كل عسكري ابن عمي، من حيث المبدأ، إلا إذا كان رخمة أو خبيثاً أو لصاً أو خائناً أو جباناً أو عدواً أو أو أو، فإنني أبرأ إلى الله منه ومن أمه التي أنجبته. وإذا سألتني “ليش؟” فسأجيبك بإجابة لا أملك غيرها: “نحن أبناء قبيلة واحدة، جذورنا واحدة، عرقنا واحد، نظام حياتنا واحد، بدأ بـ(العدد واحد)”، وأظن أن شعوراً كهذا ينتشر بين أبناء القبيلة كلهم، قبيلة العسكر… شيء رباني يدفع العسكري للتعاطف تلقائياً مع العساكر في أي بلد كان.
والكلام عن أن العساكر مجموعة من الرجال العمالقة الفحال تكمن قوتهم في عضلاتهم هو كلام عشوائيات، لا أسانيد تسنده. والصورة الشائعة عن أن العساكر يتعاملون مع السياسة بالهراوات والمدافع والقوة، هي صورة تبطلها الحقائق وصحائف التاريخ، دونكم تاريخ أتاتورك وروزفلت وغيرهما (أكبر نهضة فنية في تاريخ تركيا كانت في عهد أتاتورك). ستقولون: “ماذا عن عبدالناصر وعصابته بدءاً من عبدالحكيم عامر، وليس انتهاء بصلاح نصر، وماذا عن معمر القذافي وجعفر النميري وحافظ الأسد ووو؟”، فأقول: “هؤلاء أيضاً ينتمون إلى جنس الرجال، فهل نعتبر كل الرجال طغاة؟، ثم إن صدام حسين، على سبيل المثال، لم يكن عسكرياً فهل كل المدنيين طغاة؟”، لا، الأمر لا يؤتى من هذا الاتجاه. هؤلاء استغلوا القوة التي بين أيديهم ليأكلوا العنب، تماماً كما استغل ويستغل بعض رجال الدين القوة التي بين أيديهم ليأكلوا الكستناء المشوية في الشتاء، والفراولة في الصيف، وليس كل رجال الدين مرتزقة.
يا سيدي، العساكر أكثر الناس عشقاً للترتيب وهم أناس لا يؤمنون بـ”مطرح ما ترسي دق لها”، بل يعتمدون على التكتيك، والخطط، والخطط البديلة، وافتراض أسوأ النتائج والتعامل على أساسها، ووو… ثم إن العساكر، صدقاً أقولها لا حمية، هم الأعلى ثقافة بين أوساط المجتمعات، فطبيعة عملهم التي تُبعدهم عن زحام المدن (هم على الحدود غالباً) تهيئ لهم الوقت للقراءات المتعددة (أجزم أنني قرأت على حدود العراق في خمس سنوات ما لم أقرأ نصفه، ولا حتى ربعه بعد استقالتي من الجيش في تسع سنوات).
والحكم على أن العساكر كلهم بلا عقول ولا رحمة ولا يعشقون الجمال ولا يطربون للفن، كالحكم على لبنان من زاوية “حياة الليل” أو الحكم على هولندا باعتبارها بلداً يبيح تعاطي المخدرات، وغض الطرف عن أنها البلد صاحب الترتيب الثاني على بلدان العالم في الشفافية واحترام حقوق الإنسان وتطبيق القوانين.
***
فكرة المقالة استقيتها من سيرة الخالد جاسم القطامي، الذي توفي أمس الأول رحمه الله، وهو العسكري الذي أصبح سياسياً، فتنافست حياته العسكرية والسياسية، كل واحدة منهما تقول: “الزود عندي”، أي أنا الأجمل، والحقيقة أن كلتيهما أجمل من الأخرى وأفضل.
إلى جنات الخلد يا ابن عمنا… وعمنا.
اليوم: 1 يوليو، 2012
هل يمكن أن تتحول أوضاعنا للأسوأ؟
يقول البعض: لماذا الاعتراض على المتغيرات التي ندعو لها مثل التحول إلى الدائرة الواحدة والاحزاب والحكومة الشعبية ..الخ، فتلك المتغيرات ستفك بنظرهم عملية الانسداد السياسي ومعها التباطؤ الاقتصادي فأوضاعنا حسب هذا الرأي لن تصبح أسوأ مما هو قائم، فهل ذلك التوصيف او التشخيص صحيح؟!
***
اولى البديهيات ان التغيير المطلوب في الامم المتقدمة هو التغيير للاحسن وليس التغيير للاسوأ، كما حدث بعد سقوط الملكيات في مصر والعراق وليبيا، وكمثال جيد على ما نقول ما حذرنا منه في السابق ردا على من أشاعوا ان التحول لنظام الدوائر الخمس سيقضي على الطائفية والقبلية وتأثير المال السياسي وظاهرة شراء الاصوات، وقد قلنا في حينها ان ذلك التحول سيزيد من الظواهر السالبة حيث ان تكبير الدوائر سيزيد من حجم الغنيمة او الجائزة من كرسيين اخضرين الى 10 كراسي خضراء لامعة مما سيزيد معها من حدة الاستقطاب الفئوي والطائفي، كما ان ذلك التوسع سيجعل من الصعوبة بمكان على المرشحين الاكفاء والامناء تحمل الكلفة المالية للحملة الانتخابية ومن ثم سيزداد تأثير المال السياسي وشراء الاصوات ومعها صعوبة سيطرة وتحكم القوى الامنية بالمخالفات.
***
ان من يسوق لحلول الدائرة الواحدة والحزبية والحكومة الشعبية البرلمانية ينسى انها مطبقة بالكامل على بعد امتار قليلة من حدودنا الشمالية اي في العراق الشقيق والجريح، وقد تسببت تلك الانظمة المطبقة لديهم بإحالة أمنهم الى خوف، ووحدتهم الى تشتت فانتشر القتل والنحر والتفجيرات بين كتلهم السياسية نظرا لكبر الجائزة المتمثلة بالميزانية العامة للدولة التي يستحوذ عليها من يسيطر على الحكومة.
***
ان احدا لا يصدق ما يقال ان ما نراه في العراق الجريح من جرائم ودماء وتفجيرات هو لأسباب دينية او طائفية حيث لم يشهد العراق في تاريخه الحديث اي حوادث طائفية من قبل، ان حقيقة ما يحدث هو تقاتل سياسي على الجوائز والغنائم وكعكة الحكم يغطى عليها بخلق اشكالات طائفية ودينية، وعليه نقول ان اوضاعنا الحالية التي نشتكي منها هي افضل مليون مرة من احوال العراق او الصومال او اليمن وغيرها ممن حولتهم الحزبية والقائمة النسبية والحكومة الشعبية الى الخراب والدمار والى جهنم ارضية يمتلئ الطريق اليها بأصحاب النوايا الحسنة واصحاب النوايا السيئة، والاثنان موجودان بوفرة على ساحتنا السياسية.
***
آخر محطة:
1 – في الخلاصة تغيير نظامنا السياسي كما هو مقترح لن يحيلنا للافضل بل لجعل الجائزة تكبر وتكبر حتى تصبح بحجم البلد وميزانيته العامة ومن ثم سنشهد حال التغيير تخندقات حادة للقوى السياسية الكويتية ستأخذ اشكال مواجهات دموية طائفية وفئوية قريبة مما يحدث على الشمال من حدودنا، وستستعين قوانا السياسية المتناحرة آنذاك بقوى خارجية ستأتي ومعها الاموال ورجال المخابرات والاسلحة والمتفجرات والقتل العشوائي حالها حال حروب الاحزاب في دول المنطقة التي شعوبها أكثر ثقافة وعلما من شبابنا الغر الميامين.
2 – شبابنا في «التطبيقي» رفعوا لافتات يقسمون فيها بالتصدي لهذا «العبس» (يقصد العبث)، الله يكون في عون الدكتورين العزيزين نايف الحجرف وعبدالرزاق النفيسي على مثل هذا «العبس» الطلابي.
بدون جنسية وبدون تلفونات
عرفنا أن “البدون” هم بدون جنسية، لكن ما لم نعرفه إلا مؤخراً ومن تصريح وكيلة وزارة التربية المساعدة للتعليم الخاص أن البدون في الكويت أيضاً هم “بدون تلفونات”، هذا “فنتق” جديد لم نكن ندركه من قبل، إذ إن البدون ليسوا محرومين من الجنسية فقط وإنما من “أرقام تلفونات” تمكن السلطات أن تتصل بهم!
ليس عندهم أو عندهن تلفونات أو أن أرقامهم (وهن) مسجلة بالخطأ، ليست مسألة كبيرة مادام وجود البدون كبشر ليس معترفاً به في الدولة، ويتم التعامل معهم على هذا الأساس، فحقيقة “وجودهم” محددة وفقاً للون البطاقة التي تصرفها اللجنة المركزية للبدون (اسمها طويل وممل لن أتعب نفسي في تذكره)، ويفترض أن “للبدون” رقم تلفون طالما أنه يحمل بطاقة ملونة تحدد مركزه القانوني في سلم أولويات منح الجنسية الكويتية، وبهذا الرقم التلفوني للبدون، وهو ليس رقماً مدنياً موحداً موجوداً في بطاقاتنا المدنية، يمكن الاتصال بالبدون المتفوقين والمتفوقات وتكريمهم (هن) حالهم كحال بقية الطلاب والطالبات من الكويتيين وغير الكويتيين.
لكن هذا لم يحدث حسب تصريح السيدة الوكيلة، فأرقام تلفوناتهم مسجلة “خطأ”، حسب كلام الوزارة، وبالتالي، ورغم أن البدون مع غير الكويتيين كان لهم حصة الأسد في المراكز المتفوقة، وهم أقلية، إلا أن حفل التكريم البسيط لم يشملهم ويشملهن، وأيضاً الحسرات تحرق قلوبهم، فالقبول بالجامعة الكويتية محدد جداً للبدون، وبالتالي مهما كانت درجة التفوق عالية فإن القبول بجامعة الكويت (ويا لله تزيد النعمة على أكسفورد الخليج) سيكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً، بكلام ثان ليست أبواب الجنسية فقط، وليس أبواب الرزق معها مغلقة على أكثرية البدون، بل أيضاً أبواب التحصيل العلمي العالي مغلقة أمامهم.
أسعار البترول نزلت ومعرضة للنزول أكثر مع تصاعد أزمة العالم الاقتصادية، وما أكثر ما سمعنا وقرأنا من مسؤولين وغير مسؤولين أن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار بالبشر، وهذا يعني استثمار الكفاءات البشرية وتنميتها وتشجيعها، ومنحها “امتيازات” خاصة، والعادة بالكويت أن الامتيازات الخاصة هي خاصة لأهل البلد، وهذا شيء طبيعي إن لم يمتد لحدود الدلال المفسد، لكن نعرف أيضاً أن العادة جرت على أن الامتيازات الخاصة في دول المحسوبيات والواسطات لا تمنح إلا للخاصة… ماذا لو فكرنا أن نمنح “البدون” المتفوقين والمتفوقات ليس امتيازات خاصة بهم وبهن، فهذه تم “تكييشها” منذ زمن بعيد، وإنما معاملة خاصة في القبول للدراسات الجامعية، وأن نعتبر تفوقهم بالثانوية أو في الدراسة الجامعية أو العمل بالكويت بمثابة “خدمات جليلة” تؤهلهم لكسب الجنسية (تصحبها أرقام تلفونات)، أليس هذا استثماراً بالبشر، وهو أكرم من الاتجار بالبشر.
