تعويض “داو” حديث طاغٍ لا يمكن تجاهله، والجميع يتخلى عن المسؤولية ويرميها على من حوله من أصدقاء أو أعداء، ولا أحد يطل علينا بشجاعة ويعلن مسؤوليته، لا أحد إطلاقاً، وكأن المليارَي دولار التي خسرتها الكويت لم تكن نتيجة أخطاء بل قضاء وقدر.
عندما سعى القطاع النفطي إلى عقد صفقات نفطية لتطوير عائدات مصدر دخلنا الزائل والوحيد، فإن هذا الأمر من صميم اختصاصهم، وطبعاً فإنه قابل للصواب والخطأ، وقد تدارسوا الموضوع سنواتٍ لتحقيق صفقة “الداو”، وقبل النهاية بأيام أشهر “الشعبي” بمعية صالح الملا والسلف وصحيفة أسوأ وزير نفط سيوفهم تجاه الصفقة لإيقافها رغم التحذيرات من وزير النفط وغيره، وهنا أكرر أن الشرط الجزائي خطأ كبير أقدم عليه القطاع النفطي، ولكن لا يجوز أبداً، وبعد علم الجميع بالمعطيات، أن يشترط النواب الإلغاء أو الاستجواب ليأتوا اليوم ليبرروا بأنهم لم يعلموا بالشرط الجزائي!
أما العلّة الكبرى، وهي تعكس واقع البلد، فكانت من حكومة سمو الشيخ ناصر المحمد الذي رضخ للتهديد تفادياً لمنصة في قاعة “عبدالله السالم” لا تنقص المرء شيئاً حين يصعد إليها، بل هي دليل امتلاك رئيس الوزراء القدرة على المواجهة، وهي من أبسط متطلبات المنصب.
نهج الخوف هو المستمر إلى اليوم في الحكومة ومن أي نائب، فها هو وزير الداخلية يرضخ لرغبات أعداء الحرية، ووزير الشؤون يرضخ لعصابة الرياضة، ووزير المالية السابق يرضخ للكوادر والزيادات، واللاحق كذلك، كلهم يرضخون دون سياسة واضحة يدافعون عنها، حتى وإن هدد من هدد.
الأساسيات التي يجب أن يعيها مجلس الأمة، قبل غيره، هي أن في الكويت قطاعات تعمل وفق اختصاصها، والتدخل في شؤونها من غير اطلاع أو مستشارين أكفاء، سيؤدي قطعاً إلى خسارة الملايين بل المليارات في بعض الأحيان، وعلى ما أتذكر فإن النائب مسلم البراك مثلاً أرهق وزراء المالية بملف الخطوط الجوية الكويتية، وعلى الرغم من نجاحه في إقصاء بعض الوزراء فإن حال “الكويتية” من سيئ إلى أسوأ، وهو يلخص واقع الحال، فالصوت العالي والحديث عن ملفات الفساد دون تقديم البديل الصالح لن يؤديا إلا إلى تردٍّ أكبر، وهو ما حدث بالضبط في ملف الـ”كي داو”.
لست خبيراً نفطيا كي أقيم جدوى صفقة الـ”كي داو” من عدمها، لكن ما أعلمه جيدا هو أن موافقة القطاع النفطي على شرط جزائي بهذه الضخامة خطأ كبير، والتهديد النيابي من “الشعبي” و”السلف” وصالح الملا بالإلغاء أو الاستجواب وتجاهل رأي المختصين خطأ كبير، والخضوع الحكومي للتهديد والتراجع لكي لا يصعد الرئيس السابق للمنصة خطأ كبير، والانصياع لصحيفة أسوأ وزير نفط في تاريخ الكويت خطأ كبير، وكلها أخطاء كلفت الدولة أكثر من الكوادر والزيادات والإيداعات مجتمعة، ولم تعلن مسؤولية أحد!
درس اليوم كلف الكويت مليارَي دولار تقريباً… لكن هل سيجدي نفعاً؟
فالدرس ينص بوضوح على أن تواجه الحكومة أياً كان في سبيل الدفاع عن قطاعاتها، ولا تخشى فقدان كرسي على حساب فقدان أموال الدولة، وينص أيضاً على ألا ننجرف كمواطنين لصراخ وتهديد النواب ونصفق لهم بمجرد رشاقة خطابهم وقوته، وينص كذلك على أن يتحلى نوابنا بالحكمة والعقلانية وليس العداء تجاه الحكومة في أي قرار من صميم اختصاصها، ويركز أيضاً على ألا نأخذ الحكمة من صحيفة شخص سُرقت ناقلاتنا في عهده، فمن انتُهكت أموال الدولة في عهده لن يعرف كيف يحافظ عليها أبداً.
خارج نطاق التغطية:
أخطر ما قيل في استجواب الشمالي الخميس الماضي هو ما ذكره الشمالي نفسه حين قال: “وصلنا لنقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات”، لكل قارئ إذا سمعت عن أي نائب يقترح هبات وعطايا ومزايا مالية إضافية فتأكد أنه يكرهك أنت ووطنك، خلص الكلام.