احمد الصراف

دعوة صحية

قلت له لماذا تصر على «الاستمتاع» بالحياة بطريقتك الغريبة هذه؟ إنك تدمر صحتك! فقال إن أسرته لم يعرف عنها لا الغنى ولا «العمر الطويل»، وبالتالي لا شيء لديه يخسره في هذه الدنيا، فالحياة على أي حال قصيرة، وسيستمتع بها حتى «الثمالة»، وطالما فيه «عرج ينبض»، وأنه سعيد بحياته ويتلذذ بها، ولا شيء بعدها يهم! قلت له إن كلامه يحمل معاني فلسفية كبيرة ويصلح لدرس جميل، إن كان بالإمكان التحكم في حياته ومسارها واختيار ساعة الموت، شنقا أو برصاصة مسمومة! فقال إنه في غير وارد القيام بشيء من هذا، فقلت له إذاً ما الضمان من أن ينتهي ما لديك من مال، وما لديك ليس بالكثير اصلا، وتعمر بأكثر مما تتوقع، وتصاب في اواخر ايامك بمرض شديد يقعدك عن الحركة أو يسبب لك آلاما مبرحة، واحتمال ذلك وارد بقوة بسبب معيشتك غير المكترثة، فكيف ستتدبر الأمر حينها، بلا صديق ولا مال ولا علاج؟ وقلت له إن الطريقة التي يعيشها الآن، بكل ما فيها من عدم اكتراث ولا مسؤولية وحب للحياة ونهل من متعها، خاصة ان المرء قد يموت في أي لحظة، جذابة للكثيرين، ولكن بما أننا غالبا لا نختار لحظة موتنا، فما الذي سنفعله إن تقدم بنا العمر، ولم نمت، ونحن سكارى، واصبحنا عجزة ومفلسين؟ هنا سكت وقال إنه بدأ منذ فترة يشكو من آلام في صدره ولا يعرف كيف يعالج الأمر، مع قلة ما لديه من مال، ومن دون تأمين صحي! كما أنه غير قادر على التوقف عن التدخين، فالسيجارة سلوته وطريقة لنسيان آلامه، فهو يداويها بالتالي كانت هي الداء. فطلبت منه ان ينتحر، فرفض طلبي ضاحكا واشعل سيجارة جديدة!
والآن نعود لكلام العقل ونقول إن على أولئك الذين يودون إطالة أعمارهم حتى المائة وما بعدها، إن بالاستفادة من الجينات القوية التي ورثوها، إما بالمحافظة عليها أو الارتقاء بصحتهم الجسدية والنفسية والعقلية، إن لم يرثوها، فعليهم جميعا ألا ينسوا الأمور الحيوية التالية، فهي كفيلة بأن تجعلهم غالبا أكثر صحة وإشراقا. أولا يجب ألا نفكر في التوقف عن العمل، حتى لو احلنا قسرا إلى التقاعد، فإن علينا أن نجد ما نقوم به كل يوم، فليس اصعب من القيام صباحا من دون أن يكون هناك ما يتطلب أداءه! كما علينا الاهتمام الشديد باسناننا، بفرشاة ومعجون والأهم بتمرير الخيط بينها. كما علينا أن نتحرك بشكل دائم، ففي الحركة بركة. ولا ننس تناول المواد التي تحتوي على الألياف، خاصة في وجبة الإفطار. وألا تقل ساعات نومنا عن ست، وأن نشعر بالتفاؤل الدائم ونقلل من عصبيتنا، ونمارس هوايات سهلة، وأن يكون لدينا ضمير حي في تعاملنا مع الغير، وأن نكون نشطاء اجتماعيا، فالإنسان بفطرته «حيوان اجتماعي».
وأخيرا نتمنى للجميع حياة سعيدة!!
• • •
• ملاحظة: نكرر كتابة ونشر مثل هذا المقالات لنذكر، أساسا، انفسنا بها، بعد ان تقدمنا في العمر واصبحت الذاكرة «مو لي هناك».

أحمد الصراف

سامي النصف

فرسان المناخ وهيئة سوق المال

  لا يوجد بلد في العالم تعرضت اسواقه المالية لهزات ونكسات ونكبات متتالية كما حدث في الكويت دون ان نسمع ان احدا عوقب قط على تلك التجاوزات والسرقات التي تتزامن دائما مع تعاظم موارد الدولة، فارتفاع اسعار وعوائد النفط منتصف السبعينيات تلته كارثة البورصة 76 وعودة اسعار النفط للارتفاع بداية الثمانينيات بسبب الغزو الصدامي لإيران تلاها انفجار فقاعة المناخ التي من جوانب كوميديتها السوداء ما سمعته من الصديق يوسف الجاسم قبل ايام، والذي كان احد ملاك مكتب للوساطة بالسوق، حيث باعوا لأحد زبائنهم اسهما قيمتها 420 الف دينار على احد اكبر فرسان المناخ فوصلهم شيك بـ 4.2 ملايين دينار لحساب ذلك الزبون المحظوظ الذي كان يكتب آنذاك في جريدة «الأنباء» باسم مستعار هو محمد الجاسم.

***

يضيف الصديق بوخالد أنهم اضطروا لملاحقة فارس المناخ لعدة ايام كي يردوا عليه شيك الملايين ويتسلموا منه شيك الآلاف، وقد غير الشيك بشيك دون ان يشكرهم او حتى يهتم بذلك الخطأ، فقد كان في حينها يلعب بملايين غيره كما يلعب الطفل برمال البحر. وطرفة اخرى لذلك الفارس حيث قرر احد كبار التجار التقليديين ان يتعامل معه دون سابق معرفة بعد إلحاح اصدقائه عليه، يقول التاجر: ذهبت لسوق المناخ فوجدت الفارس قد خرج منه واتجه للمكتبة القريبة فتبعته وتوقعت ان يشتري صحفا مثل «الوول ستريت جورنال» و«الفايننشال تايمز» إلا أن الفارس الكبير اخذ مجلات «الشبكة» و«الموعد» و«الكواكب» فحلفت ألا أتعامل معه.

***

وصلتنا من الأخ حامد صالح السيف دراسة قيمة حول الحاجة إلى تعديل بعض مواد قانون هيئة سوق المال رقم 7/2010 كي يتماشى ذلك القانون مع ما هو موجود في القوانين الدولية وليخضع لشروط المؤسسات الرقابية الدولية على الهيئات الرقابية في الاسواق المالية المحلية.

ومما جاء في الدراسة التي نأمل ان يعدل القانون المعني لما يخدم الصالح العام والأسواق المالية الكويتية:

***

تعيب الدراسة على القانون عدم وجود ميزانية محددة من الدولة للهيئة او ميزانية مربوطة بميزانية الدولة رغم ان القانون ذاته ينص على ان فائض ميزانية الهيئة يحول الى الخزانة العامة للدولة (!) كما تشير الدراسة الى خطأ ان تكون موارد الهيئة من الرسوم والغرامات، فماذا يحدث لو انتظم السوق ولم تكن هناك مخالفات تستحق تحصيل الجزاءات فهل تفلس الهيئة؟! وكيف يكون لديوان المحاسبة رقابة على ميزانية ليست مربوطة بميزانية الدولة؟!

***

كما تستغرب الدراسة خلق قانون خاص رقم 33 لخصخصة سوق الكويت المالي لا يخدم السوق في وقت يوجد فيه قانون للتخصيص رقم 37 لسنة 2010 والذي يتضمن دخول المستثمر الاستراتيجي ووجود سهم ذهبي للدولة. ويقترح السيف ان تحول الاموال البالغة 520 مليون دينار ـ والتي يفترض ان تصبح المورد المالي للهيئة، عبر ايداعها في البنوك، وهو ما يخلق تعارض مصالح بين البنوك والهيئة التي تراقب اعمالها ـ الى الميزانية العامة للدولة وان تكون للهيئة ميزانية مستقلة تمنحها الاستقرار والاستقلالية، ويعطى لديوان المحاسبة وغيره حق الرقابة عليها.

***

آخر محطة:

أقرأ بشكل يومي اعلانات وقرارات هيئة سوق المال السعودي، وأجد أنها لا تتهاون مع التسيب والتلاعب ولا تغطي على من يريد خداع صغار المستثمرين، بل تصدر العقوبات والجزاءات الرادعة ضده مهما كبر اسمه وعلا شأنه.. وعقبال عندنا!

احمد الصراف

قصة الشاعرة بروين

سأل واعظ ابنه: هل تعلم ما هو الإسلام؟ إنه الصدق وعدم إيذاء الغير وخدمة الناس، وتلك هي العبادة وهي مفتاح الحياة. فرد ولده قائلا: بهذا المعيار فإن في مدينتنا مسلما واحدا، وهو أرمني! بروين اعتصامي، شاعرة إسلامية ملتزمة.
تعتبر بروين اعتصامي، الشاعرة الإيرانية الأبرز، واحدة من أكبر مناصري حقوق المرأة. ولدت في تبريز عام 1906، وفقدت والدتها وهي طفلة، وأثر ذلك في نفسيتها وشعرها. والدها هو السياسي يوسف أنشياني، الملقب باعتصام الملك، أو اعتصامي، وكان له دور في تشجيعها على تلقي المعرفة من التراث الفارسي شعرا وادبا، إضافة لتعليمها العربية. قادها فضولها للإحاطة بسير وتراث كبار الكتاب والأدباء وأعمالهم، وكان والدها يزودها باستمرار بترجماته من العربية والفرنسية لبعض عمالقة الفكر والأدب، ونشر لها غالبية قصائدها في مجلة بهار التي كان يصدرها باللغتين الفارسية والكردية. وقد أدخل الأب ابنته مدرسة أميركية للبنات لتكون على علم ومعرفة بالتراث الغربي، وهذا دفعها للتفرغ لدراسة اللغة الانكليزية والتعرف الى كبار أدبائها. وعلىالرغم من الحياة القصيرة التي عاشتها بروين فإنها كانت حياة حافلة، ولكنها ممتلئة بالمآسي، فإضافة ليتمها المبكر فإن زواجها من ابن عمها لم يدم لأكثر من شهرين لعدم التكافؤ، عادت بعدها لكنف والدها، ولكن هذا لم يطل به العمر كثيرا، حيث توفي عنها عام 1937، وتركها وحيدة، ولم تنتظر هي أيضا، حيث لحقت به بعد أربعة أعوام، وكانت في الخامسة والثلاثين من عمرها، بعد أن جفت مآقيها من البكاء المر عليه، فقد كان بالنسبة لها الوالد والمعلم والمرشد.
دعت بروين في حياتها ونثرها وشعرها إلى تثقيف المرأة وإعطائها مزيدا من الحرية الشخصية والاستماع لرأيها، وتلبية حقوقها التي ترهلت مع الزمن. وبسبب آرائها الجريئة، مقارنة بعصرها، أساء الناس فهمها، لأنها رأت في المرأة شريكا لا يستغني عنه الرجل، فصعوبات الحياة لا يمكن مجابهتها فرادى، مثل المرأة والرجل كمثل السفينة والربان، فإن كانت السفينة محكمة، وكان ربانها عاقلا فلا خوف من الأمواج والاعاصير، وما هذه الفتاة اليوم الا أم المستقبل وبيدها مستقبل اسرتها، وأيضا بسبب آرائها اعتقد البعض أنها رجل! وفي عام 1935 قام بهار ملك شعراء إيران، بكتابة مقدمة أول ديوان لها، وجعلها فيه شاعرة العصر، ووضعها في مصاف شعراء إيران الأوائل، وقال ان شعرها يمكن مقارنته بشعر الشيرازي في ملامحه الأخلاقية والتربوية، وكذلك بشعر غوير الانكليزي، والشاعر الإيراني القديم ابن يمين. ومعروف أن أشعار بروين تفيض بالمشاعر الجياشة المتدفقة بخصوبة غريبة، وهي زاخرة بمعاني الشفافية والرقة وصدق المقاصد والرومانسية الحزينة الهادئة، ويتجلى حزنها في قصيدة «الطفل اليتيم» التي تعبر عن نفسيتها الحزينة لعدم رؤيتها والدتها وحرمانها من عطفها، حيث تقول فيها: أشياء رأيتها ولم أحبها، لم أر وجه أمي أبدا، والطفل اليتيم عيناه ليستا فرحتين، كم جميل نور وجه الأمهات، لكن لماذا لا أرى نورا أمامي؟ وكانت بروين تنظم القطع والقصائد على العروض العربية، إلا أنها كانت تحاول نظم قصائد القوافي، أو تنظم قطعا مدورة فتبدو وكأنها قطع نثرية موزونة، واتسم أسلوبها بالوضوح والرصانة! وعلى الرغم من غزارة انتاجها فإنها لم تكتب إلا قصيدة واحدة عن نفسها أوصت بكتابتها على شاهد قبرها، حيث تقول فيها: هذا التراب الذي تنامين فيه، هو نجم بروين وخطها، ان صاحبة الشعر واللحن الحزين، ترجو اليوم قراءة سورة الفاتحة ويس، المحبون هم الذين يذكرونها، والقلب الذي لا يعشق، لا يحب، كن ما كنت، ومن تكون فآخر المطاف هنا تكون، و مهما أوتيتَ من طغيان أيها المغرور، فعندما تصل الي هذا المقر، فانت بائس وخسران، ان بروين اليوم تُحلّق كالفراشة، كل من يري هذا يري عين الحقيقة.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

غروب هنا وشروق هناك

غربت ش‍مس نايف هنا في أرض الجزيرة.. ولن تكون آخر نفس تغرب شمسها.. كما لم تكن أول شمس تغيب..! ونحن لا نجزع لأمر الله.. لكننا نجزع ونخاف على ما ستؤول إليه بعض الأمور التي يهمنا أمرها.. فقد كان سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز ممسكا بملفات مهمة لنا وحساسة في المنطقة.. لعل أهمها ملف مكافحة الارهاب داخل المملكة، وبالأخص في المنطقة الشرقية..! كما كان من المتحمسين لملف الوحدة الخليجية، وكان يتمنى أن تتم هذه الوحدة بين شعوب المنطقة ودولها لقناعته بأن وجود هذه الدول ومستقبل هذه الشعوب مرتبط بوحدتها وتماسكها. عزاؤنا اليوم في غياب نايف هو سلمان!.. فصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز خير خلف لهذه المسؤولية.. وخير من يكمل مسيرتها بالحماس والجدية والحزم نفسها.
غفر الله لنايف.. وبارك في سلمان، وحفظ الله الخليج وشعوبه ودوله من كل حاسد جاحد.
***
• وكلما غربت الشمس في مكان.. أشرقت في مكان آخر.. وهذه سنة الحياة.. فها هي تشرق في أرض الكنانة في بوادر إعلان نجاح محمد مرسي رئيسا لمصر.. وهو بلاشك نجاح للثورة.. ولشباب الثورة.. ومبادئ الثورة.. أملنا اليوم من إخواننا الليبراليين في الكويت و«وياهم» زميلنا نواف الفزيع أن يخففوا من تخويف الناس من وصول الاخوان المسلمين.. ويوقفوا حملة التشويه لصورة هذه الجماعة التي عاشت ستين عاما محظورة.. وأن تتقبل صدورهم نتائج الديموقراطية التي طالما نادوا بها وتغنوا.. وأؤكد لهم أنهم قد لا يحققون طموحات الناس لكنهم لن يكونوا أسوأ من العهد البائد.. ومن يدري فقد ينجحون فيما أخفق فيه الآخرون. معلومة للزميل نواف الفزيع: مبارك الدويله لم يكن يوما مستشارا لسمو الرئيس.. «بس علشان ترتاح ويطمئن قلبك إلى ان الحكومة ماشية عدل»!
***
• نشرت إحدى الصحف تحقيقا معي قد يفهم منه أنني أتوقع أن تعود العلاقة بين الإخوان بالكويت والإخوان في مصر بعد نجاح محمد مرسي.
وأؤكد ان تنظيم الحركة الدستورية الاسلامية كان ومازال وسيظل مستقلا عن أي التزام خارجي وسيبقى تنظيما كويتيا خالصا ومستقلا.