أداة القياس
توجد في الحياة أدوات وطرق قياس لكل شيء تقريبا من المسطرة إلى ميزان الحرارة وميزان الوزن وغير ذلك، وهذه الأدوات تجعل من السهل مثلا تحديد مساحة غرفة مقارنة بغيرها، أو ثقل جسم مقارنة بآخر أو سرعة سيارة بغيرها. وعادة ما يقبل الجميع بالنتيجة من دون تردد، لأن أداة القياس حجة يصعب الطعن فيها. ولكن تصبح الأمور أكثر صعوبة عند مقارنة نص أدبي بآخر، أو قصة بأخرى، فهنا، وفي غياب تام لأي أداة قياس موحدة متفق عليها، أو جهة تمتلك القول الفصل، تتداخل خلفيات الأحكام الثقافية والدينية والذوقية في مسألة تحديد أي النصين، أو النصوص، أكثر بلاغة أو جمالا من غيره، وبالتالي تتعدد الآراء وتختلف الرؤى، وقد يتطور الأمر ويصل إلى درجة الخلاف الكبير، وقد تتجه فئة لفرض «ذوقها» أو رأيها على البقية لاعتقادها بأن ليس فقط القرب للصحة أو الحقيقة، بل هو الحقيقة المطلقة، وكل ما عداه هراء في هراء، وتتعقد الأمور أكثر عندما يجد طرف أن الوسيلة الوحيدة لفرض رأيه على الغير لا تكون بغير اللجوء للقوة. أكتب ذلك على ضوء الموضوع الذي نال بموجبه الشيخ مصطفى محمد راشد درجة الدكتوراه في الشريعة والقانون من جامعة الأزهر بتقدير عام امتياز، حيث ورد فيه أن الحجاب ليس فريضة اسلامية، وان تفسير الآيات بمعزل عن ظروفها التاريخية، واسباب نزولها قد ادى إلى فهم مغلوط شاع وانتشر بشكل كبير حول ما يسمى بـالحجاب الاسلامي، والحجاب هو المراد به غطاء الرأس الذي لم يرد لفظه في القرآن على الاطلاق، الا ان بعضهم قد اختزل مقاصد الشريعة الاسلامية وصحيح التفسير ورفض إعمال العقل في نقله وتفسيره، وأورد النصوص في غير موضعها وفسرها على هواه، مبتعدا عن المنهج الصحيح في التفسير والاستدلال الذي يفسر الآيات وفقا لظروفها التاريخية وتبعا لأسباب نزولها، إما لرغبتهم وقصدهم في أن يكون التفسير هكذا، واما لحسن نيتهم لأن قدراتهم التحليلية تتوقف إمكانات فهمها عند هذا الحد لعوار عقلي أو آفة نفسية!
وهنا نجد أن من السهل على آخرين الطعن في كلام الشيخ مصطفى، وتقديم أدلة معاكسة تثبت أنه هو الذي يشكو من عوار عقلي أو آفة نفسية، وسيصل آخر إلى نتيجة تخالف الرأيين، وهكذا. وعليه، وفي غياب أي أدوات قياس حيادية أو عقلية حاسمة، يصبح من الصعب، او المستحيل، الوصول إلى رأي تام وبات متفق عليه في أي موضوع تقريبا، والحل هو في قبول كل طرف بما يعتقده الطرف الآخر، والعيش معه بسلام، وخلاف ذلك لا فيصل غير إعمال القتل بعضنا في بعض حتى آخر نفس، وليصبح من بقي على قيد الحياة، ولو مصادفة، هو صاحب التفسير الصحيح! وحتى هنا لن ينتهي الأمر، فسرعان ما سيدب الخلاف من جديد بين المنتصرين على ما هو صحيح وما هو أصح، أو الأكثر صحة، وهذه سنة الحياة، والعاقبة لمن اتعظ!
أحمد الصراف
الجادة الصحيحة
كتب د. احمد الخطيب في القبس الجمعة الماضي مطالبا اعضاء مجلس 2009 الا يكونوا «ممشة زفر»، على حد قوله. والغريب ان الدكتور المخضرم والمعروف بدفاعه عن الدستور طالب نواب مجلس 2009 او مجلس القبيضة، كما عرف عنه، بـ «انتهاز طريق الاصلاح الحقيقي لانقاذ الوطن» و«انتهاز هذه الفرصة التاريخية لفرض طريق الاصلاح الحقيقي.. وتلبية طلبه بمزاولة مهامهم الدستورية وحضورهم الجلسات». كما طالبهم بان يصدروا قانونا بتشكيل هيئة منتخبة من اعضاء معروف عنهم «النزاهة والكفاءة»! لاحظوا معي: يطالب نواب مجلس 2009 بإصدار قانون بتشكيل هيئة من اعضاء معروف عنهم النزاهة والكفاءة! ويستمر الدكتور في طرحه الغريب ويقول «وأؤكد على وجوب الا ترفع الجلسة قبل إقرار هذين القانونين»!
اتمنى ان نسمع من المحسوبين على التيار العلماني الليبرالي التقدمي الوطني رأيا في مطالبة د. الخطيب لنواب 2009 بالعودة إلى التشريع… وأي تشريع؟ قانون للنزاهة؟!
ويبدو ان الدكتور الفاضل لم يسمع ان الكثير من نواب 2009 متهمون بالفساد وإفساد الممارسة الديموقراطية وان الكثير منهم محال من النيابة العامة الى المحكمة بتهمة الفساد وسوء استغلال السلطة!
***
• شخصية كبيرة اخرى وهي الكاتبة فاطمة حسين قالت في مقالتها بالزميلة «الوطن» أيضاً يوم الجمعة تصف المجتمع الكويتي «نشأت في عالم يؤمن بل يعشق وأد البنات لان الرجولة عندهم هو ان تظل الأنثى في الدرك الأسفل من الحياة»!
وين قاعدين يا جماعة؟! اين هذا المجتمع الذي تتحدثين عنه ايتها الفاضلة؟ اذا كنت تقصدين المجتمع الكويتي الذي لم يوصل ولا أنثى للبرلمان فالعتب على الأنثى التي لم تصوت لبنت جنسها! والعتب على الأنثى التي وصلت إلى البرلمان لاول مرة وشوهت اداء المرأة وممارستها تحت قبة عبدالله السالم! وكفى تحقيرا للمجتمع وتشويها لأداء أبنائه! ذكرتني والله بالتيار الليبرالي عندما فشل في الوصول إلى البرلمان وصار يطعن بالممارسة الديموقراطية ويرفض نتائجها فقط لانها ديموقراطية لا تتناسب ومقاسه!
المجتمع الكويتي مجتمع صغير بحجمه لكنه كبير بلحمته والتفافه حول قيادته ونظامه الدستوري، وقد حاول المقبور صدام الغاء هذه الحقيقة لكن النتائج كانت تأكيد كل اهل الكويت على وحدتهم الوطنية.. الرجل اخو المرأة… نختلف بالأفكار والتوجهات لكن نقف عند حدود الوحدة الوطنية.
فرحمة بهذا المجتمع الذي صار «مطقاقة» لكل من يفش فيه غله وهمومه.
***
• الدكتور جابر مبارك الهبيدة… حصل على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة، والدكتور جابر نموذج للكفاح والمثابرة عند الشباب الكويتي الذي لا يقف طموحه عند حد! مبروك للدكتوراه حصولك عليها..! فانت لكل من يعرفك يدرك ان الشهادة تتشرف بك! فاستمر في الصعود بارك الله فيك ونفع بك وطنك.
ما لا يعرفه الكواكبي
يبدو أن المرحوم الشيخ عبدالرحمن الكواكبي (مفكر وعلامة سوري ورائد من رواد التعليم، ومن رواد الحركة الإصلاحية العربية وكاتب ومؤلف ومحامٍ وفقيه شهير، وهو مؤلف الكتاب الفذ «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، توفي في العام 1902) يبدو أنه لا يعرف جيداً معنى «الاستبداد» ولا «الاستعباد»! كما يعرفه ويفقهه ويتقنه وعاظ السلاطين ومشايخ الحكومات ومثقفو السلطات وكتابها وفقهاؤها الذين وجدناهم في الماضي من السنين، ولاسيما في عام الثورات العربية (2011). يعرفون الاستبداد والاستعباد بمنظور أخرق جديد: «الشعوب هي المستبدة وهي الجائرة وهي الإرهابية»!
