الفنان اللبناني يوري مرقدي ليس أفضل مني ولا “أطيب” خؤولة ولا عمومة، عندما أنشد “عربيٌّ أنا” وهو الأرمني، ولن يلومني لائم إن أنشدتُ، وأنا الكويتي: “سوريٌّ أنا”… وأكثر من ذلك، أظن أن يوري تفاخر بمن لا فخر لغالبيتهم، العرب، في حين أتفاخر أنا بشعب رفع شعار “بيدي لا بيد عمرو ولا مجلس الأمن”. سوريٌّ أنا من حماة، من حمص، من إدلب، من درعا، من ريف دمشق، من أحياء دمشق القديمة وأزقتها، ومن كل حارة شعبية وكل زقاق ضيق… سوري أنا من بلدة الماغوط، ومن حارة القباني، ومن مدينة حمزة الخطيب، ومن عائلة مفجر مبنى الأمن القومي… سوريٌّ أنا بكل ما أوتيت من فخر. وإذا كنت كتبت سابقاً: “قياساً إلى عدد النوابغ العرب المهاجرين والموجودين في أوروبا وأميركا… السوري هو الأذكى” فيمكنني اليوم إضافة كلمة واحدة إلى الجملة السابقة، “والأشجع”. نقطة على السطر. صدقاً، هذه هي المرة الأولى التي “يغلبني” فيها الفرح، ويربك حروف مقالتي إلى هذه الدرجة. ولا علاقة مباشرة لفرحي بمقتل السفاحين، لا، بل ليقيني بأن قواعد اللعبة ستتغير منذ اللحظة، فمع موت هؤلاء السفاحين ماتت قلوب أخرى لفرط خوفها، وحَيِيَت آمال كادت تموت لفرط يأسها، خصوصاً بعد ارتفاع عدد الشهداء بشكل يومي، وبعد مواقف روسيا، مربية الضباع. سوريٌّ أنا، وثوار سورية هم أول من شاهد هلال شوال… سوريٌّ أنا ولا صوت يطرب اليوم إلا صوت الرصاص وزغاريد الأرامل والثكلى… سوري أنا ولا لون أجمل من اللون الأحمر، ولا رائحة أزكى من رائحة البارود الأسود… سوري أنا وهديتي إلى كل أحبائي، وأضحيتي التي سأقسّمها على الفقراء في العيد الكبير “جثة بشار المعلقة على أعلى قمة جبل” ليتحول العيد الكبير إلى العيد الأكبر. سوريٌّ أنا… فمن أنت؟
اليوم: 19 يوليو، 2012
ضميرنا والياباني
تذكرت، وأنا أكتب مقال السبت الماضي عن السيدة اليابانية موري، كيف أن وازع الضمير عند اليابانيين أقوى منه عند غيرهم، وهذا ما جعلهم اكثر استقامة وخلقا منا بالرغم من ضعف وازعهم الديني، أو خوفهم من أي عقاب سماوي او جنة أو نار، تذكرت أن الايرانيين عندما لا يريدون اقحام الدين في قسم ما، فإنهم يقسمون بالوجدان! وبالبحث وجدت أن الضمير هو الوجدان، أو قدرة الفرد على التمييز بين الفعل الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل! والضمير هو الذي يؤدي الى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، والى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق أفعاله مع قيمه الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر، نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق، لدى كل طرف. والضمير يتطور وينمو ويكتسب قوته عن طريق التربية المنزلية والمدرسية والثقافة العامة. وفي هذا السياق، يقول الداعية السعودي عادل الكلباني، ان الكثيرين منا يُسك.تون ضمائرهم بصبغ أخطائهم بالشريعة، والبعض منهم يتحايل على الضمير أو ما بقي منه كي لا يلوم ولا يمانع الاستمرار في الخديعة، فتراه يحزم حقائبه الى بلد ما، في عطلة قصيرة جدا، هو ينوي الاستمتاع بامرأة، لكن ضميره لا يطاوعه فيحتاج الى أن يحتال عليه ليسكته في وهمه أن ما يفعله شرعي قد أفتى به العلماء، وهنا يقول لضميره: أنت ذاهب للزواج على سنة الله ورسوله، وان كنت تنوي الطلاق بعد يومين أو ثلاثة فالزواج صحيح! وان سأله ما تبقى من ضميره: أليست الأعمال بالنيات؟ فيسكته بأن الشروط والأركان تامة فالعقد صحيح. ويعود الضمير للتساؤل: حسنا، والخديعة والنية ألا تؤثران؟ فيسكته مرة أخرى: لا، لا أثر لهما فهما في القلب، لم نتفق على مدة، فالعبرة بصحة العقد لا بسلامة النية، وأننا نعمل بالفتوى، ولا نتحمل خطأ المفتي. وهنا يقول الضمير حسنا، فهل ترضاه لأختك، أو لابنتك؟ فيتلعثم هذا ويتمتم، ولكنه يجيب بتلعثم: يا أيها الضمير المتبقي فيّ، لهذا جئت الى هنا، فأنا لم أفعله في النساء العفيفات في بلادي الطاهرة وانما فعلته في قوم فقراء يحتاجون الى المال فأعطيهم قليلا منه يرضيهم ويغنيهم! يحتار الضمير ويتساءل: كأني كنت أسمعك تحكي أن المسلمين اخوة، وأن أعراضهم مصونة، وأن لا فرق بين عربي وأعجمي، وأن..! فيجيبه بكل ارتياح: الناس يختلفون، ولا بد من انزالهم منازلهم!.
كما يسكت البعض ضميره، أو ما تبقى منه، حين يريد أن يرتشي، فيسميها بغير اسمها، فهي اكرامية، عمولة، أتعاب، وان لم تأخذها أنت أخذها غيرك، والمهم أن تتقن العمل، فان الله يحب من أحدكم اذا عمل عملا أن يتقنه، فهو يحفظ الأحاديث التي تعينه على خداع ضميره، واسكاته، فليس هناك غش، ولكن تقاضي شيء من تحت الطاولة، ليكون ثمنا لأتعابك، وأنت لن تأخذ الا من بيت مال المسلمين، ولك فيه حق كما لبقية المسلمين! ويتناسى أن الاثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس! ويسكت ضميره، وهو يقتل المسلمين، يوهمه أنه يجاهد وينصر الدين، ويعلي راية الاسلام، وأنه ان مات مات شهيداً، وان عاش عاش حميداً، وأن هؤلاء المسلمين سيبعثون على نياتهم، وهو انما أراد تطهير البلاد من الكفرة الأنجاس! وايضا يسكت ضميره وهو يشتم هذا ويسب ذاك، ويتهجم على آخر، ويقطر لسانه فحش قول، وسوء أدب، بحجة الغيرة على الدين، والمحافظة على الأخلاق، والفضيلة! ويسكت ضميره كي يتجاوز حقه، فيتعدى في الصف لأنه مشغول، ويسرع في الطريق مستعجلا، ويقف في المنعطف، أو مزدوجا لأنه لا وقت عنده، أما الآخرون فليس وراءهم شيء! وهكذا نرى أننا ركزنا في التربية على العامل الديني فقط، وفيه مهارب كثيرة، واهملنا تنمية الضمير الحي وتربيته فينا، وهنا مكمن الخطورة وسبب تدهور أوضاعنا!
أحمد الصراف