محمد الوشيحي

بس… ملينا سياسة

عاصفة، زوبعة، إعصار، أوكما قال وائل كفوري وهو يقنع معشوقته بالمبيت عنده وعدم الخروج في أجواء مجنونة: “ليل ورعد وبرد وريح، دنيا برّا مجنونة”، ويصرخ بائع الصحف عند الإشارة: “اقرأ آخر الأخبار، آخر المصائب، آخر الكوارث”، فتتوقف على عجل، وترمي في يده قطعة النقود، وتخطف الصحيفة، ولا تنتظر إلى أن تصل إلى البيت لتقرأها، لتشاهد على الصفحة الأولى وباللون الأحمر القاني: أغنية “بس ملينا سياسة”، تفجّر الكويت. تفتح باب بيتك بسرعة مرتبكة، وتفتح “يوتيوب” لتشاهد القنبلة المتفجرة، فإذا هي تنقل رأياً شخصياً سمعته أذناك أكثر من مليون مرة مما تعدون، رأيٌ اختفت ألوانه لشدة استخدامه وتكراره، فتصمت، ولا تدري هل تشتم الصحف التي “هوّلت” الموضوع، أم تحمد الله أن القنبلة كانت صوتية ولم تُمت أحداً. شعرياً، أي لو تناولنا الأغنية من جانب الشعر، لكتبنا بالقلم الشيني: “قصيدة فقيرة تشكو العَوَز وقلة الحيلة، ثيابها ممزقة، حافية القدمين، جيوبها ممزقة، فلا صورة بلاغية فيها، ولا كناية، ولا تشبيه، ولا تورية، ولا ولا ولا، عظمٌ ليس فيه ما يؤكل، دع عنك النكهة”، لكن هذا النوع من القصائد، كما يبدو لي، يُراد منه مخاطبة الصغار قبل الكبار، ثم إن هذه القصيدة لن تشارك، بالتأكيد، في مسابقة “شاعر العرب”، وأظن أن كاتبها يعلم تحسس الناس حتى من الذبابة، وتشككهم في أسباب تحليقها ولونها وحجمها، لذا حرص “الشاعر” على أن تكون القصيدة مباشرة لا تحتمل التأويل ولا تفسير الأحلام. ومع كل هذا، كان لا بد أن يقع في المحظور، فهو في الكويت، والكويت بلد المحاذير و”المحاظير”، فقائل قال: “اصلبوا هذه الأغنية واقطعوا أيديها وأرجلها من خلاف”، وقائل: “احلقوا شعرها وانفوها إلى سرنديب”، وقائل متسامح: “العفو عند المقدرة، فقط طلقوها من زوجها واحرموها حضانة أطفالها”، ووو، وارتفع الغبار من حوافر خيل قبيلة “الأغلبية البرلمانية” وأنصارها، ورفعوا البيارق الحمر، وأعلنوا الجهاد، ظناً منهم أنهم المقصودون والمُخاطَبون (بفتح الطاء)، ليتبين لاحقاً أن القصيدة ظهرت في “الحقبة السياسية السابقة”، أي عندما كانت الأغلبية أقلية! والأكثر من ذلك أن القصيدة تتحدث عن الرشاوى، أو الرشى باللغة الفصحى، ولا أظن الشاعر يلمّح إلى أن الرئيس السعدون كان يدفع رشوة لعباس الشعبي ليمنحه مناقصة، ولا أظن أن ترهل البنية التحتية الواضح في التصوير يتحمل مسؤوليته النائب جمعان الحربش! كانت الرسالة واضحة، والمعنيون بالفساد تظهر وجوههم بتفاصيل ملامحها وإن لم تُذكر أسماؤهم، وأجزم أنها مفصلة بالمقاس على جسم الحكومة السابقة و”نوابها” في البرلمان. الأدهى من ذلك، وزيادة في الإبهار و”البهار”، تم تداول أحاديث تزعم أن الأغنية عنصرية تهاجم القبائل، بعد أن ظهرت صورة رجل يقود جملاً، وهو ما دعا صاحب الشركة المنتجة، خالد الروضان، إلى الاتصال بي: “أبا سلمان، سمعت بأنك هاجمت الأغنية باعتبارها تسخر من القبائل بسبب صورة الجمل، فهل هذا صحيح؟”، فكانت إجابتي مباشرة كقصيدة “بس ملينا سياسة”: “معاذ الله، أولاً أنت لست ممن يعانون مرض العنصرية، ثانياً نحن لسنا ممن (يحسبون كل صيحة عليهم) لنفسر كل شيء بأنه ضدنا، فالحلال بيّن والحرام بيّن”، فعلّق: “على أية حال، لقطة الجمل ترمز إلى بطء مسيرنا”. سيداتي سادتي، لكم أقول: انزعوا عنكم لباس الحرب، وعليكم بعصير الليمون، ففيه شفاؤكم بإذن الله… ويا خالد الروضان، واصل مسيرتك لا كبا بك حصانك، وإن اختلفنا معك، أحياناً، في لون الحصان.

احمد الصراف

فيلم هندي في النويصيب

عندما تولى جولياني عمادة نيويورك نجح في تحويل مدينته لأكثر مدن العالم الكبرى أمانا، وكل ذلك، وفق قوله، هو اهتمامه بمكافحة الجرائم والمخالفات الصغيرة، بدلا من قضايا القتل والسلب والنهب، فمجرمو اليوم الصغار هم مجرمو غد الكبار!
نشر في الصحف قبل أسبوعين تقريبا خبر عن جريمة صغيرة ولكن «توليفتها» وتداخل عناصرها اعتبرت بنظري مثالا لما أصبح يرتكب من إجرام بشكل واسع، ومع هذا لا أحد يود الالتفات لهذا النوع من المخالفات على الرغم مما تنطوي عليه من خطورة أمنية كبيرة، وسبب عدم الالتفات يعود إلى أن ارتكابها يناسب قطاعاً كبيراً من المواطنين، وغيرهم من خليجيين، وما يتم كشفه من هذه الجرائم ليس سوى رأس جبل الجليد المخفي.
يقول الخبر إن سيارة يقودها كويتي ومعه رجل آخر، حاولا المرور من مركز حدود النويصيب باتجاه السعودية في سيارة ذات زجاج داكن، ولكن رجل الأمن انتبه لوجود شخص ثالث في المقعد الخلفي، وتبين وجود امرأة منقبة تختفي خلف الزجاج المظلل! وهنا طلب العسكري منها الذهاب لداخل المركز لمطابقة شخصيتها مع صورة هويتها، وهناك تبين أنها تحمل هوية امرأة أخرى، فعادت للسيارة التي قام سائقها، بدلا من العودة، بمحاولة المرور من نقطة الحدود مستعينا بالزجاج الداكن في إخفاء المرأة مرة أخرى، غير أن الأمر كشف وأحيلوا جميعا لمخفر النويصيب، وهناك نجحت المرأة المنقبة، او سهل لها، الهرب من المخفر! وفي اليوم التالي جاءت امرأة للمخفر وادعت انها الهاربة وأنها التي كانت في السيارة في اليوم السابق، ولكن عند مواجهتها بالمسؤولة عن مطابقة الوجوه في مركز الحدود قالت انها ليست المرأة نفسها التي كشفت عن وجهها في اليوم السابق. وتبين فوق ذلك أن التي انتحلت شخصيتها مطلوبة وممنوع سفرها، ولا يزال التحقيق جاريا مع جميع من شاركوا في هذا الفيلم الهندي، هذا إذا لم يتدخل نواب الصحوة والنخوة لإطلاق سراح المتهمين، وكل ذلك يحدث لأن وزارة الداخلية عاجزة عن تطبيق قانون منع المنقبة، التي قد تكون رجلا او امرأة، أو مطلوبا لقوى الأمن، من قيادة السيارة، ولعجزها كذلك عن تطبيق قرار منع تظليل زجاج السيارات، وكل ذلك إكراما لقلة سخيفة لا تعبأ بسلامة وطن ولا أمن مواطن.
نورد هذه الحادثة مثالا ليس فقط لما يحدث على الحدود البرية من مخالفات، نتيجة للتهاون في تطبيق القانون، بل وأيضا لما يتعرض له رجال الأمن من ضغوط يومية وهم يؤدون عملهم.

أحمد الصراف