محمد الوشيحي

اعترافات القبيض الوشيحي

يا فرحة ما تمت، كنت قد همست في آذان أصدقاء السوء: “هانت، بقيت اللمسات النهائية فقط على المراحل الأخيرة… بعدها سأحمل قلمي على كتفي وأغادر أراضي السياسة المحلية إلى دولة الأدب وعاصمتها الرواية” وحددت موعد السفر، وذكرت أنه بمجرد إعلان نتائج التحقيق في قضايا “التحويلات والإيداعات وتمويل وسائل الإعلام” ثم تطبيق القانون على المخالفين، وبدء مرحلة التنمية، التي بدأت أصلاً، ووو، عندها سيكون قلمي “عضواً زائداً” في الجسم السياسي المحلي، يستوجب البتر، وسأبتره من جسم السياسة وأزرعه في جسم الأدب، لسبب بسيط، وهو أنني لا أجيد السباحة إلا في بحر الهجاء الذي أقطعه بيد واحدة حتى وأنا نائم. أنا أمي في الثناء، لا أفك الخط، وكم فشلت محاولات ثنائي على من يدفعون لي لأكتب ما يملونه علي، وهم كثر، على رأسهم رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم، والشيخ أحمد الفهد، وناشر هذا الجورنال محمد الصقر، وآخرون لا أعلمهم، الله يعلمهم. ولا أدري كيف تحول ثنائي على أحمد الفهد إلى هجوم عليه، ولا كيف تحول ثنائي على محمد الصقر إلى الوقوف ضده في معركة رئاسة البرلمان، ودعم خصمه الرئيس أحمد السعدون في العلن وفي مقالاتي هنا. وكم في الناس من فئة “العياذ بالله”، وهي فئة تمد يدك إلى أفرادها بالعطايا والهبات فيقطعون يدك، وأنا نقيب هذه الفئة والمتحدث الرسمي باسمها. لست ملائكياً كما قد يتوهم بعض المحبين حسني النوايا، لذلك استخدمت قاعدة ثعلب الحرب العالمية الثانية، روميل “لا تفعل المتوقع، فكر في كل ما لا يخطر على بال عدوك”، وهو ما قمت به، عندما ابتعدت عن كل من عُرف عنه “تمويل” الصحافيين، وحرصت على أن يدفع لي نواب المعارضة، لبعدهم عن الشبهات، وهذا ما تم، والآن يدخل في حسابي البنكي شهرياً شيك ثقيل برجله اليمنى يحمل الرقم “أربعين ألف دينار” هو مجموع ما يدفعه لي بعض نواب المعارضة والسياسيين، منهم أستاذي أحمد الديين (عذراً أبا فهد فللقارئ الحق في معرفة ما يتم في الغرف المغلقة المظلمة) في مقابل تمجيدهم إعلامياً وتحصينهم شعبياً وتمزيق قمصان خصومهم، فلا شيء بالمجان في هذه الحياة. على أي حال، أُبطل مفعول البرلمان، وتوقفت مكائن لجان التحقيق عن الدوران، وعدنا إلى كان يا ما كان، وعاد الكاتبجي الوشيحي إلى الكتابة عن الشأن المحلي، منشان الدينار والدولار والتومان… ويا فرحة ما تمت.

سامي النصف

من قتل الرئيس المصري محمد الحسيني؟!

قيام الوحدة بين مصر وسورية (1958 ـ 1961) لا يعني القول ان ام كلثوم سورية او نزار قباني مصري، مولد الإنسان ومعيشته في بلد هما ما يحددان انتماءه، لذا لا يجوز عند الحديث عن القضية الفلسطينية القول ان من تسبب فيها هو الصحافي النمساوي تيدور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، حيث ان هيرتزل هنغاري المولد والنشأة إبان عهد الإمبراطورية الهنغارية ـ النمساوية ـ وقد أصبح بيته ومدرسته احد المعالم السياحية في بودابست لا.. فيينا!

***

وظهر أمس تابعت لمدة 3 ساعات من المشي في حواري ومباني ميونيخ نشأة الرايخ الثالث على يد الزعيم النازي هتلر، ومما قاله الدليل السياحي ان هتلر كان نمساويا وليس ألمانيا وان رئيس الجمهورية رفض تعيينه في منصب المستشارية لعدم حصوله على الجنسية الألمانية إلا انه منحه في النهاية المنصب تحت ضغط العنف النازي الذي نزل للشوارع واعتقادا منه انه لن يبقى في منصبه اكثر من 50 يوما، هي معدل بقاء الإدارات والحكومات في جمهورية «فايمر» التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى ولم تنجز شيئا للشعب الألماني بسبب وفرة الأزمات السياسية التي استمرت لـ 12 عاما تم تسليم الحكم والمستشارية بعدها لهتلر الذي قرر بعد موت رئيس الجمهورية ضم المنصب له وتغيير لقبه من مستشار الى «الفوهرز» ومضى مصرّا بشكل غريب على دخول الحرب رغم تساهل الغرب والشرق مع مطالبه ومطامعه التي كان بإمكانه ان يحصل عليها دون دمار الحروب.

***

حال هيرتزل وهتلر في حقيقة انتمائهما وجنسيتهما هو حال محمد ياسر عبدالرؤوف عرفات قدوة «الحسيني» واللقب الأخير منحه إياه المفتي أمين الحسيني، ومحمد الحسيني أو ياسر عرفات ولد وعاش ودرس حتى الجامعة في «مصر»، وأخبرني المرحوم فيصل الحسيني إبان زيارته الأخيرة للكويت ان الرئيس عرفات لا ينتمي لعائلة الحسيني المعروفة وان هناك اشكالا حقيقيا فيما يتعلق بانتماء «الختيار» حيث يعتقد اهل الضفة والقدس انه ينتمي لغزة بحكم لهجته المصرية، بينما يعتقد اهل غزة انه ينتمي للقدس والضفة بسبب مسمى الحسيني الذي أضيف لاسمه ولا احد يعرف في النهاية حقيقة انتمائه.

***

مع وفاة الرئيس عرفات وانطلاق الإشاعات الهامسة مبكرا عن تسميمه، طالبنا في مقال آنذاك بتشريح جثمانه لمعرفة حقيقة ذلك الأمر ولم يحدث شيء، هذه الأيام قامت قناة «الجزيرة» بجهد طيب للبحث عن سبب وفاة الرئيس الفلسطيني (الرئيس المصري بحكم المولد والنشأة) بعد ان زودتهم أرملته ببقايا ملابسه بعد 8 أعوام على رحيله (!) وقد أتت نتائج المختبرات لتثبت وجود مواد مشعة (بولونيوم) في تلك الملابس رغم ان الحقائق تثبت ان مثل تلك المواد المشعة تختفي تماما بعد أشهر قليلة على عملية التسميم، كما حدث في حالة الجاسوس الروسي الذي تم تسميمه بمواد مماثلة في لندن، لذا فواضح ان هناك ملعوبا من الأرملة الحسناء اللعوب يراد منه تحويل الموت الطبيعي لعرفات لعملية استشهاد متأخرة، وما لم تقله السيدة سهى ان وفاة الراحل ابوعمار وهو في منتصف السبعينيات من العمر هي امر طبيعي جدا، بل ان عمره يزيد عن معدل الأعمار في المنطقة.

***

آخر محطة: إسرائيل بريئة من دم الراحل عرفات كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب أو أكثر، فلماذا تقتل إسرائيل الذكية عرفات وتحيله إلى شهيد وهو المدمر الأول للقضية الفلسطينية، فمن دمار وهزيمة وخروج عمان (67 ـ 70) الى دمار وهزيمة وخروج لبنان (75 ـ 90) الى دمار وهزيمة موقفه من غزو الكويت (90 ـ 91) وصيحته الشهيرة «مرحى مرحى للحرب مما أخرج شعبه وحرمه من الدعم المالي الخليجي.. عرفات هو عطية السماء لإسرائيل، فلماذا بحق السماء تقتله؟!

 

احمد الصراف

داحس و«الإخوان»

تدور في أروقة وزارتي العدل والأوقاف حرب شرسة، تشبه «داحس والغبراء»، إلا أنها أقصر منها زمناً، ومرشحة لأن تطول أكثر مع الوقت، وأطرافها كبار موظفي الوزارتين المنتمون إلى حركتي السلف، النصف صالح، و«الإخوان» غير الصالحين! ومن حقنا هنا أن نصف الإخوان بأي وصف نراه، بعد أن أنكر كبير فيهم أي علاقة لإخوان الكويت بمصر وغيرها، وبالتالي كشف مدى جهلنا لأننا اعتقدنا يوماً أن جمعية «الإصلاح الاجتماعي»، والتي كانت في خمسينات القرن الماضي تسمى بـ «الإرشاد الإسلامي»، لا علاقة لها بالتنظيم العالمي للإخوان، وليست الفرع المحلي لهم، ولم يقم الفرع الكويتي يوماً بمساندة الفرع المصري مادياً ولا بإيواء وتوفير الملاذ الآمن للكثير من كوادرهم، عندما لجأوا إلى الكويت في بداية الخمسينات هرباً من بطش عبدالناصر بهم! ويبدو واضحاً أن من ادعى خطأنا وخطأ غيرنا، قد كشف ليس فقط عن عدم المصداقية، بل وعن مدى السذاجة وقلة الخبرة، ولا أدري كيف فاته أنه لا يزال يعيش بيننا بعض من الذين كانوا يوماً جزءاً حيوياً من الجمعية، وهم على علم تام بالجذور الحقيقية لجمعية الإصلاح، أو «الحركة الدستورية» وفكرهما الديني والسياسي! وقد كنت يوماً على علاقة بأحد كبار إخوان مصر في الكويت، وهو المرحوم إسماعيل السيد، وهو لعلم «الباشمهندس» من أوائل من لجأوا إلى الكويت في بداية الخمسينات، وجاء بكتب توصية من حركة الإخوان في مصر، وكنت، حتى وفاته، وكيلاً عنه في بعض أموره المالية، ومنها تسجيل بيته في الكويت باسمي! وقد اكتفيت بذلك بعد رفضي لإلحاحه المستمر بمشاركته في أعماله، ولثقته بي، بعد علاقة استمرت لثلاثين عاماً، أسر لي بأمور كثيرة تمس شخصيات من «الإخوان»، وكان يقول لي إن جميع من تعرف عليهم كانوا غير جديرين بثقته، وأن البعض منهم سرقه وكذب عليه في عقود هندسية، وأن غالبيتهم يعيشون حياتين منفصلتين، واحدة أمام الناس، والأخرى خلافها، وأنه يعرف أسراراً تستحق أن تروى، ومنها ما يخجل من ذكره! وقد حاولت كثيراً حثه على كتابة مذكراته على أن تنشر بعد سنوات من وفاته، واقترحت عليه اسم الزميل محمود حربي ليساعده في تجميع أفكاره لما له من دراية أدبية، ولكنه كان يخاف تبعات نشر أي شيء لمن لا يعرف، وأنه يثق بي وسيمليها عليّ يوماً، ولكنه توفي قبل عام تقريباً، وقبل ميلاده التسعين بقليل، وكان على علاقة بمرشد الإخوان الأسبق مصطفى مشهور، الذي عاش في الكويت لسنوات، بعد لجوئه إليها! وبالتالي، نجد أن أي إنكار لعلاقة جمعية الإصلاح أو الحركة الدستورية بالتنظيم العالمي للإخوان محاولة ساذجة، والغريب أن من نكر وجود العلاقة وكأنه يتبرأ من شيء مشين في تاريخ حركة الإخوان في مصر!
نعود لحرب داحس والغبراء في الأوقاف، ونقول إن آخر ضحايا الحرب بين الإخوان والسلف، وهذا دليل آخر على علاقة إخوان الكويت بمصر، هو الخطيب السلفي المتشدد سالم الطويل، الذي تسبب هجومه المستمر على جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد فوز محمد مرسي بالرئاسة، في إعفائه من الإمامة والخطابة بقرار من مدير إخواني الهوى في الوزارة! فإذا كانت الحركة الدستورية وجمعية الإصلاح، بعد كل هذا التاريخ الطويل، لا علاقة لهما بالإخوان المسلمين في مصر، فهذا يعني أن الكويت كلها كانت تعيش في وهم على مدى أكثر من 65 عاماً!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

سوريا.. والمخرج من الأزمة

كل انسان في قلبه ذرة رحمة يتعاطف مع الشعب السوري المنكوب في محنته، ويتألم وهو يشاهد المجازر الواحدة تلو الاخرى في حق هذا الشعب، لكن المشكلة ان الانسان العربي عاجز عن عمل شيء لهؤلاء الاشقاء، اللهم الا الدعاء في الصلوات والتبرع بما تجود به انفسهم من قوت اولادهم!
الجميع يعلم ان المخرج من هذا المأزق هو الحل العسكري! «اما حل خارجي واما حل من الداخل!» والتدخل العسكري من الخارج اصبح مستحيلا بعد التعنت الروسي، لذلك لابد من اعطاء الشعب المحاصر حق الدفاع عن النفس، وذلك بتزويده بالسلاح النوعي لتحجيم تحرك آليات بشار ومدرعاته وطائراته، وهذا لن يتم الا عن طريق تركيا او الاردن، لان العراق ولبنان يُحكمان من ايران الطائفية التي تدعم النظام السوري في قتله لشعبه وافنائه، ومن يطلع على المذابح التي تمت وطريقة تقطيع الاوصال والاطراف والتشويه بالجثث يتأكد ان الفاعل لا يمت لهذا الشعب ولا لدينه وعرقه بأي صلة، بل هو مرتزق وطائفي وحاقد جاء من الخارج.
فليكن اذن التحرك لدعم الشعب بالسلاح للدفاع عن نفسه، وعرضه وكرامته، ولنتوقف عن اضاعة الوقت لاستجداء الغرب للمساعدة، فمصالح الغرب في حرب تحرير الكويت واسقاط القذافي لم تتوافر حتى الان في بلاد الشام.
****
تخطئ الاغلبية ان ظنت انها حزب سياسي له اجندة سياسية محددة ثابتة.. ويخطئ من يطالبها بايجاد برنامج اصلاحي واضح تدخل به الانتخابات.. فالاغلبية مجموعة من النواب من مشارب مختلفة ومتباينة.. فيهم الاسلامي والليبرالي وفيهم الحضري والبدوي.. والاسلاميون فيهم المحسوب على تيار حدس وتيار السلف وتيار ثالث (هايف)، والقبائل فيهم المنتمي وفيهم المستقل وهناك التيار الشعبي وله مطالبه الخاصة، كل هؤلاء يجمعهم شيء واحد فقط.. وهو محاربة الفساد المالي والاخلاقي! وهذه امور لا يمكن ان تكون الا عناوين وشعارات، اما القضايا الفكرية والقانونية كالامارة الدستورية والحكومة الشعبية والعمل الحزبي فهذه امور بالكاد يتفق عليها الحزب الواحد، فكيف نطالب «كور مخلبص» بالاتفاق عليها.
اقترح على الاغلبية الا تحمل نفسها اكثر مما تحتمل… وان تتفق على شعارات انتخابية للحملة المقبلة، والا تعمل تحت مظلة واحدة، بل يكفي ان تتعاطف المظلات مع بعضها البعض اثناء الانتخابات.
****
• كاتب يسمي مجلس 2012 سيئ الذكر! اكيد سيئ الذكر عندك.. لان الفاسد ينزعج ويضطرب كلما ذكر مجلس وضع يده على قضايا الفساد في مجلس فاسد وحكومة مفسدة (2009)!
• كاتب اخر دائما يمدح المجتمعات الغربية.. لانها علمانية وليس للدين عندها اي اثر في علاقاتها وقراراتها وتشريعاتها! ما ادري اي دول غربية يقصد.. فرنسا الحجاب.. اما المانيا الهولوكوست.. ام حتى اللجنة الاولمبية التي تفضلت اخيراً وسمحت بلبس الحجاب للمشاركات المسلمات؟!

سعيد محمد سعيد

«المطابخ السرية» للطائفية

 

أتفق على الدوام مع الرأي القائل أن الترويج لأكذوبة «الإنشطار والفتنة الطائفية» في المجتمع البحريني ما هو إلا وسيلة لرفع درجة التأزيم وضرب السلم الاجتماعي، ولا أدل على سقوط تلك الأكذوبة من أن العلاقات بين أبناء الطائفتين الكريمتين، ممن تربطهم علاقات دينية وأخوية وإنسانية، كانت ولا تزال في حالها المبني على «الأخوة»، لكن هناك بلا شك حال رهيب من «الإنشطار» المشار إليه، وهو في حدوده يشمل في الأصل «الطائفيين، والمؤزمين، وذوي المصالح الفئوية المتاجرة بالصدام الطائفي»، وهؤلاء لا يمثلون الشريحة الأكبر من المجتمع، فهم ينشطون في المطابخ السرية للطائفية، ولم ينجحوا في ترويج تلك الأكذوبة، إلا بين أنفسهم وبين من يسير على منهجهم المريض.

قد يقول قائل : «ألا ترى ما حل بالمجتمع البحريني منذ يوم 14 فبراير 2011 حتى اليوم من علاقات بين الناس انهارت، وعداوات اشتعلت، وحراب ارتفعت في وجوه الأخوة؟»، وبالنسبة لي شخصياً لا أرى الانهيار، والعداوات، والحراب، إلا لدى من هو في الأصل طائفي بغيض لا يهمه «الوطن» واستقراراه -بأي شكل من الأشكال- قدر اهتمامه بأن يكون طرفاً في ضرب أي تقارب وعلاقات طيبة بين أبناء الطائفتين، لكن كل تلك المحاولات اليائسة، لم تفعل فعلها إلا في قلوب من يتلذذ بمشهد الصدام الأهلي، وهذا ما لم ولن يحدث إلا في مخيلة التهويل الإعلامي بكل وسائله، وهو إعلام في حقيقته مأجور.

على مستوى الوطن العربي والإسلامي، لن يتوقف عمل «المطابخ السرية» المصنعة للفتن الطائفية، ولعلني استحضر قول سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي في حديث له بمسجد الإمام الصادق (ع) بالقفول حين قدَّم طرحاً موجزاً مقدمته تقول :» الطائفية خطرٌ مرعبٌ، إذا اشتعلت نارُها أحرقت كلَّ شيئٍ على الأرضِ، ولم تبقِ أخضرَ ولا يابسًا، ولم توفِّر أمنًا ولا أمانًا، ولم تحفظ أرواحًا، ولا أموالاً، ولا أعراضًا… وإنَّنا ندين كلَّ الخطابات الطائفية التي تمزِّق وحدة الشعوب، وتوقد نيران الأحقاد والعداوات، ونأسف كلَّ الأسف، رغم كلِّ مواقفنا الواضحة كلَّ الوضوح في التصدِّي لكلِّ المشروعات الطائفية، ورغم ما عانينا واكتوينا بنيرانها».

ولخطورة «المطابخ السرية» للطائفية في الأمة الإسلامية، يحق للمرء أن يتساءل :من هم صناع الطائفية في أوطاننا؟، وبالضبط هذا هو السؤال الذي أجاب عليه العلامة الغريفي في حديثه، إذ أشار إلى ثلاث جهات، الجهة الأولى: القوة الكافرةُ المعاديةُ لمصالح هذه الأوطان، والطامعة في استثمار خيراتها، والسيطرة على ثرواتها، وعلى شعوبها، وعلى كلِّ أوضاعها السِّياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية، فمن مصلحة هذه القوى أن تبقى أوطاننا ضعيفةً، مسلوبةَ الإرادة، ممزَّقة القوى، وهكذا يعتمدون تغذية الطائفية وسيلةً من وسائلهم في الهيمنة والسيطرة وفرضِ النفوذ.

أما الجهة الثانية التي تدخل ضمن صناع الطائفية في البلاد الإسلامية والعربية، فقد عرَّفها العلامة الغريفي بأنها الأنظمة المستبدة فمن صالح هذه الأنظمة أن تتصارع الطوائف والمكوِّنات والأحزاب والمجموعات، ليوفِّر ذلك مناخات السيطرة، وليشغل الجماهير بصراعاتِها عن محاسبة سياساتِها، فمتى ما توحَّدت إرادات الشعوب شكَّل ذلك خطرًا عليها…

وهكذا تصرُّ هذه الأنظمة على إنتاج الصراعات الطائفية في داخلِ الأوطانِ مستخدمةً شتَّى الطرق والوسائل، ولعلَّ منها ممارسة سياسات التمييز المكشوفة أو المتسترة، أو القيام بأعمال تعبِّر بوضوحٍ عن (استهدافاتٍ طائفية)، وكثيرًا ما تحرِّك هذه الأنظمة وسائل إعلامها من تلفازاتٍ وإذاعاتٍ، وصحافة، وأقلامٍ موظَّفةٍ لكي تمارس شحنًا طائفيًا مكشوفًا، وهذا ما يتنافى كلَّ التنافي مع رسالة هذه الوسائل في صنع المحبَّة والألفة، والوحدة بين مكوِّنات الشعوب، لا أنْ تغذِّى الصراعات والعداوات والخلافات خدمةً لمصالح الأنظمة الحاكمة المسكونة بنزعات طائفية مقيتة…

وماذا عن الجهة الثالثة؟ تلك هي التي حددها العلامة الغريفي بالقول :«منابر دينية تمارسُ خطاباتٍ تغذِّي الطائفية والكراهية بين مكوِّنات الشعوب، استجابة لإملاءات الأنظمة الحاكمة، أو بدافع العصبيَّات المسكونة في النفوس، أو تعبيرًا عن جهالاتٍ وحماقاتٍ مسيطرة على العقول، وهكذا تتنكَّر هذه المنابر لأهداف الدِّين، وتتحوَّل مواقع للفتن الطائفية، والعداوات المذهبية، وعلى مرأى ومسمع من أنظمة الحكم التي لا تحرِّك ساكنًا، من أجل إيقاف اعتداءاتٍ سافرةٍ بين طوائف ومذاهب ومكوِّنات».

كان حديث العلامة الغريفي صريحاً، ذلك «إنَّنا ندين كلَّ الخطابات الطائفية التي تمزِّق وحدة الشعوب، وتوقد نيران الأحقاد والعداوات، ونأسف كلَّ الأسف، رغم كلِّ مواقفنا الواضحة كلَّ الوضوح في التصدِّي لكلِّ المشروعات الطائفية، ورغم ما عانينا واكتوينا بنيرانها»، (انتهى الإقتباس)، غير أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن تطبيق القانون لا يجب أن يستثني أحداً بصيغة الكيل بمكيالين اتجاه كل الأطراف الطائفية! فلا يصح أن يُستهدف خطيب، أو ناشط، أو سياسي، أو مثقف، أو كائن من يكون بدعوى إثارة الطائفية، ويلوى القانون ليغض الطرف عن آخرين اشتهروا على مدى سنين بتأجيج المشاعر، وشتم هذه الطائفة أو تلك بأرذل الأوصاف، وارتفعت أصواتهم القبيحة بتشجيع كل الممارسات العنصرية المدمرة. حين يُطبق القانون على الجميع بعدالة، حينها فقط، تبرهن الدولة على أنها ضد الطائفية، أما دون ذلك، ووفق معايير طائفية مقصودة، فإن الدولة تصبح طرفاً في فتح الباب على مصراعيه للطائفيين، وهذا ما صدق في وصفه العلامة الغريفي :«خطر مرعب».