احمد الصراف

البشر والكلاب

يقول المثل الإنكليزي You can’t teach an old dog new tricks، ويعني انه من الصعب تدريب كلب مسن على حيل جديدة، وهكذا مع الإنسان! ولكن طباع البشر تختلف عن طباع الكلاب ويمكن، بقليل من الصبر والمثابرة، أن يتعلم الإنسان، بصرف النظر عن عمره، أمورا وألعابا وحيلا جديدة، فليس لقدرات البشر حدود.
وقد انتج العباقرة والمبدعون فكريا غالبية أعمالهم المميزة بعد تجاوزهم مرحلة الشباب بكثير، وقد احتفل لبنان مؤخرا بمئوية الشاعر سعيد عقل، وهذه أول مرة في التاريخ يتم الاحتفال بتكريم شخصية عامة معروفة، المكرم لا يزال على قيد الحياة! كما يمكن حتى تغيير الصفات الشخصية للفرد كالغضب الشديد والعناد وحتى التقتير الشديد في الصرف من خلال تدريبات محددة. وعلى الصعيد الشخصي يمكنني الادعاء بأنني حققت الكثير من التغيير في حياتي بعد تجاوزي الستين، واصبحت اقوم بأمور ونشاطات لم أكن أعتقد، حتى وانا اصغر بكثير، أن بإمكاني مجرد قبول القيام بها، أو أن لديّ القدرة عليها! كما تعلمت «حيلا» وألعابا لطيفة، بعد أن تجاوزت السادسة والستين، ولا أعتقد أنني سأتوقف عن تعلم شيء جديد كل يوم، فكل يوم أتعلم كلمة من هنا وتعبيرا من هناك ونكتة من كتاب وطرفة من رسالة انترنت، وطريقة تفاوض جديدة. كما اصبحت أدقق وأساوم بطريقة أفضل في تعاملي مع الغير، في تجارة أو عقار! واصبح قطع مسافة 6 كيلومترات في ساعة سيرا، وفي منطقة جبلية، امرا يسيرا بعد أن كان في الخمسين أمرا مستحيلا! كما تعلمت استخدام التويتر لساعة والفيسبوك لنصف ساعة، وتوقفت عن استخدامهما. كما نجحت في قهر الإنترنت، وبرامج الكمبيوتر العصية الفهم، وغازلت «الوتس أب» لأيام وتركته لغيري، وعودت نفسي على قراءة كتاب من جهاز كمبيوتر قبل النوم، بعد أن كان مسك الكتاب في الفراش أمرا مقدسا ويصعب التخلي عنه، وهكذا تمضي الحياة سعيدة بنا إن وضعنا في بالنا أن لا شيء صعب ولا شيء غير قابل للتعلم، وإن بقليل من الجهد، فالمثل يقول: التكرار يعلم الشطار، وفي رواية اخرى «الحمار»، فهذا الحيوان المظلوم بإمكانه الاستدلال ومعرفة طريقه من نقطة لأخرى إن قام صاحبه بالسير معه مرة واحدة! ولكن البعض منا يرتكب الخطأ نفسه المرة تلو الأخرى ولا يتعلم ولا يتعظ، ومع هذا نصر على وصف الحمار بالحمق والجهل!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الليبرالي عندما يحلم.. يبدع