احمد الصراف

دولة الخير.. ودولة الشر

لدينا أكثر من 1500 مسجد ومئات مراكز الدعوة والهداية الدينية وتحفيظ القرآن ومسابقاته وجوائزه، إضافة الى محاضرات دعوية في المساجد والمولات والمعسكرات الصحراوية، هذا غير قيام مئات آلاف المؤمنين سنويا بزيارات دينية لاكثر الأماكن قدسية لدى المسلمين. كما تزور البلاد عشرات «الشخصيات الدينية» كل عام لإلقاء المحاضرات، هذا غير مئات البرامج الدينية في التلفزيون والإذاعة التي تدعو الى سواء السبيل، كما لا ننسى هنا دور الصفحات الدينية في مختلف المطبوعات والمجلات، بخلاف ما تقوم به مئات الجمعيات الخيرية من أنشطة دعوية وطبع ونشر وتوزيع مئات آلاف الكتب والمنشورات والكتيبات التي تحث على حسن الخلق والاستقامة والزهد في الدنيا وفعل الخير وتجنب المعاصي، وغير ذلك كثير! ولكننا نجد في المقابل – وهنا بيت القصيد – أن خلال الفترة الزمنية نفسها زاد ارتكاب المعاصي والجرائم الجنسية وجرائم الفساد والرشوة بمعدلات فاقت معدلات زيادة السكان او التنوع العرقي والإثني بكثير، وحدث ويحدث كل ذلك في دولة يفترض أن شعبها يتمتع بأعلى مستوى معيشة في العالم، وحتما الوحيدة التي لا يوجد فيها من لا يمكنه الحصول على عمل، هذا إضافة إلى أن الكويت هي الدولة التي يفوق فيها نصيب الفرد من «الدرس الديني» أي دولة أخرى، فكيف يمكن أن نصدق، بعد كل هذا الزخم الدعوي وجود كل هذا العدد من مخالفي القوانين والمجرمين والمستهترين، وكفلاء كل هذا العدد الهائل من مخالفي الإقامة، الذين جلبوهم وتاجروا بعرقهم وحتى دمائهم، من دون أن يرف لهم جفن! فوجود كل هذا الكم من المساجين والمجرمين وأصحاب السوابق من المواطنين الممنوعين من السفر، في دولة توفر عملا لكل ساع له يبين أن هناك خللا ما، فما سبب كل هذا الفساد المنتشر ضمن «الإدارة الوطنية» في المؤسسات الحكومية وانتشار الرشوة علنا بين الجميع تقريبا؟! وكيف نصدق رضا كل هذا العدد من المواطنين لرواتب ومزايا من دون أن يقابلها قيام كثيرين منهم بأي مجهود يذكر أو حتى الاهتمام بالتواجد في العمل، مع حرصهم على أداء ما هو مطلوب منهم دينيا في المواقيت الصحيحة؟! وهنا يتبين لنا أن العبرة ليست في عدد المساجد وحجمها ولا بتكرار مسابقات القرآن وجوائزها ولا برحلات الحج والعمرة وفخامتها، ولا بتعدد الجمعيات الدينية ومجالسها، ولا بكثافة الدروس الدينية في المناهج الدراسية وتشعبها، فكل هذه «قد» تخلق شخصا متدينا ولكن، حسبما هو واضح، لا يمكنها أن تخلق مواطنا صالحا، والحقائق أمامنا واضحة، فالمواطنة الحقة والاستقامة في العمل وفي أداء الواجب الوظيفي ورفض الرشوة لا يمكن ضمانها عن طريق زيادة الجرعات الدينية، بل بالتوازن المعرفي والمنهج الدراسي الصحيح، وبالبعد عن التطرف والاقتراب من الاعتدال، وقبول تراث وثقافة الآخر، واحترام آدمية الغير. وفي السياق نفسه نجد أن نائبا يقول ان علم البلاد لا يستحق الاحترام لأنه مجرد «خرقة»، ويزيد عليه زميل له برفض الوقوف للسلام الوطني، لأنه نوع من الموسيقى المحرمة، فإنهم، بطريقة ما يرسلون رسائل عدة للنشء تقول انه ليس هناك علم وطني يستحق الاحترام، ولا سلام يستحق الوقوف، وبالتالي ينفيان بتصرفاتهما هذه مفهوم الوطن والمواطنة ويبرران لهما خيانته وسرقته وارتكاب ما يخطر على بالهم من مخالفات وجرائم بحقه، مع تسهيل اعتبار الرشوة والمتاجرة بالإقامات أمورا عادية لا تستحق كل هذه الضجة!

