محمد الوشيحي

بزراننا والخطة الهجومية

بيني وبين الرياضة منطقة عازلة، ومعاهدة “عدم التعرض للآخر”، وقوات دولية تتمركز على الحدود، وكاميرات مراقبة ترصد أياً منا كان البادئ بالتدخل في شؤون الآخر. لا أفهم الرياضة ولا تفهمني، ولا أحبها ولا تحبني. لذا لن تسمعني يوماً أطرح وجهة نظري في الرياضة وأقول “يجب” أو “لا يجب”، كي لا أخلط الماء بالزيت، لكنني لن أتنهد حزناً إذا أفتى من لا يفقه الرياضة في خطة اللعب، ولن تسقط دمعة على خدي إذا تحدث من لا يفقه الاقتصاد في “أذونات الخزانة”، ولن أشق جيبي إذا امتطى من لم يدرس الطب، أو الهندسة أو الطيران أو غيرها، المنبر وشرع يشرح ويفصّل. بل حتى في الدين، لن ألطم إذا سمعت من لا يعرف الفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي يفتي ويحلل ويحرّم. وإذا كنت منعت نفسي عن السباحة في محيطات لم أرها من قبل كي لا أغرق غير محسوف علي، فلن أعترض على من أراد ذلك، كلٌّ وقراره. المحيطات أمامكم والمايوهات فوقكم. أقول هذا بعد أن قادتني قدماي إلى ديوانيات عدة، يكون الحديث فيها دائماً وأبداً عن السياسة، ولا شيء غير السياسة. ومما لاحظته، بصورة عامة، أن الديوانيات التي تضم كبار السن، أقصد من تجاوزوا عامهم الأربعين، تطالب الأغلبية البرلمانية بالتهدئة وإقرار القوانين، وتأجيل الاصطدام مع الحكومة إلى ما بعد إقرار القوانين المهمة والإصلاحات الضرورية العاجلة، في حين تطالب الديوانيات التي يقل عمر روادها عن ثلاثين سنة بالصدام العاجل غير الآجل مع هذه الحكومة “المستنسخة من سابقاتها”، والنائب الذي يهدد بالاستجوابات أشجع من صلاح الدين الأيوبي وأقوى من شمشون الجبار، أما النائب الذي يطالب بالتهدئة فمتمصلح مرتزق متسلق متملق، حتى وإن كان النائب هذا، المتمصلح المرتزق المتسلق بحسب رأي الشبان، من قادة المعارضة السابقة الذين تبرعوا بكل ما في جيوبهم من وقت وأعصاب وجهد إلى أن نجحوا في تغيير الواقع السياسي… هكذا هم الشبان في الغالب، يعتقدون أن السياسة لا يمكن لعبها إلا بالخطة الهجومية والدفع باللاعبين كلهم في منطقة جزاء الخصم، مع إغفال تحصين منطقتي الوسط والدفاع! فالتكتيكات السياسية لإقرار القوانين، كما يظن بعض الشبان، خنوع وخضوع. وكان أحد الشبان هؤلاء (التقيته في مستشفى العدان) يناقشني بحدة، ويجزم أنني انضممت إلى “قائمة الشرف” التي ترفض الاستجوابات، وبناء عليه أكون متمصلحاً متسلقاً متملقاً، كما يرى. كان يزأر بغضب صادق لا ادعاء فيه ولا تمثيل. ويتذمر بعض كبار السن، ممن شاركوا في التجمعات السابقة وتابعوا تفاصيلها، من “تدخل البزران في السياسة”، وكيف أصبح من لا يفقه يفتي، وكيف دنسوا التاريخ وشوهوا صفحاته. ويخالف هذا الرأي بعضٌ آخر، وأنا من هذا البعض، إذ نظن أن السياسة محيطٌ مفتوح لكل من أراد السباحة، والناس تراقب المحيط، وتميز بين من يتقن الغوص ويلاعب الأمواج ومن تُغرقه الموجة الأولى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أستأذنكم وأستأذن إدارة تحرير «الجريدة» بالاستراحة مدة أسبوعين، أصحب فيها، أو أصطحب فيها، على رأي نجيب محفوظ، أولادي في إجازة تُنسيهم هموم الدراسة، وتنسيني هموم السياسة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *