أغمض عينيك، وسأغمض أنا عيني، وعض شفتك السفلى، وسأفعل مثلك، أقصد سأعض شفتي أنا لا شفتك أنت، وتعال نتخيل، لو أن الكويت، من أقصاها إلى أقصاها، من العبدلي إلى النويصيب، مروراً بالصباحية قطعة واحد وسنترال الفحيحيل، الكويت كلها بمساحتها وشعبها وطقسها وتضاريسها ونفطها واستثماراتها ومسؤوليها وشوارعها ومستشفياتها وبصلها وثومها وقثائها ووو، لو أنها انتقلت من موقعها الحالي لتصبح مقاطعة ألمانية أو سويسرية أو فرنسية، أو جزءاً من أي دولة من الدول التي يخشى قياديوها الشعب، والعياذ بالله ولا قدر الله…
وللتذكير مرة أخرى، وقبل أن تشتمني، قلت تعال نتخيل ولم أقل تعال نتمنى، أي أن القصة مجرد خيال ليس إلا، أو كما يقول السودانيون “خيال ساكت”. وهنا تعال مرة أخرى لتساعدني في وضع علامات الاستفهام على الطاولة ونحاول الإجابة عنها…
هل سيكون التجار الحاليون تجاراً أيضاً؟ وللتوضيح، لأن نيتي خبيثة نسأل الله العافية، هل سيتمكن تجارنا الحاليون من تكوين ثروات مشابهة لثرواتهم الحالية لو كانت الحكومة المركزية ألمانية، والبرلمان ألمانياً، ولجنة المناقصات المركزية ألمانية، وديوان المحاسبة ألمانياً، والشعب ألمانياً، ووو؟ وهل كانت الحكومة الألمانية ستمنح تجارنا، الذين هم ألمان، قسائم صناعية بفتافيت الفلوس، فيؤجرونها على محلات “البنشر” وتقطيع الرخام؟
وهل كان الوكلاء والوكلاء المساعدون والمديرون العامون سيحصلون على مناصبهم لو كان ديوان الخدمة “ميد إن جيرماني”؟ وماذا كان سيفعل وزير الصحة الألماني لو أنه قام بزيارة إلى “مقاطعة الكويت” وشاهد مستشفى الجهراء أو مستشفى العدان أو مستشفى الفروانية؟ وماذا كان سيفعل بمسؤولي المستشفيات؟
وكيف ستتعامل الحكومة المركزية، الألمانية طبعاً، مع ملاعبنا الرياضية الجرباء الشهباء، ومع العامل الآسيوي الذي ظهر في الشاشات والتقطته الأقمار الصناعية وهو يرش أرضية ملعب نادي الكويت ليبللها في مباراة منتخبنا مع ريال مدريد؟
وهل كان رؤساء مجالس إدارات الجمعيات التعاونية سيحرصون على “تضبيط” أحد في وزارة الشؤون الألمانية ليتقاسموا معه غنائم الحرب؟ وهل كان محافظو المحافظات الست سيقتصر دورهم على رعاية حفلات رياض الأطفال فقط، وفقط تعني فقط؟ وهل كانت مهامهم والمعلومات عنهم – أقصد المحافظين – ستبقى سرية غير معلومة للعامة، لا ينافسهم في السرية إلا قيادات الماسونية العالمية؟
وهل كنا، كشعب كويتي يعيش في مقاطعة ألمانية، سنسمع عن البحر دون أن نراه؟ بمعنى، هل كان أصحاب الشاليهات سيتمكنون من إقامة مبانٍ أسمنتية على البحر، رغم أنها ممنوعة في كل الدول المحترمة؟ (أرجو أن تعيد قراءة الجملة السابقة وتبحث عن كلمة “المحترمة” قبل أن تأتيني بأدلة مشابهة من الدول العربية، المحترمة جداً جداً).
الأسئلة أكثر من “جوج وماجوج” كما يقول كبار السن، وكل سؤال ينجب أكثر من عشر علامات استفهام، يطلقها في الشوارع بلا تربية، لكن السؤال الوحيد الذي أمتلك له جواباً هو: كيف كان سينظر الألمان، إخواننا وشركاؤنا في الوطن، إلى مقاطعة الكويت؟ والجواب: كما ننظر نحن إلى “منطقة رحيّة”! أجزم أنهم سيحولون الكويت إلى مستودع ضخم للإطارات المستهلكة، وقبل ذا أجزم أيضاً، أن الكويت لن تحترق المرة تلو المرة كما يحدث عندنا في منطقة رحيّة.
تخيل وسأتخيل معك، فكل شيء ممكن وجائز، إلا أن يصبح ولدي سعود ألمانياً، يحافظ على النظام العام ويحترم بزران ألمانيا ولا يضربهم.
اليوم: 22 مايو، 2012
مؤتمران في قطر والبحرين
حضرت صباح امس حفل افتتاح منتدى الدوحة الثاني عشر الذي حمل عنوان «إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط» الذي حضره رؤساء دول ووزراء ومختصون تجاوز عددهم المئات وكان التنظيم يقارب الكمال في حسن الاستقبال والرعاية الذي كان بوصاية من سفير دولة قطر في الكويت الصديق عبدالعزيز سعد الفهيد.
***
افتتح الحفل صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير دولة قطر بكلمة أعاد للأذهان فيها أن منتدى الدوحة ومنذ دورته الرابعة في عام 2004 قد حث على الأخذ بطريق التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي بالمنطقة ولو وجدت تلك الدعوات آذانا صاغية لكان تاريخ المنطقة قد اتخذ مسارات مختلفة خلال العام الماضي، كما جاء في الكلمة، وأضاف سموه أن التكامل العربي سيتحول من حلم للشعوب الى واقع تلتزم به الحكومات العربية أمام شعوبها.
***
وقد ألقى الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية دولة قطر كلمة حذر فيها من ان الاقتصاد العالمي مقبل على أزمة كبرى جديدة بفعل تراجع معدلات النمو في أوروبا والولايات المتحدة، إضافة الى موجة الكساد التي تهدد الاقتصادات الناشئة مما سينعكس سلبا على أوضاع الدول النامية التي ستواجه تحديات سياسية واقتصادية ستحوجها الى قرارات وآليات دقيقة وفاعلة للخروج منها.
***
تلا ذلك بدء انشطة المؤتمر التي تناولت رؤى معمقة حول المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، وقضايا التنمية وتداعيات وآثار الحركات الديموقراطية الجديدة في منطقة الشرق الاوسط، ثم مستقبل السلام في المنطقة، وكانت خلاصة ما قيل التحذير من الاشكالات الاقتصادية والامنية في دول الربيع العربي مع روح تشاؤمية فيما يخص احتمال الوصول لحل للقضية الفلسطينية، حيث اتفق المحاضرون بمختلف توجهاتهم على انه لا أمل على الاطلاق في الوصول في المستقبل القريب لحل تلك القضية التي باتت الاشكالات الاخرى كالوضع في سورية ولبنان تجعلها تتراجع الى مؤخرة الاهتمامات.
***
وكنت قد دعيت قبل ايام لالقاء محاضرة في مملكة البحرين حول الاستراتيجية الاعلامية لدول مجلس التعاون 2010 ـ 2020، ومما قلته في الندوة حقيقة ان 25% من مدة الخطة قد انقضت ولم يتحقق 25% من الانجاز مما يعني بطء التحرك، وحذرت من ان احداث عام 2011 قد اثبتت ان القوة الناعمة الممثلة في الاعلام باتت اقوى من القوة الصلبة الممثلة في الجيوش بدلالة ان النظام السياسي في مصر لم يسقطه العدوان الثلاثي الذي استهدفه عام 56 ولا هزائم 67 وحرب الاستنزاف، بل تم اسقاطه بواسطة الفضائيات والاذاعات والمنتديات الالكترونية والاعلام الاجتماعي (الـ «فيسبوك» و«تويتر»)، مطالبا بان يكون لدى دول الخليج مستودعات عقول اعلامية عالية الكفاءة تقود فيالق الاعلام الخليجي في الدفاع والهجوم كما تقود قيادات الاركان المشتركة الجيوش الخليجية مع فارق ان هجوم القوى الصلبة يوحدنا كما حدث ابان غزو الكويت بينما القوى الناعمة تفتتنا من الداخل فيما هو اشبه بأدوار الطابور الخامس الذي يساهم في اسقاط الامم والدول.. قبل ان تسقط!
***
آخر محطة: العقول العربية المستضافة في الدوحة لا تقل قدرة عن قدرات العقول الغربية، من تلك العقول د.باسل البستاني وطلال ابوغزالة ود.رفيق عبدالسلام ومروان المعشر.
اهدأ يا شيخ…
الشيخ نبيل العوضي “سلبرتي” (يعني من أهل البهرجة الإعلامية) مثله مثل الكثيرين من مشايخ بني نفط الذين تناسلوا وتكاثروا في وسائل الإعلام وأصبحوا كفاتن حمامة وهي سيدة الشاشة العربية، والشيخ نبيل وكثيرون مثله، من دكاترة الجامعة الذين همهم الأول والأخير الإعلام والبروز الإعلامي، وبالتحديد الشاشة الصغيرة كي يتألقوا فيها، هم أيضا “سادة” الشاشة الصغيرة، ولكن باختلاف الشكل والمضمون عن سيدة الشاشة، وأصبحنا نخشى، كما كَتب مرة فؤاد الهاشم، أن نفتح صنبور الماء فيخرج علينا هذا أو ذاك الداعية بدلاً من الماء.
لسيد الشاشة الصغيرة اليوم أن يمارس حريته في القول والكتابة كما يشاء، فهذا من أبسط حقوقه، رغم تصلُّب وانغلاق خطابه السياسي المغلف بالنعرات الدينية المتزمتة، إلا أنه في إحدى خطب الجمعة، وبعد أن باركت وزارة الأوقاف أخيراً لخطباء مساجدها أن يحرضوا ويلعنوا مَن يريدون، مِن منابر المساجد التي تملكها الدولة وتديرها حكومة “الشجعان”، صبَّ الشيخ الداعية جام غضبه وألهب مشاعر المصلين بأحداث سورية، وهذا أيضاً من حق سيد الشاشة، ولو أن المصلين جاءوا تلبية لواجب ديني لا ليكونوا ضحايا تحريض وكراهية للآخرين، أو أن يَضحوا مشاريع تفجيرات وأدوات انتقام من النظام السوري.
في تلك الخطبة تحدث سيد الشاشة عن المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد “الموحدين” من قِبَل الصفويين والنظام الإيراني في قم، ومن جديد نؤكد حق “رشدي أباظة” في أن يوجه اللكمات القوية إلى النظامين في إيران أو سورية، ويصفهما كما يريد بصرف النظر عن الأغلال الرهيبة التي يضج بها قانون المطبوعات الكويتي، لكن أن يبطن نقده وتحريضه، ليس ضد النظامين الحاكمين بل ضد الصفوية، فهنا كان على نبيل أن يرتفع ويترفع عن مثل ذلك السفه الطائفي المتحيز، فهو يعلم أن الصفوية كنظامٍ سياسيٍّ فرض المذهب الجعفري على بلاد خراسان قبل أكثر من خمسة قرون، ليست موجودة الآن، فقد كانت مرحلة تاريخية وانتهت، أما الصفويون الذين وصفهم الشيخ نبيل بـ”عباد القبور” والذين في قلوبهم “حقد وكراهية” للإسلام (عبارات الداعية سيد الشاشة الصغيرة) والذين يعدون المؤامرة لذبح مئة ألف موحّد في الحرم المكي -من خطبة شيخ التسامح نبيل ولابد أن للشيخ مركز استخبارات متقدماً يفوق السي آي إيه – وكتبهم “تنضح بالشرك”، و”يعقدون المزارات والنذور ويسبون الصحابة” (من عبارات الخطبة) فنحن ندري أن المقصود بهم هم أهلنا وإخواننا في “الإنسانية” قبل المواطنة وقبل الدين وقبل الطائفة وإلى ما لا نهاية لسرطان الاستقطابات في الجسد العربي، هم الشيعة في الكويت وفي أي مكان.
