يقول علماء السياسة إن «التاريخ» هو مختبر السياسة ونظريته، لأنه من الصعب أن تختبر مقولة أو فرضية سياسية إلا بإحالتها إلى حوادث سياسية تاريخية ومن ثم تعرف إن كانت فرضيتك صحيحة أم خاطئة.
الحراك السياسي والديموقراطي في الكويت بدأ منذ عام 1938، على أيدي تجار الكويت الذين تعلموا في العراق آنذاك واعجبوا بالحياة الديموقراطية الناشئة فيها، وحاولوا تطبيقها في بلدهم، وعلى الرغم أنهم نجحوا في إقامة أول مجلس تشريعي له صلاحيات تنفيذية، إلا أنه لم يقدر لهذه التجربة الاستمرار، ولكنها استطاعت تحريك المياه الراكدة. مما لا شك فيه ان الكويتيين الأوائل ناضلوا من أجل الحرية والديموقراطية، واعتقل من اعتقل وقتل من قتل، واتهمت «قوى الظلام» آنذاك، بعض النشطاء السياسيين بأنهم «يدعون للوحدة مع العراق» لتنفر الناس من حولهم وتفشل حراكهم السياسي.
استمرت المطالبات وتوالت التجارب الديموقراطية حتى أصبح للكويتيين دستور يفخرون به وبرلمان منتخب منذ بدايات الستينيات من القرن الماضي، واستمرت «قوى الظلام» بمحاربة دعاة الديموقراطية من أمثال الخطيب والربعي والجوعان وكل من كان يفكر في طريقة حرة، وكل من يريد تطبيق الدستور ومحاربة الفساد، فما كان من دعاة التخلف والفساد إلا أن يتهموهم بـ «العلمانية والكفر» لينفروا الناس من حولهم وخاصة المحافظين والقبائل، وللأسف أيضا نجحوا في ذلك، على الرغم من أنهم كانوا ينادون باحترام الدستور ولم يسوقوا لأفكارهم السياسية.
تراجعت الكويت كثيرا بعدها، وحلت المجالس المنتخبة وعلقت مواد الدستور باسم محاربة العلمانية وزاد الفساد السياسي والاقتصادي.
والآن نرى قوى الفساد والتخلف تعيد الخطة نفسها و«للمرة الثالثة» لإيقاف قطار الديموقراطية وعرقلة الإصلاح السياسي، فبعد أن انتقل الحراك السياسي إلى أبناء القبائل وحلموا لواء محاربة الفساد وتطبيق الدستور، سارعت القوى الظلامية الى اتهام قيادات الحراك السياسي بـ «الشوارعيين» واتهموا الجموع الداعمة لهم بـ «المزدوجين»، وللاسف ـ كل مرة ينجح اعداء الديموقراطية في تحويل الصراع السياسي ـ بين قوى الفساد وقوى الإصلاح ـ الى صراع ديني أو طائفي أو عنصري.
من المؤكد أن الاسلاميين وابناء القبائل عرفوا الخطة واسترعبوا «نظرية القوى الظلامية» والسؤال الآن: متى يستوعب التحالف الوطني والمنبر الديموقراطي الدرس، ويترك الاختلاف الأيديولوجي مع القوى السياسية الأخرى، ويهتم بالمشتركات الوطنية من اجل الاصلاح السياسي؟
فمن غير المقبول ألا يدعى إلى ندوة الصقر، ممثلون عن القوى السياسية والاجتماعية والتي تمثل اغلب مناطق الكويت ومكوناته، كما ان خطاب المتحدثين فيه الكثير من الازدراء للآخرين، واتهام الاغلبية باستقوائها بالشارع ووصفها بالخروج على القانون.
الاغلبية تعلموا السياسة من التاريخ، ولم تعد تنطوي عليهم مصطلحات ـ الخونة ـ العلمانيون ـ المزدوجون ـ وكل التهم التي تقاوم بها «الصحوة السياسية» وروادها ومريديها.