أحمد الصراف

عادل عبدالله المطيري

نايف الأمن والرحمة

بعد اكثر من خمسة عقود قضاها في خدمة الاسلام والمسلمين وخدمة بلده المملكة العربية السعودية، رحل صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي.

كان رحمه الله (رجل دولة) بكل ما تحمله الكلمة من معان وافعال، احب بلده فعمل له بكل اخلاص وتفان منذ شبابه الى قبل مماته بساعات قليلة.

كان سموه قريبا من الجميع، وينزل الرجال منازلهم، احب الدين ورجاله فأحبوه، حمل هم الامن والامان لبلاده فحققه.

ولم يبخل بجهد او نصيحة لأشقائه العرب، فكافأوه بأن يكون الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب.

كان الامير نايف قائدا استراتيجيا ولم يكن رجل أمن فقط، وكلنا يتذكر معالجته لقضية «الارهاب» التي عصفت بالمملكة العربية والعالم أجمع، ويرجع الفضل لله سبحانه ومن ثم الى استراتيجية الامير نايف في انحصار موجة الارهاب.

حيث لم يعتمد الحلول الامنية فقط في محاربة الارهاب، بل كان يؤمن بأن الفكر التكفيري لا يحارب الا بالفكر الاسلامي الصحيح، فنجح سموه في انتشال المجتمع من براثن القاعدة وافكارها الهدامة والتي شكلت تحديا مصيريا هدد كيان الدولة.

‏وبالرغم من ذلك، لم تمنعه شدته وصرامته مع خصومه «الارهابيين» من ان يكون رحيما، فسارع بإنشاء برنامج «المناصحة» حيث يتحاور العلماء والدعاة مع الارهابيين المغرر بهم في المعتقلات من اجل اعادة تأهيلهم واصلاح من تأثر منهم بفكر «الفئة الضالة» الاسم الذي كان يطلقه سموه على اتباع القاعدة والتكفيريين والتفجيريين، ليوحي لهم بأنهم ضلوا السبيل وغرر بهم، وان بإمكانهم العودة الى الاسلام الصحيح، فكان يشجع ويدعم من يتوب منهم بتوفير فرص العمل والزواج والسكن، كل هذا لتجنيب البلاد الفتن، ويمنع قتل الارهابيين انفسهم وقتل الابرياء من ابناء المجتمع معهم.

حقا فقدنا اميرا رائدا في الفكر والأمن والانسانية، وقبل هذا وذاك، فقدنا شقيقا للكويتيين نحبه في الله.. ولله، ندعو الرحمن الرحيم ان يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته.

 

سامي النصف

رحل رجل السيف والقلم والكرم

  العزاء الحار للمملكة العربية السعودية وللعرب وللمسلمين كافة بوفاة الراحل الكبير الأمير نايف بن عبدالعزيز، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

***

التقيت الراحل الكبير سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز في أكثر من مناسبة كانت أولاها بمنزله العامر في جنيف بصحبة الصديق عبدالعزيز البابطين الذي اصطحب معه وفدا شعبيا كويتيا لتهنئته بسلامة العملية الجراحية التي أجراها، كما التقيت سموه آخر مرة العام الماضي برفقة وفد إعلامي كويتي نظمته جمعية الصحافيين الكويتية لشكر المملكة على موقفها المشرّف إبان الغزو الصدامي البغيض، وفي كل الزيارات استمعنا منه لتوصيف صائب للحالة العربية والخليجية ومعها كلمات ود شديدة نحو الكويت قيادة وشعبا.

***

ولا ينسى الشعب الكويتي قط ما عمله الراحل الكبير منذ اللحظات الأولى للغزو عام 90، وإصداره أوامره بتسهيل وتخفيف الأمر للكويتيين ممن خرج كثير منهم دون أوراق ثبوتية، وقد لقي الشعب الكويتي كل الترحيب والدعم والمؤازرة من القيادة والشعب السعودي الشقيق، واستمع شعبنا آنذاك لقرار المملكة التاريخي بأن ترجع الكويت أو تذهب السعودية معها، ولا أعتقد ان التاريخ شهد التزاما كهذا بين دولتين.

***

وقد تقلد سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز مسؤولية وزارة الداخلية السعودية في بلد يمتد حدوده من جبال اليمن جنوبا إلى بوادي الشام والعراق والأردن شمالا، ومن الخليج شرقا حتى سواحل البحر الأحمر غربا وكانت المملكة مستقصدة برياح السموم السياسية والأمنية التي تنوع مرسلوها وإن لم تخف حدتها، فمن هجمة التيارات والمنظمات اليسارية والقومية في السبعينيات حتى تحركات ومحاولات تصدير الثورة الإيرانية في الثمانينيات، ثم عنف وتطرف وإرهاب مجاميع القاعدة في التسعينيات وانتهاء بالحملة المغرضة والمحمومة على المملكة بعد أحداث سبتمبر 2001 والتي صاحبتها تحركات الفئة الضالة في الداخل وفي جميع تلك المعارك والحروب خرجت المملكة منتصرة وأمنها مستتب ومني أعداؤها بالفشل والهزيمة.

***

وقد كان الأمير نايف بن عبدالعزيز مدرسة متكاملة في كيفية محاربة الإرهاب، وبدلا من ان تصبح المملكة أسيرة الإرهاب وتفجيراته واغتيالاته المتواصلة كما يحدث في كثير من بلدان المنطقة، استطاع سموه ان يجعلها وفي وقت قصير آسرة للإرهاب عبر تفعيل ثنائية التصدي بالسيف لمن يسفك الدماء، وبالإصلاح وتقويم الفكر للشباب المغرر به ممن لم تتلوث يده بجرائم الإرهاب الشنيعة.

***

وقد أشرف سموه على الهيئة العامة للحج فسهّل وبكفاءة واقتدار مناسك الحج على الحجاج والمعتمرين، كما تسلم ملف المخدرات فتعامل مع التجار والمروجين بالشدة والحزم حتى قاربت المملكة على التطهر منه رغم اتساع الحدود وطول السواحل، كما اهتم بقضايا الإعلام والثقافة والفكر إيمانا منه بأنها جزء مهم من فلسفة محاربة الإرهاب والتطرف، والحال كذلك مع قضايا الأمن الاقتصادي واشكالات توظيف الشباب السعودي، كما تقلد منصب المشرف العام على لجان وحملات الإغاثة الإنسانية بالمملكة العربية السعودية وهو عمل جليل سيحسب إن شاء الله في ميزان حسناته عند رب كريم.

احمد الصراف

قصة الشاتوش

زاد ولع سيدات المجتمعات المخملية، وبخاصة في أوروبا وأميركا، وتاليا بين أغنياء المافيا الروسية، إضافة إلى سيدات المجتمعات الخليجية، زاد ولعهن باقتناء شالات الشاتوش، Shahtoosh، والتسمية قد تكون فارسية وتعني «ملك الصوف». حدث ذلك رغم الحظر العالمي على صيد وقتل ظبي الشيريو Chiru، مصدر صوف أو زغب الشاتوش النادر والثمين، والذي لا يزيد سمك شعيراته عن 11 مايكروميتر. وقد فرض الحظر على صيد الظباء عام 1975، ولكن شال الشاتوش يباع «سرا» في مناطق عدة من الهند، ويشتهر بإمكانية تمريره كاملا من خلال خاتم اصبع صغير، ومع هذا له فعالية كبيرة في توفير الدفء لمن ترتديه.
يعيش ظبي الشيريو في مرتفعات نيبال والتبت على ارتفاع 5000 متر، وهو دائم الترحال، ومعرض للانقراض بسبب قلة عدده وما يتعرض له من إفناء للحصول على صوفه ولحمه وعظامه! المشكلة الأخرى في الشاتوش، إضافة لندرته وحظر استعماله، هو خيوطه الرفيعة التي يصعب، بل يستحيل على أي كائن من كان حياكتها، وبالتالي لا تتوافر صناعة الشاتوش إلا في مناطق من كشمير، المتنازع عليها بين الهند وباكستان، وقد عرف العالم البشمينا، أو صوف الشاتوش عن طريق البريطانيين، إبان حكمهم للهند، وزاد الطلب عليه من يومها عالميا، علما أن هذا النوع من الصوف عرف للمرة الأولى في منتصف القرن السادس عشر، وزيادة الطلب عليه في السنوات المائة الأخيرة اجبر دول العالم المتقدم على إصدار حضر التعامل به على المستوى الدولي، وهو الحظر نفسه المفروض على مواد مماثلة كالعاج وقرون وحيد القرن وغير ذلك. وقد تأخرت الهند، ومن بعدها «جامو وكشمير» في التوقيع على اتفاقية الحظر، ولكن دخول الصين إلى سوق بيع الشاتوش، وتهريب مواده الخام من بوتان والنيبال اديا إلى تقليل فعالية الحظر، الذي سبق وأن ساهم في زيادة أعداد الظباء في هضبة التبت، وانخفاض الطلب عليه بنسبة %75. والشاتوش قد يكون صافيا بنسبة %100، وهنا يكون سعره مرتفعا جدا، أو خليطا من أصواف ناعمة أخرى بنسب أقل بكثير. كما أصبحت هناك شالات مصنوعة من فراء الأرانب تباع على أنها شاتوش، وهذه بالرغم من نعومتها الفائقة، فإنها لا تعطي دفء الشاتوش الحقيقي، ولا وزنه الخفيف، كما يصعب تمريره من خلال خاتم صغير، ويبدأ بعد فترة بالتساقط (الحت)، ونحن هنا لا ننصح باقتناء هذا النوع من المواد المحظور استعمالها عالميا، كما نحذر من شراء مواد مغشوشة أو ممنوعة.

أحمد الصراف

سامي النصف

هل توزير 9 نواب سيحل الإشكال؟

  لو أصبت باحتقان في اللوز ثم أُعطيت ـ نظرا للتشخيص الخاطئ للمرض ـ عشرات الأدوية المعنية بآلام الأذن والعين والمعدة والقولون والعضلات..إلخ، فلن تصل إلى حل لمعاناتك كون تلك الأدوية غير مختصة بحل الإشكال الذي تعاني منه، ذلك المثال يطابق تماما ما يقوم به الأعضاء (الأطباء) في مجلس الأمة من تشخيص خاطئ لأمراضنا السياسية يؤدي بالتبعية الى.. العلاج الخاطئ لها.

***

ولا يختلف اثنان على ان بلدنا يعاني منذ عقود من إشكالات سياسية مزمنة تسببت في تخلفنا الواضح عن الجيران واستفرادنا بينهم بعدم وجود موارد بديلة للنفط الذي بدأت أسعاره بالتراجع السريع، حيث فقد خلال الأيام القليلة الماضية 25% من قيمته، وقد يصل سريعا الى اسعار لا تستطيع ميزانيتنا العامة معها دفع الأجور وسيلعن حينها كل مواطن من دغدغ مشاعره بالعطايا والمنح ومنع عمليات التنمية في البلد عبر إصدار التشريعات المعرقلة لها.

***

وقد تكرر التوصيف الخاطئ لأمراضنا الخطيرة المتمثلة بأزماتنا السياسية المتلاحقة ومن ثم بإعطائها روشتات خاطئة للعلاج بالتبعية مثل التحول للدوائر الخمس التي ترحّم الناس على ما قبلها وعاد الأعضاء الأطباء أنفسهم يوصفون علاج الدائرة الواحدة المدمر، وقبل ذلك قال المعالجون أنفسهم ان ابتعاد هذا الوزير «المؤزم» أو ذاك، او استقالة الحكومة ومثلها حل البرلمان يحل المشكلة ويعالج الداء، وقد جربت كل تلك الأدوية وساءت معها حالة المريض حتى قارب على الهلاك.

***

هذه الأيام يروج نفس الأعضاء الأطباء أو الأطباء الأعضاء لروشتة توزير 6 ـ 9 من النواب وانها الحل الناجع لوطننا المريض، والحقيقة انها وصفة خاطئة أخرى ستزيد المريض مرضا، حيث ان توزير 9 نواب سيبقي 41 نائبا خارج الوزارة لن يمكن لأحد التحكم فيهم حتى لو توافقت الحكومة والأغلبية على برنامج عمل يجمعهم فجميع الاستجوابات والأزمات لم تقم قـط على محور برنامج عمل الحكومة بل قامت الأزمات ـ التي لم يوقفها حتى دخول نواب ممثلين لكتل مختلفة ممن تبرأوا من أعضــائهم سريعا واســتجوبوا الحكومات التي كان نوابهم وزراء بها ـ على معطيين محددين لا دخل لهما بدخول نائب او عشرة نواب للحكومة، أولهما اعتقاد بعض النواب الراسخ ان الاستجواب هو الطريق لإعادة الانتخاب ومن ثم عليه كل صباح ومساء ان يتقمص دور الأسد ويهدد ويتوعد ويستجوب المسؤولين ومثل هذا ـ وهم كثر ـ لن يوقفهم توزير التسعة، المعطى الآخر للاستجوابات والأزمات هم أصحاب الإثراء غير المشروع ومن يؤزمون لأجل أموال الداخل والخارج، وهؤلاء كذلك لن يوقفهم طلب قيادات الأغلبية لهم بعدم التأزيم.. كل ما سيحدث عند توزير تلك الأعداد هو استباحة مواردها لأجل الانتخابات اللاحقة والتقدم خطوة أخرى لحصد الجائزة الكبرى المسماة «الحكومة الشعبية والملكية الدستورية»!

***

آخر محطة:

(1) يرى بعض جنرالات ومسؤولي القطاع النفطي الكويتي ان السبب «الوحيد» للانحدار الرهيب في أسعار النفط هو إشغالهم بفضيحة شراكة «الكي داو» وانهم سيعملون حال حفظ القضية وتسجيلها ضد مجهول كالعادة على إعادة أسعار النفط العالمية الى ما كانت عليه وأحسن، كما سيستمرون بالتعدي على المال العام عبر منح أنفسهم 4 رواتب بونص بعد إعادة تسميتها بـ«المشاركة في الفشل الوجه الآخر للمشاركة في النجاح» او مشاركة المنشار المتعدي على أموال الشعب الكويتي في الصاعد والنازل!