عندما طالبتُ في بداية كتابتي في القبس بميثاق شَرَفٍ يوقّ.ع عليه أصحابُ الرأي والأقلام الصحفيّة، استنكر بعض الزملاء هذه الدعوة واستقبلوها بشيء من السخرية، ولم أكن وقتها كتبتها من فراغ، بل من إدراك لمنطلقات عدد غير قليل من أصحاب الأقلام الصحفية.
بالأمسْ، كتب أحد هؤلاء مقالاً ممتلئاً بمخالفة الواقع ومجانبة الحقيقة والتحريض السافر للسلطة على ضرب تيار عريض من تيارات المجتمع الكويتي الصغير! ولقد كانت بداية القصيدة كفراً عندما اتهم التيار الإسلامي في الكويت (الذين أسماهم بإخوان الكويت) بأنهم سرطان!
ثم يبدأ بعد ذلك بتزوير التاريخ عندما يدّعي أنّ الحكومة أو السلطة تحالفت مع التيار الديني في منتصف السبعينات عندما بدا لها أنّ التيار الوطني الليبرالي أصبح خطراً عليها! وتشويه التاريخ هنا في أمرين: الأول، أنّ الحكومة أو النظام تحالف مع التيار الديني! وليته وضّح مظاهر هذا التحالف حتى نعرف كيف نرد عليه، وأتمنى ألا يكرر مقولة مشاركة الشيخ يوسف الحجي في الوزارة بعد حلّ مجلس 1975. والأمر الثاني، عندما قال إنَّ التيار الوطني كان خطراً على الحكومة فاتجهت تبحث عن حليف آخر! هذا دليل على أنّ السلطة كانت متحالفة حتى نهاية السبعينات مع هذا التيار. لكنَّ الحقيقة التي حاول صاحبنا إخفاءها أنّ السلطة رأت في هذا التيار ضعفاً ونفوراً من قبل الشارع الكويتي تجاهه، بعد أن انكشفت حقيقته وحقيقة منطلقاته في الكويت وخارجها.
يقول صاحبنا «ما لم تدركه السلطة حينها أن المقولة المنسوبة إلى الملك عبدالعزيز من أنّ الدين طير يقنص به، قد تكون مناسبة لمجتمع سلطوي..»! ولا شك أنّها عبارة لا تتناسب وحسن الجوار الذي تعيشه الكويت مع الشقيقة الكبرى السعودية، ولن أعلّق أكثر.
يقول عن الإخوان في الكويت «وهم اليوم أقرب ما يكونون إلى السلطة من أي وقت مضى»! وسؤالي: ما هي مظاهر قربهم إلى السلطة والحكم؟ هل بكثرة وزرائهم في الحكومة؟ هل بوجودهم المكثّف في قيادات الجيش والشرطة؟ هل بسيطرتهم على الصحف اليومية والقنوات التلفزيونية العاملة في الكويت؟ أين هذا الوجود الذي ذكره كدليل على صحة كلام الفريق خلفان من سيطرتهم على مقاليد الحكم في الكويت 2013؟ إنّها والله محاولة الاستخفاف بعقول القراء والتدليس عليهم بتزوير حقائق الواقع.
وأخيراً، عندما أراد أن يعطي الدليل على ارتباط إخوان الكويت بإخوان مصر جاء بهذه الحقيقة الدامغة «والدليل أنه لا أحد من هؤلاء استطاع إخفاء فرحته عندما اكتسح إخوان مصر غالبية مقاعد البرلمان، ولكنّهم سكتوا عندما فشل مرشحهم للرئاسة في الحصول على نصف عدد الأصوات.. وهذا مؤشر واضح على انكشافهم وخواء فكرهم»! إذاً عندما نفرح بفوز الإسلاميين في الانتخابات فهذا دليل على ارتباط تنظيمي بهم! هكذا بكل بساطة استنتج هذه الحقيقة الدامغة! ثم سكوتنا عن «فشل» محمد مرسي في انتخابات الرئاسة! «صحي النوم يا صاحبي.. وبلاش تهريج كفاية».
لمثل هذه الحالات طالبنا بميثاق شرف يلتزم فيه الكاتب بالموضوعية في كتاباته ويحترم عقول القراء.. ويبتعد عن تكرار الاتهامات، ويتورّع عن تلفيق القضايا إلى خصومه.

سعيد محمد سعيد

«إخوان سنة وشيعة»… اصطكاك الأسنة!

 

ذات يوم، أرسل إلي زميل خليجي، وهو مواجه شرس للطائفيين وأفكارهم ومن الداعمين لمنهج تقوية العلاقات بين السنة والشيعة… أرسل إلي من باب المزاح والمناكفة اللطيفة، مقطع فيديو لأحد المشايخ وكتب في رسالته: «في هذا المقطع يا صاحبي، ستشعر بالسرور والراحة النفسية لوجود علماء ومشايخ في كلامهم روعة… في دعائهم صدق وإخلاص… نحن نحتاج إلى علماء ومشايخ ودعاة ومثقفين يعرفون جيداً المعنى الإنساني للأخوة بين الناس، وقبل ذلك يعرفون معنى الأخوة بين المسلمين في المنهج القرآني… أما هؤلاء فيحتاج إليهم إبليس»!

وعلى أي حال، شدتني الرسالة القصيرة المدهشة لمشاهدة مقطع الفيديو ولأستمع إلى دعاء على لسان أحد المشايخ يقول فيه: «اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك. اللهم عليك بـ (…) (قالها ثلاثاً). اللهم جمد الدماء في عروقهم. اللهم جمد الدماء في عروق مرجعياتهم وأئمتهم وعلمائهم. اللهم سلط عليهم الغلاء والبلاء والوباء. اللهم جمد الدماء في بطونهم وظهورهم. اللهم سلط عليهم السرطان (قالها مرتين)… ثم ذهب في بكاء مرير!

لا بأس… هناك سواد عظيم من أبناء المجتمع المسلمين يؤمنون تماماً بشعار: «إخوان سنة وشيعة… هذا الوطن ما نبيعه»، وفي المقابل، هناك من وضع ذلك الشعار موضعاً لرفع الحراب واصطكاك الأسنة محاولاً إسقاطه بما أوتي من أفكار شيطانية معادية للأخوة، وليس هؤلاء من طائفة واحدة، بل هم من ذوي النزعات والأفكار الطائفية المتشددة من الطائفتين!

في المجتمع البحريني، يرفع الصوت المخلص، من السنة والشيعة، هذا الشعار باعتباره ركن أساس (للأسرة البحرينية ولاستقرار المجتمع)، فيما يحاول الصوت الطائفي إسقاطه كونه (غير ممكن) انطلاقاً من تهم كخيانة الوطن وتحريف القرآن الكريم والخيانة التاريخية… فبالتالي لا يمكن أن يكونوا إخواناً لنا، حتى أن أحد مشايخ الفتنة وصل به الأمر إلى التشكيك في نسب طائفة بكاملها، ولم تحرك الدولة ساكناً لا ضده ولا ضد آخر رفع اثنان من المحامين دعوى إثارة الفتنة الطائفية لدى النيابة العامة ضده! بل تجاوز الأول بغضبه ليدعو الناس: لا تزوروا مرضاهم ولا تهنئوهم في أعراسهم أو مناسباتهم!

على أي حال، لو عدنا إلى أساس شعار «إخوان سنة وشيعة… هذا الوطن ما نبيعه»، لوجدنا مصدره العراق. فالشعب العراقي هو من صاغ ذلك الشعار في أحلك المراحل العصيبة التي مر بها، ولولا صدقهم في تبني ذلك الشعار بقناعة دينية وانسانية ومجتمعية، لانتشرت عصابات الإجرام المسلح بشكل مذهل، ولما ولدت جماعات الصحوة التي أرهقت تلك العصابات وإن عادت من جديد خلال الأيام الماضية لتسفك الدماء بجاهليةٍ همجيةٍ وحشية مدعومة بالتمويل والتسليح من أطراف معروفة، إلا أن الشعار وحد الشعب العراقي.

قبل عدة أشهر، استضافت العاصمة القطرية (الدوحة) ندوة: «دور التنوع المذهبي في مستقبل منطقة الخليج العربي»، ولعل الخلاصة الرئيسية من تلك الندوة هي اتفاق علماء ومثقفين ودعاة من الطائفتين على أن تعزيز مفهوم المواطنة (على حساب الانتماء للطائفة) يمكن أن يمثل حلاًّ للمستقبل، بيد أن أعداء شعار: «اخوان سنة وشيعة»، طرحوا أيضاً ما لديهم من أفكار شيطانية، وانبرى ناشط سياسي خليجي مشهور بطائفيته ليقول: «كلما أصبح الشيعة أغلبية ساموا السنة الويل والعذاب»، وهذه القراءات غير الموفقة كان لها من ينفيها ويسفهها ويسقطها بقوة على هامش الندوة، لكن الحق، أن المشاركين الذين حملوا أنظمة الحكم الخليجية مسئولية تأجيج الصراع الطائفي كانوا مصيبين فيما قالوا، فلا يمكن أن تنتعش الطائفية إلا إذا كانت مدعومةً من الحكومات، ولهذا فإن المطلوب من الحكومات الخليجية، وفق الأصوات المعتدلة في الندوة، هو الوقوف على مسافة واحدة من كل المذاهب.

المجتمعات الخليجية، بل قل المجتمعات العربية كلها تعيش التنوع الديني والمذهبي والقومي، لكن غياب نظام المواطنة بوصفه نظاماً متجاوزاً للتعبيرات التقليدية، جعل بعض هذه المكونات تعيش التوتر في علاقتها، وبرزت في الأفق توترات طائفية ومذهبية وقومية، وهكذا عاشت بعض الدول والمجتمعات العربية توترات مذهبية خطيرة تهدد استقرارها السياسي والاجتماعي.

أين موضع الخلل؟ هنا نتفق مع الآراء التي تركز على أنه حين تتراجع قيم المواطنة في العلاقات بين مكونات المجتمعات العربية، تزداد فرص التوترات الداخلية في هذه المجتمعات؛ لهذا فإن العالم العربي يعيش مآزقَ خطيرة على أكثر من صعيد، وهي بالدرجة الأولى تعود إلى خياراته السياسية والثقافية. فحينما يغيب المشروع الوطني والعربي، الذي يستهدف استيعاب أطياف المجتمع، وإخراجه من دائرة حبسه في الأطر والتعبيرات التقليدية إلى رحاب المواطنة؛ فإن هذا الغياب سيدخل المجتمعات العربية في تناقضات أفقية وعمودية، تهدد استقرارها السياسي والاجتماعي.

ليس هناك من حل أقوى من أن تكون الأنظمة الحاكمة هي (حائط الصد) الأقوى للطائفيين وأفكارهم، لا أن ترعاهم وتحميهم، فالمجتمعات والشعوب الخليجية والعربية تتطلع إلى حكومات وأنظمة سياسية متطورة ومدنية، تفسح المجال للكفاءات الوطنية المختلفة للمشاركة في تنمية الأوطان العربية وتطويرها على مختلف الصعد والمستويات.

سامي النصف

قضاة مصر.. تيجان العرب

  لم يتفش الخراب والدمار والقمع والطغيان على ارض الكنانة الا بعد ان استبدل انقلابيو 1952 القضاة المصريين بالضباط القمعيين بدءا من محاكمات متظاهري كفر الدوار اغسطس 1952 ثم محكمة الثورة سبتمبر 1953 ومحكمة الشعب نوفمبر 1954 وما بعدها، وقد وقف قضاة مصر الشامخون ضد القبضة الحديدية لنظام عبدالناصر وتنظيمه السري فأوقع بهم مجزرة نادي القضاة عام 1969.

***

ذكرنا في مقالنا المنشور بجريدة «المصري اليوم» يوم الجمعة 1/6/2012 ان مصر مقبلة على حقبة «ديكتاتورية الاكثرية» التي هي اسوأ من ديكتاتورية الاقلية، وقد اتت الاحداث لتثبت ذلك الامر، ففي عهد مبارك صدرت احكام المحكمة الدستورية بحل مجالس الشعب والشورى في 5 قضايا مختلفة، فتم على الفور الامتثال لتلك الاحكام القضائية ولم يدع احد ان «المجلس سيد قراراته» ويوقف تنفيذ تلك الاحكام واجبة التطبيق.

