قد يعتقد البعض أني سأكتب عن تعيين نسيب رئيس المجلس في وزارة غير وزارته، أو عن تعيين نسيب ضمير الأمة كمستشار في مجلس الأمة، أو تعيين أبناء نسيب الضمير في هيئة أسواق المال، وأرد على ما ادعاه أنصار هؤلاء حينما عُين صلاح المضف مديراً للتسليف، ولما استعاد الجزاف منصبه مديراً للشباب والرياضة، فتعيينات اليوم شبيهة بتعيينات البارحة لكنني لن أضغط على أنصار هؤلاء أكثر، فما فيهم يكفيهم، وما يزعجني أهم من هذه الصفقة.
فأكثر من 14 يوماً مرت على تكبد الكويت أكثر من 700 مليون دينار على خلفية صفقة «الداو» الملغاة، وإلى الآن لا حس ولا خبر من أعضاء المجلس في ذلك الحين، والذين مازالوا مستمرين في عضويتهم إلى اليوم كالسعدون والبراك من جهة، والحربش من جهة أخرى.
700 مليون دينار بالتمام والكمال كفيلة ببناء أكثر من مستشفى ومدرسة وجامعة وبيوت، لا يتحدث عنها نائب واحد ممن عرف عنهم الصراخ على مئات الدنانير يتجاهلون اليوم مئات الملايين!!
وكي لا ينفي كلامي أحد فقد استجوب البراك وزير الداخلية جابر الخالد على خمسة ملايين دينار في أول أسبوع من المجلس الماضي، فلم ينتظر في ذلك الحين أي تنسيق أو ترتيب بل استجوبه فور عودته إلى المقعد الأخضر حرصا على الخمسة ملايين كما يدعي.
أما الحربش فكان أحد مقدمي طلب لجنة تحقيق في يناير 2009 حول إلغاء «الداو» قائلا إن عدم الموافقة على طلبه سيسقط رموزا، مشيرا بذلك إلى السعدون والبراك، ولم يوافق على طلبه في ذلك الحين.
وحده صالح الملا النائب السابق أقام مؤتمرا صحافيا لتوضيح موقفه، وعلى الرغم من أنه ليس بنائب للمجلس اليوم ولا مسؤولية رقابية تقع على عاتقه فإنه استشعر المسؤولية الوطنية وقدم للإعلام والرأي العام أسبابه ومبرراته، وإن اتفقتم معها أو اختلفتم إلا أنه لم يخش شيئاً، وقدم حججه على الرغم من أن ذلك قد يفقده حتى فرص المنافسة مستقبلا.
المسألة واضحة تماماً بالنسبة إلي، فقد قبل الطرفان «حدس» و«الشعبي» أن يفرطا بـ700 مليون دينار من أموال الدولة في سبيل الحفاظ على كتلة الأغلبية، فالبراك وبعد أن تغزل بهاني حسين في مناسبات سابقة يحاول اليوم أن يصور لنا أنه المتنفع والمتكسب من أموال الدولة، متجاهلا عمدا أن الوزير ورئيس مؤسسة البترول في وقت الصفقة هما من التيار الحدسي.
أما الحربش فهو يتحدث عن سورية والتحويلات والشبكة التجسسية وأي شيء آخر إن لزم الأمر في سبيل تغطية خسارتنا للـ700 مليون دينار، وعدم الحديث عن الرموز التي ستسقط كما قال في 2009.
نحن أمام 2 مليار دولار خسرتها الكويت وذراعنا الرقابية الوحيدة التي أقسمت على الذود عن أموال الشعب لا ترفض محاسبة المتسبب فحسب بل ترفض حتى مناقشة الموضوع.
باختصار فإن «الشعبي» و«حدس» تحديدا اشتريا تماسكهما المؤقت بـ700 مليون دينار كويتي، وهي ما يفوق تجاوزات ناصر المحمد في 6 سنوات كاملة. فعلاً يحبون الكويت.
اليوم: 11 يونيو، 2012 
مواجهة بين التيارين الإسلامي والوطني
نشارك أنا والأخ مبارك الدويلة في سلسلة حلقات برنامج «مواجهة» على قناة الوطن والذي يقدمه الشاب النشط عبدالوهاب العيسى، وقد تطرقت الحلقة التي ستبث اعادتها الساعة العاشرة هذا المساء لقضية هامة هي العلاقة بين التيارين الإسلامي والوطني الكويتيين، وكان الضيفان الآخران الأخوين أحمد العبيد وفهيد الهيم اللذين أثريا النقاش بشكل علمي ومحترم.
***
ومما طرحه الأخ الهيم رفضه لاستفراد تيار سياسي بمسمى «وطني» وكأن الآخرين وتحديدا الإسلاميين غير وطنيين، وهو ما وافقناه عليه، أي ان الإسلاميين هم ضمن التيار الوطني عدا بالطبع من لا يعترف منهم بالوطنية ويسميها الوثنية والوطن الوثن، مع ضرورة الاعتراف كذلك بأن الوطنيين إسلاميون وليسوا مارقين عن الإسلام، علما بأن أي تسمية لا تعني الاحتكار بل هي للتعريف فقط، فمنضوو الحزب الديموقراطي الأميركي لا يدّعون صفة الاحتكار للديموقراطية، أو أن الآخرين ديكتاتوريون، كما لا يدعي منضوو الحزب الجمهوري انهم فقط من يؤمن بالنظام الجمهوري وأن الآخرين بالتبعية هم من دعاة الملكية أو.. الجماهيرية!
***
ان الإيمان بالديموقراطية يعني في صلبه الإيمان بـ«التعددية» وعليه لا يجوز للتيار الوطني أو الليبرالي في الكويت أو الوطن العربي وصم التيار الإسلامي بكل الموبقات من تطرف ورجعية وتخلف كونها تسيء للعلاقة بينهم ولا تؤسس للعبة ديموقراطية حقيقية يتم من خلالها تبادل السلطة بطريقة ودية وسلمية، وفي المقابل لا يجوز للتيار الإسلامي ان يرفض التيار الليبرالي أو الوطني ويكفّره ويتهمه كذلك بكل الموبقات من انحلال أخلاقي وعمالة للغرب.. الخ، والأمر لا يحتاج إلا للقاء العقلاء والحكماء من الطرفين والوصول إلى قواسم مشتركة (وما أكثرها) تجعل اللعبة السياسية بينهم تخلو من التخوين وتبادل الاتهامات.
***
وسيكتشف الطرفان الإسلامي والليبرالي في الكويت ووطننا العربي فوائد التعاون بدلا من العداء، فالليبرالية ستؤمن للإسلاميين السلام الاجتماعي بين الشرائح والأديان والمذاهب المختلفة، ومعها سلامة أراضي الأوطان التي سيحكمها الإسلاميون عبر صناديق الاقتراع القادمة على الأقل وتجربة سودان واحدة تكفي، وسيضمن الليبراليون للإسلاميين علاقة غير متوترة مع دول العالم الأخرى وخاصة المتقدمة منها التي يسودها الطابع الليبرالي، وايران واحدة تكفي، في المقابل سيضمن الإسلاميون المعتدلون لليبراليين فريقا سياسيا معقولا يتنافسون معه يمثل التوجه الديني أو المحافظ في بلدانهم وهو خيار لا بد منه حيث لا يجوز في الممارسة الديموقراطية الصحيحة ان يتبادل الليبراليون السلطة مع الليبراليين أو يتبادل الإسلاميون السلطة مع الإسلاميين فتلك ليست ديموقراطية.. بل ديكتاتورية مقنعة!
***
آخر محطة:
(1) في عالم افتراضي مثالي أتوقع ان يقوم مفكرو أو منظرو التوجهات الإسلامية بمساعدة أصحاب التوجهات الليبرالية على النهوض والفوز المتبادل معهم، فاللعبة السياسية الجميلة حالها حال اللعبة الرياضية الجميلة لا تكتمل إلا بقوة المنافسة وجمال لعب الفريقين لا فريق واحد، ميزة أخرى لتبادل السلطة هي ألا يتحمل الإسلاميون وحدهم الإخفاقات والإحباطات التي ستعاني منها في المرحلة القادمة كثير من الشعوب العربية.
(2) من الأسباب الرئيسية لقوة التوجهات الإسلامية التي يمكن للتوجهات الليبرالية التعلم منها قدرتهم على ربط التوجهات السياسية الإسلامية بالأنشطة الاقتصادية وهو أمر مقتبس من أنشطة الأحزاب السياسية الكبرى في الغرب وهو ربط يفتقده الليبراليون في الكويت وخارجها، ميزة أخرى للتوجهات الإسلامية وهي قدرتها على العمل في كل المناطق الانتخابية وعقد تحالفات ضمن التوجهات والشرائح الاجتماعية المختلفة والتنسيق مع نظيراتها في الدول الخليجية والعربية الأخرى بعكس التوجهات الليبرالية والوطنية التي تعمل بشكل منفصل وأحادي في الداخل والخارج فلا يعلم ليبرالي الدائرة الأولى ما يعمله زميله في الثانية، أو الليبرالي الكويتي ما يعمله ليبراليو مصر أو تونس أو الأردن أو السعودية.. الخ!
يا من تقصدون جيرتها
منذ شهرين تقريباً وأنا أقضي إجازة ممتعة في لبنان، ومنه قمت بزيارة القاهرة، حيث استضافني صديق كريم، والقاهرة، إضافة لبيروت، لا ينصح بزيارتهما، ولكني استمتعت بوقتي فيهما جدا، وأدركت أننا نميل لتكبير الأمور، خوفا من المسؤولية. وكان من المقرر أن نقوم، زوجتي وأنا، بزيارة القدس، ولكن سلطات الاحتلال الإسرائيلية لم تصدر لنا تصريح الدخول بسبب توتر الأوضاع، وضاعت منا فرصة المشاركة في احتفالية القدس بالدخول في قائمة غينيس للأرقام القياسية لأكبر مائدة طعام «أورغنك» طبيعية، وفي تظاهرة سلمية ضد محو هوية القدس العربية! المهم في الموضوع أن كل هذا التخوف أمر محير، فليس هناك اليوم ضمان من الوقوع في خطر أو حتى التورط في زحمة سير في أي من مدن العالم التي تصنف بالآمنة، فالأمان أصبح نسبيا حتى في ما نأكل ونشرب، وبالتالي لا مجال لمعرفة من أين يأتينا الخطر لنحتاط منه ونتجنبه! فمئات آلاف سائحي الخليج وغيرهم من لبنانيين وعرب كانوا يعتقدون أنهم سيقضون صيفية جميلة في لبنان عام 2006، وفاجأت إسرائيل الجميع بهجومها على لبنان، كرد فعل على قيام حزب الله بخطف اثنين من جنودها من داخل حدودها ورفض اطلاق سراحهما! وبالتالي لو أنني، بناء على ما حدث في تلك السنة، قررت الامتناع عن زيارة لبنان «لخطورة أوضاعه»، لبقيت ربما إلى الآن، أعاني من الخوف وأحرم نفسي من الاستمتاع بجمال لبنان وضيافته الرائعة وهواء جبله الصحي وكرم اهله وطيب فاكهته، وهنا نتكلم عن خمس سنوات، بانتظار أن تهدأ أحواله، وهي لن تهدأ، فهذا قدر لبنان المريض بأمراض عدة والذي لن يشفى منها أبدا، ولكنه، وبفضل كل أجهزة الدعم، محلية وعالمية، يمتلك خاصية البقاء حيا للأبد، بأهله وجباله وجماله! ولو قارنا أوضاعه الأمنية بغيره لوجدنا الفارق، فقد تعرضت شخصيا لمشاكل وسرقات في لندن ومدن برازيلية وأميركية عدة، وبإمكاني القول، ومن واقع تجربتي الشخصية، انني وطوال 56 عاما، لم يتم يوما توقيفي أو مضايقتي أو تورطي في أي حادث أو مشكلة او حتى خناقة أو سوء فهم خطير في لبنان بالرغم من طول فترات إقامتي فيه، وبالتالي لست على استعداد، بعد كل هذه التجربة الممتعة والثرية، أن اسمح للخوف بأن يحكمني ويمنعني من الاستمتاع بما تبقى من حياتي، فالحياة قصيرة ويجب ألا نجعلها أكثر مللا بالتردد من صعود الجبال. فيا محبي لبنان اتركوا مخاوفكم جانبا، وتعالوا لأحضانه، فليس في طبع الليالي الأمان، ولا تنسوا وأنتم في الطائرة أن تغنوا معي ومع فيروز، يا قمر مشغرة، ويا جارة الوادي طربت، ويا أرضك غنيه وبيوتك رضية وعجبالك العز راية عليي. ويا ساحر العينين يا حلمنا أسأل في الحيين عن دربنا. ويا كرم العلالي عنقودك لينا، يا حلو يا غالي شو بحبك أنا!
أحمد الصراف
تقسيمة الأبارتيد: موالون وخونة (1)
«المواطنون»… مفردة بالإمكان تشطيرها في المجتمعات العنصرية إلى شظايا ذات خطورة بالغة على الاستقرار والتنمية والسلم الاجتماعي، وتتعاظم مخاطرها إذا كانت الأنظمة الحاكمة هي ذاتها تتبنى سياسة الأبارتيد… فصلاً وانفصالاً! العزل العنصري ضد الأفارقة… عنصرية الأميركيين ضد اليابانيين… مذابح الأرمن والآشوريين… العنصرية ضد المهاجرين… ونماذج أخرى كثيرة دونها التاريخ الإنساني.
في المجتمع البحريني، ثمة (أبارتيد) مستحدث ومخيف وخطير وسخيف في الوقت ذاته! بعض الممارسات الإقصائية والعنصرية والتمييزية القائمة، هي مخالفة للشرائع والقوانين والأعراف والإنسانية، لكنها قائمة… شئنا أم أبينا: سنة وشيعة – عرب وعجم وهولة – درجة عليا وأخرى دنيا – أصليون وبديلون… لكن هناك تقسيماً طارئاً وفادحاً في خطورته!
فليس غريباً أن يكون المعادل الموضوعي للموالاة هو المعارضة… وليس مستهجناً أن يكون الخائن نقيض المؤتمن… وما من شك في أن نقيض الفاسد هو الصالح… لكن أن تكون البحرين العريقة بحضارتها وبتعددها وبتنوعها مصدراً لتقسيمة بشعة للمواطنين بين: موالين وخونة، بدلاً من موالين ومعارضين… فهذه كارثة!
وفق تلك التقسيمة التي لا يمكن التظاهر بأنها غير موجودة وقد أشبع الإعلام الرسمي في غرسها، ومنذ بروز الأزمة في 14 فبراير/ شباط 2011، تم إلباس تلك التقسيمة تفصيلاً على الطائفتين الرئيستين في البلد، وأصبح الكثير من الموتورين مؤمنين تماماً بأن المواطنين السنة هم الموالاة المطلقة والمواطنة المطلقة، وأصبح المواطنون الشيعة عموماً والمعارضة تحديداً، هم الخيانة المطلقة، فيما لم تصمد أية مبادرات للتصدي لتلك التقسيمة البشعة من قبل المخلصين من أبناء البلد، وحتى الآن… كل تلك المبادرات ذهبت أدراج الرياح على رغم الأمل في ثبات مبادرة (وطن يجمعنا) والتي جمعت لفيفاً من أبناء البحرين المخلصين من الطائفتين في لقاءين عقد الأول في مأتم أنصار الحسين بقرية البلاد القديم، والثاني في مجلس الدوي بالمحرق.
تقسيمة عنصرية طائفية سياسية
ولكن، هل يمكن فعلاً اعتبار تقسيمة (موالون وخونة) بأنها شكل من أشكال التفرقة العنصرية؟ من وجهة نظري المتواضعة، فإن هذه التقسيمة أخطر بكثير من التقسيمة العنصرية! فهنا نحن أمام تقسيمة عنصرية، طائفية، سياسية، لا تقتصر فقط على التمييز ضد فئة من المواطنين وإقصائها فحسب، بل محو مواطنتها أصلاً واعتبارها للخيانة (التاريخية) أقرب! التفرقة العنصرية بدأت في جنوب إفريقيا في عهد الاستعمار (انظر ويكيبديا – أبارتيد)، ولكن لم يتم عرضُ الفصل العنصري كسياسةٍ رسميةٍ إلا عقب الانتخابات العامة التي جرت العام 1948 حيث صنَّفَ القانونُ الجديدُ السكانَ إلى جماعاتٍ عرقية (أسود وأبيض وملون وهندي)، وعُزلت المناطق السكنية عن طريق عمليات الترحيل القسري، وحُرمَ السود من الجنسية منذ العام 1958، وأصبحوا ملحقين بموجب القانون إلى واحدٍ من عشرة مناطق قُسِمَت على أساس قبلي لتُدارَ بالحكم الذاتي، سميت هذه المناطق البانتوستانات، وأصبحت أربع مناطقَ منها ولايات مستقلة اسمياً، وقامت الحكومة بالفصل العنصري في التعليم والرعاية الطبية وغيرها من الخدمات العامة، وقدمت للسود خدماتٍ أقل من تلك التي تقدمها للبيض.
تصنيف الخيانة بالمطلق
أما تقسيمة الأبارتيد لدينا، والتي نربأ بأن تكون مقرونة باسم (مملكة البحرين)، فقد تعمدت استخدام توصيف جديد كما قلنا وهو: موالون وخونة! فالمواطن قد يكون موالياً للنظام الحاكم وداعماً له ومؤيداً له في كل أفعاله… لكنه يبقى مواطناً وهذا حقه كموالٍ، والمعارض قد يطرح برنامجاً سياسياً لإصلاح النظام، ومهما تآلف البرنامج السياسي للمعارضين أو اختلف في مساراته، فإنهم أيضاً يبقون مواطنين معارضين وهذا حقهم أيضاً، طالما أنهم طرحوا كل ما لديهم علانيةً تعبيراً عن الرأي، ولطالما لم يثبت أي اتهام ضدهم بالخيانة العظمى والتآمر على الدولة وعلى استقلالها وكيانها… لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تصنيفهم كخونة (بالمطلق) هكذا وفق المزاج والهوى.
والسؤال هنا: «ما هو أخطر ما في تلك التقسيمة، وهل هي تهيئة غير مباشرة لأخطر نتائجها ألا وهو النزاع الطائفي؟» يتبع.