليوم الحروب بالوكالات حالها من حال لبنان الأمس وربما الغد، وإنما من أجل هذه الدول  ذاتها، ففي الثمانينيات هللت دولنا للمجاهدين الأفغان الذين كانوا يحاربون السوفيات، وباركت لهم ودعمتهم بالمال والدماء، وبعد  خروج السوفيات، أزاح المجاهدون قناع الراحل عبدالله عزام ليظهر لدولنا وحش فرانكشتين على هيئة بن لادن والظواهري ومن  تبعهما من حثالات الهوس الديني، وغشانا الغثيان بمشاهد قطع رقاب في العراق أو باكستان، وإقامة حد الزنى على فتيات صغيرات في ملاعب كرة القدم في قندهار، والرصاص والمتفجرات التي دفعت دول الخليج ثمنها مقدماً، ارتدت علينا في السعودية وفي الكويت، فهل نتعظ اليوم مما حدث، وهل نقدر أن سورية ليست أفغانستان ودمشق ليست كابول، وليست حلب اليوم قندهار الأمس. دعم الشعب السوري مسألة يجب ألا يكون عليها خلاف، لكن على دول الخليج أن تتعظ من الماضي وتكف عن اجترار الأخطاء.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *