احمد الصراف

كابي والشابي والخيام

يقول المفكر اللبناني كابي خلف ان الحياة ومضة! ومضة سعادة، شهوة، محبة، لذة أو صلاة! وان الفرصة قد لا تتاح ثانية لممارسة أي منها، ان انتهت الحياة، وأيضا في ومضة! تذكرت كلام كابي وأنا استمع لنداء حكومتي «الرشيدة» بالامتناع عن السفر الى لبنان لخطورة أوضاعه، وبعودة من فيه لوطنهم! وهنا مر شريط علاقتي بلبنان أمام عيني في ومضات وفلاشات بدأ أولها عام 1956 عندما اصطحبني والدي للبنان سنتها فوقعت في حبه منذ يومها، ولم تمر سنة من دون أن أزوره مرة أو مرات ومرات، وفي سنة منها أقدمت، وفي ومضة، على الاقتران بأجمل من فيه!
خلال 56 عاما، منذ بيت حمانا وحتى سكن اليرزة، مر لبنان بأحداث مهولة من قتل واحتلال ودمار ومرارة وتشريد وتهجير وتعذيب، سالت خلالها دماء ودموع كالأنهار، هذا غير خسائر مادية بلغت مئات مليارات الدولارات، ولكن كان لبنان، كطائر الفينيق، يخرج كل مرة من تحت الخراب والركام والدمار أجمل مما كان عليه قبلها، فهذا قدر لبنان وهذا قدر من يحبه ولن يتغير شيء، فجماله وعظمته ولوعته وضعفه تكمن في تعدده الاثني والديني والطائفي وسيبقى هكذا ما بقيت الشيع والمذاهب!
وعليه وضعت مخاوفي جانبا، وعملت بنصيحة كابي، فالحياة ومضة، وهذه الومضة تتناقص قيمتها كل يوم، وقلت لنفسي انه مهما حدث وأنا هنا، فانني لن أرى، في ما تبقى من عمري، بشاعة وقتلا أكبر مما رأيته طوال أكثر من نصف قرن، وأن سعادتي، وهذا هو بيت القصيد، تكمن في الاستمتاع بحياتي وبحريتي بين من أحب، وليس في أن ابقى حيا بأي ثمن بين الحفر! فما قيمة الحياة بغير حرية ومحبة وكرامة، وهنا تذكرت بيت الشعر البليغ لسيدنا الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي الذي يقول فيه:
«ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر!».
فيا من تحبون لبنان، بكل جماله وتعقيداته وبشاعته، تعالوا اليه، وخوضوا غمار المغامرة، واستمتعوا بحياتكم حتى الثمالة، فعندما قال عمر الخيام بيته الشهير:
«واغنم من العيش لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان»، لم يحدد مكان تلك الليالي غير الآمنات، فقد تكون في أعالي الجبال الشامخات، أو بين حفر أو تحت عجلات سيارات أو مركبات!

أحمد الصراف
[email protected]

سعيد محمد سعيد

الحكومات العربية والإسلامية: أعداء حقوق الإنسان!

 

يبدو مستغرباً ذلك العداء الشديد بين الحكومات العربية والإسلامية، عدا القليل النادر منها، مع حقوق الإنسان! ولا يمكن المقارنة بين حكومات تدين بالدين الإسلامي الذي رسخ الحقوق والواجبات في أعظم دستور وهو القرآن الكريم، وبين دول آسيوية أو إفريقية أو غربية بشكل عام (من درجات الدول القمعية) تمارس أبشع الممارسات ضد حق الإنسان في الحياة بصورة مطلقة، حيث لا دستور لها إلا الاستبداد.

حقوق المواطن في الدول العربية والإسلامية عموماً تتردى عاماً بعد عام، بغض النظر عن البهرجات الإعلامية المستهلكة جرّاء تشكيل الجمعيات والإدارات والمراصد، ولهذا فإن البرهان الأول والأقوى على استمرار التدهور هو الاستهداف الملحوظ للناشطين والحقوقيين والعاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان كما أثبتته تقارير المنظمات الدولية ومنها منظمة (هيومن رايتس ووتش) التي أثبتت تدهور حقوق الإنسان من خلال المحاكمات غير العادلة في القضايا السياسية وتضييق المجال على الصحافيين المستقلين والجمعيات في عملهم على مستوى 15 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان العام 2009 تحديداً هو العام الأسوأ لانتهاكات حقوق الإنسان والذي شهد (هجمة منسقة) ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات التي توثق الانتهاكات، وتلك الدول لا تستحي؟ فهي تستعرض من خلال وفودها وممثليها عضلات كارتونية في المحافل الدولية وإنجازات (قل نظيرها) بإتقان لا مثيل له في التزوير والكذب والخداع، دون اكتراث لانعكاسات ذلك الأداء المسرحي الفاشل على سمعتها وعلى رصيدها في مجال حقوق الإنسان.

ويتضاعف التردي في بعض الدول العربية والإسلامية كلما واجهت ثورات أو حركات مطلبية كما شهدنا من مشاهد مفجعة منذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي وأفضل تسميته بربيع المطالبة بالحقوق الدستورية في العام 2011 والذي يعتبر أشد وطأةً من العام 2009 بالنسبة للحقوقيين، فأبسط ردود فعل تلك الحكومات هو ملء المعتقلات وسفك الدماء باعتبار أن أولئك المجرمين (الخونة) إرهابيون أو متآمرون مع الخارج وأنهم يستحقون التطهير تارة، والإبادة تارة، والتخوين تارات وتارات.

