على مر سنوات الدستور، بل قبل الدستور أيضاً سعى بعض أبناء الأسرة ومن معهم إلى مقاومة فكرة سيادة الأمة، بحكم أنهم باعتقادي لم يتشربوا المفهوم الديمقراطي بشكل جيد، على الرغم من المحاولات الحثيثة لبعض أبناء الأسرة لترسيخ هذا المفهوم، وأبرزهم المغفور له عبدالله السالم.
فرغم التزام الشعب، ولمئات السنين، بالعقد الشفهي قبل الدستور، والذي تحول إلى نص مكتوب بعده بأن من يتولى الإمارة في الكويت هم أسرة واحدة ومن ذرية مبارك الصباح، فإن محاولات بعض أبناء الأسرة، وعلى الرغم من هذا الالتزام الشعبي المرسخ في كل الأزمات التي مرت على البلاد، أقول إن محاولات بعض أبناء الأسرة لتغيير هذا العقد مستمرة وحثيثة لتحويل المواطنين إلى رعايا، والشواهد كثيرة على هذه الممارسات التي جوبهت في معظم الأحيان، وكانت الغلبة للشعب والملتزمين بالدستور من أبناء الأسرة.
عموما فإنه، وعلى ما يبدو، قد انتقلت عدوى مسعى بعض أبناء الأسرة لنقض الدستور إلى بعض النواب وبشكل واضح جدا على خلفية اعتقال السيد جدعان الهذال يوم الخميس الماضي، وإليكم تصريحين من نواب حازوا مراكز متقدمة في الانتخابات الماضية.
فحائز المركز الأول بالدائرة الثانية د. جمعان الحربش يقول “نرفض المساس به فهو رأس قبيلة عريقة”!!
وحائز الـ14 ألف صوت في الدائرة الرابعة علي الدقباسي يقول “قرار لا يليق برجل مكانه صدر المجلس”!!
وبغض النظر عن أسباب الاعتقال وصحتها من عدمها فإن التصريحين يحملان نفساً غريباً لا يمتّ لا لدستور الدولة ولا للقانون بأي صلة، فرفض الحربش المساس بالسيد الهذال لم يكن على أساس قانوني بل لأنه رأس قبيلة عريقة، والحال نفسها تنطبق على الدقباسي الذي يرفض القرار لأن الرجل مكانه صدر المجلس.
وهذان الاسمان يطالبان اليوم بحكومة منتخبة، وهو أمر لا بد من الوصول إليه كتطور ديمقراطي طبيعي في حال توافر الأرضية الصلبة التي تقوم عليها الحكومة المنتخبة، إلا أن تصريحات هذين النائبين تثبت بشكل قاطع أن الوضع لن يتغير في حال الحكومة المنتخبة بهذه الظروف والاستثناءات ستكثر، فهذا شيخ قبيلة، وآخر أمير عشيرة، وثالث مرجع ديني، وكلهم يستثنون من القانون لمكانتهم الاجتماعية، وبدلاً من ترسيخ المساواة بين الجميع والصراع من أجل الوصول إليها نتحول إلى دويلات داخل الدولة، الاستثناء فيها هو الأصل.
الوضع في بلادي خطر، فعلى ما يبدو أن الكثيرين من أبناء وطني يريدون أن يكونوا هم الاستثناء، ولا يسعون إلى المساواة والعدالة إلا في حالة ضعفهم فحسب، أما من يلتزم بالمبدأ ويحافظ عليه فهو المنبوذ والمرفوض.
إن ما يحدث اليوم هو نتيجة حتمية لغياب قرار واع يحرص على أن تكون أسس العدالة والديمقراطية والمساواة والحرية منهجاً إلزامياً يدرّس، ويغرس طوال السنوات الدراسية الاثنتي عشرة لنتمكن على الأقل من صناعة جيل جديد يصحح كوارث من سبقه.
اليوم: 9 يوليو، 2012
الخونة ـ العلمانيون ـ المزدوجون..!
يقول علماء السياسة إن «التاريخ» هو مختبر السياسة ونظريته، لأنه من الصعب أن تختبر مقولة أو فرضية سياسية إلا بإحالتها إلى حوادث سياسية تاريخية ومن ثم تعرف إن كانت فرضيتك صحيحة أم خاطئة.
الحراك السياسي والديموقراطي في الكويت بدأ منذ عام 1938، على أيدي تجار الكويت الذين تعلموا في العراق آنذاك واعجبوا بالحياة الديموقراطية الناشئة فيها، وحاولوا تطبيقها في بلدهم، وعلى الرغم أنهم نجحوا في إقامة أول مجلس تشريعي له صلاحيات تنفيذية، إلا أنه لم يقدر لهذه التجربة الاستمرار، ولكنها استطاعت تحريك المياه الراكدة. مما لا شك فيه ان الكويتيين الأوائل ناضلوا من أجل الحرية والديموقراطية، واعتقل من اعتقل وقتل من قتل، واتهمت «قوى الظلام» آنذاك، بعض النشطاء السياسيين بأنهم «يدعون للوحدة مع العراق» لتنفر الناس من حولهم وتفشل حراكهم السياسي.
استمرت المطالبات وتوالت التجارب الديموقراطية حتى أصبح للكويتيين دستور يفخرون به وبرلمان منتخب منذ بدايات الستينيات من القرن الماضي، واستمرت «قوى الظلام» بمحاربة دعاة الديموقراطية من أمثال الخطيب والربعي والجوعان وكل من كان يفكر في طريقة حرة، وكل من يريد تطبيق الدستور ومحاربة الفساد، فما كان من دعاة التخلف والفساد إلا أن يتهموهم بـ «العلمانية والكفر» لينفروا الناس من حولهم وخاصة المحافظين والقبائل، وللأسف أيضا نجحوا في ذلك، على الرغم من أنهم كانوا ينادون باحترام الدستور ولم يسوقوا لأفكارهم السياسية.
تراجعت الكويت كثيرا بعدها، وحلت المجالس المنتخبة وعلقت مواد الدستور باسم محاربة العلمانية وزاد الفساد السياسي والاقتصادي.
والآن نرى قوى الفساد والتخلف تعيد الخطة نفسها و«للمرة الثالثة» لإيقاف قطار الديموقراطية وعرقلة الإصلاح السياسي، فبعد أن انتقل الحراك السياسي إلى أبناء القبائل وحلموا لواء محاربة الفساد وتطبيق الدستور، سارعت القوى الظلامية الى اتهام قيادات الحراك السياسي بـ «الشوارعيين» واتهموا الجموع الداعمة لهم بـ «المزدوجين»، وللاسف ـ كل مرة ينجح اعداء الديموقراطية في تحويل الصراع السياسي ـ بين قوى الفساد وقوى الإصلاح ـ الى صراع ديني أو طائفي أو عنصري.
من المؤكد أن الاسلاميين وابناء القبائل عرفوا الخطة واسترعبوا «نظرية القوى الظلامية» والسؤال الآن: متى يستوعب التحالف الوطني والمنبر الديموقراطي الدرس، ويترك الاختلاف الأيديولوجي مع القوى السياسية الأخرى، ويهتم بالمشتركات الوطنية من اجل الاصلاح السياسي؟
فمن غير المقبول ألا يدعى إلى ندوة الصقر، ممثلون عن القوى السياسية والاجتماعية والتي تمثل اغلب مناطق الكويت ومكوناته، كما ان خطاب المتحدثين فيه الكثير من الازدراء للآخرين، واتهام الاغلبية باستقوائها بالشارع ووصفها بالخروج على القانون.
الاغلبية تعلموا السياسة من التاريخ، ولم تعد تنطوي عليهم مصطلحات ـ الخونة ـ العلمانيون ـ المزدوجون ـ وكل التهم التي تقاوم بها «الصحوة السياسية» وروادها ومريديها.
«ستينغر» هو الحل الوحيد للمسألة السورية!
انقرض الغزال أو كاد، عندما قام بعض «القناصة» باستخدام الطائرات العمودية لصيده، حيث لم تعد له فرصة للنجاة، الإنسان كذلك يستطيع ان يصد أذى كثير من الأسلحة الفتاكة كالطائرات النفاثة والدبابات والمدافع، إلا انه لا يقدر على مواجهة قوات تستخدم الطائرات العمودية لبطء وخصوصية حركتها.
***
بقي الجيش الأحمر مسيطرا على الأوضاع في أفغانستان لعشر سنوات حتى سلمت الولايات المتحدة صواريخ «ستينغر» المحمولة على الأكتاف للمجاهدين الأفغان، وبدأت الطائرات العمودية السوفييتية تتساقط كالذباب فأعلن الاتحاد السوفييتي هزيمته وخروجه من أفغانستان فصاروخ صغير لا تزيد قيمته عن آلاف قليلة من الدولارات يسقط طائرات قيمتها عشرات الملايين ومقتل الطيارين والجنود الذين بداخلها.
***
بعد تحرير الكويت عام 1991 وبدء شرارة الثورة الشعبية العراقية في 14 محافظة تم السماح للقادة العسكريين العراقيين المتواجدين في خيمة صفوان بإمكانية استخدام الطائرات العمودية وهو ما أفشل الثورة الشعبية (أول ربيع عربي) وأجل عملية تحرير العراق 12 عاما كاملة توفي خلالها آلاف العراقيين.
***
العين لا تستطيع مقاومة الإبرة والحل الوحيد لنضال الشعب السوري البطل هو بتزويد الجيش السوري الحر والقوى «الليبرالية والوطنية» بصواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات وحتى صواريخ «جافلين» المضادة للدروع وان كان هناك من لا يأتمن القوى «الإسلامية» على مثل تلك الأسلحة خوفا من ان تقع بيد المتشددين، ودون ذلك ستبقى دماء الشعب السوري تسيل أنهارا حتى تصل للنهاية المحتومة وهي استحالة تعايش مكونات الشعب السوري بعضها مع بعض ومن ثم الانشطار والانقسام والتفتيت.
***
آخر محطة:
(1) لو كان العالم يشهد مقتل 100 هر كل يوم لثارت شعوبه ومنظماته وأوقفت تلك المذابح، كيف للعالم ان يصمت أمام قتل 100 إنسان سوري كل صباح بدم بارد؟! لست أدري!
(2) يذكر لي صديق إعلامي سوري ان مذابح سورية قد أسقطت المبرر الأخلاقي للصراع العربي ـ الإسرائيلي، أما الأراضي ـ حسب قوله ـ فيمكن بسهولة التفاهم حولها مستقبلا.
المؤامرات المخجلة
انقلاب يوليو 1952 في مصر كان مؤامرة، وهكذا مع انقلاب تموز العراقي، وكذا الانقلاب على حميد الدين اليمني، والخميني على الشاه، فجميع هذه الانقلابات والثورات دبرتها المخابرات الغربية! وتكرر الأمر ذاته في تونس على بورقيبة وعلى بن علي بعدها، وفي مبارك مصر وقذافي ليبيا، مرورا بالسفيرة إبريل كلاسبي، وكيف «خدعت» صدام واغرته بغزو الكويت! وحتى حرب 2003 على العراق مؤامرة، بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وزادوا على ذلك بأن ما يجري من عقوبات اقتصادية وتهديد عسكري لإيران يصب في نهر المؤامرة نفسه، ولا ننسى طبعا وصول الإخوان للحكم في مصر وتونس، وهكذا مئات المؤامرات تصاغ في وكالات وأجهزة المخابرات الغربية ضدنا يوميا طامعين في مياهنا ومعادننا وبترولنا وارصدتنا النقدية، هذا غير رغبتهم في القضاء على عاداتنا وتخريب معتقداتنا والفتك بديننا! ولكن الغريب ان لا أحد من هؤلاء حاول أن يتساءل يوما: لماذا نحن؟ لماذا لم يتآمروا في نصف القرن الماضي على ماليزيا، وهي مفرطة الغنى، أو تركيا، وهي ليست اقل إسلاما وغنى من ماليزيا؟ ولماذا لا تآمر هناك على النرويج والمكسيك، وبترولهما وغناهما يتجاوز اضعاف ثروات كل الدول العربية؟ ولماذا التركيز الشديد علينا نحن بخلاف هذا العالم، غير متناسين ما حصل ويحصل في أفريقيا واميركا الجنوبية وغيرها؟ هل لأننا صيد سهل وجهلة؟ أم لأننا نشكل خطرا على الغرب؟ أعتقد أن كل ذلك إضافة للسبب الأهم وهو أنظمة حكمنا الدكتاتورية وجهلنا في إدارة ثرواتنا بطريقة سليمة، وفساد سياسيينا، فالمؤامرة، بالرغم من رفضي لها بمعناها الكلاسيكي، أمر تتبعه كل القوى الكبرى! فلا يمكن أن يعتمد الغرب مثلا على مادة حيوية، كالبترول، ولا يخطط في كيفية استمرار تدفقه لمصانعه ومركباته وطائراته بسلاسة وشروط عادلة! وبالتالي ليس بإمكانه ترك الأمر للصدف، بل يتطلب الأمر تخطيطا محكما، ويكون غبيا إن لم يفعل ذلك. ولو كنا نحن، لاعنو المؤامرة، في وضعه لما ترددنا في القيام بالشيء ذاته. وبالتالي فإن ما يجذب «ذباب المؤامرات» لنا هو عسل جهلنا وتخلفنا وتمسكنا بدكتاتورياتنا، فالدكتاتورية هي السلطة المطلقة والسلطة المطلقة فاسدة ومفسدة، والفساد يؤدي إلى تآمرنا على الآخر وتآمر الآخر علينا، اما لأخذ نصيبه من الكعكة أو لضمان «حقوقه» في ما نملك، فمادة كالنفط ليست حقا مطلقا لمن ينتجها! وبالتالي لتجنب تآمر الآخرين علينا يجب أن نحتاط للأمر بالتخطيط السليم وأن نحترم انفسنا وشعوبنا وكراماتنا، وهذا لا يمكن أن يتحقق بغير التحول لدول ديموقراطية يكون فيها القرار للأمة وليس لفرد دكتاتور، فحرب العراق على إيران واحتلالها للكويت، كمثالين حديثين، لم يكونا ليقعا لو كان العراق ديموقراطيا! ومبارك ما كان ليسقط لو كانت مدة حكمه «الشرعية» قد قاربت على الانتهاء! والقذافي ما كان ليقتل كالفأر وتدمر بلاده «بمؤامرة دولية» لو كان مؤمنا بتداول السلطة ويعرف شيئا اسمه دستور! وقيام صدام بقتل عشرات الآلاف من شعبه بأسلحة محرمة ما كان ليقع لو كان القرار جماعيا، ولو كان العراق ديموقراطيا! وهكذا مع سوريا الأسد، التي كان من الممكن ان تكون أغنى واجمل الدول العربية وأكثرها حصانة من المؤامرة، لو كانت تتمتع بنظام ديموقراطي السلطة فيه للأمة وليس لفرد أو عائلة!
شيء مخجل حقا!
أحمد الصراف