وحتى نشخص الخطأ الجسيم، بين فهم المرحوم الكواكبي للاستبداد والاستعباد، وبين تشخيص ومفهوم (بضع عباقرة وفطاحلة في عصرنا اليوم) من وعاظ سلاطين العرب وأبواقهم «الدينية» مع فارق 110 سنوات، دعونا أولاً نعرف من هو المستبد في نظر الكواكبي، فهو يقول: «المستبد (…) يرى نفسه كان إنساناً فصار إلهاً».
«كواكب» الحكومات المستبدة اليوم، إسلامية، عربية أم غيرها، ألا وهم الأبواق التي تسخر الدين وتتلاعب بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من طبقة «وعاظ السلاطين الخبيثة» لتخدير وخداع وتضليل الأمة، ينظرون إلى استبداد واستعباد منشأه ومصدره الشعوب التي تطالب بحقوقها وتدافع عن كيانها ووجودها. فهي – أي الشعوب – مستبدة وظالمة ومتآمرة وضالة، أما المستبدون فهم الضحايا والمساكين والمظلومون وممن يتوجب على الشعوب أن (يخفوا عليهم شوي… حرام).
هل الأمر مستغرب؟ أبداً، فقد سمعنا خطباً وتصريحات وفتاوى وصلت إلى حد أن يصف أحد المفتين حركات التحرر في الوطن العربي بأنها مؤامرة من أعداء الإسلام لنشر الفوضى في الدول العربية، وتوعد آخر بالنار والويل لمن يخرج حتى على الفسقة والدكتاتوريين من الحكام! وحرم آخر بشدة المظاهرات المطالبة بالحقوق، ولعل الكثير من القراء يتذكرون تلك المرأة الشهيرة المعالجة بالقرآن الكريم التي تواجدت خارج قاعة محاكمة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ورفعت لافتة: «مبارك من نسل النبي (ص)، وهو من الذرية النبوية وجده مبارك له مقام في كفر مصيلحة، وأنه ظل مع السيد البدوي حتى وفاته»! فيما لم يتأخر آخر من مثقفي مبارك على قناة فضائية من إضافة عبارة (رضي الله عنه) حين يذكر المخلوع!
حين شخّص المرحوم الكواكبي داء الاستبداد السياسي، قبل أكثر من قرن، قال إن أقبح أنواعه استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، ويقول إن الله خلق الإنسان حراً قائده العقل فكفر وأبى إلا أن يكون عبداً قائده الجهل، ويرى أن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور، وأن تراكم الثروات المفرطة، مولد للاستبداد، ومضر بأخلاق الأفراد، وأن الاستبداد أصل لكل فساد، فيجد أن الشورى الدستورية هي دواؤه.
هنا، استعان المرحوم الكواكبي بجملة رائعة من بين ما تكلم به بعض الحكماء ولاسيما المتأخرين منهم في وصف الاستبداد ومنها: «المستبد يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم».
لكن الكواكبي في الوقت نفسه، يعرف دور علماء الأمة، فهو يقول إن «المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلها. والحق أبو البشر والحرية أمهم، والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئاً، والعلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا، وإلا فيتصل نومهم بالموت»!
ولعل الكواكبي كان يرى من زمانه وقتذاك شاكلة وعاظ السلاطين اليوم فيقول: «تواسي فئة من أولئك المتعاظمين باسم الدين الأمة فتقول يا بؤساء: هذا قضاء من السماء لا مرد له، فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والالتجاء إلى الدعاء، فاربطوا ألسنتكم عن اللغو والفضول، واربطوا قلوبكم بأهل السكينة والخمول، وإياكم والتدبير فإن الله غيور».