***

يوم الخميس الماضي، اصدر القضاء المصري الشامخ الذي هو احد التيجان التي نفخر بها كعرب احكامه الجليلة بإسقاط حكم العزل الجائر الذي اصدره ترزيو القوانين في مجلس الشعب ومعه قرار بحل مجلس الشعب، فاعترض المجلس في سابقة لم تحدث من قبل في مصر، وقرر عقد جلسة يوم الثلاثاء المقبل وحرك نوابه الغوغاء في الشوارع في تكرار لحادثة مارس 1954 عندما اوعز عبدالناصر لزبانيته بتحريك المظاهرات في الشوارع والميادين التي تطالب برفض الديموقراطية والقبول بالديكتاتورية القمعية، وهي مظاهرات لم يشهد لها العالم مثيلاً حتى هذه الايام.

***

لقد حاول مجلس الشعب المصري فرض لجنة تأسيس الدستور على معطى «الغلبة» فأسقطها القضاء المصري الشامخ، كما حاول الجاهل حازم ابواسماعيل فرض ارادته على القضاة فخاب فأله، ومازال ينتظر الاحالة للتحقيق بتهمة التزوير في الأوراق الرسمية، ومع صدور الاحكام في قضية مبارك حاول نواب جهلاء التعدي على رجال القضاء فرفع عليهم القضاة مئات الدعاوى، ولن تنفع النواب المسيئين حصانتهم البرلمانية بسبب حل مجلس الشعب، وقد اعتذر رئيسهم وكثير منهم عن تلك الاساءات دون فائدة، كما اسقط القضاء العادل قانون العزل المسخ مما مهد للمرشح احمد شفيق اكمال مسيرته بل وزاد من فرص نجاحه بعد ان بدأت نوايا القمع والديكتاتورية الخافية والمستترة تتكشف امام الشعب المصري الذي فقد الثقة في نوابه ولن يعيد انتخاب اكثرهم.

***

ومن مصر الى الكويت واساءات متتالية للقضاء الكويتي الشامخ تذهب دون محاسبة او مساءلة، فمن محاولة الدفع بنواب للمحكمة الدستورية ومقترح اسقاط حقها في تفسير الدستور الى الحشود والجموع من قبل النواب وغيرهم امام قصر العدل للتأثير على احكام القضاء، وهو امر لو تم في بلد آخر لتضاعفت الاحكام لردع التجاوزات الخطرة ولارسال رسالة واضحة جلية فحواها ان الحقوق تؤخذ بقوة القانون لا بقوة الجموع والحشود، وان القاضي الذي يجبن امام الغوغاء هو قاض لا يستحق البقاء على منصته، قضاتنا الافاضل حمروا الاعين وردوا محاولات التعدي على اعمالكم والتدخل في احكامكم النزيهة ولكم في قضاة مصر الابطال خير قدوة ومثال، فالشعب بأجمعه خلفكم لا خلف غيركم ممن افسدوا محرابهم ويرومون افساد محاريب السلطات الاخرى.

***

آخر محطة: النيابة العامة هي من ينوب عن الشعب في ردع المتجاوزين على الاموال العامة، وهي جرائم لا تسقط للعلم بالتقادم، لذا بودنا ان نسأل عن آخر تطورات بلاغ الزميل باسل الجاسر ضد قطب برلماني يتهمه بالاستيلاء على الاموال العامة بمخالفة صارخة للقوانين، ذلك القطب للعلم هو اول من اساء للسلطة القضائية عندما قاد الصغار والدهماء والغوغاء للتجمهر امام وزارة العدل بقصد التأثير على احكام القضاء، لقد ارسل البعض رسائلهم بوسائل مختلفة برغبتهم في تحجيم مرفق القضاء والاساءة له، فهل من رد على تلك الرسائل؟!

احمد الصراف

الأفورزم

تعني Aphorism القول المأثور أو الحكمة المختزلة في جملة قصيرة ودقيقة تعبر بذكاء عن ملاحظة أو حقيقة ما، فمثلا: نقول إن أفضل ما في المستقبل أنه دائما يبدأ في اليوم التالي! أو، المال يمكن ان يشتري لك كلبا جميلا، ولكن طريقة تعاملك معه هي التي تجعله يهز ذيله فرحا بك. وان افضل وقت تحتفظ فيه بفمك مغلقا هو عندما تكون تحت الماء. وكيف يمكن أن نفسر ما يتطلبه الأمر من وقت قصير ليطلب المراهق أن يكون في الظلام، وهو الذي كان يخاف منه قبل سنوات قليلة فقط؟ أو المشاركة في المؤتمرات الخارجية ضرورية للشركات لتعرف من من الموظفين الذين يمكن أن يسير العمل بدونهم! أو ليس هناك اسوأ من تلقي مكالمة خاطئة في الساعة الرابعة صباحا، وأكثر سوءا أن تكون المكالمة صحيحة! وعندما تقرر القيام بقراءة الكلمات الصغيرة خلف عقد قرض مصرفي او بوليصة تأمين فيجب أن تحضر نفسك لقراءة ما لا تود معرفته! ولهذا نجد أن الغالبية توقع مثل هذه العقود دون أن تفكر في قراءتها، فمن سيقرأ سوف لن يؤمن ولن يقترض، هذا اذا كان له «خلق» لقراءة 4 صفحات من الحروف الصغيرة!
ونقول: المال لا يمكن أن يشتري السعادة، ولكن لسبب ما فان البكاء في سيارة مرسيدس فخمة يجلب راحة أكبر من البكاء في سيارة فولكس قديمة.
وان قمت من النوم صباحا، بعد السبعين، وليس هناك ما يؤلمك أو يشغلك صحيا، فالاحتمال الأكبر أنك في مكان آخر، مع غير الأحياء.
والحياة لا تأتي مغلفة بعلبة جميلة وعليها رباط أنيق (أمبلاج)، ولكنها تبقى مع ذلك هدية رائعة. وقال لي صديق وسياسي سابق، ان الفرق بين سياسييّ الغرب وسياسيينا، هو الفرق بين الحمام الافرنجي والعربي، فالأول يحتاج الى بضعة براغي ليزال أما الثاني فان ازالته تتطلب تخريب الحمام بكامله تقريبا.
وأخيرا، نلاحظ جميعا في احتفالات دفن الشخصيات، وحتى البشر العاديين، أن حاملي النعش يسيرون عادة بخطى ثابتة وبطيئة! ويعتقد البعض أن البطء يعود من منبع الاحترام للميت وعدم الهرولة في دفنه، ولكن الحقيقة غير ذلك، فقد توارثت عادة السير بهذه الطريقة من عادة أوروبية قديمة، عندما كانت توضع شموع على زوايا النعش الأربع، والسير السريع، أو الهرولة بالنعش سيتسبب اما في سقوطها واما اطفاء شعلتها، وبالتالي كان حاملو النعش يحرصون على السير به ببطء!.

أحمد الصراف

عادل عبدالله المطيري

الملعب السياسي الكويتي

أصبح الملعب السياسي في الكويت مزدحما باللاعبين، ومن أهم الفرق أو الفرقاء السياسيين الموجودين: فريق الحكومة وحلفائها، وفريق الأغلبية البرلمانية ومريديها، وعادة ما يسعى كل منهم لتحقيق الصدارة على حساب الآخر، وتكون المنافسات بينهم كمباريات «الكلاسكو» حاسمة وجماهيرية وتمتد تأثيراتها إلى خارج الملعب!

أما في الفترة الأخيرة ومع بعض الاستثناءات البسيطة (استجواب الشمالي والرجيب) فقد كان فريق الأغلبية يحاول جاهدا المحافظة على علاقات طيبة مع فريق الحكومة ومدربه الجديد، وبدوره أيضا فريق الحكومة يبادل الخصم نفس المشاعر الطيبة، ولذلك بدأنا نلاحظ أن لاعبي الحكومة الأساسيين يتعمدون فتح المرمى لمهاجمي الخصم لتحقيق بعض الأهداف الجميلة!

مشاهدات جديدة فيها الكثير من «الروح الرياضية» كانت مفقودة بالسابق.

أما الجمهور السياسي فيبدو انه في حيرة من أمره، فلم يعتد على الاجواء الجديدة الخالية من «الأكشن» السياسي..!

ومن تأثيرات التقارب الحكومي ـ البرلماني على الجمهور، انه لم يعد يميز بين ألوان الفريقين المتباريين، حيث بدأت له متقاربة جدا، فلم يعد يفرق بين من يلعب مع الحكومة ومن يلعب عليها، ومن يمثل فريق البرلمان ومن يمثل الحكومة، لذلك بدأ الجمهور يشجع كل الهجمات الرائعة من كلا الفريقين، فتجده تارة يصفق لوزير وتارة أخرى لنائب..!

وبالإضافة إلى الفريقين الكبيرين، توجد بعض الفرق السياسية الصغيرة في هذا الدوري السياسي ـ مثل فريق الأقلية الذي نزل للتو إلى الدرجة الثانية هذا الموسم لصالح الأغلبية الحالية ـ وهذا الفريق الثالث يلعب فيه بعض السياسيين من بقايا فريق الحكومة السابق، سواء في البرلمان أو في الظل خارج الدوري الرسمي، ويمتاز هذا الفريق باللعب الخشن وعلاقته الحميمية بحكام المباريات.

في النهاية نحن كجماهير سنشجع اللعب السياسي النظيف والملتزم بالقانون والاخلاق، لأننا مع تحقيق الأهداف لمصلحة الكويت والكويتيين، سواء جاءت من فريق الحكومة أو البرلمان.

 

حسن العيسى

ماذا يخبئ الغد السوري؟

سورية تعيش حرباً أهلية حقيقية، هذا ما ذكره مراقبو السلام في الأمم المتحدة، والسؤال الآن كيف ستنتهي هذه الحرب الأهلية متى سلمنا بوصفها “حربا” وليست ثورة تحرير فقط من أجل إزالة النظام الستاليني المتسلط للعائلة الأسدية، لا نقرأ الكف ولا الفنجان ولا نضرب الودع إذا قلنا إن الحرب في سورية ستنتهي بتقسيمها إلى دولتين سنية وعلوية سواء طال أم قصر أمد الحرب، فالتقسيم لن يكون جديداً على الدول العربية، حين يعيد “ربيعها” مع تدخلات الخارج تقسيم التركة العثمانية وفق الهويات الطائفية والعرقية، وستخلق أمماً جديدة أو بكلام أصح “قبائل ترفع الأعلام” كما كتب الكثيرون، والقبيلة هنا بالمفهوم “القبائلي” أي أولوية الانتماء للقبيلة الطائفية على الانتماء للدولة، وليس قاصراً على الأصل القبلي العرقي.
الأستاذ هاشم صالح ابن سورية الذي قدَّم للفكر العربي خدمة جليلة بترجمة أعمال المفكر الراحل محمد أركون يسأل بيأس في جريدة الشرق الأوسط عدد الاثنين الماضي عن “الخطيئة الأصلية” في شرقنا، ويطرح على نفسه السؤال “الغبي المتهور” بتعبيره الحزين متسائلا “… أما كان من الأفضل الإبقاء على سورية مقسمة إلى عدة دول على أساس جغرافي مذهبي متجانس بدلاً من توحيدها بشكل تعسفي وقبل أن تنضج مكونات السكان وتصبح مؤهلة لذلك؟ أقصد بهذا أن التنوير السوري كان ينبغي أن يسبق التوحيد السوري وليس العكس. أقصد بالتنوير السوري أو العربي القضاء على العصبيات الطائفية أو تحجيمها على الأقل عن طريق تنوير العقول وبث فكر جديد عن الدين…”! تساؤل مشروع نقرأه وفي أدمغتنا يظل يرن طنين الصومال ولبنان والعراق قوياً… والعرض ما زال مستمراً للبقية العربية.
كسينجر، ومهما يثير فينا ذكره من مشاعر النفور يظل رائداً للمدرسة الواقعية السياسية، والتي طبعت معظم تاريخ السياسة الخارجية الأميركية يدعو في مقال له بـ”واشنطون بوست” إلى عدم التدخل الغربي في الحرب السورية، لأنه ليس هناك مصلحة استراتيجية لتلك الدول في التدخل العسكري، والاعتبار الإنساني للتدخل الأجنبي ليس له مقام يذكر حين يكون الحديث عن المصالح الاستراتيجية للدول، وفي ثنايا مقاله يقرر حقيقة مؤلمة، بأن دول الشرق الأوسط باستثناء مصر وإيران وتركيا ليس لها مقومات الدولة الأمة nation state وأن معاهدة وستفاليا للسلام عام 1648 التي قننت مفهوم الأمة ذات السيادة ضمن حدودها الإقليمية وأنهت بذلك حرب الثلاثين عاماً في أوروبا لم يحدث ما يماثلها في الشرق الأوسط.
ماذا يخبئ المستقبل لدولنا! هذا في علم الغيب، لكن الوقائع التاريخية لا تبشر بالخير… للنظر بحذر وقلق “للصوملة واليمننة والعرقنة واللبننة… الخ” في دول “رسمت خطى على الرمال” (عنوان رواية للراحل هاني الراهب) فالكوابيس ستصير حقائق، وليتعظ مخابيل النزعات الطائفية في دولتنا الصغيرة، ويكفوا عن إثارة الفتن المذهبية المتشنجة والمتدفق سيلها من جبال الجهل والتطرف.

احمد الصراف

الإخوان سرطان

رأت السلطة في الكويت في منتصف سبعينات القرن الماضي تقريبا أن التيار الوطني، الأقرب لليبرالية والممثل حينها للطبقة المتعلمة فوق المتوسطة، يشكل خطرا عليها، وأن الحل يكمن في تغيير المعادلة وتغيير طريقة ممارسة اللعبة الديموقراطية، وهنا اتجه بعض افرادها لسياسة تجنيس فئات معينة لترجيح كفة على أخرى! ورأى البعض الآخر التحالف مع القوى الدينية الأكثر محافظة وولاء! ما لم تدركه السلطة حينها أن الحكمة أو المقولة التي تنسب للملك عبدالعزيز بن سعود من أن «الدين طير يقنص به»، قد تكون مناسبة لمجتمع سلطوي ولكنها لا تصلح بالضرورة لكل مكان وزمان، خاصة في المجتمعات الأكثر انفتاحا، فهؤلاء المتدينون يمكن الاستعانة بهم لتحقيق أهداف معينة، ولكن ليس من السهل التخلي عنهم وقت شاء من استعان بهم، بغير استخدام القوة، كما فعل ابن سعود مع «الإخوان» عندما عارضوا إصلاحاته، وكما فعلت قطر مع جماعة من مواطنيها قبل سنوات قليلة عندما وضعتهم على الحدود وطلبت منهم التصرف، مع الفارق. ولكن هذا الأسلوب ليس بالأمر السهل دائما، خاصة بالنسبة للكويت، وبالتالي يصبح أي تقريب للمتأسلمين، على حساب الفئات الأخرى، مغامرة محفوفة بالكثير من المخاطر، فهؤلاء، متى ما تمكنوا لن يترددوا في استغلال الوضع لمصلحتهم وتمكين أنفسهم من الحكم، وما ذكره الفريق ضاحي خلفان، قائد عام شرطة دبي، غير بعيد عن ذلك، فقد بين في حديثه للزميلين حمزة عليان وعبدالسلام العوضي (القبس) قبل اسابيع قليلة، أن خطة «الإخوان» للوصول الى الحكم في الخليج ستبدأ من الكويت مع عام 2013، وسبب ذلك أنه ليس بإمكان حكومتها استخدام العنف ضدهم، إضافة إلى أنهم يحاولون منذ أربعينات القرن الماضي توطيد اقدامهم في الكويت، وهم اليوم أقرب ما يكونون الى السلطة من اي وقت مضى. وذكر الفريق خلفان أن هناك تعاوناً بين «إخوان» الكويت ومصر، فهذا التنظيم يدير خلاياه من الدول التي يتواجد فيها! وتصريح السيد خلفان هذا يتناقض مع كل ادعاءات وترهات «قيادات» الإخوان في الكويت» من أنهم يعملون بصورة مستقلة عن إخوان مصر، فواضح أن هناك حلفاً يربط الاثنين، والدليل أنه لا أحد من هؤلاء استطاع إخفاء فرحته، وحتى شماتته من أعدائه ومعارضيه، عندما نجح إخوان مصر في اكتساح غالبية مقاعد البرلمان، «ولكنهم سكتوا عندما فشل مرشحهم للرئاسة في الحصول على نصف عدد الأصوات التي حصلوا عليها في الانتخابات النيابية، وهذا مؤشر واضح على انكشاف ألاعيبهم وخواء فكرهم».
نعيد ونحذر بأن وصول «الإخوان» يشبه وصول طبقة رجال الدين، او الملالي للحكم في إيران، فإزالة هؤلاء بالعنف أو السلم أمر أقرب للاستحالة منه لأي شيء آخر، فهؤلاء، في داخلهم وصريح عباراتهم، يعتقدون بأنهم ممثلو الله في أرضه، وحاملو رايته، ومبلغو رسالته، وكل اعتراض عليهم هو اعتراض على مشيئة الله وحكمه، وبالتالي يجب أن يقابل من يعترض طريقهم بأقصى درجات العنف، وقد وفرت نصوص دينية عديدة الذريعة لهؤلاء للجوء الى ما يرونه مناسبا لدحر، او تصفية أعدائهم، ان حاول هؤلاء «اغتصاب» الحكم منهم!

أحمد الصراف

سامي النصف

د.مرسي.. وصلت فما أنت فاعل؟!

  ما لم تحدث معجزة، واضح ان الانتخابات الرئاسية في مصر ستحسم لصالح المرشح د.محمد مرسي ليس بسبب اصوات المصريين في الخارج التي رجحت د.مرسي، وهو امر طبيعي، حيث ان كثيرا من المغتربين تركوا مصر لاختلافهم مع النظام السابق والذين يرون في شفيق امتدادا له، بل فوز د.مرسي المحتمل هو بسبب اصطفاف كثير من القوى ضد منافسه ومن ضمنها قوى ليبرالية وقومية ويسارية! اضافة الى الحملة الاعلامية الشرسة ضد الفريق شفيق وامتناع شفيق الذي هو رجل عمل لا كلام، كما تقول حملته الاعلامية، عن اعطاء الوعود الوردية للشعب المصري وقواه السياسية كما يفعل منافسه.

***

ففي لقاء للدكتور محمد مرسي مع الاعلامي يسري فودة، سأله المذيع ان كان مستعدا لاعطاء الاغلبية الصامتة (وهو اصطلاح مائع لا تمثله جهة محددة) منصب نائب الرئيس وتقاسم السلطة معه، فوافق، ومنحهم منصب رئيس الوزراء، فوافق، ونصف مجلس الوزراء، فوافق ايضا، ولا اعلم ان كان لم يستوعب معنى الاسئلة او كان يستوعبها الا انه كان على استعداد لقول اي شيء للوصول للهدف ثم بعد ذلك وكما يقال في الخليج «يصير خير»، والخياران اسوأ من بعضٍ!

***

وفي لقاء له مع قناة «الحياة» وعد بمضاعفة رواتب المتقاعدين من 300 ـ 500 جنيه الى 1500 جنيه بحد ادنى، ولما سأله المذيع: من اين سيأتي بالموارد المالية؟ اجابه: ان هناك شركة مصرية ـ كويتية مشتركة (ذكر اسمها) حصلت على ارض بمبلغ 5 ملايين جنيه وسيقوم هو بتحصيل 81 مليار جنيه منها، ومعروف ان الشريك المصري للشركة المعنية في السجن بمصر، كما ان سعر سهم الشركة المالكة لها في الكويت يقارب الصفر، فكيف يمكن لهذه الشركة الصغيرة ان تدفع 4 مليارات دينار كويتي (اي ما يعادل 81 مليار جنيه) لقطعة ارض؟! كلام كهذا لن يأتي لمصر بجنيه واحد، بل سيضيف لعزوف المستثمرين الدوليين عن الاستثمار في مصر والمنطقة، عزوفا آخر من المستثمرين الخليجيين حكومات وافرادا، الذين هم المستثمر الاكبر والوحيد تقريبا هذه الايام في ارض الكنانة.

***

ولو فكر الاخوان بروية لأيقنوا ان فوز شفيق لا مرسي هو ما سيفيدهم في المرحلة المقبلة، فالاوضاع الاقتصادية والسياسية والامنية ستزداد سوءا في مصر والمنطقة والعالم، وحصد الاخوان لكل المناصب السياسية في مصر سيعني انهم سيصبحون وحدهم الملومين امام الملايين عند الاخفاقات القادمة ـ وما اكثرها ـ كما حدث للتيارات القومية واليسارية بعد تحولها من المعارضة للحكم في الخمسينيات وما بعدها، كما سيعطي هذا الانفراد بالسلطة الحجية والمبرر للقوى السياسية المنافسة لشن الحملات الاعلامية والسياسية والنزول للشوارع لاسقاط هيمنة الاخوان، بينما يعني فوز شفيق توزيع الملامة في الاخفاق بدلا من حصرها في الاخوان فقط.

