علي محمود خاجه

تعادل

تعويض “داو” حديث طاغٍ لا يمكن تجاهله، والجميع يتخلى عن المسؤولية ويرميها على من حوله من أصدقاء أو أعداء، ولا أحد يطل علينا بشجاعة ويعلن مسؤوليته، لا أحد إطلاقاً، وكأن المليارَي دولار التي خسرتها الكويت لم تكن نتيجة أخطاء بل قضاء وقدر.
عندما سعى القطاع النفطي إلى عقد صفقات نفطية لتطوير عائدات مصدر دخلنا الزائل والوحيد، فإن هذا الأمر من صميم اختصاصهم، وطبعاً فإنه قابل للصواب والخطأ، وقد تدارسوا الموضوع سنواتٍ لتحقيق صفقة “الداو”، وقبل النهاية بأيام أشهر “الشعبي” بمعية صالح الملا والسلف وصحيفة أسوأ وزير نفط سيوفهم تجاه الصفقة لإيقافها رغم التحذيرات من وزير النفط وغيره، وهنا أكرر أن الشرط الجزائي خطأ كبير أقدم عليه القطاع النفطي، ولكن لا يجوز أبداً، وبعد علم الجميع بالمعطيات، أن يشترط النواب الإلغاء أو الاستجواب ليأتوا اليوم ليبرروا بأنهم لم يعلموا بالشرط الجزائي!
أما العلّة الكبرى، وهي تعكس واقع البلد، فكانت من حكومة سمو الشيخ ناصر المحمد الذي رضخ للتهديد تفادياً لمنصة في قاعة “عبدالله السالم” لا تنقص المرء شيئاً حين يصعد إليها، بل هي دليل امتلاك رئيس الوزراء القدرة على المواجهة، وهي من أبسط متطلبات المنصب.
نهج الخوف هو المستمر إلى اليوم في الحكومة ومن أي نائب، فها هو وزير الداخلية يرضخ لرغبات أعداء الحرية، ووزير الشؤون يرضخ لعصابة الرياضة، ووزير المالية السابق يرضخ للكوادر والزيادات، واللاحق كذلك، كلهم يرضخون دون سياسة واضحة يدافعون عنها، حتى وإن هدد من هدد.
الأساسيات التي يجب أن يعيها مجلس الأمة، قبل غيره، هي أن في الكويت قطاعات تعمل وفق اختصاصها، والتدخل في شؤونها من غير اطلاع أو مستشارين أكفاء، سيؤدي قطعاً إلى خسارة الملايين بل المليارات في بعض الأحيان، وعلى ما أتذكر فإن النائب مسلم البراك مثلاً أرهق وزراء المالية بملف الخطوط الجوية الكويتية، وعلى الرغم من نجاحه في إقصاء بعض الوزراء فإن حال “الكويتية” من سيئ إلى أسوأ، وهو يلخص واقع الحال، فالصوت العالي والحديث عن ملفات الفساد دون تقديم البديل الصالح لن يؤديا إلا إلى تردٍّ أكبر، وهو ما حدث بالضبط في ملف الـ”كي داو”.
لست خبيراً نفطيا كي أقيم جدوى صفقة الـ”كي داو” من عدمها، لكن ما أعلمه جيدا هو أن موافقة القطاع النفطي على شرط جزائي بهذه الضخامة خطأ كبير، والتهديد النيابي من “الشعبي” و”السلف” وصالح الملا بالإلغاء أو الاستجواب وتجاهل رأي المختصين خطأ كبير، والخضوع الحكومي للتهديد والتراجع لكي لا يصعد الرئيس السابق للمنصة خطأ كبير، والانصياع لصحيفة أسوأ وزير نفط في تاريخ الكويت خطأ كبير، وكلها أخطاء كلفت الدولة أكثر من الكوادر والزيادات والإيداعات مجتمعة، ولم تعلن مسؤولية أحد!
درس اليوم كلف الكويت مليارَي دولار تقريباً… لكن هل سيجدي نفعاً؟
فالدرس ينص بوضوح على أن تواجه الحكومة أياً كان في سبيل الدفاع عن قطاعاتها، ولا تخشى فقدان كرسي على حساب فقدان أموال الدولة، وينص أيضاً على ألا ننجرف كمواطنين لصراخ وتهديد النواب ونصفق لهم بمجرد رشاقة خطابهم وقوته، وينص كذلك على أن يتحلى نوابنا بالحكمة والعقلانية وليس العداء تجاه الحكومة في أي قرار من صميم اختصاصها، ويركز أيضاً على ألا نأخذ الحكمة من صحيفة شخص سُرقت ناقلاتنا في عهده، فمن انتُهكت أموال الدولة في عهده لن يعرف كيف يحافظ عليها أبداً.

خارج نطاق التغطية:
أخطر ما قيل في استجواب الشمالي الخميس الماضي هو ما ذكره الشمالي نفسه حين قال: “وصلنا لنقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات”، لكل قارئ إذا سمعت عن أي نائب يقترح هبات وعطايا ومزايا مالية إضافية فتأكد أنه يكرهك أنت ووطنك، خلص الكلام.

سامي النصف

الإصلاح هو الحصانة الوحيدة ضد الحكومة الشعبية

  لم يقف أحد ضد مشاريع الأحزاب والدائرة الواحدة الرامية للوصول إلى الحكومة البرلمانية الشعبية كما وقفنا عبر الأقوال والمقال لسنوات طوال وآخرها ضمن برنامج «مواجهة» الجمعة الماضي في قناة الوطن، ونقول ان كل عمليات اصلاح متأخرة وكل بطء في محاربة الفساد يعملان كمعول هدم في جدار الحكومات التقليدية المتعاقبة ويدفعان للإسراع بمشروع الحكومة الشعبية، وعليه فقد أتى حكم «الداو» ليعطي الحكومة القائمة الفرصة الذهبية لمشروع الاصلاح الذي طال انتظاره والذي سيجعل الشعب الكويتي يصطف خلف حكومته ويصبح حصنها الحصين ضد الاستجوابات والأزمات والأجندات الداخلية منها والخارجية.

***

إن معطيات الحياة المرفهة بالكويت تدفع «منطقيا» لوقوف الناس خلف حكومتها الانسانية وغير القمعية، الا ان حقائق الحياة نفسها تظهر ان جزء من الشعب مازال يتأثر بأطروحات هذا السياسي او ذاك ويمتثل لأوامره وغوغائيته وأكاذيبه نكاية بالحكومة التي لو حرصت عبر عمليات الاصلاح ومحاربة الفساد لكسب الأكثرية الشعبية بدلا من التركيز على الأكثرية النيابية التي بدأت تفقدها، لتحقق لها أمران أولهما عاجل وهو ان الناس ستنتقد في الدواوين والمنتديات من سيعرقل أعمال الحكومة بالأزمات والاستجوابات متى ما رأت أفعالا لا أقوالا تظهر رغبة حقيقية في الاصلاح والتغيير، الثاني آجل، حيث سيصوت الناس في اي انتخابات قادمة مع المرشحين الحكماء والعقلاء القريبين بالتبعية من الحكومة الاصلاحية ويبعدون ويسقطون المؤججين والمحرضين ضدها.

***

أولى خطوات الاصلاح الحقيقي التي سيلحظها سريعا مجتمعنا الكويتي الصغير، هي القيام بعمليات تطهير واسعة تشمل القيادات الفاسدة المزمنة في الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية وحتى تشارك فيها الحكومة جزئيا كحال شركة الخليج للاستثمار، ففي الإبعاد كسب لقلوب وعقول وأفئدة الشعب الكويتي الذي كلّ وملّ وهو يرى الفساد ولا يرى اصلاحا بالمقابل رغم كل الأقاويل، ولا عجب ان يصوّت الناخبون لأكثر المرشحين علوا بالصوت ضد الحكومة، ولو غيّرت الحكومة خارطة طريقها لغيّر الناخبون خارطة طريق تصويتهم بالتبعية.

***

إن تحقيق الاصلاح وإنهاء خدمات المتجاوزين عن طريق تشريعات تصدرها الكتل في مجلس الأمة سيعني انقياد الناس لتلك الكتل دون ان يلومهم احد، وانصرافهم عن الحكومة القائمة ودعمهم لمشروع حكومة شعبية يشكلها المجلس (ظاهرها رحمة وباطنها عذاب)، اما اذا وصلت الحكومة الى النتيجة الإصلاحية نفسها عبر خطوات تقوم بها طواعية فسيعطي الناس ثقتهم كاملة بالحكومة ورئيسها فلماذا لا تصدر الحكومة قرارات تطهير واصلاح «عاجلة» تلقى الرضا والإعجاب من الجميع؟!

***

آخر محطة:

(1) للمعلومة: أكثر ما يضايق المواطنين ويثير حنقهم على الحكومات المتعاقبة هو البيروقراطية وعدم الانجاز الحكومي الذي يمكن علاجه والقضاء عليه لو طلب من الوزراء والوكلاء النزول نصف ساعة اسبوعيا لأدوار المراجعين في وزاراتهم لمعرفة أسباب الشكوى وعلاجها وتوازيا مع الاستعانة بالأنظمة الإدارية الموجودة لدى الدول الخليجية الشقيقة التي استفادت من أنظمتنا في الماضي وليس عيبا ان نستفيد من أنظمتهم في الحاضر.

(2) للمعلومة: نمى الى علمنا ان احدى الشركات التي تساهم فيها الكويت ودول خليجية أخرى يتسلم مسؤولها «المزمن» راتبين معا أولهما كرئيس تنفيذي والثاني كمدير عام، وسبب السكوت عنه رغم الخسائر المليارية التي منيت بها الشركة التي يديرها «كفو» هو «تضبيطه» لأعضاء مجلس الإدارة وتشغيل أبنائهم و«تطفيشه» بالمقابل للشباب الكويتي، ولنا عودة للموضوع.

(3) بودنا أن يبقى د.نايف الحجرف وزيرا للمالية بالأصالة بحكم تخصصه وكفاءته، وان يتم تعيين سيدة وزيرة للتربية والتعليم العالي.

احمد الصراف

كابي والشابي والخيام

يقول المفكر اللبناني كابي خلف ان الحياة ومضة! ومضة سعادة، شهوة، محبة، لذة أو صلاة! وان الفرصة قد لا تتاح ثانية لممارسة أي منها، ان انتهت الحياة، وأيضا في ومضة! تذكرت كلام كابي وأنا استمع لنداء حكومتي «الرشيدة» بالامتناع عن السفر الى لبنان لخطورة أوضاعه، وبعودة من فيه لوطنهم! وهنا مر شريط علاقتي بلبنان أمام عيني في ومضات وفلاشات بدأ أولها عام 1956 عندما اصطحبني والدي للبنان سنتها فوقعت في حبه منذ يومها، ولم تمر سنة من دون أن أزوره مرة أو مرات ومرات، وفي سنة منها أقدمت، وفي ومضة، على الاقتران بأجمل من فيه!
خلال 56 عاما، منذ بيت حمانا وحتى سكن اليرزة، مر لبنان بأحداث مهولة من قتل واحتلال ودمار ومرارة وتشريد وتهجير وتعذيب، سالت خلالها دماء ودموع كالأنهار، هذا غير خسائر مادية بلغت مئات مليارات الدولارات، ولكن كان لبنان، كطائر الفينيق، يخرج كل مرة من تحت الخراب والركام والدمار أجمل مما كان عليه قبلها، فهذا قدر لبنان وهذا قدر من يحبه ولن يتغير شيء، فجماله وعظمته ولوعته وضعفه تكمن في تعدده الاثني والديني والطائفي وسيبقى هكذا ما بقيت الشيع والمذاهب!
وعليه وضعت مخاوفي جانبا، وعملت بنصيحة كابي، فالحياة ومضة، وهذه الومضة تتناقص قيمتها كل يوم، وقلت لنفسي انه مهما حدث وأنا هنا، فانني لن أرى، في ما تبقى من عمري، بشاعة وقتلا أكبر مما رأيته طوال أكثر من نصف قرن، وأن سعادتي، وهذا هو بيت القصيد، تكمن في الاستمتاع بحياتي وبحريتي بين من أحب، وليس في أن ابقى حيا بأي ثمن بين الحفر! فما قيمة الحياة بغير حرية ومحبة وكرامة، وهنا تذكرت بيت الشعر البليغ لسيدنا الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي الذي يقول فيه:
«ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر!».
فيا من تحبون لبنان، بكل جماله وتعقيداته وبشاعته، تعالوا اليه، وخوضوا غمار المغامرة، واستمتعوا بحياتكم حتى الثمالة، فعندما قال عمر الخيام بيته الشهير:
«واغنم من العيش لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان»، لم يحدد مكان تلك الليالي غير الآمنات، فقد تكون في أعالي الجبال الشامخات، أو بين حفر أو تحت عجلات سيارات أو مركبات!

أحمد الصراف
[email protected]

سعيد محمد سعيد

الحكومات العربية والإسلامية: أعداء حقوق الإنسان!

 

يبدو مستغرباً ذلك العداء الشديد بين الحكومات العربية والإسلامية، عدا القليل النادر منها، مع حقوق الإنسان! ولا يمكن المقارنة بين حكومات تدين بالدين الإسلامي الذي رسخ الحقوق والواجبات في أعظم دستور وهو القرآن الكريم، وبين دول آسيوية أو إفريقية أو غربية بشكل عام (من درجات الدول القمعية) تمارس أبشع الممارسات ضد حق الإنسان في الحياة بصورة مطلقة، حيث لا دستور لها إلا الاستبداد.

حقوق المواطن في الدول العربية والإسلامية عموماً تتردى عاماً بعد عام، بغض النظر عن البهرجات الإعلامية المستهلكة جرّاء تشكيل الجمعيات والإدارات والمراصد، ولهذا فإن البرهان الأول والأقوى على استمرار التدهور هو الاستهداف الملحوظ للناشطين والحقوقيين والعاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان كما أثبتته تقارير المنظمات الدولية ومنها منظمة (هيومن رايتس ووتش) التي أثبتت تدهور حقوق الإنسان من خلال المحاكمات غير العادلة في القضايا السياسية وتضييق المجال على الصحافيين المستقلين والجمعيات في عملهم على مستوى 15 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان العام 2009 تحديداً هو العام الأسوأ لانتهاكات حقوق الإنسان والذي شهد (هجمة منسقة) ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات التي توثق الانتهاكات، وتلك الدول لا تستحي؟ فهي تستعرض من خلال وفودها وممثليها عضلات كارتونية في المحافل الدولية وإنجازات (قل نظيرها) بإتقان لا مثيل له في التزوير والكذب والخداع، دون اكتراث لانعكاسات ذلك الأداء المسرحي الفاشل على سمعتها وعلى رصيدها في مجال حقوق الإنسان.

ويتضاعف التردي في بعض الدول العربية والإسلامية كلما واجهت ثورات أو حركات مطلبية كما شهدنا من مشاهد مفجعة منذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي وأفضل تسميته بربيع المطالبة بالحقوق الدستورية في العام 2011 والذي يعتبر أشد وطأةً من العام 2009 بالنسبة للحقوقيين، فأبسط ردود فعل تلك الحكومات هو ملء المعتقلات وسفك الدماء باعتبار أن أولئك المجرمين (الخونة) إرهابيون أو متآمرون مع الخارج وأنهم يستحقون التطهير تارة، والإبادة تارة، والتخوين تارات وتارات.

ترى، ما هو السر في إصرار معظم الحكومات العربية والإسلامية على (طحن) مواطنيها فيما هي تضع في دساتيرها القرآن الكريم كمصدر رئيس للتشريع؟ والدين الإسلامي يحرم بشدة انتهاك الحقوق؟ وتستحدث التشريعات في مجال حقوق الإنسان كحبر على ورق فقط؟ هذه النقطة طرحتها ذات مرة على وزير حقوق الإنسان العراقي السابق بختيار أمين في إحدى زياراته إلى البحرين، وكان يختصر الإجابة في أن الاستبداد هو السبب الأول! كما أن تلك الدول عادةً ما تعلن – بخبث – نوايا ووعود من دون خطط وسياسات والتزامات عملية للإصلاح الديمقراطي في إطار خطة زمنية، وإصرار الحكومات على المماطلة واستهلاك الوقت، والإصرار على عدم احترام المعايير الدولية الدنيا لحقوق الإنسان، بما يكرس تدني وضعية شعوب المنطقة مقارنة ببقية شعوب العالم، وذلك كله (خداع) للرأي العام العربي والمجتمع الدولي، في حين تتصاعد في بعض الدول العربية حالات قمع المعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان.

لقد مرت المنطقة العربية فيما مضى من السنين بمرحلة فارقة، تقدمتها استحقاقات حاسمة تجاه قضايا الأمة، وعلى مستوى السلم الأهلي ووحدة التراب الوطني، وعلى مستوى الإصلاح والانتقال الديمقراطي في الكثير من البلدان العربية، ومن قبل ومن بعد، كانت هناك خيارات التنمية والسياسات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي العربي بين أزمتين عالميتين، عصفت أُولاهما بنصف أموال الصناديق السيادية العربية، وتتجمع نذر أخراهما في أفق الاقتصاد العالمية، وقد أضاعت بعض البلدان العربية، في معرض استجابتها لهذه التحديات، فرصاً يندر أن تجود بها المسارات المتغيرة في الواقع العربي المضطرب، وبدّدت بلدان أخرى خيارات تشق طريقاً إلى مستقبل أفضل لا يكون مجرد امتداد خطي لواقع مأزوم، وتبنّت في حالات ثالثة أسوأ الخيارات، سعياً وراء سراب، فلم تتعلم فيها درس التاريخ أو تستلهم خبرتها الذاتية. (انظر – مركز دراسات الوحدة العربية – كتاب التقرير السنوي 2009-2010 بعنوان «حقوق الإنسان في الوطن العربي: تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي»).

بالتأكيد، كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، مدخلاً كبيراً في تغيير الفكر الإنساني معرفياً وسياسياً واجتماعياً، ذلك أن التصور الدولي لحقوق الإنسان انتهى إلى خلاصة مؤدّاها أن التنمية في عمقها هي تحقيق حقوق الإنسان، وأن هذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها إلا في مجتمعٍ مندرج في سياق عملية تنموية شاملة، وهكذا يبدو غريباً جداً أن ترى الدول العربية في قضية حقوق الإنسان قضيةً ثانوية وليست على جانب كبير من الأهمية، إلى جانب قضايا التنمية والتحديث والحفاظ على أمن واستقرار أنظمتها.

إن مشهد حقوق الإنسان وفقاً لذلك وكما هو في الواقع مشهدٌ قاتم وكئيب إلى الدرجة التي يلحّ فيها السؤال علينا: هل يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في العالم العربي؟ فلقد أصبح من الطبيعي جداً أن نقرأ في التقارير السنوية التي تصدر عن المنظمات المختلفة وتحاول أن ترصد حقوق الإنسان في الوطن العربي عبارتي: «ممارسة الحقوق الأساسية: نمط ثابت من الانتهاك» و «ممارسة الحريات الأساسية: تراجع مطَّرد»! متى تقدمت حتى تتراجع؟

إن التنافر بين الحكومات العربية شديد للغاية في غالبية المسائل السياسية، إلا أنها مع ذلك تآلفت ضد أي اعترافٍ دولي بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان! ولا ترى الحكومات العربية التي تظهر عداءها الواضح لمثل هذه المنظمات، لا ترى فيها سوى عدوّها الأمني الذي يشلُّ عمل الأجهزة الأمنية، وكأن مهمة الأجهزة الأمنية ليس سوى انتهاك حقوق الإنسان. (انظر كتاب: مسيرة حقوق الإنسان في العالم العربي – رضوان زيادة – المركز الثقافي العربي – ص238).

ختاماً، لو ألقينا نظرة على توصيات المؤتمرات والمنتديات الحقوقية في الوطن العربي، فسنجد أن المطالب تتمحور حول حق الإنسان في الوطن العربي والإسلامي في محاكمة عادلة وتأكيد حمايته من التعذيب أو الإيذاء بدنياً أو نفسياً أو الإهمال ومعاملته المعاملة الإنسانية المكفولة، وعكس ذلك يعد جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم، والتأكيد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وحق هذا الإنسان في حرية الرأي وإبدائه وممارسة حقه في المشاركة السياسية على أساس من المساواة والعدالة بين الجميع ويتضمن ذلك حقه في حرية العقيدة والفكر وأن تكون مكفولة للجميع، أضف إلى ذلك، الحق في المساواة وعدم التمييز على أساس اللون أو الجنس أو مكان الميلاد أو الجنسية أو اللغة أو الدين، وأن يكون الجميع متساوين أمام القانون، وهذا يتطلب استقلال القضاء وحياده بكفالة الدولة نفسها، وصولاً إلى حقه في المحافظة على أسراره، وخصوصيات أسرته، وحرمة مسكنه، وحقه في سرية اتصالاته ومراسلاته الخاصة، لكن الحكومات المستبدة تضع كل ما تقدم في خانة (الإرهاب والتآمر مع الخارج والخيانة).