حسن العيسى

براقش في حضن الحكومة أم حضن الأغلبية؟

لماذا الحكومة (شيوخ الديرة تحديداً) “تدور الطلايب”، وبين كل يوم وآخر تطلق بالونات اختبار، ماذا تريد بالضبط؟ وماذا يدور في رأس الحكومة ورؤوس مستشاريها! يبدو أن الحكومة تاهت وتوهت أحوالنا معها، أسابيع عدة مضت والدولة في “حيص بيص” بين جس نبض الشارع وقراءة ردود فعل المعارضين للسلطة ومنهجها (هذا إذا كان لديها منهج). الآن، وكالعادة، تتحدث الحكومة همساً على لسان الصحافة والإعلام، وبطريقة “عبر مصدر حكومي رفيع المستوى او موثوق به” (وكلها كليشهات مملة وخائبة تضج بها الخطابات الرسمية حين تتحاشى الشفافية وضرورات المواجهة) بأن الحكومة تدرس تحصين نظام الدوائر الخمس بإحالته إلى المحكمة الدستورية، فقد ظهر للحكومة بالمصادفة، وهي مصادفة حكم المحكمة الدستورية ببطلان المجلس الأخير، أن نظام الدوائر الخمس مخالف للدستور! ما هذا! بعد أكثر من خمس سنوات من العمل بنظام الخمس دوائر، اكتشف حصفاء الديرة أنه يفتقد العدالة، ما شاء الله، وكأن أعلام العدالة ترفرف عالياً على سطوح قوانين الدولة ومؤسساتها… فهل كانت العدالة أوفر حظاً في الخمس وعشرين دائرة، وهل الدوائر العشر التي يبشرون بها ستكون أكثر عدالة غداً حين يرسم فنانو السلطة والسائرون بهديها خرائطها. لا بد من الإقرار بأن مجالس الخمس دوائر لم تقدم جديداً على صعد الحريات أو التنمية البشرية، العكس هو الصحيح، فقد زادت الاستقطابات القبلية والطائفية، وانتهكت حقوقنا الخاصة، واستبدت الأغلبية بخطابها المتحجر ضد الشيعة والمختلفين معها، وزاد الفساد وأمراض مستعصية كالواسطات والمحسوبيات والرشوة، وكل أصناف الرداءة تراكمت في عهود مجالس  الخمس… ربما ليس بسبب نظام الخمس دوائر فقط، كي نكون منصفين، وإنما هناك أسباب إقليمية عربية، مثل الربيع العربي وما يصاحبه من هيجان طائفي وعرقي، ألقت بظلالها على هذه الدولة الصغيرة، لكن ماذا يمكن أن نعمل؟ وهل محنة الدولة سببها تقسيم الدوائر، أم أن المحنة كامنة في عقول الكويتيين وثقافتهم وعصبياتهم للقبيلة وللنسب العائلي وللطائفة وللشللية ومصالحها؟ سؤال لا بد أن يسأل اليوم، وهو أولى من حركات “جس النبض السياسي” أو التلويح بالاحتكام للمحكمة الدستورية، فليس من السهل تحديد مفهوم العدالة بالإنصاف والمساواة فقط، وليست هناك أجوبة مطلقة لفكرة  العدالة، وليست هناك خطوط قاطعة بين السياسة والقانون. لتدع الحكومة الدوائر على حالها، إن كانت تريد الاستقرار السياسي، وإذا كانت هناك قناعة بأن التقسيم الخمسي غير عادل، فلينطق بهذا الحكم المجلس المقبل، ومن أفواه الأغلبية وليس المحكمة الدستورية، فهم  من يعترض على الإحالة إلى المحكمة، وهم من يقول إن الحكومة لا تريد خيراً للديمقراطية حين تتأجل الانتخابات المفترضة لأجل غير معلوم ويبقى مجلس ٢٠٠٩ ببعض نواب الذمم المطاطية هماً على قلوب الناس.   فلتترك الحكومة للأغلبية – مهما صعب تجرعها- سلطة تعديل الدوائر، وإذا حدث أن تم الطعن بالتقسيم الخمسي، في ما بعد أمام المحكمة الدستورية، وبفرض أن المحكمة الدستورية قد (وقد مجرد احتمال) تحكم ببطلان التقسيم الخمسي للدوائر لغياب المساواة، عندئذ يمكن للسلطة الحاكمة أن تقول للمعارضة: على نفسها جنت براقش، “وزرع زرعتيه…”.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *