التكتيكات العسكرية كلها، ومعها الاستراتيجيات الحربية، سواء تلك التي يدرسها الطلبة المبتدئون في الكليات العسكرية، أو التي يدرسها القادة، تقول: “لا تدخل حرباً مع عدو تجهل تفاصيل قوته وضعفه ونوع أسلحته ووو، باستثناء الحرب الدفاعية. بل حتى الحرب الدفاعية لا تخضها إذا كان الفارق بينك وبين عدوك كبيراً، انسحِب انسحاباً منظماً وأعد تجهيز نفسك وصياغة تحالفاتك قبل خوضها”.
ولطالما كررتُ: “يجب أن ينطلق الكاتب من خلفية شعرية، والسياسي من خلفية عسكرية”، أي أن يكون لدى السياسي اطلاع على تواريخ الحروب العسكرية وتكتيكاتها، وأن يمتلك مخزوناً لا بأس به من العلوم العسكرية، ليستشرف مآلات الأمور ويتنبأ بنتائجها.
وأجزم وأقسم أن السلطة بمستشاريها وإعلامييها وتجارها ووو، تعتبر النظريات العسكرية من أساطير الأولين، وإلا ما كانت أقدمت على هذه المغامرة السياسية الرعناء عندما استبدلت خصماً معروفاً لديها بكل تفاصيله (الأغلبية البرلمانية)، بخصم مجهول سياسياً بالنسبة إليها، لا تعرف عنوان سكنه ولا هواياته ولا نقاط ضعفه وقوته ولا نوعية أسلحته ولا عدده ولا حدود طموحه، ولا حتى أغنياته المفضلة. أقصد المجاميع الشبابية المتحمسة.
لاحظوا مطالب الأغلبية في السنوات الماضية، وقارنوها بمطالب الحركات الشبابية، وتذكروا حكاية “الجزة والخروف” وترفقوا بكفوفكم وأنتم تضربون كفاً بكف.
بل الأدهى والأمر، أن السلطة بخطواتها الحالية واستفزازها الأخير، فتحت على نفسها جبهتين مع قوتين نوويتين، الأغلبية والحركات الشبابية، وقد تتحالف هاتان القوتان بين ليلة وضحاها، أو دقيقة وضحاها، على أن تتولى المجاميع الشبابية القيادة والتخطيط، ويرتفع “بيرقها” في المقدمة، ويأتي بيرق الأغلبية في المؤخرة، وقد يختفي بيرق الأغلبية، ويتم اعتماد البيرق الشبابي وحده، ويتحول قادة الأغلبية إلى جنود في الجيش الشبابي.
وبهذا، يسعدني في هذه الليلة المباركة، وفي هذا الحفل الكريم، أن أقول للسلطة ما كان يقوله لنا “ِشيباننا” إذا أرادوا السخرية من تصرفاتنا أو قراراتنا الطفولية: “يا بيلي بالا”، قبل أن يُلحقوا هذه المفردة المجهولة الأبوين والمعنى، بكلمات زاجرة ناهرة.
وسأقلب فنجان السلطة وأفتح كفها وأقول لها، بعد أن “ترمي بياضها”: “دخلتِ حرباً أكبر من قدراتك، مع عدو تساوت عنده الأمور، ولا يعرف الرحمة ولا الهوادة ولا التعب، متسلح بسنوات من الغضب، وأطنان من عشق هذا الوطن، والنتيجة في أحسن الأحوال ستكون استسلامك غير المشروط، وتحمل تكاليف الحرب… ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد”.