ترى، ما هو السر في إصرار معظم الحكومات العربية والإسلامية على (طحن) مواطنيها فيما هي تضع في دساتيرها القرآن الكريم كمصدر رئيس للتشريع؟ والدين الإسلامي يحرم بشدة انتهاك الحقوق؟ وتستحدث التشريعات في مجال حقوق الإنسان كحبر على ورق فقط؟ هذه النقطة طرحتها ذات مرة على وزير حقوق الإنسان العراقي السابق بختيار أمين في إحدى زياراته إلى البحرين، وكان يختصر الإجابة في أن الاستبداد هو السبب الأول! كما أن تلك الدول عادةً ما تعلن – بخبث – نوايا ووعود من دون خطط وسياسات والتزامات عملية للإصلاح الديمقراطي في إطار خطة زمنية، وإصرار الحكومات على المماطلة واستهلاك الوقت، والإصرار على عدم احترام المعايير الدولية الدنيا لحقوق الإنسان، بما يكرس تدني وضعية شعوب المنطقة مقارنة ببقية شعوب العالم، وذلك كله (خداع) للرأي العام العربي والمجتمع الدولي، في حين تتصاعد في بعض الدول العربية حالات قمع المعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان.

لقد مرت المنطقة العربية فيما مضى من السنين بمرحلة فارقة، تقدمتها استحقاقات حاسمة تجاه قضايا الأمة، وعلى مستوى السلم الأهلي ووحدة التراب الوطني، وعلى مستوى الإصلاح والانتقال الديمقراطي في الكثير من البلدان العربية، ومن قبل ومن بعد، كانت هناك خيارات التنمية والسياسات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي العربي بين أزمتين عالميتين، عصفت أُولاهما بنصف أموال الصناديق السيادية العربية، وتتجمع نذر أخراهما في أفق الاقتصاد العالمية، وقد أضاعت بعض البلدان العربية، في معرض استجابتها لهذه التحديات، فرصاً يندر أن تجود بها المسارات المتغيرة في الواقع العربي المضطرب، وبدّدت بلدان أخرى خيارات تشق طريقاً إلى مستقبل أفضل لا يكون مجرد امتداد خطي لواقع مأزوم، وتبنّت في حالات ثالثة أسوأ الخيارات، سعياً وراء سراب، فلم تتعلم فيها درس التاريخ أو تستلهم خبرتها الذاتية. (انظر – مركز دراسات الوحدة العربية – كتاب التقرير السنوي 2009-2010 بعنوان «حقوق الإنسان في الوطن العربي: تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي»).

بالتأكيد، كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، مدخلاً كبيراً في تغيير الفكر الإنساني معرفياً وسياسياً واجتماعياً، ذلك أن التصور الدولي لحقوق الإنسان انتهى إلى خلاصة مؤدّاها أن التنمية في عمقها هي تحقيق حقوق الإنسان، وأن هذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها إلا في مجتمعٍ مندرج في سياق عملية تنموية شاملة، وهكذا يبدو غريباً جداً أن ترى الدول العربية في قضية حقوق الإنسان قضيةً ثانوية وليست على جانب كبير من الأهمية، إلى جانب قضايا التنمية والتحديث والحفاظ على أمن واستقرار أنظمتها.

إن مشهد حقوق الإنسان وفقاً لذلك وكما هو في الواقع مشهدٌ قاتم وكئيب إلى الدرجة التي يلحّ فيها السؤال علينا: هل يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في العالم العربي؟ فلقد أصبح من الطبيعي جداً أن نقرأ في التقارير السنوية التي تصدر عن المنظمات المختلفة وتحاول أن ترصد حقوق الإنسان في الوطن العربي عبارتي: «ممارسة الحقوق الأساسية: نمط ثابت من الانتهاك» و «ممارسة الحريات الأساسية: تراجع مطَّرد»! متى تقدمت حتى تتراجع؟

إن التنافر بين الحكومات العربية شديد للغاية في غالبية المسائل السياسية، إلا أنها مع ذلك تآلفت ضد أي اعترافٍ دولي بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان! ولا ترى الحكومات العربية التي تظهر عداءها الواضح لمثل هذه المنظمات، لا ترى فيها سوى عدوّها الأمني الذي يشلُّ عمل الأجهزة الأمنية، وكأن مهمة الأجهزة الأمنية ليس سوى انتهاك حقوق الإنسان. (انظر كتاب: مسيرة حقوق الإنسان في العالم العربي – رضوان زيادة – المركز الثقافي العربي – ص238).

ختاماً، لو ألقينا نظرة على توصيات المؤتمرات والمنتديات الحقوقية في الوطن العربي، فسنجد أن المطالب تتمحور حول حق الإنسان في الوطن العربي والإسلامي في محاكمة عادلة وتأكيد حمايته من التعذيب أو الإيذاء بدنياً أو نفسياً أو الإهمال ومعاملته المعاملة الإنسانية المكفولة، وعكس ذلك يعد جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم، والتأكيد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وحق هذا الإنسان في حرية الرأي وإبدائه وممارسة حقه في المشاركة السياسية على أساس من المساواة والعدالة بين الجميع ويتضمن ذلك حقه في حرية العقيدة والفكر وأن تكون مكفولة للجميع، أضف إلى ذلك، الحق في المساواة وعدم التمييز على أساس اللون أو الجنس أو مكان الميلاد أو الجنسية أو اللغة أو الدين، وأن يكون الجميع متساوين أمام القانون، وهذا يتطلب استقلال القضاء وحياده بكفالة الدولة نفسها، وصولاً إلى حقه في المحافظة على أسراره، وخصوصيات أسرته، وحرمة مسكنه، وحقه في سرية اتصالاته ومراسلاته الخاصة، لكن الحكومات المستبدة تضع كل ما تقدم في خانة (الإرهاب والتآمر مع الخارج والخيانة).

محمد الوشيحي

أقلامنا… نحن

قلمك هو أنت… بخيرك وشرك، بتناقضاتك ومبادئك، بعصافيرك وعقبانك، بضحكاتك ودموعك، بقوتك وضعفك، بفيوضك وصحاريك. أنت قلمك. إذا كنت خجولاً عض قلمك شفته السفلى، إذا كنت صِدامياً نزفت جبهة قلمك دماً وارتفع الغبار من حوله، إذا كنت رومانسياً حالماً جلس قلمك تحت شرفة معشوقته وعزف لها أعذب الألحان. قلمك أنت، أو أنت قلمك. إذا كتبت أبيات الغزل على وقع صراخ أطفال الحولة، فهذا إحساسك، وإذا بكيت لهم وعليهم وعلى حالك وقلة حيلتك، فهذا نبضك، وإذا أشغلتك التفاصيل والفواصل الصغيرة عن الحروف والكلمات والجمل ومضامينها، فأنت لا تعادل جناح فاصلة أو أدنى من ذلك. أتتبع مقالات الزملاء، الكوايتة منهم والعربان، لأقرأ شخصياتهم، فأجد النذالة تنضح في مقالة هذا ولو أراد إخفاءها، وأجد العمق في ذاك، والبساطة في ذياك، وأشاهد الغيرة في تلك (الحقيقة أن الغيرة في قلب فلان أكثر منها في قلب فلانة)، وتبرز الشهامة في قلم ذاك وإن منعه خجله من التفاخر بها، وينضح الحقد من قلم ذلك الحاقد وإن غلفه بسخرية، ووو… مخطئ من يعتقد أن المقالات تبرز آراء الكتّاب، هي تعكس شخصياتهم قبل آرائهم. وتسألني عن شخصيات الزملاء، من خلال أقلامهم، فأبدأ بنفسي ثم الأقربين، ولولا القانون لتحدثت عن الأبعدين: قلمي.. فوضوي، صدامي، حاد، مزاجي، متمرد، استعراضي، مبذر، يدحرج المصائب كدحرجة الكرة، لا يقاوم الحُسن، يبتعد كثيراً عن الاقتصاد… وهذا أنا… أما قلم سعود العصفور فهادئ، عميق، داهية، كل حرف بقدر، عقل مدبر، لا يجيب عن سؤالك بأكثر من الإجابة المطلوبة، يوصل فكرته إليك ببساطة متناهية، وبسهولة يقنعك، إذا أراد، أن الحمامة كائن بحري، أليست تبيض؟ فتقتنع، وتحمل حجته إلى أصحابك، فيتضاحكون عليك شفقة، ويضحك معهم عليك الغساسنة والمناذرة، فتستنجد بسعود، فيقنع أصحابك والغساسنة والمناذرة ومن خلفهم الفُرس والروم والإخوان المسلمين والتحالف الوطني بأن الحمامة كائن بحري، فيقسم الإخوان المسلمون أن “سِيَر الصالحين” تؤكد ذلك، ويصدر التحالف الوطني بياناً شديد اللهجة: “بسبب الاختلاف الشديد بين أفراد الأسرة الحاكمة، غابت أهم معلومة عن الشعب، وهي أن الحمامة كائن بحري”، ويلعن التيار التقدمي مادة العلوم التي تزور الحقائق خدمة للصهيونية! وقد يغير رأيه فيقنعك أن الحوت من أنواع الطيور، ألا تشاهد جناحيه؟ ما بك؟ أين عيناك وأنفك وشفتاك؟ فتقتنع وتقنع أولادك فيضحكون عليك، فتستنجد بسعود… أما سعد العجمي، فعاطفة قلمه تكاد تخفي عقله، فزّاع ذو نخوة، بدوي بصدق، بتواضعه الأشم، تقول عنه المطربة أنغام: “طيب ومن القلب قريّب”، قد ينسى نفسه فيجوع فيموت لكنه سيموت مطمئناً على صاحبه الذي شبع وأوشك على الموت لشدة التخمة. والحمد لله أن الصفحة انتهت وإلا كنت سأتحدث عن زملاء آخرين، على رأس موكبهم أستاذي أحمد الديين، ولا أدري كيف كنت سأكتب عن جديته التي تُخجل قضاة محكمة لاهاي.

سامي النصف

يا سمو الرئيس.. ابدأ بدحرجة الرؤوس!

  خسارة إلغاء صفقة «الداو» على المال العام الكويتي بحدها الأدنى هي 2.5 مليار دولار قيمة الحكم، اضافة الى الفوائد وأتعاب المحاماة، وبحدها الأعلى ما يفوق 6 مليارات دولار إذا ما حسبنا الأرباح التي حققتها شركة الداو منذ عام 2008 ولم تستفد منها الكويت بسبب إلغاء الشراكة، فإن مرت قضية بهذا الحجم دون حساب أو عقاب (كما هو معتاد في مثل هذه الحالات) وجب علينا القول ان على البلد السلام وضرورة البدء بتوزيع مداخيل النفط أولا بأول على أفراد الشعب كافة.. استعدادا للرحيل!

***

إن التسلسل المنطقي للمحاسبة الجادة والواجبة يبدأ بالتحقيق مع وزراء النفط المتعاقبين منذ ذلك الحين (عام 2008) لمعرفة أسباب القبول بشرط جزائي يثير الشبهات مما تسبب في صدور أحد أكبر أحكام التعويض في التاريخ، وسبب إلغاء العقد وأسباب عدم الوصول لتسوية مع شركة الداو «قبل» صدور ذلك الحكم لا بعده، وبديهة إن كانت هناك عمولات ورشاوى ضخمة بالصفقة قاربت 850 مليون دولار كما أشيع في حينها مما أدى الى إلغائها، كما قيل، فلماذا بقي المسؤولون التنفيذيون الذين قاموا بالتفاوض في مواقعهم الإدارية بالنفط بل تمت ـ ويا لسخرية القدر ـ ترقية البعض منهم كي يعيثوا في الأرض فسادا؟!

***

كما يجب أن يسأل النواب الذين وقفوا ضد مشروع «الداو» وضد إنشاء المصفاة الرابعة عن خفايا ودوافع مواقفهم، فإذا كان الموقف قائما على معطى ما ذكروه في حينه من عمولات ضخمة بتلك العقود فأين أدلتهم كي يحاسب السراق فيها؟! ولماذا التزموا الصمت مع قرار الإلغاء المفاجئ وقبلوا بالتبعية استمرار من أشاروا لهم تلميحا أو تصريحا بتهم الفساد الشديد وقبض العمولات في مواقعهم؟! وبالمقابل إن كانوا لا يملكون أدلة على فساد تلك الاتفاقيات أو وجود رشاوى فيها فلماذا اتخذوا تلك المواقف المريبة التي أضرت بالكويت أفدح الضرر ولم يرتاحوا ويهدأوا إلا بعد إلغاء الاتفاقية رغم علمهم بتضمنها تلك الشروط الجزائية المجحفة؟!

***

إن أمام الحكومة الجديدة القائمة فرصة تاريخية ذهبية لإظهار الرغبة الحقيقية في الإصلاح وحصد تأييد الشعب الكويتي قاطبة خلفها مما سيحصنها بأفضل الطرق ضد أي أزمات أو استجوابات قادمة وذلك عبر محاسبة المتسببين في خسارة الكويت ذلك المبلغ المهول بسبب «حرمنتهم».. أو«حمرنتهم».. أو الاثنين معا، وأولى الخطوات الواجبة هي إيقاف مسؤولي البترول المعنيين وإيقاف بونصاتهم ورواتب الأربعة شهور الإضافية التي يستولون عليها دون وجه حق من مال الشعب الكويتي واحالتهم للجهات القضائية مقيدين، فما يفعلونه من فساد مالي وإداري يستحق العقاب والحساب والسجون لا البونصات والمكافآت وتسبيل الأهداب والجفون، وقد قال درزائيلي أشهر رئيس وزراء بريطاني «السياسي الجيد هو القصاب الجيد»، ولم يقل ان السياسي الجيد هو من يضع المتهمين والمشبوهين فوق أكتافه ليغرقوه في البحر ويبقوا هم فوق الماء سالمين.. أخي بوصباح أمامك فرصة تاريخية نادرة للإصلاح فلا تفوتها ودع الرؤوس الملطخة بزيت النفط ورشاواه تتدحرج، فالأمر جد خطير.. والدين النصيحة!

***

آخر محطة:

(1) كل هذه المليارات وقبلها فضائح التعيينات والمكافآت والزيادات والبونصات والتجاوزات في النفط ولم تتكحل أعين المواطنين بتصريح واحد من ادارة القطاع النفطي يبدد الغموض ويكشف الحقائق، فهل هي مشغولة بقضايا أهم؟! وما هي تلك القضايا؟!

(2) ما كتبه أحد «المختصين» بالقانون من ان الحكم الدولي في قضية «الداو» لا قيمة له كونه لم يصدر عن المحاكم الكويتية.. هو في رأينا عبث قانوني!

حسن العيسى

حكومات شبيك لبيك… إلى متى؟!

ليس هذا وقت البحث عن ضحية يسفح دمها على أتربة الجهالة والحماقة والعنتريات الخاوية، من أجل تطهير ذنوب الجناة بعد الحكم في قضية الداو بإلزام الدولة بأكثر من ملياري دولار للشركة المدعية إعمالاً لشرط جزائي وكتعويض عن فسخ العقد.  وبداية، فإن التلويح بمساءلة هاني حسين وزير النفط أو غيره من المسؤولين في النفط هو هروب مفضوح من الاعتراف بالخطأ، والتفاف على حقيقة واقعنا المزري مع حكوماتنا ومجالسنا النيابية، فقد تمت التضحية بالاقتصاد وبالعقل من أجل أهواء السياسة ومن أجل إشباع ذات عابرة للذين أرادوا حفر أسمائهم على صفحات تاريخ الدولة، فنقشوا تاريخ وفاة الدولة على قبر مستقبل أطفالنا. لا يا حكومة ولا يا حضرات النواب يا ضمائر “شعب بوسالم”، لا يا حمزة البهلوان ولا يا أبوزيد الهلالي لا تتعبوا أنفسكم وتتعبونا معاكم في الصراخ والعويل على الملياري دولار، فمليارات أكثر ضاعت وستضيع طالما ظل هذا الفكر الرخو والمتردد يهيمن على أمخاخ أعضاء حكوماتنا، وهو فكر عاجز عن المواجهة والتصدي لحماية اقتصاد الدولة وحقوق الأفراد وحرياتهم في أتفه تحديات سياسية تحدث مع مجلس الأمة، وطالما ظل نوابنا الأفاضل يهرولون في ملاعب السياسة من غير تخطيط ولا دراية بغرض تحقيق أهداف سياسية في مرمى حكام الدولة، والضحية في النهاية هو مستقبل الدولة وأحلامنا التي نسجناها على منوال مجالس حمقاء، وحكومات مثقوبة أثوابها بثقوب لا حصر لها بعثة الفساد، فتداري فضائحها بكلمات “شبيك لبيك… حكومتك بين يديك” حين يفرك علاء الدين مصباحه في مجالس الغم كلما اشتهى وكلما قرص معدته الجوع فبحث عن الوهج السياسي. موسى معرفي العضو السابق في المجلس الأعلى للبترول يقول بالحرف الواحد في لقاء مع جريدة الراي “… إن جميع أعضاء المجلس والوزراء يعلمون الشرط الجزائي للانسحاب من مشروع كي داو، وإن من يقول: لا أعرف بالشرط الجزائي كاذب، والكل شارك في القرار، وكل شيء تم عرضه على المجلس ونعلمه…”، شكراً يا سيد موسى فقد شهد شاهد من أهلها، وأشرت بأصبعك إلى جرحنا النازف، فلم البحث عن “عوير وزوير” كي يكونا طوق نجاة في بحرنا الآسن من مجاري الفساد واللامسؤولية… أنتم يا نواب الأمس ونواب اليوم مسؤولون… وأنتم في حكومة الأمس وحكومة اليوم مسؤولون…! لكن ما الجدوى إذا كانت العقول في المجلسين لا تتعلم من دروس الفشل، وما أكثرها، دروس ومحن مرت مرور الكرام، ودفعنا من مستقبلنا أكبر ضريبة دون جدوى… فهل ستتعلم حكومة اليوم كيف تقرأ… وكيف تواجه وتناقش نواب الأمة وتحسن الأداء في مرافعاتها… وإذا لم ينصت هؤلاء النواب لصوت العقل فهل تخاطب الحكومة البشر الذين انتخبوهم، وتخبرهم بكل شفافية عن كارثة مالية حدثت وكوارث ستحدث إذا بقينا نسير على هذا الطريق وعلى هذا المنزلق دوى عيون تبصر ولا عقول تتدبر…؟ يبقى أن نذكر بالخير النائب السابق ناصر الصانع، فقد قال كلمة حق في مخاطر فسخ العقد، وحذر فلم ينصت له أحد، ومَضى ناصر ومضت الحكومة والمجلس في غيهما وفسخ العقد…! فلنذكره الآن بالخير فهذا أقل ما يمكن أن نقوله له مهما اختلفنا معه في منهج الفكر… فتحية لك يا ناصر ولا عزاء لنا اليوم.

احمد الصراف

من «الشعيبة» إلى وارسو وباري

قامت «لوياك» قبل سنتين تقريبا بالمراهنة على أن ابن منطقة الشعيبة المبدع، فيصل البحيري، يمتلك موهبة نادرة في العزف على البيانو، وبالتالي يستحق الرعاية منها، وهنا قامت، من «خلال صندوق رعاية المبدعين»، بتبنيه فنيا ودعمه ماديا ومعنويا لكي يصل الى العالمية، وكانت لنا مساهمتنا المتواضعة. وبدأت رحلة فيصل بإرساله الى بولندا لاستكمال تعليمه وصقل موهبته وتحضيره للعالمية، ولم يطل الانتظار، فموهبة فيصل كانت واضحة منذ اليوم الأول، حيث تمكّن خلال فترة قصيرة من المشاركة في مناسبات عزف بيانو عالمية، اهلته عام 2010 للحصول على شرف العزف على خشبة مسرح Kielce فيلاهارمونيك في وارسو، التي يكفي العزف فيها دليلا على العالمية، وهنا حققت «لوياك» هدفها. كما نجح فيصل باقتدار في رفع اسم الكويت في عشرات المناسبات الفنية الرفيعة الأخرى، ومنها حصوله على المرتبة الثانية في العزف على البيانو في المسابقة العالمية العاشرة التي أقيمت العام الماضي في باري، ايطاليا.
لقد سبق ان كتبت عن أعمال وجهود «لوياك»، وأبدى الكثيرون اعجابهم بتلك المؤسسة غير الربحية الرائدة، التي نجحت في إبعاد آلاف الشباب عن الضياع أو الوقوع في براثن الجمعيات الدينية المتطرفة، ولكن بالرغم من كل الثناء الذي أبداه الكثيرون على جهود «لوياك» ومطالباتنا المتكررة بالتبرع لها، فان قلة فقط تجاوبت مع ما كتبت، فكلام غالبيتنا أكثر من فعلنا. ونعيد مطالبة الكرام ومحبي الخير ومبغضي التطرف، نطالبهم مرة أخرى بالمساهمة معنا في دعم برامج «لوياك»، ويمكن الاتصال بالارقام التالية لترتيب التبرع: 22421200 أو 22424405، أو زيارة مقرها في المدرسة القبلية بالعاصمة.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

