محمد الوشيحي

شقة عزاب

أكبر الأخطاء وأخطرها أن تقول لامرأة إنها تجاوزت السنة الثلاثين من عمرها! ليلتك أشد سواداً من قرن الكروب، ولا تسألني عن قرن الكروب، ولن أسألك أنا، الأكيد أن كارثة ستحل بك وبأهلك إذا قلت لها ذلك، وستنفجر البراكين في وجهك، وتهب الأعاصير، وستموت المرأة وتموت أنت وتتحولان إلى مواد عضوية في النفط الخام، ويرتفع سعركما في الشتاء، وتبيعكما مؤسسة البترول إلى الصين، قبل أن تنسى المرأة جرمك وجريمتك.
هذا واقع، النساء كلهن يتوقفن عند عتبة الثلاثين، لا يجتزنها، مهما انحنت الظهور وترهلت الصدور واستعدت لاستقبالهن القبور. وكلهن، على ذمة المرحوم يوسف السباعي، تزوجن في الثالثة عشرة وأنجبن في الرابعة عشرة.
وأقرأ كثيراً أن “الدول كالنساء” – أنا واحد ممن كانوا يقولون ذلك قبل أن يهديني الله وأتوب عن مثل هذه الفكرة – والحقيقة أنها فكرة خاطئة كاذبة عابثة، إذ لم أرَ في طول حياتي وعرضها امرأة تفخر بتجاعيد جسمها، أو تشير بإصبعها إلى ما فعله الزمان بها، بل تشد وتمط ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، في حين تفخر الدول بآثارها ومبانيها القديمة، وتخصص مرشدين سياحيين ليصحبوك إلى كل ما هو قديم ويرشدوك إلى كل ما هو أثري.
ولسوء حظ الدول الخليجية، لم يشيد الأولون، إلا ما ندر، مبانيَ متينة تبقى للتاريخ، تفاخر بها وتصحب زائريها إليها، كما في أوروبا وكنائسها وقلاعها وحصونها، التي شُيدت في الأزمنة السحيقة. لذا ليس أمام هذه الأجيال، إن أرادت أن تفاخر، إلا أن تعتمد “العصرنة” و”الحداثة”، وهنا نصفق بحرارة الشمس لقطر والإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي ودبي تحديداً) ونلطم بحرارة الفرن على حال الكويت التي لا يشبهها شيء ولا يضاهيها إلا “شقق العزاب”، حيث بقايا الأكل الملقاة على الأرض، والصحف المتناثرة بفوضى عنيفة، وخزانة الملابس المكسورة “ضلفتاها”، ووو…
ولا حل لمعضلة الكويت إلا بمديرة منزل آسيوية، أو أوروبية، جامعية التعليم، لهلوبة، تنظفها وترتبها وتعيد طلاءها. وأقصد بمديرة المنزل الشركات الأوروبية أو الماليزية أو اليابانية، أو حتى الأميركية، تماماً كما فعلت أبو ظبي ودبي وقطر، ولا عار في ذلك يتطلب الثأر.
من الطبيعي جداً أن تستعين الدول النامية الثرية بخبرات الشركات العالمية. توفر الحكومات للشركات كل ما تحتاجه، وتلزمها بأعمال محددة في مواقيت محددة، وتكتفي الحكومات بالرقابة، فما هي المشكلة؟ أو هل ثمة مشكلة؟
فكروا في الأمر ببساطة، فكما أن مهندسي الدول هذه أفضل من مهندسينا، وكما أن مصرفييها أفضل من مصرفيينا، وعمالتها أفضل من عمالتنا، ومخططيها أفضل من مخططينا، ووو، فلمَ لا نستعين بخبراتهم ليعيدوا إحياء هذه الشقة الصغيرة، الكويت، لتصبح على أحدث طراز؟ بالله عليكم سئمنا حياة العزوبية والفوضى وبقايا الأكل والصحف المتناثرة على الأرض.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *