سامي النصف

حفظ لكم الملك حياً وميتاً!

يقال إن العبقري الملك عبدالعزيز بن سعود، طيب الله ثراه، عندما حكم ووجد أن الأمن مستباح والقتل قائم، أعلن أنه لا قتيل يقع إلا وبالقرب منه قاتل يؤخذ الحق منه، وان لم يوجد أخذ رجل من أقرب بيت لموقع الجريمة وطبق القصاص عليه، ولما عرف الناس أن هناك محاسبة شديدة على كل جريمة ترتكب وكل خطأ يقع استتب الأمن ولم يطبق قانون البيت الاقرب لموقع الجريمة كونه أدى وأوفى بالغرض.

*****

يتزامن هذه الايام حادث حريق سوق الفلاجيو في قطر والاجراءات الشديدة والرادعة التي صاحبته مع فضيحة مليارات «الداو» التي بدأ الناس يشعرون مع كل يوم يمر بأنها ستذهب «سهود ومهود» وسيصبح الفاعلون شهودا ولن يحاسب أحد على ما حدث وسيبقى المسؤولون في مواقعهم اقتداء بتجربة سوق المناخ، وهي أكبر كارثة مالية وحادثة نصب في تاريخ الانسانية ولم يحاسب أو يسجن أحد من فرسانها وفاعليها حتى ليوم واحد.

*****

فآخر من تمت محاسبته على خطأ أو جريمة ارتكبت بحق الكويت هو فراش البلدية الشهير، وقد بدأ بلدنا منذ أن توقف عن محاسبة المخطئين والمتجاوزين بل ومكافأتهم وفي المقابل محاسبة ومعاقبة الاكفاء والأمناء والمجدين، بعمليات تراجع وتأخر واسعة في كل المجالات حتى سبقنا الآخرون بسنوات وعقود ويبقى من يتساءل عن سبب تخلفنا وتقدم الاشقاء وسبب تراجعنا في مؤشرات الشفافية العالمية؟! عدم المحاسبة هو السبب الرئيسي!

*****

وأخطاء فادحة شهدناها خلال السنوات الماضية ولم يحاسب أو يعاقب أو يعف من نصح وأشار بها مما تسبب في توريط القيادات السياسية بمواقف كان لها أفدح الضرر عليها وعلى البلد والنظام بالتبعية دون أن يسمع أحد بمحاسبة لاحقة لمن دعا وشجع على اتخاذ مثل تلك المواقف التي دخلت التاريخ، ألم يحن زمن المحاسبة والإعفاء والتغيير والتطهير على كل المستويات ومعها توقف القيادات السياسية عن أن تصبح مصدا لأخطاء الآخرين من القريبين أو البعيدين؟!

*****

آخر محطة: يروي التاريخ أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان أوصى حين موته بأن يدفنه باللحد الداهية عمرو بن العاص، فلما تم ذلك الأمر رفع الخليفة الجديد يزيد بن معاوية السيف على ابن العاص واشترط عليه أن يعلن البيعة له أو أن يدفنه بالقرب من صاحبه، فأعطى عمرو بن العاص البيعة مرغما وقال ليزيد مشيرا للجثمان «لقد حفظ لكم الملك حيا وميتا». وكم في التاريخ من حكايات وعظات وعبر.

احمد الصراف

استمرار إتلاف العقول

يصف داعية معروف أعراضا مرضية تظهر على بعضهم، منها كثرة التعرق، أي أن يديه تقطران عرقا، ووجهه ينضح بالعرق، وتجده يشكو من حرارة دائمة، في الوقت نفسه الذي لا يشتكي فيه غيره من الحر! فمثلا تجد الجو جميلا وعاديا، ولكنه يشكو من الحر، ويتعرق ويطلب زيادة قوة تبريد التكييف! كما نجد أنه يكثر من السرحان، ويسوق السيارة ويتعدى الاكزت (هكذا) ويقصد المخرج، ويتساءل بينه وبين نفسه: أنا وين؟ ويكثر من النسيان، ويميل الى الفتور، وكثرة الجلوس، ويردد «مالي نفس أقوم»، ويشعر بتكاسل دائم، كما نجد في بطنه غازات كثيرة تتعبه، وأحيانا يشعر بآلام أو «نغزات» على جانبي خاصرته، او بطنه أو تحت الثدي أو خلف ظهره، طبعا هذه العلامات ربما تظهر كلها أو يظهر بعضها! كما نرى، عند القيام بعلاجه، أن عينيه تدمعان من غير بكاء أو شهقات، بل نرى فقط دموعا تخرج من العين، وربما يعرق جبينه. انتهى شرح الأعراض!
ويقول إنها جميعها أعراض دخول الجن في الجسد، وتلبسه للانسان! وهذا ما ورد على لسان الداعية السعودي محمد العريفي الذي سبق أن قال في مقابلة تلفزيونية أخرى ان اليهود في اسرائيل يكثرون من زرع شجر «الفرقد» ليختبئوا خلفه عند هجوم المسلمين عليهم لافنائهم! وقال في مقابلته عن تلبس الجن ان علاج هذا المرض يكمن في قراءة سور قرآنية محددة، اما قيام «المتلبس بالجن» بقراءتها بنفسه، أو الطلب من شخص آخر تلاوتها عليه، وان هذا كفيل بتخليصه من التلبس!
ولو تمعنا في الأعراض التي ذكرها الداعية، من أن كل من تعرقت يداه أو شعر بعدم ميل للحركة وبالحرارة والنغزات أو شعور بغازات في البطن، فهذا يعني أن أكثر من %90 من الكويتيين، على الأقل، قد تلبسهم الجن في وقت من الأوقات! ولو كان علاج التلبس بمثل هذه السهولة، لما كان هناك من لايزال فيه جن!
ان ذكر مثل هذه الأقوال في وسائل اعلام ومشاهدة الصغار والبسطاء لها كفيل بتخريب عقولهم وتسطيح تفكيرهم وابعادهم عن الطرق الحديثة لعلاج مثل هذه الأعراض التي قد يكون سببها وجبة دسمة، أو قلق من أمر ما، أو اي شيء آخر غير دخول الجن فيهم! ومؤسف أو مخيف حقا تزايد استخدام مثل هذا «اللامنطق» في وصف احوالنا، وعلاج أمراضنا، وكأننا تخلينا جميعا عن عقولنا، والحقيقة أن مسؤولية وسائل الاعلام المرئية بالذات في افساح المجال لمثل هذه الاقوال أكبر من مسؤولية قائليها، ولكن من يود ان يستمع للحكمة أو يتعظ…لا أحد تقريبا!

أحمد الصراف