نعم، نحن السبب؟ أقصد بـ «نحن».. أنا وأنت وهي وهو وهم من الناس الذي يخطئون خطأً فادحاً وقتما يصدقون بعضاً ممن يطلق عليهم (مشايخ وعلماء) وهم في الأساس مجموعة من الجهلة وربما كان بعضهم فاسقاً من رأسه الى أخمص قدميه! ويأخذون منهم الفتوى والحكم الشرعي! وإن استمر الحال على هذا المنوال، ووجد الجاهل المغفل المحتال نفسه عالم دين… رحنا ملح من الزين!
جميل جداً أن يكون هناك مشايخ وعلماء ومثقفون دينيون يصححون للناس ما أوقعهم فيه (شيوخ الحيلة والمطنزة والعازة)، والمسألة لا تقتصر على مذهب أو طائفة معينة! بل ابتلى المسلمون بكل طوائفهم بظاهرة (الانتشار الإعلامي) لشخصيات لا علاقة لها بالدين الإسلامي إلا ما تحفظه أو يتم تلقينها به قبل كل حلقة فضائية! خواء تام بلا علم ولا معرفة ولا خوف من الله سبحانه وتعالى، ولعل من أطرف ما سمعته في أحد البرامج الدينية، ما صححه الشيخ مقدم البرنامج لإحدى الأخوات التي اتصلت من النرويج لتتأكد من مدى صحة ما أفتى به (الشيخ الطرطنقي) الذي توجهت له بالسؤال واستفته هناك في النرويج عن طول ساعات النهار في شهر رمضان، فأجاز لها الإفطار حين يحين وقت الإفطار في المملكة العربية السعودية! أي أن تضع تلك المسكينة جهاز التلفاز على السعودية وما أن تسمع الأذان حتى تفطر هي وعائلتها.. وليس مهماً إن كانت الشمس في الخارج ساطعة!
المشكلة أن المرأة توجهت لتسأل وتتأكد بعد أن أضاعت على نفسها ثلاثة أيام وهي تفطر حين تسمع الأذان عبر الفضائيات، وجزاه الله خيراً ذلك الشيخ الذي قال… وكأنها تسمع معلومة خطيرة لأول مرة في حياتها: «يا أختي لا تفطري إلا بعد مغيب الشمس!».
ومن نماذج أهل الفتوى والإرشاد الديني (فلتة زمانهم)، ذلك الذي سأله بعض الشباب عن حكم لبس «القبعة»! ويا لهول الإجابة.. فالقبعة، حين تكون بـ «رفرف» أي أن تكون لها مظلة أعلى الجبين.. لا يجوز استخدامها وهي حرام! أما التي ليس بها «رفرف».. أي ليس لها مظلة، فتلك جائزة.. لأن الرفرف (المظلة).. تؤثر على العين.. فيما غير (المرفرف) لا يؤثر على العين… أي والله جزاكم الله خيراً يا فضيلة الشيخ على هذا العلم الغزير.
ويتجه أحد الرجال ليسأل ويستفتي شخصاً كان ولا يزال حتى لحظة اكتشاف (خبله) يعتبره من أهل الدين والتقوى! عن حكم من يتستر على مجموعة من المفطرين معه في العمل ممن يتعمدون المجاهرة بالإفطار وعدم احترامهم مشاعر المسلمين لينصحه: «يتوجب عليك ترك العمل في ذلك المكان حالاً»… وكأن كل الأبواب مغلقة وأن عليه – بدلاً من أن يتم تطبيق القانون على أولئك- ينصح هذا المسكين بترك عمله! شدعوة الوظائف محذفة في الشارع يا شيخ!
المهم يا أعزائي… إننا كلما توجهنا إلى مثل أولئك.. لمجرد إننا سمعنا من هنا وهناك أن فلان (شيخ زمانه).. نابغة عصره والعالم النحرير.. وصار البعض منا يعلي مكانتهم… فإننا بذلك نجني على المجتمع الإسلامي كله وليس على أنفسنا فحسب.. لكن تعالوا لنلطف الجو قليلاً مع ما نقلته لكم من كتاب (بستان رمضان) لمؤلفه محمد مبارك:
كان أحد الفقراء يسكن في بيت قديم، وكان يُسمع لسقفه قرقعة مستمرة لأية حركة، فلما جاء صاحب المنزل، قال له الساكن :»أصلح السقف، أصلح الله حالك»، فأجابه صاحب المنزل: لا تخف، إن السقف صائم يسبح ربَّه! فقال الساكن :»أخشى بعد الإفطار أن يطيل السجود وهو يصلي القيام، فلا يقوم ولا أقوم!».
وهذه طرفة أخرى جميلة من كتاب (رمضانيات…أدب فن نوادر) لمؤلفه مصطفى عبد الرحمن: جاء رجل يومًا إلى فقيه يستفتيه، فقال له :«لقد أفطرت يومًا في رمضان بعذر»، فقال: اقضِ يومًا… قال: قضيت وأتيت أهلي وقد صنعوا (ميمونة)، فامتدت إليها يدي وأكلت منها.. قال: فاقض يومًا آخر.. قال قضيت وأتيت أهلي وقد صنعوا (هريسة)، فسبقتني يدي إليها وأكلت منها.. قال: الرأي عندي أنك لا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك!
أما هذه فنختم بها ونسألكم الدعاء.. كان أحد الأئمة يقيم الصفوف للصلاة، والمعلوم من حال كبار السن وجود بعض التهاون في سد الفرجات في الصف إلا من رحم الله، فطلب منهم الإمام المرة تلو الأخرى أن يسدُّوا الفرجة في الصف، وألاّ يدعوا فرجةً للشيطان، ولكنهم لم يحرِّكوا ساكنًا! فلما أكثر عليهم الإمام صرخ أحدهم غاضبًا: «إن كان الشيطان سيأتي في الفرجة فدعه يصلي معنا! هذا شيء طيِّب!».