سامي النصف

هل توزير 9 نواب سيحل الإشكال؟

  لو أصبت باحتقان في اللوز ثم أُعطيت ـ نظرا للتشخيص الخاطئ للمرض ـ عشرات الأدوية المعنية بآلام الأذن والعين والمعدة والقولون والعضلات..إلخ، فلن تصل إلى حل لمعاناتك كون تلك الأدوية غير مختصة بحل الإشكال الذي تعاني منه، ذلك المثال يطابق تماما ما يقوم به الأعضاء (الأطباء) في مجلس الأمة من تشخيص خاطئ لأمراضنا السياسية يؤدي بالتبعية الى.. العلاج الخاطئ لها.

***

ولا يختلف اثنان على ان بلدنا يعاني منذ عقود من إشكالات سياسية مزمنة تسببت في تخلفنا الواضح عن الجيران واستفرادنا بينهم بعدم وجود موارد بديلة للنفط الذي بدأت أسعاره بالتراجع السريع، حيث فقد خلال الأيام القليلة الماضية 25% من قيمته، وقد يصل سريعا الى اسعار لا تستطيع ميزانيتنا العامة معها دفع الأجور وسيلعن حينها كل مواطن من دغدغ مشاعره بالعطايا والمنح ومنع عمليات التنمية في البلد عبر إصدار التشريعات المعرقلة لها.

***

وقد تكرر التوصيف الخاطئ لأمراضنا الخطيرة المتمثلة بأزماتنا السياسية المتلاحقة ومن ثم بإعطائها روشتات خاطئة للعلاج بالتبعية مثل التحول للدوائر الخمس التي ترحّم الناس على ما قبلها وعاد الأعضاء الأطباء أنفسهم يوصفون علاج الدائرة الواحدة المدمر، وقبل ذلك قال المعالجون أنفسهم ان ابتعاد هذا الوزير «المؤزم» أو ذاك، او استقالة الحكومة ومثلها حل البرلمان يحل المشكلة ويعالج الداء، وقد جربت كل تلك الأدوية وساءت معها حالة المريض حتى قارب على الهلاك.

***

هذه الأيام يروج نفس الأعضاء الأطباء أو الأطباء الأعضاء لروشتة توزير 6 ـ 9 من النواب وانها الحل الناجع لوطننا المريض، والحقيقة انها وصفة خاطئة أخرى ستزيد المريض مرضا، حيث ان توزير 9 نواب سيبقي 41 نائبا خارج الوزارة لن يمكن لأحد التحكم فيهم حتى لو توافقت الحكومة والأغلبية على برنامج عمل يجمعهم فجميع الاستجوابات والأزمات لم تقم قـط على محور برنامج عمل الحكومة بل قامت الأزمات ـ التي لم يوقفها حتى دخول نواب ممثلين لكتل مختلفة ممن تبرأوا من أعضــائهم سريعا واســتجوبوا الحكومات التي كان نوابهم وزراء بها ـ على معطيين محددين لا دخل لهما بدخول نائب او عشرة نواب للحكومة، أولهما اعتقاد بعض النواب الراسخ ان الاستجواب هو الطريق لإعادة الانتخاب ومن ثم عليه كل صباح ومساء ان يتقمص دور الأسد ويهدد ويتوعد ويستجوب المسؤولين ومثل هذا ـ وهم كثر ـ لن يوقفهم توزير التسعة، المعطى الآخر للاستجوابات والأزمات هم أصحاب الإثراء غير المشروع ومن يؤزمون لأجل أموال الداخل والخارج، وهؤلاء كذلك لن يوقفهم طلب قيادات الأغلبية لهم بعدم التأزيم.. كل ما سيحدث عند توزير تلك الأعداد هو استباحة مواردها لأجل الانتخابات اللاحقة والتقدم خطوة أخرى لحصد الجائزة الكبرى المسماة «الحكومة الشعبية والملكية الدستورية»!

***

آخر محطة:

(1) يرى بعض جنرالات ومسؤولي القطاع النفطي الكويتي ان السبب «الوحيد» للانحدار الرهيب في أسعار النفط هو إشغالهم بفضيحة شراكة «الكي داو» وانهم سيعملون حال حفظ القضية وتسجيلها ضد مجهول كالعادة على إعادة أسعار النفط العالمية الى ما كانت عليه وأحسن، كما سيستمرون بالتعدي على المال العام عبر منح أنفسهم 4 رواتب بونص بعد إعادة تسميتها بـ«المشاركة في الفشل الوجه الآخر للمشاركة في النجاح» او مشاركة المنشار المتعدي على أموال الشعب الكويتي في الصاعد والنازل!

حسن العيسى

تصريح الخيبة

غير مقبول التغني بقداسة القضاء أو الغرق في بحر المبالغات بنزاهة أحكامه، كما ذهب الكثيرون في التباهي المفرط بتلك النزاهة، لا خلاف في ذلك مع الزميلة إيمان البداح في مقالها المهم بجريدة الجريدة عدد أمس الأول، فلا جدال أنه ليس لدينا حتى الآن قانون متكامل يؤكد استقلال السلطة القضائية، والقضاة أيضاً يكونون، في أحيان كثيرة، بوضع لا يحسدون عليه حين يجدون النص الذي يطبق على النزاع يتناقض مع روح الدستور، وأبسط مبادئ العدل… لكن القاضي لا يملك إلا أن يحكم بهذا النص الظالم، وكما تظهر الأوراق التي أمامه، لأن تلك مهمته وهذا واجبه وليس له خيار في ذلك. وإن كان هناك نص جائر، يغل يد القاضي ولا يعطيه خياراً مثلما فعل نواب الهم والغم في تحديد عقوبة الجريمة المزعومة بالإساءة للذات الإلهية والرسول (أعيد للنظر فيه بحكمة سمو الأمير) فماذا يمكن للقاضي أن يفعل في ما لو قدر لمشروع ذلك النص أن يمضي ويصدق عليه؟!
نتفق مع الرأي القائل برفض عبارة “قدسية القضاء” أو إسباغ نزاهة ملائكية على الأحكام مهما كانت تلك الأحكام “عنواناً للحقيقة”، وهي حقيقة مفترضة أملتها الحضارة الإنسانية لاستقرار حكم القانون والمراكز القانونية للبشر، ونتفهم -من غير أن نرضى- غضب الكثيرين على حكم البراءة في قضية الاتهام بضرب النائب الوسمي من رجال الأمن في ديوان الحربش، لكن هل يعد كل ذلك مبرراً ليس لنقد فقط وإنما للتشكيك في السلطة القضائية كلها؟! فما صرح وتوعد به عدد من النواب لم يكن مجرد رد فعل على حكم ابتدائي يمكن للادعاء العام أن يطعن فيه، وهو سيكون مؤكداً، بل كان اعتداء فجاً على مبدأ الفصل بين السلطات الذي تتصدر عباراته المادة ٥٠ من الدستور!
السلطة القضائية هي أضعف السلطات الثلاث، كما كتب أحد أهم رموز الثورة الأميركية “هاملتون” في الأوراق الفدرالية، فهذه لا تملك السيف ولا كيس الدراهم، فالقاضي ليس له غير أن يحكم في نزاع معروض أمامه، هو لا يملك أن يشرع، ولا أن يراقب التشريع من تلقاء نفسه، وبقدر ما تكون هناك استقلالية لتلك السلطة تصاحبها ثقافة عالية وحس مرهف للعدالة يكون هناك الضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم وحمايتهم من جور أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية.
كان أولى على نواب الأمة بدلاً من أن يطلقوا تصريحات تكرر بشكل فج الحديث عن نزاهة القضاء حين تصدر الأحكام بما يتفق مع توجهاتهم مرة، ومرة أخرى يتم التوعد لهذا القضاء حين تصدر الأحكام على غير شهواتهم، أن يعملوا لتحقيق مبدأ استقلالية السلطة القضائية بصورة متكاملة، وكان أولى على وزير العدل الأستاذ جمال الشهاب، المحسوب على أهل القانون، أن يقف بقوة وصراحة دون مواربة للدفاع عن الجسد القضائي، لا أن يصرح بمثل ذلك التصريح المداهن الخائب بأن أخطاء البعض لن تؤثر في القضاء ووعي الشعب هو الرادع! أي أخطاء وأي وعي يتحدث عنهما جمال، وهو يتلمس مرضاة وشفقة النواب الرافضين للحكم. ليس من حق الوزير (المشرف الإداري على شؤون العدل) أن يتحدث عن الخطأ في الأحكام، فمن يقرر خطأ الحكم أو صوابه هو المحكمة الأعلى، وليس وعي الشعب من يردع القضاة فهم معينون وليسوا منتخبين، بل هو ضمير القاضي وحريته في ممارسة قناعاته القانونية من يردع القاضي ذاته، وهناك المحكمة العليا لتصحيح الأخطاء إن وجدت، وليس وزير العدل محكمة أعلى درجة. كان تصريح الوزير كبوة وغلطة كبيرة لا تختلف عن كبوات وأخطاء وزراء بوزارات سابقة، نهشت من الدستور ومن دولة حكم القانون ومن حرياتنا العامة والخاصة، أراد هؤلاء الاعتذاريون أن يرضوا الجميع فلم يرضوا أحداً، وخسروا وخسرت الدولة معهم.
ملاحظة: وزير العدل في تصريحه الأخير الذي “أزال سوء الفهم” للتصريح الذي سبقه قال لنا: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حوله الماء … خوش حجي وأقبض من دبش!

احمد الصراف

البشر والكلاب

يقول المثل الإنكليزي You can’t teach an old dog new tricks، ويعني انه من الصعب تدريب كلب مسن على حيل جديدة، وهكذا مع الإنسان! ولكن طباع البشر تختلف عن طباع الكلاب ويمكن، بقليل من الصبر والمثابرة، أن يتعلم الإنسان، بصرف النظر عن عمره، أمورا وألعابا وحيلا جديدة، فليس لقدرات البشر حدود.
وقد انتج العباقرة والمبدعون فكريا غالبية أعمالهم المميزة بعد تجاوزهم مرحلة الشباب بكثير، وقد احتفل لبنان مؤخرا بمئوية الشاعر سعيد عقل، وهذه أول مرة في التاريخ يتم الاحتفال بتكريم شخصية عامة معروفة، المكرم لا يزال على قيد الحياة! كما يمكن حتى تغيير الصفات الشخصية للفرد كالغضب الشديد والعناد وحتى التقتير الشديد في الصرف من خلال تدريبات محددة. وعلى الصعيد الشخصي يمكنني الادعاء بأنني حققت الكثير من التغيير في حياتي بعد تجاوزي الستين، واصبحت اقوم بأمور ونشاطات لم أكن أعتقد، حتى وانا اصغر بكثير، أن بإمكاني مجرد قبول القيام بها، أو أن لديّ القدرة عليها! كما تعلمت «حيلا» وألعابا لطيفة، بعد أن تجاوزت السادسة والستين، ولا أعتقد أنني سأتوقف عن تعلم شيء جديد كل يوم، فكل يوم أتعلم كلمة من هنا وتعبيرا من هناك ونكتة من كتاب وطرفة من رسالة انترنت، وطريقة تفاوض جديدة. كما اصبحت أدقق وأساوم بطريقة أفضل في تعاملي مع الغير، في تجارة أو عقار! واصبح قطع مسافة 6 كيلومترات في ساعة سيرا، وفي منطقة جبلية، امرا يسيرا بعد أن كان في الخمسين أمرا مستحيلا! كما تعلمت استخدام التويتر لساعة والفيسبوك لنصف ساعة، وتوقفت عن استخدامهما. كما نجحت في قهر الإنترنت، وبرامج الكمبيوتر العصية الفهم، وغازلت «الوتس أب» لأيام وتركته لغيري، وعودت نفسي على قراءة كتاب من جهاز كمبيوتر قبل النوم، بعد أن كان مسك الكتاب في الفراش أمرا مقدسا ويصعب التخلي عنه، وهكذا تمضي الحياة سعيدة بنا إن وضعنا في بالنا أن لا شيء صعب ولا شيء غير قابل للتعلم، وإن بقليل من الجهد، فالمثل يقول: التكرار يعلم الشطار، وفي رواية اخرى «الحمار»، فهذا الحيوان المظلوم بإمكانه الاستدلال ومعرفة طريقه من نقطة لأخرى إن قام صاحبه بالسير معه مرة واحدة! ولكن البعض منا يرتكب الخطأ نفسه المرة تلو الأخرى ولا يتعلم ولا يتعظ، ومع هذا نصر على وصف الحمار بالحمق والجهل!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الليبرالي عندما يحلم.. يبدع

عندما طالبتُ في بداية كتابتي في القبس بميثاق شَرَفٍ يوقّ.ع عليه أصحابُ الرأي والأقلام الصحفيّة، استنكر بعض الزملاء هذه الدعوة واستقبلوها بشيء من السخرية، ولم أكن وقتها كتبتها من فراغ، بل من إدراك لمنطلقات عدد غير قليل من أصحاب الأقلام الصحفية.
بالأمسْ، كتب أحد هؤلاء مقالاً ممتلئاً بمخالفة الواقع ومجانبة الحقيقة والتحريض السافر للسلطة على ضرب تيار عريض من تيارات المجتمع الكويتي الصغير! ولقد كانت بداية القصيدة كفراً عندما اتهم التيار الإسلامي في الكويت (الذين أسماهم بإخوان الكويت) بأنهم سرطان!
ثم يبدأ بعد ذلك بتزوير التاريخ عندما يدّعي أنّ الحكومة أو السلطة تحالفت مع التيار الديني في منتصف السبعينات عندما بدا لها أنّ التيار الوطني الليبرالي أصبح خطراً عليها! وتشويه التاريخ هنا في أمرين: الأول، أنّ الحكومة أو النظام تحالف مع التيار الديني! وليته وضّح مظاهر هذا التحالف حتى نعرف كيف نرد عليه، وأتمنى ألا يكرر مقولة مشاركة الشيخ يوسف الحجي في الوزارة بعد حلّ مجلس 1975. والأمر الثاني، عندما قال إنَّ التيار الوطني كان خطراً على الحكومة فاتجهت تبحث عن حليف آخر! هذا دليل على أنّ السلطة كانت متحالفة حتى نهاية السبعينات مع هذا التيار. لكنَّ الحقيقة التي حاول صاحبنا إخفاءها أنّ السلطة رأت في هذا التيار ضعفاً ونفوراً من قبل الشارع الكويتي تجاهه، بعد أن انكشفت حقيقته وحقيقة منطلقاته في الكويت وخارجها.
يقول صاحبنا «ما لم تدركه السلطة حينها أن المقولة المنسوبة إلى الملك عبدالعزيز من أنّ الدين طير يقنص به، قد تكون مناسبة لمجتمع سلطوي..»! ولا شك أنّها عبارة لا تتناسب وحسن الجوار الذي تعيشه الكويت مع الشقيقة الكبرى السعودية، ولن أعلّق أكثر.
يقول عن الإخوان في الكويت «وهم اليوم أقرب ما يكونون إلى السلطة من أي وقت مضى»! وسؤالي: ما هي مظاهر قربهم إلى السلطة والحكم؟ هل بكثرة وزرائهم في الحكومة؟ هل بوجودهم المكثّف في قيادات الجيش والشرطة؟ هل بسيطرتهم على الصحف اليومية والقنوات التلفزيونية العاملة في الكويت؟ أين هذا الوجود الذي ذكره كدليل على صحة كلام الفريق خلفان من سيطرتهم على مقاليد الحكم في الكويت 2013؟ إنّها والله محاولة الاستخفاف بعقول القراء والتدليس عليهم بتزوير حقائق الواقع.
وأخيراً، عندما أراد أن يعطي الدليل على ارتباط إخوان الكويت بإخوان مصر جاء بهذه الحقيقة الدامغة «والدليل أنه لا أحد من هؤلاء استطاع إخفاء فرحته عندما اكتسح إخوان مصر غالبية مقاعد البرلمان، ولكنّهم سكتوا عندما فشل مرشحهم للرئاسة في الحصول على نصف عدد الأصوات.. وهذا مؤشر واضح على انكشافهم وخواء فكرهم»! إذاً عندما نفرح بفوز الإسلاميين في الانتخابات فهذا دليل على ارتباط تنظيمي بهم! هكذا بكل بساطة استنتج هذه الحقيقة الدامغة! ثم سكوتنا عن «فشل» محمد مرسي في انتخابات الرئاسة! «صحي النوم يا صاحبي.. وبلاش تهريج كفاية».
لمثل هذه الحالات طالبنا بميثاق شرف يلتزم فيه الكاتب بالموضوعية في كتاباته ويحترم عقول القراء.. ويبتعد عن تكرار الاتهامات، ويتورّع عن تلفيق القضايا إلى خصومه.

سعيد محمد سعيد

«إخوان سنة وشيعة»… اصطكاك الأسنة!

 

ذات يوم، أرسل إلي زميل خليجي، وهو مواجه شرس للطائفيين وأفكارهم ومن الداعمين لمنهج تقوية العلاقات بين السنة والشيعة… أرسل إلي من باب المزاح والمناكفة اللطيفة، مقطع فيديو لأحد المشايخ وكتب في رسالته: «في هذا المقطع يا صاحبي، ستشعر بالسرور والراحة النفسية لوجود علماء ومشايخ في كلامهم روعة… في دعائهم صدق وإخلاص… نحن نحتاج إلى علماء ومشايخ ودعاة ومثقفين يعرفون جيداً المعنى الإنساني للأخوة بين الناس، وقبل ذلك يعرفون معنى الأخوة بين المسلمين في المنهج القرآني… أما هؤلاء فيحتاج إليهم إبليس»!

وعلى أي حال، شدتني الرسالة القصيرة المدهشة لمشاهدة مقطع الفيديو ولأستمع إلى دعاء على لسان أحد المشايخ يقول فيه: «اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك. اللهم عليك بـ (…) (قالها ثلاثاً). اللهم جمد الدماء في عروقهم. اللهم جمد الدماء في عروق مرجعياتهم وأئمتهم وعلمائهم. اللهم سلط عليهم الغلاء والبلاء والوباء. اللهم جمد الدماء في بطونهم وظهورهم. اللهم سلط عليهم السرطان (قالها مرتين)… ثم ذهب في بكاء مرير!

لا بأس… هناك سواد عظيم من أبناء المجتمع المسلمين يؤمنون تماماً بشعار: «إخوان سنة وشيعة… هذا الوطن ما نبيعه»، وفي المقابل، هناك من وضع ذلك الشعار موضعاً لرفع الحراب واصطكاك الأسنة محاولاً إسقاطه بما أوتي من أفكار شيطانية معادية للأخوة، وليس هؤلاء من طائفة واحدة، بل هم من ذوي النزعات والأفكار الطائفية المتشددة من الطائفتين!

في المجتمع البحريني، يرفع الصوت المخلص، من السنة والشيعة، هذا الشعار باعتباره ركن أساس (للأسرة البحرينية ولاستقرار المجتمع)، فيما يحاول الصوت الطائفي إسقاطه كونه (غير ممكن) انطلاقاً من تهم كخيانة الوطن وتحريف القرآن الكريم والخيانة التاريخية… فبالتالي لا يمكن أن يكونوا إخواناً لنا، حتى أن أحد مشايخ الفتنة وصل به الأمر إلى التشكيك في نسب طائفة بكاملها، ولم تحرك الدولة ساكناً لا ضده ولا ضد آخر رفع اثنان من المحامين دعوى إثارة الفتنة الطائفية لدى النيابة العامة ضده! بل تجاوز الأول بغضبه ليدعو الناس: لا تزوروا مرضاهم ولا تهنئوهم في أعراسهم أو مناسباتهم!

على أي حال، لو عدنا إلى أساس شعار «إخوان سنة وشيعة… هذا الوطن ما نبيعه»، لوجدنا مصدره العراق. فالشعب العراقي هو من صاغ ذلك الشعار في أحلك المراحل العصيبة التي مر بها، ولولا صدقهم في تبني ذلك الشعار بقناعة دينية وانسانية ومجتمعية، لانتشرت عصابات الإجرام المسلح بشكل مذهل، ولما ولدت جماعات الصحوة التي أرهقت تلك العصابات وإن عادت من جديد خلال الأيام الماضية لتسفك الدماء بجاهليةٍ همجيةٍ وحشية مدعومة بالتمويل والتسليح من أطراف معروفة، إلا أن الشعار وحد الشعب العراقي.

قبل عدة أشهر، استضافت العاصمة القطرية (الدوحة) ندوة: «دور التنوع المذهبي في مستقبل منطقة الخليج العربي»، ولعل الخلاصة الرئيسية من تلك الندوة هي اتفاق علماء ومثقفين ودعاة من الطائفتين على أن تعزيز مفهوم المواطنة (على حساب الانتماء للطائفة) يمكن أن يمثل حلاًّ للمستقبل، بيد أن أعداء شعار: «اخوان سنة وشيعة»، طرحوا أيضاً ما لديهم من أفكار شيطانية، وانبرى ناشط سياسي خليجي مشهور بطائفيته ليقول: «كلما أصبح الشيعة أغلبية ساموا السنة الويل والعذاب»، وهذه القراءات غير الموفقة كان لها من ينفيها ويسفهها ويسقطها بقوة على هامش الندوة، لكن الحق، أن المشاركين الذين حملوا أنظمة الحكم الخليجية مسئولية تأجيج الصراع الطائفي كانوا مصيبين فيما قالوا، فلا يمكن أن تنتعش الطائفية إلا إذا كانت مدعومةً من الحكومات، ولهذا فإن المطلوب من الحكومات الخليجية، وفق الأصوات المعتدلة في الندوة، هو الوقوف على مسافة واحدة من كل المذاهب.

المجتمعات الخليجية، بل قل المجتمعات العربية كلها تعيش التنوع الديني والمذهبي والقومي، لكن غياب نظام المواطنة بوصفه نظاماً متجاوزاً للتعبيرات التقليدية، جعل بعض هذه المكونات تعيش التوتر في علاقتها، وبرزت في الأفق توترات طائفية ومذهبية وقومية، وهكذا عاشت بعض الدول والمجتمعات العربية توترات مذهبية خطيرة تهدد استقرارها السياسي والاجتماعي.

أين موضع الخلل؟ هنا نتفق مع الآراء التي تركز على أنه حين تتراجع قيم المواطنة في العلاقات بين مكونات المجتمعات العربية، تزداد فرص التوترات الداخلية في هذه المجتمعات؛ لهذا فإن العالم العربي يعيش مآزقَ خطيرة على أكثر من صعيد، وهي بالدرجة الأولى تعود إلى خياراته السياسية والثقافية. فحينما يغيب المشروع الوطني والعربي، الذي يستهدف استيعاب أطياف المجتمع، وإخراجه من دائرة حبسه في الأطر والتعبيرات التقليدية إلى رحاب المواطنة؛ فإن هذا الغياب سيدخل المجتمعات العربية في تناقضات أفقية وعمودية، تهدد استقرارها السياسي والاجتماعي.

ليس هناك من حل أقوى من أن تكون الأنظمة الحاكمة هي (حائط الصد) الأقوى للطائفيين وأفكارهم، لا أن ترعاهم وتحميهم، فالمجتمعات والشعوب الخليجية والعربية تتطلع إلى حكومات وأنظمة سياسية متطورة ومدنية، تفسح المجال للكفاءات الوطنية المختلفة للمشاركة في تنمية الأوطان العربية وتطويرها على مختلف الصعد والمستويات.