حسن العيسى

تصريح الخيبة

غير مقبول التغني بقداسة القضاء أو الغرق في بحر المبالغات بنزاهة أحكامه، كما ذهب الكثيرون في التباهي المفرط بتلك النزاهة، لا خلاف في ذلك مع الزميلة إيمان البداح في مقالها المهم بجريدة الجريدة عدد أمس الأول، فلا جدال أنه ليس لدينا حتى الآن قانون متكامل يؤكد استقلال السلطة القضائية، والقضاة أيضاً يكونون، في أحيان كثيرة، بوضع لا يحسدون عليه حين يجدون النص الذي يطبق على النزاع يتناقض مع روح الدستور، وأبسط مبادئ العدل… لكن القاضي لا يملك إلا أن يحكم بهذا النص الظالم، وكما تظهر الأوراق التي أمامه، لأن تلك مهمته وهذا واجبه وليس له خيار في ذلك. وإن كان هناك نص جائر، يغل يد القاضي ولا يعطيه خياراً مثلما فعل نواب الهم والغم في تحديد عقوبة الجريمة المزعومة بالإساءة للذات الإلهية والرسول (أعيد للنظر فيه بحكمة سمو الأمير) فماذا يمكن للقاضي أن يفعل في ما لو قدر لمشروع ذلك النص أن يمضي ويصدق عليه؟!
نتفق مع الرأي القائل برفض عبارة “قدسية القضاء” أو إسباغ نزاهة ملائكية على الأحكام مهما كانت تلك الأحكام “عنواناً للحقيقة”، وهي حقيقة مفترضة أملتها الحضارة الإنسانية لاستقرار حكم القانون والمراكز القانونية للبشر، ونتفهم -من غير أن نرضى- غضب الكثيرين على حكم البراءة في قضية الاتهام بضرب النائب الوسمي من رجال الأمن في ديوان الحربش، لكن هل يعد كل ذلك مبرراً ليس لنقد فقط وإنما للتشكيك في السلطة القضائية كلها؟! فما صرح وتوعد به عدد من النواب لم يكن مجرد رد فعل على حكم ابتدائي يمكن للادعاء العام أن يطعن فيه، وهو سيكون مؤكداً، بل كان اعتداء فجاً على مبدأ الفصل بين السلطات الذي تتصدر عباراته المادة ٥٠ من الدستور!
السلطة القضائية هي أضعف السلطات الثلاث، كما كتب أحد أهم رموز الثورة الأميركية “هاملتون” في الأوراق الفدرالية، فهذه لا تملك السيف ولا كيس الدراهم، فالقاضي ليس له غير أن يحكم في نزاع معروض أمامه، هو لا يملك أن يشرع، ولا أن يراقب التشريع من تلقاء نفسه، وبقدر ما تكون هناك استقلالية لتلك السلطة تصاحبها ثقافة عالية وحس مرهف للعدالة يكون هناك الضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم وحمايتهم من جور أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية.
كان أولى على نواب الأمة بدلاً من أن يطلقوا تصريحات تكرر بشكل فج الحديث عن نزاهة القضاء حين تصدر الأحكام بما يتفق مع توجهاتهم مرة، ومرة أخرى يتم التوعد لهذا القضاء حين تصدر الأحكام على غير شهواتهم، أن يعملوا لتحقيق مبدأ استقلالية السلطة القضائية بصورة متكاملة، وكان أولى على وزير العدل الأستاذ جمال الشهاب، المحسوب على أهل القانون، أن يقف بقوة وصراحة دون مواربة للدفاع عن الجسد القضائي، لا أن يصرح بمثل ذلك التصريح المداهن الخائب بأن أخطاء البعض لن تؤثر في القضاء ووعي الشعب هو الرادع! أي أخطاء وأي وعي يتحدث عنهما جمال، وهو يتلمس مرضاة وشفقة النواب الرافضين للحكم. ليس من حق الوزير (المشرف الإداري على شؤون العدل) أن يتحدث عن الخطأ في الأحكام، فمن يقرر خطأ الحكم أو صوابه هو المحكمة الأعلى، وليس وعي الشعب من يردع القضاة فهم معينون وليسوا منتخبين، بل هو ضمير القاضي وحريته في ممارسة قناعاته القانونية من يردع القاضي ذاته، وهناك المحكمة العليا لتصحيح الأخطاء إن وجدت، وليس وزير العدل محكمة أعلى درجة. كان تصريح الوزير كبوة وغلطة كبيرة لا تختلف عن كبوات وأخطاء وزراء بوزارات سابقة، نهشت من الدستور ومن دولة حكم القانون ومن حرياتنا العامة والخاصة، أراد هؤلاء الاعتذاريون أن يرضوا الجميع فلم يرضوا أحداً، وخسروا وخسرت الدولة معهم.
ملاحظة: وزير العدل في تصريحه الأخير الذي “أزال سوء الفهم” للتصريح الذي سبقه قال لنا: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حوله الماء … خوش حجي وأقبض من دبش!