المداولة قبل الحكم

هذه محاولة لقراءة هادئة في تداعيات خبر حكم المحكمة الدولية لتغريم الكويت ملياري دولار ويزيد، لالغائها عقداً مع شركة داو كيميكال.
وأقول قراءة هادئة لشعوري منذ سماعي للخبر للمرة الأولى بان هناك من «سيردح ردحاً» ويهلل وتنفرج أساريره، ظنا منه بانه قد حان الوقت للتشفي من الخصوم وتحميلهم المسؤولية في هذه الخسارة الفادحة بلا شك!
هناك من يحمل المعارضين للمشروع المسؤولية، حيث تسببوا في الغاء المشروع بعد ان دعمه وأيده جميع المتخصصين في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات، كما انه قد تم تحذيرهم من خطورة هذا الالغاء لوجود الشرط الجزائي! وأبرز من تُوجه له أسهم الاتهام في ذلك الوقت هم التكتل الشعبي والتجمع السلفي! حيث قادا حملة اعلامية ونيابية ضد المشروع!
كما ان هناك من يحمّل القيادات النفطية في ذلك الوقت المسؤولية، حيث انهم كانوا يعلمون خطورة هذا المشروع وعدم جدواه، ومع هذا لم يعملوا على إلغائه، بل عمدوا الى تشجيع السلطات الرسمية لإقراره.
فريق ثالث يحمّل رئيس الوزراء السابق المسؤولية السياسية لهذه الخسائر، حيث انه كان يرأس المجلس الأعلى للبترول، الذي وافق على المشروع كاملاً، بعد ان استمع الى آراء المتخصصين وتشجيعهم للمضي قدماً في اقراره، ثم بعد تهديد برلماني واعلامي تراجع سمو الرئيس في مجلس الوزراء وقرر إلغاء المشروع والتحلل من العقد، ولكن بعد خراب البصرة!
أتمنى على جميع من يريد ان يدلي بدلوه في هذا الموضوع ان يستمع الى المزيد من المعلومات، ويقرأ ما يتوافر له من دراسات وآراء بعيداً عن تصفية الحسابات، وذلك قبل ان يشكل رأيا قد يكون فيه ظالماً ومتجنياً. وأطالب السادة نواب الأمة، الذين بدأوا في إلقاء التهم على الآخرين والنأي بأنفسهم عن دائرة الشبهات، بان يتريثوا قليلاً حتى تتضح الصورة ونعرف من هو الجاني؟ ومن هو المجني عليه؟ عندها، ستكون لنا ــ كما للآخرين ــ كلمة حق لا نخاف فيها لومة لائم!
***
متعب ردن الدويش
• خطف القدر متعب وهو في عز شبابه.. خطفه بسرعة ومن دون سابق انذار.. ليترك في قلوب محبيه حسرة تصطلي ناراً لا يبردها إلا الرضا بقضاء الله! شاب.. شاعر.. وسيم.. أمير.. كريم.. كان عندي قبل يومين من وفاته ليقول: «لا والله لا صارت همومي هموم.. تجمعت والله يهوّن بلاها»، «ما كنّه الا الموت يرسل لي كوم.. وكنه نوا للنفس يلعن ثواها»، غفر الله له وأسكنه فسيح جناته.

سامي النصف

من يدفع فواتير العبث السياسي المدمر؟!

تعلمنا منذ الصغر حقيقة ان بيع النفط خاما يضر باقتصادنا الوطني والأفضل منه بيعه على شكل مشتقات وصناعات نفطية أو بعد تكريره بالمصافي، لذا أتت فكرة المشاركة مع شركة «الداو» العالمية إحدى أكبر الشركات المختصة بالصناعات البترولية، توازيا مع مشروع إنشاء المصفاة الرابعة، إلا ان العبث السياسي المدمر لمصالح الكويت وبقائها تسبب في إلغاء عقد «الداو» ومشروع المصفاة الرابعة ومن ثم صدور حكم أمس من المحكمة الدولية بدفع 2.2 مليار دولار من المال العام كغرامة لذلك الإلغاء العبثي.

***

لقد كانت مصلحة الكويت تتطلب، وكما ذكرنا في مقالات عدة آنذاك، ان «يعدل» عقد المشاركة فيما لو كان مخلا بمصالح الكويت لا ان يلغى، ولا يحتاج الأمر كما اقترحنا في حينه إلا إلى الاستعانة بمكتب نفطي عالمي لينظر في بنود العقد ويقرر بشكل محايد مدى إنصافه من عدمه، ولو احضر مثل ذلك المكتب لما ارتضى على سبيل المثال بوجود بند مجحف كحال بند التعويض الملياري على أعمال لم تتم، النصيحة لم تعد بجمل كما يقول المثل بل.. بمليارات الدولارات!

***

وكان العبث السياسي المدمر المتدثر بعباءة الوطنية الزائفة قد تسبب في إلغاء مشروع حقول الشمال الذي كان بمثابة مشروع مارشال للكويت ينهض بها اقتصاديا عبر تطوير حقولها وزيادة إنتاجها من المكامن الصعبة، ويوفر لها الحماية الأمنية، وبعد ذلك تم إلغاء مشروع تحديث اسطول «الكويتية» وبكلفة 2.1 مليار دولار فارق أسعار بين قيمة الطائرات آنذاك وقيمتها حاليا، كما أوقف العبث السياسي مشاريع الـ B.O.T التي أصبحت أسواقها ومشاريعها الترفيهية الملاذ الوحيد للمواطن والمقيم والسائح إبان موجات الحر والغبار السائدة أغلب العام.

***

وبدلا من توفير الأراضي العامة للدولة للمطورين وللشركات المساهمة كما هو الحال القائم في بلدان العالم الأخرى كي تنخفض أسعار البيوت السكنية، أوقف العبث السياسي الهادف لتدمير الكويت بحجة الحفاظ على مصالحها! حيازة الشركات المساهمة للأراضي الحكومية لبنائها فأصبحت أسعار أراضينا هي الأعلى في العالم، وبدلا من دعم شركتي الاتصال الكويتيتين القائمتين كي تقويا وتوظفا المزيد من الشباب تمت محاربتهما عبر إنشاء شركة اتصالات ثالثة لم تفد أحدا بشيء حيث بقيت أسعار الاتصالات كما هي ونقرأ هذه الأيام ان الشركة الثالثة قد فقدت 75% من رأسمالها الذي ساهم به المواطنون وباتت على شفير الإفلاس مع بقاء العبث السياسي مستمرا والجموع تقاد الى حتفها ودمار بلدها وهي تهلل وترفع قاتليها ومدمري بلدها على الرؤوس والأكتاف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

***

آخر محطة: (1) يوم حزين يمر ورأس مسؤول كويتي آخر يسقط وسؤالنا هل بعد كل ما قيل من اتهامات بالسرقات والتجاوزات سيرجع دينار واحد للخزينة العامة للدولة؟! وهل سيحاسب أحد قط فيما لو صدقت كل تلك الاتهامات؟!

واضح من مسار العبث السياسي خلال العشرين سنة الماضية ان كل شيء يتوقف مع الاطاحة بالمسؤول المستهدف بالاستجوابات والاتهامات ما يعني: اما ان تلك الاتهامات باطلة أو حقيقية ويسكت عنها عبر صفقات تتم مع المسؤول الجديد بعد ان تم ذبح القط أمامه.

(2) سخونة سياسية قادمة سريعا على الطريق من قبل جماعة العبث السياسي للتغطية هذه المرة على تحديد المسؤولية ومحاسبة من تسبب في خسارة المال العام لـ 2.2 مليار دولار.

 

احمد الصراف

التواطؤ القذر

قمت قبل فترة ببيع منزل، يخص صديقا غير كويتي، مسجل باسمي منذ عقود عدة، ويقع في منطقة السرة! وكما هو متبع فقد طلب المشتري براءة ذمة للكهرباء والماء والتلفون قبل انهاء الصفقة ودفع المبلغ المتبقي. وفي غياب مالك البيت، الذي توفي قبل فترة، ووجود ورثته خارج الكويت، قمت بمتابعة معاملات البيع، ومنها دفع فواتير الكهرباء، وكنت اتوقع أن تطالبني الوزارة، في ظل «الحكومة الالكترونية» التي طالما آذوا أسماعنا بكثرة حديثهم عنها، بسداد كل ما علي من فواتير لبيوت سكنية عدة مسجلة باسمي، والتي تراكمت فواتير استهلاك عليها لسنوات، والتي طالما رفضت مكاتب التحصيل أن ادفع عنها شيئا! ولكن بما أن الرغبة مبيتة لدى «الراسخين في الفساد» على ابقاء الوضع على ما هو عليه، وعدم تشجيع أحد على الدفع لكي لا يطال موظفي الوزارة، و«ملاكها» انفسهم، فقد «غرش، أو صهين» موظف التحصيل عن مطالبتي بكامل ما أنا مدين به للدولة عن استهلاك الكهرباء، واكتفى بمطالبتي بدفع فاتورة ذلك البيت فقط، وعندما لفتّ نظره إلى وجود فواتير اخرى مستحقة، رفض الاستجابة لطلبي بحجة أن الكمبيوتر لا يبين شيئا، وأن من الأفضل حضوري أو من يمثلني صباح اليوم التالي، وفي الساعة السابعة والنصف تحديدا، لكي اصطحب قارئ العداد معي بالسيارة ليقوم «بقراءة» أرقام عدادات الاستهلاك، وأن نعيده، بسلامته، بعدها للمركز، ومن ثم يمكن سداد ما علينا للدولة من مستحقات! «ما كذبنا خبر»، حيث ذهب من يمثلني في الوقت المحدد من صباح اليوم التالي للالتقاء بـ «قارئ الفنجان أو العداد» وانتظر نصف ساعة من دون جدوى! لم أحرك بعدها عجلة الدفع، فليس من واجبي، ولا من أخلاقي، اجبار احد على أخذ مبلغ لا يريده! كما لا شك عندي، من تجارب سابقة من أن هناك نية داخل وزارة الكهرباء، ومدعومة بتوصيات من جهات متنفذة، على عدم مضايقة المواطن، واجباره على الدفع، وهذا أشبه بالتشجيع على أكل مال الدولة، ولكن مسؤولي الوزارة اجتهدوا أكثر، ليس فقط في عدم اجبار المواطن على دفع ما عليه من مستحقات، بل وحتى في عدم مطالبته بأي شيء!
والآن كيف يمكن اصلاح او حتى توقع قيام الحكومة باصلاح أي ادارة؟ وكيف نصدق أن الوزارة ليس لديها برامج كمبيوتر تبين ما على كل مواطن من رسوم خدمات استهلاك كهرباء وماء؟ فإن كان الجواب بالنفي فهي مصيبة، وان كان بنعم، ولكن لا تقوم بتشغيل البرنامج عمدا، فالمصيبة أعظم!
***
ملاحظة: ورد في القبس (25/4) أن هناك أكثر من 200 ألف عداد كهرباء لم تصدر فواتيرها منذ عامين! وتقديرا من وزارة الكهرباء لجهود موظفيها (في عدم قراءة العدادات والتسبب في تراكمها على المواطنين) فقد أقر الوزير الابراهيم كل توصيات «لجنة فحص وصرف مكافآت العاملين في الوزارة»! وتعليقا على هذا الخبر ليس في مقدوركم فعل شيء، غير رفع حواجبكم تعجبا!

أحمد الصراف

حسن العيسى

بوفيه الديمقراطية الفاضي

وصف د. سعد الدين إبراهيم، وهو في أوج حماسه، الحالة الديمقراطية التي تخطو نحوها مصر بأنها مثل البوفيه يختار المواطن منها ما يشتهي. تشبيه د. سعد الدين الذي جاء في مجلة “المصري” جميل ومثالي، ويمكن تفهم حماسه للحالة المصرية اليوم بعد أن ذاق هذا الأكاديمي الكبير مرارة السجن أيام حسني مبارك، لا لشيء غير أنه مارس حقه في نقد النظام. الآن يجب ألا ننسى، سواء في مصر أو في الكويت وفي كل المشاريع المستقبلية لدول “الربيع العربي”، تجارب الغير ممن سبقونا في المضمار الديمقراطي، بأن هناك مَن سيلتهم كل أصناف الطعام من سطح البوفيه الديمقراطي، حين يتمكن من الاستحواذ على أغلبية الأصوات ولا يترك للآخرين غير سموم الطغيان، وفي مثل دولنا التي ليس لها تاريخ يستحق ذكره في الديمقراطية علينا أن ننتبه إلى أن قوى الأصولية، أياً كانت، دينية أو غير دينية، ستنحي جانباً الآخرين تحت حجة الأغلبية الشعبوية، كي نشهد حالة ما يسمى “الاستبداد الديمقراطي”.
أوروبا العريقة في التاريخ الديمقراطي تجرعت هذا السم في التجربتين النازية والفاشية، وكان هَمّ المفكرين والفقهاء القانونيين، بعد اندحار دول “المحور” أن يخلقوا آليات قانونية لدرء أي مخاطر متصورة مما سماه الفقيه لونستين “الديمقراطية الأصولية”، وله عبارته المشهورة “يجب محاربة النار بالنار”، وكانت دعوته إلى الديمقراطية المنضبطة disciplined democracy، والطريق إلى هذه الديمقراطية المنضبطة ليس كما يتوهم البعض بفتح أبواب احتكار الحكم للسلطة التنفيذية، بل يكون من خلال “التقنيات الدستورية”، وهذا لا يكون إلا عبر خلق المحاكم الدستورية عند الفقيه الكبير هانز كلسن صاحب النظرية البحتة للقانون، فمثل تلك المحاكم يمكن أن تفرمل اندفاع “السيادة الشعبوية” popular sovereignty كي لا تسحق حقوق وحريات الأفراد أو الأقليات “بصفة عامة”، وكان بعد ذلك أن انتشرت وتوطدت أركان المحاكم الدستورية في أوروبا الغربية، فهنا سلطة حكم القانون والشرعية الدستورية تقف حائلاً دون تمدد التيارات الشعبوية.
لنقف عند هذا الحد، حيث فصّل كثيراً في هذه المسألة الباحث جان ميلر في كتابه “contesting Democracy” (الديمقراطية المتحدية كما أترجمها)، ويبقى أن ننظر هنا في الكويت ونقرأ تجربة المحاكم الدستورية في أوروبا مع الأخذ في الاعتبار الفارق أو “الهوة” الكبيرة بين الحالة الأوروبية بعد الحرب والحالات العربية ومنها الكويت. ويظل مشروع النائب محمد الصقر نحو تعديل نظام المحكمة الدستورية بقبول الدعوى المباشرة خطوة مستحقة إلى الأمام، من دون أن ننسى عدم كفايتها، بضرورة العمل نحو قانون كامل للاستقلال القضائي وإقرار نظام مخاصمة القضاء، مع الأخذ في الاعتبار ملاحظات الزميل محمد الجاسم التي دوَّنها في كتابه “المحكمة الدستورية… نحو إصلاح جذري”، ففي النهاية ليس هناك من ضمان لحريات الأفراد هنا في الكويت أو أي من الدول التي تحبو على أرض “الربيع ” أو “الخريف” العربي غير سلطة الشرعية الدستورية، فحين تنص الدساتير على الحد الأدنى من حريات البشر، فبالتالي ليس من سلطان المجالس النيابية أو الحكومات الافتئات عليها تحت حجة هذا القانون وهذا حكم الشعب، ومن لا يعجبه فليشرب ماء البحر… فهذا “بوفيه” لا يسمن ولا يغني من جوع.