ما يسوّق له في مصر العزيزة من ان التصويت في انتخابات الإعادة الرئاسية القادمة سيكون على معطى نهج الثورة التي يمثلها د.محمد مرسي، مقابل نهج الفلول الذي يفترض ان يمثله الفريق أحمد شفيق، أو مرشح ثورة 52 مقابل مرشح ثورة 25، هو خطأ فادح سيؤدي بالتبعية للتصويت على المعطى الخطأ ومن ثم تزييف ودون قصد لإرادة الناخبين، بل اننا لو أصررنا على معطى هذين الفسطاطين لوجبت إعادة تموضعهما بشكل صحيح عبر اعتبار ان د.محمد مرسي يمثل مرحلة ما قبل ثورة 25/1 من احتكار حزب واحد لكل السلطات أي «نهج الفلول»، وشفيق يمثل ما بعدها من نهج جديد يسمح بتقاسم السلطة بين القوى السياسية أي «نهج الثورة».
****
ان التقسيم الملتبس حول «الثورة والفلول» يخفي عن عين الناخب المصري حقيقة ما يصوت عليه وهو إما خيار «الدولة الدينية» التي يمثلها المرشح د.محمد مرسي، أو خيار «الدولة المدنية» التي يمثلها المرشح أحمد شفيق، حيث لا خيار ثالثا على الطاولة والذي يفترض ان يحظى بدعم أصوات الليبراليين والعلمانيين والناصريين والساداتيين والأقباط والأدباء والنساء والفنانين.. الخ، حيث انه يمثلهم جميعا أي ان التصويت يجب ألا يتم على الشخوص وماضيهم بل ما يمثله توجههم وتأثيره على مستقبل مصر، فإما دولة دينية على غرار إيران والسودان وأفغانستان، أو دولة مدنية ليبرالية كحال الدولة الأوروبية والآسيوية المتقدمة.
****
ان نهج الثورة الدائمة والبقاء «الملاييني» في الشوارع والميادين كما يحدث في مصر هذه الأيام، يرعب السياح والمستثمرين ولا ينتج عنه صنع إبرة بل دمار وخراب دائم وشامل لكل شيء، فعلى سبيل المقارنة الربيع الأوروبي الذي حدث في 11 بلدا شيوعيا عام 89 «انتهت» فيه الثورات فور سقوط الأنظمة وعاد الناس سريعا لأعمالهم ومصانعهم ومزارعهم، فامتلأت مطاراتهم بالسائحين والمستثمرين والمغتربين العائدين لا المغادرين ولم يعد هناك من يرفع شعار «الثورة قايمة والكفاح دوار» لذا فليس أضر بمصر وأهل مصر من تأخير التحول عن نهج الثورة الذي تحكمه العواطف والغرائز الى مشروع الدولة الذي تحكمه العقول والمصالح، أو التحول من ديكتاتورية الفرد الى «ديكتاتورية الأكثرية» التي يمثلها د.مرسي، والأخيرة أشد وأقسى وأنكى من الأولى حيث لا يمكن إسقاطها بالمظاهرات أو الثورات.
****
ان تجارب التاريخ تثبت بشكل قاطع ان الثورات لا تنجز شيئا على الإطلاق عندما تكون في حالة «ثورة» بل يتحقق الإنجاز عندما تتحول لحالة «دولة»، فالثورة الفرنسية لم تنجز شيئا من شعارات الحرية والعدل والمساواة عندما أبقاها الثائر بروسبير ورهطه من اليعاقبة في مرحلة العنفوان الثوري، بل زاد الظلم والقمع والقتل حتى انتهى الأمر بفرنسا للعودة للملكية وحكم عائلة آل بوربون التي قامت الثورة ضدها، والحال كذلك مع الثورة البلشفية ابان حكم الثائر ستالين والصين وماو وكمبوديا وبول بوت وكوبا وكاسترو وكوريا وسونغ والعراق وصدام حسين وليبيا القذافي وسورية الأسد.. الخ.
آخر محطة:
(1) مزايا شفيق على مرسي انه رجل تجربة وإنجاز ولديه علاقات جيدة مع الدول الخليجية والغربية التي مصر في أشد الحاجة لدعمها، كما يمكن إسقاطه بسهولة في حال اخفاقه في عمله، وتلك المزايا لا تنطبق على المرشح مرسي.
(2) في أغلب بلدان العالم يسمح بالتصويت المبكر في السفارات إلا أن الفرز لا يتم والنتائج لا تعلن إلا مع إعلان النتائج العامة لا قبلها كما يحدث في مصر، كي لا يؤثر ذلك على توجه الناخبين.
(3) أهم عامل في الانتخابات الرئاسية القادمة هو ما سيفعله أعضاء «حزب الكنبة» الذي يضم 25 مليون مصري ممن فضلوا البقاء في بيوتهم وعدم التصويت، فلو ترك مليون منهم «الكنبة» وتوجهوا لصناديق الاقتراع لتغير تاريخ مصر والمنطقة.
(4) 10 ملايين انتخبوا مرشحي حزب الحرية والعدالة لمجلسي الشعب والشورى، و5 ملايين فقط انتخبوا د.مرسي في الجولة الأولى، فإذا ما استمر ذلك التناقص يمكن انقلاب الموازين وتهنئة الفريق شفيق.
(5) الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة هي بين مرشح تدعمه أميركا ومرشح تدعمه.. أميركا «برضه».. وقد يكون يحمل جنسيتها وليس أبناؤه فقط..!
(6) استفتاءات «الأهرام» المتتالية التي جعلت عمرو موسى وأبوالفتوح في المقدمة حتى جرت المناظرة الرئاسية بينهما هي «فضيحة بجلاجل» ولا يعتد بالقول ان المناظرة أثرت سلبا على الاثنين حيث ان استفتاء «الأهرام» بعد المناظرة أبقى موسى متصدرا وبفارق كبير..!