***

آخر محطة:

 (1) لم تدمر مصر في الماضي ويتعرض شعبها الأبي للقمع والارهاب الا عندما اسيء لقضاتها الافاضل واستبدلت المحاكم العادية بالاستثنائية، والشرعية الدستورية بالشرعية الثورية، وحل الضباط محل القضاة فيما سمي بـ «محاكم الشعب والثورة»، لذا فخير لمصر الف مرة ان يبتعد المرشح شفيق عن طريق صناديق الاقتراع، لا عن طريق قوانين العزل ومظاهرات الميادين.

(2) طرح د.مرسي مقترح اجتثاث رجال الامن واستبدالهم باللجان الشعبية، ولم يبق الا تحويل مصر من جمهورية الى.. جماهيرية واستقدام سيف الاسلام لقيادتها!

احمد الصراف

الشملان وبلغريف

ينكب صديقنا الباحث يعقوب الإبراهيم منذ سنوات في البحث والتنقيب الدؤوبين في الأرشيف البريطاني عن كل ما يتعلق بتاريخ منطقة الخليج والعرب عموما، وأنشطتهم التجارية والتعليمية والسياسية، خصوصا أثناء حقبة النفوذ البريطاني في المنطقة، وعلاقة بريطانيا ببقية مستعمراتها السابقة، وبخاصة الكويت. ولو عرف صديقنا الإبراهيم ما يتضمنه بحر «اليوتيوب» من درر لما تردد في الغوص فيه ايضا بحثا عما يشده ويمتعه، خصوصا أن الصورة والكلمة المسموعة تكونان في أحيان كثيرة أكثر تأثيرا وابلغ في إيصال الرسالة. ومن الوثائق النادرة على «اليوتيوب» تسجيل لتقرير مصور، ربما قامت به الــ BBC في منتصف عام 1956، حيث يقوم مقدمه بزيارة البحرين، بعد تعدد واشتداد التظاهرات فيها، والمطالبة بدور أكبر في إدارة البلاد والتخلص من المستشار البريطاني بلغريف! ويقول مقدم البرنامج ان لبلاده علاقات جيدة بالبحرين كونها النقطة التي تدير منها بريطانيا مصالحها على امتداد شواطئ الخليج «الفارسي»! وانه يقف في المكان نفسه الذي فوجئ فيه وزير خارجية بريطانيا، سلوين لويد، أثناء زيارة مفاجئة له للجزيرة الصغيرة، بتظاهرة شعبية تطالبه بالضغط على حكومة البحرين لإدخال إصلاحات سياسية فيها وأن يكون للشعب دور أكبر في إدارة البلاد! ويقول المذيع ان لبلاده اتفاقية حماية مع البحرين، وهذا يوفر لها نفوذا كبيرا لدى قادته! ومن اطرف ما ورد في التقرير المصور على لسان مقدمه أن القوى الوطنية في الكويت كانت تراقب عن كثب ما كان يجري في البحرين من حراك سياسي، وأن البلدين يتشابهان في طريقة الحكم، وان الكويتيين ينوون الاقتداء بالبحرين في المطالبة بحق المشاركة. وقال المقدم إن المجتمع البحريني طالما تمتع بشكل عام بحرية تعبير أكبر، مقارنة بغيره، وكان لدى شعبها دائما رغبة في التحرر من الحكم البريطاني، مع شبه إجماع على وجوب مغادرة بلغريف وإنهاء نفوذه الكبير في الإدارة الحكومية. ومن الذين تمكن مقدم البرنامج من مقابلتهم المناضل البحريني عبدالعزيز الشملان، والذي أبدى تحفظا كبيرا على وجود بلغريف ودوره ونفوذه المشبوهين، وتدخلاته المستمرة في كل ادارة ومشكلة. ومعروف ان الشملان سعى للتخلص من نفوذ المستشار البريطاني، ولكنه عانى الكثير في سبيل ذلك، فقد قامت حكومة البحرين، وربما بإيعاز من بلغريف، بنفي الشملان إلى جزيرة «سانت هيلانه»، والتي سبق أن نفي اليها نابليون، كما نفت معه رفيقي دربه في «الهيئة الوطنية»، عبدالرحمن الباكر وعبد علي العليوات، بسبب دور الثلاثة في التظاهر ضد الحكم والتحريض على «الشغب» وعلى الوجود البريطاني. وفي 1961 أعيدت محاكمة الشملان في بريطانيا (!) وأفرج عنه ورد له اعتباره، واختار الاستقرار في سوريا، والتي بقي فيها حتى عام 1971، عندما عاد للبحرين لينتخب عام 1973 نائباً لرئيس المجلس التأسيسي، الذي وضع دستور البلاد. وعين بعدها سفيرا في مصر ومندوبا دائما للبحرين في الجامعة العربية، كما عين سفيرا في عدة دول أخرى قبل أن يتوفى في 30 ديسمبر 1988، عن 77 عاماً.

أحمد الصراف