سامي النصف

رسالة إلى ولدي

  في يوم من الأيام ستراني عجوزا، غير منطقي في تصرفاتي، عندها من فضلك أعطني بعض الوقت والصبر لتفهمني، فعندما ترتعش يدي فيسقط الطعام على صدري، أو عندما لا أقوى على لبس ثيابي وحدي، تحل بالصبر معي وتذكر سنوات مرت علينا وأنا أعلمك كيف تأكل وتلبس.. وإذا حدثتك بكلمات مكررة أو غير مفهومة وأعدت عليك ذكرياتي فلا تغضب أو تمل مني، فكم كررت لأجلك قصصا وحكايات لأنها فقط كانت تفرحك وتسعدك، وكم كنت تطلب مني ذلك وانت صغير فعذرا منك ان تسببت لك في الملل أو الضيق الآن وانت كبير..

وإن لم أعد أنيقا أو جميلا فلا تلمني واذكر محاولاتي العديدة في صغرك لأجعلك أنيقا وجميلا، ولا تضحك مني إذا رأيت جهلي وبطء استيعابي لأمور جيلكم ولكن كن أنت عيني وعقلي لألحق بما فاتني إن سمح وقتي المتبقي فأنا من أدبتك وعلمتك منذ الصغر كيف تواجه الحياة ولقّنتك أن تقابل الإحسان بالإحسان.

ولا تمل من ضعف ذاكرتي وبطء كلماتي أثناء محادثتك لأن سعادتي من المحادثة أن أكون معك فقط، وعندما تخذلني قدماي في حملي الى المكان الذي أريده كن عطوفا معي وتذكر كم أخذت بيدك كي تستطيع أن تمشي، فلا تستحي أن تأخذ بيدي اليوم فغدا ستبحث عمن سيأخذ بيدك.

يا ابني.. في سني هذه اعلم اني لست مقبلا على الحياة مثلك ولكني ببساطة انتظر الموت فكن معي ولا تكن علي، وعندما تتذكر شيئا من أخطائي التي قد تكون أغضبتك فاعلم اني لم أكن أريد دوما سوى مصلحتك، وان أفضل ما تفعله معي الآن ان تغفر زلاتي وتستر عوراتي فمازالت ضحكاتك وابتسامتك تفرحني وغضبك يزعلني تماما كما كنت صغيرا فلا تحرمني من صحبتك في آخر عمري، كنت معك حين ولدت فكن معي حين أموت.

والدك المحب لك.

***

آخر محطة: الرسالة أخذتها من الإنترنت بتصرف.

احمد الصراف

حمارة القايلة في الدانمرك

تقول الطرفة ان آدم وحواء كانا حتماً لبنانيين، فقد عاشا من دون كهرباء ولا ماء ولا طرقات معبدة ولا خدمات، ومع هذا اعتقدا انهما يعيشان في الجنة، وهكذا حال اللبناني، الذي لو سألته عن بلاده، أو ربما ضيعته، لقال انها الجنة أو شيء من ذلك، ومع هذا لا يتردد في الهجرة بحثاً عن عمل أفضل، ولو في النار! وربما مع اللبناني الحق في أن يشعر بأن بلاده جنة، فالحقيقة أن به كل ما يتمنى المرء، ولكن أحياناً لا يدركه! فلبنان يتميز بهوائه العليل، وخدماته الطبية والتعليمية، وسياحته، من طعام وفنادق وبحر وتزلج ومصايف، ولكن «الحلو ما يكمل»، فمشاكل لبنان أكبر من حجمه بكثير، ولكن هذه قصة أخرى!
الطقس الجميل يجعل النفس جميلة ومن يعيش فيه أسهل معشراً ممن يعيش في الجبال والصحارى المقفرة، حيث تغلب على سكانه الخشونة والجلافة حتى، وبالتالي نرى ان للطقس، وفي أي بقعة على الأرض، تأثيره الرهيب على تصرفات الإنسان ومعيشته وأخلاقه وطعامه ولباسه وحتى آرائه، فالإنسان ابن بيئته، فسكان الصحراء عادة حذرون لا يرحبون بالغريب، فليس عندهم ما يعرضونه عليه، بعكس سكان الثغور البحرية، الذين تنفرج ثغورهم لرؤية غريب، فهذا يعني انه بحاجة لطعام وشراب ومسكن، وربما أشياء «لطيفة» أخرى، وهذه جميعها معروضة للبيع! كما نجد للطقس تأثيره على نوعية ما يتم تناوله من طعام، فأهل الكويت مثلاً، والخليج عموماً، لا يستسيغون تناول المأكولات البحرية في وجبة العشاء، وسبب ذلك يعود لما توارثوه من عادات ليست بالقديمة كثيراً، فقد كان السمك يشترى صباحاً، وكان لا بد من تناوله في وجبة الغداء، فعدم توافر البرادات صعب من عملية حفظه طازجاً! كما لم يكن أحد يستسيغ تناول السمك مساء عند غيره خوفاً من ألا يكون طازجاً!
وبالرغم من توافر البرادات الآن فإن نسبة كبيرة من الكويتيين لا تزال على عدائها القديم لتناول السمك ليلاً! ونجد عكس ذلك في المناطق الباردة، حيث لا يتردد سكانها في تناول أي شيء في أي وجبة، فهم يقومون بتجفيف الأسماك وتدخينها بطرق عدة، ويتناولونها مقددة طوال العام، فبرودة الطقس تحفظها في حال جيدة لسنوات عدة! كما نجد ان الملابس التي يرتديها الخليجي أو الآسيوي بشكل عام خفيفة ورخيصة، وخياطتها غير معقدة، فالدشداشة هي الأنسب ـ والأرخص ـ للطقس الخليجي. وعندما يسوء الطقس تنخفض الأنشطة البشرية والتواصل الاجتماعي إلى الحد الأدنى، ولكن ما أن تشرق، خاصة في البلاد الباردة، أو يبرد الطقس في البلاد الحارة، حتى تزداد الزيارات وتتآلف القلوب ويلتقي الأحبة، ويزداد رواد المقاهي والمطاعم! وأذكر اننا عندما كنا صغاراً كان أهالينا يخيفوننا بـ«حمارة القايلة» التي ستعضنا إن خرجنا من البيت ساعة الظهيرة، والقايلة هي ذروة الحرارة! وطبعاً من السخف محاولة إخافة طفل دانمركي مثلاً بحمارة القايلة، فهؤلاء يبحثون عن الشمس بالتفك! كما نقول باللهجة المحلية، والتفك هو البندقية، والتفنكجي هو صانع البنادق، والكلمة فارسية ويستخدمها الأتراك، وهناك أسر في لبنان وسوريا والسعودية تحمل هذا الاسم!

أحمد الصراف