ماذا تريد يا شيخ نبيل؟! هل تريد معركة صفين جديدة أو إعادة الروح للحروب العثمانية الصفوية؟ أو ربما تريد، كواحدٍ من الأغلبية السنية، أن تمسح من الوجود المذهب الجعفري، عن بكرة أبيه، ونفني الأقليات الشيعية هنا وفي كل مكان، كي تبقوا أنتم وحدكم كفرقة ناجية في الكون الكبير؟! هل لديك يا شيخ نبيل العدد الكافي من الأفران الكبيرة التي بنيت في “أوسوتش” في الخليج، لا في ألمانيا النازية، كي نزج بها أهلنا الشيعة حتى يشفى غليلكم ضدهم وضدنا وضد كل إنسان في الأرض لا يبصم معكم، ويرضى “بجهلكم المركب” (عبارة للراحل محمد أركون ذكرها في محاضرته بالكويت)؟! ماذا تريد يا شيخ وأنت تشاهد بجهازك المحبب (إن كنت تتابع البرامج الإخبارية التحليلية) أن أحداث سورية لم تعد ثورة فقط بعد تفجيرات “القاعدة” الأخيرة بل بدايات حرب أهلية ونيرانها امتدت إلى طرابلس لبنان بالأمس؟… فهل تريد أن تبارك تلك “النار المقدسة” الأرض الكويتية بعد أن عشنا فيها عقوداً ومئات من السنين إخوة متحابين قبل أن تولد أنت، وقبل أن يصيبنا داؤكم المتزمّت والمكفر لخلق الله؟ اهدأ يا شيخ وتعقّل.. فلن يترك أهل الكويت بلدهم في النهاية لتصبح قندهاركم الجديدة، ولن يرضى الكويتيون، مهما ابتُلوا بكم وساد في بلدهم جهالكم، وتمدد على أرضها فاشيُّو بني نفط الجدد، أن يشعلوا “هلوكوست” لأهلهم الشيعة من أجل لحاكم الكريهة… دع عنك ذلك الإسفاف وتفرغ للرد على أهل الرقى والبصق في “توانكي الماي” وأهل السحر وتفسير الأحلام وخلق الأوهام، وكل جماعات الخرافات التي ستوصلنا ببركتكم إلى مركز “ناسا” لعلوم الفضاء…. اهدأ يا شيخ وأوصل كلامي، لو سمحت إلى جماعاتكم وربعكم، فقد أصبحت الحياة معكم لا تطاق.
المسيحيون ملح مجتمعاتنا (2-2)
ويستمر علي الصراف في سرده لتاريخ المسيحيين العرب، قائلا ان رشيد الشرتوني، المتوفى عام 1906، كان احد أبرز لغويي عصره، حيث وضع «مبادئ العربية في الصرف والنحو» مع تمارين في التصريف والاعراب، وكتابه «نهج المراسلة ومفتاح القراءة». كما سعى نجيب حبيقة لتعزيز الآداب العربية وتأليف قلوب الناشئة في خدمة الوطن، وكان خليل الخوري (1836)، أول من فكر في نشر جريدة عربية في بلاد الشام، فأبرزها إلى النور سنة 1858تحت اسم «حديقة الأخبار». وكان سليم شحادة (1907) قد قضى جل حياته القصيرة في خدمة الآداب واشترك سنة 1875 مع سليم الخوري في نشر معجم تاريخي وجغرافي سمي «آثار الأزهار». وكان نخلة قلفا البيروتي (1851) هو الذي نشر ديوان أبي فراس الحمداني. وكان لإبراهيم اليازجي دوره في نهضة الآداب العربية في مصر! ولم ينس الصراف في عجالته ذكر أفضال جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وأمين الريحاني، والأخطل الصغير، والشاعر القروي رشيد الخوري وخليل مطران واحمد فارس الشدياق ونجيب عازوري ومي زيادة وسلامة موسى، وصولا إلى إدوارد سعيد. كما لعب المسيحيون العرب دورا مشهودا، ومتميزا، في كل مجال ابداعي من مجالات الفن كفيروز وابنها زياد والأخوين رحباني، ومئات غيرهم ممن لا يسمح المجال لذكرهم جميعا!
ولكننا نرى اليوم كيف يتم تهجيرهم من ديارهم، وحرق كنائسهم، وكيف يعاملون بتمييز ديني وعنصري واضح، ويُعزلون، وتوضع على حقوقهم وحرياتهم قيود وشروط. كما بيننا، وخاصة من أولئك الذين يفتقدون أدنى درجات المصداقية، من ينظر لهؤلاء على أنهم «أهل ذمة»، ويصر على معاملتهم كـ «أقلية»! فإذا كان المسيحيون العرب «أقلية»، فكيف ننظر لمن هم في قامات طرفة بن العبد وامرؤ القيس والنابغة الذبياني، وهؤلاء جميعا والآلاف غيرهم مسيحيون؟ ولا أدري كيف يمكن أن تكون الثقافةُ العربيةُ عربيةً من دونهم، بل لا أدري أي ثقافة ستكون؟ فكيف يمكن قبول حرق كنائس هؤلاء وتهجيرهم من أراضي أجداد أجدادهم وقتل ابنائهم وتشريدهم في الأرض بعيون دامعة وقلوب حزينة وخواطر مكسورة، وهم الذين كانوا في البال والخاطر والسمع والبصر على مدى عصور وعصور؟ أسئلة ستبقى من غير جواب حتى يختفي هذا الكابوس المظلم من حياتنا، أو يتسبب في فنائنا إلى الأبد!
أحمد الصراف