«المواطنون»… مفردة بالإمكان تشطيرها في المجتمعات العنصرية إلى شظايا ذات خطورة بالغة على الاستقرار والتنمية والسلم الاجتماعي، وتتعاظم مخاطرها إذا كانت الأنظمة الحاكمة هي ذاتها تتبنى سياسة الأبارتيد… فصلاً وانفصالاً! العزل العنصري ضد الأفارقة… عنصرية الأميركيين ضد اليابانيين… مذابح الأرمن والآشوريين… العنصرية ضد المهاجرين… ونماذج أخرى كثيرة دونها التاريخ الإنساني.
في المجتمع البحريني، ثمة (أبارتيد) مستحدث ومخيف وخطير وسخيف في الوقت ذاته! بعض الممارسات الإقصائية والعنصرية والتمييزية القائمة، هي مخالفة للشرائع والقوانين والأعراف والإنسانية، لكنها قائمة… شئنا أم أبينا: سنة وشيعة – عرب وعجم وهولة – درجة عليا وأخرى دنيا – أصليون وبديلون… لكن هناك تقسيماً طارئاً وفادحاً في خطورته!
فليس غريباً أن يكون المعادل الموضوعي للموالاة هو المعارضة… وليس مستهجناً أن يكون الخائن نقيض المؤتمن… وما من شك في أن نقيض الفاسد هو الصالح… لكن أن تكون البحرين العريقة بحضارتها وبتعددها وبتنوعها مصدراً لتقسيمة بشعة للمواطنين بين: موالين وخونة، بدلاً من موالين ومعارضين… فهذه كارثة!
وفق تلك التقسيمة التي لا يمكن التظاهر بأنها غير موجودة وقد أشبع الإعلام الرسمي في غرسها، ومنذ بروز الأزمة في 14 فبراير/ شباط 2011، تم إلباس تلك التقسيمة تفصيلاً على الطائفتين الرئيستين في البلد، وأصبح الكثير من الموتورين مؤمنين تماماً بأن المواطنين السنة هم الموالاة المطلقة والمواطنة المطلقة، وأصبح المواطنون الشيعة عموماً والمعارضة تحديداً، هم الخيانة المطلقة، فيما لم تصمد أية مبادرات للتصدي لتلك التقسيمة البشعة من قبل المخلصين من أبناء البلد، وحتى الآن… كل تلك المبادرات ذهبت أدراج الرياح على رغم الأمل في ثبات مبادرة (وطن يجمعنا) والتي جمعت لفيفاً من أبناء البحرين المخلصين من الطائفتين في لقاءين عقد الأول في مأتم أنصار الحسين بقرية البلاد القديم، والثاني في مجلس الدوي بالمحرق.
تقسيمة عنصرية طائفية سياسية
ولكن، هل يمكن فعلاً اعتبار تقسيمة (موالون وخونة) بأنها شكل من أشكال التفرقة العنصرية؟ من وجهة نظري المتواضعة، فإن هذه التقسيمة أخطر بكثير من التقسيمة العنصرية! فهنا نحن أمام تقسيمة عنصرية، طائفية، سياسية، لا تقتصر فقط على التمييز ضد فئة من المواطنين وإقصائها فحسب، بل محو مواطنتها أصلاً واعتبارها للخيانة (التاريخية) أقرب! التفرقة العنصرية بدأت في جنوب إفريقيا في عهد الاستعمار (انظر ويكيبديا – أبارتيد)، ولكن لم يتم عرضُ الفصل العنصري كسياسةٍ رسميةٍ إلا عقب الانتخابات العامة التي جرت العام 1948 حيث صنَّفَ القانونُ الجديدُ السكانَ إلى جماعاتٍ عرقية (أسود وأبيض وملون وهندي)، وعُزلت المناطق السكنية عن طريق عمليات الترحيل القسري، وحُرمَ السود من الجنسية منذ العام 1958، وأصبحوا ملحقين بموجب القانون إلى واحدٍ من عشرة مناطق قُسِمَت على أساس قبلي لتُدارَ بالحكم الذاتي، سميت هذه المناطق البانتوستانات، وأصبحت أربع مناطقَ منها ولايات مستقلة اسمياً، وقامت الحكومة بالفصل العنصري في التعليم والرعاية الطبية وغيرها من الخدمات العامة، وقدمت للسود خدماتٍ أقل من تلك التي تقدمها للبيض.
تصنيف الخيانة بالمطلق
أما تقسيمة الأبارتيد لدينا، والتي نربأ بأن تكون مقرونة باسم (مملكة البحرين)، فقد تعمدت استخدام توصيف جديد كما قلنا وهو: موالون وخونة! فالمواطن قد يكون موالياً للنظام الحاكم وداعماً له ومؤيداً له في كل أفعاله… لكنه يبقى مواطناً وهذا حقه كموالٍ، والمعارض قد يطرح برنامجاً سياسياً لإصلاح النظام، ومهما تآلف البرنامج السياسي للمعارضين أو اختلف في مساراته، فإنهم أيضاً يبقون مواطنين معارضين وهذا حقهم أيضاً، طالما أنهم طرحوا كل ما لديهم علانيةً تعبيراً عن الرأي، ولطالما لم يثبت أي اتهام ضدهم بالخيانة العظمى والتآمر على الدولة وعلى استقلالها وكيانها… لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تصنيفهم كخونة (بالمطلق) هكذا وفق المزاج والهوى.
والسؤال هنا: «ما هو أخطر ما في تلك التقسيمة، وهل هي تهيئة غير مباشرة لأخطر نتائجها ألا وهو النزاع الطائفي؟» يتبع.