عادل عبدالله المطيري

العالم يتغير من حولنا

العالم كله يتغير من حولنا، ولا نزال في منطقة الخليج العربي جامدين ولا نستوعب من الماضي القريب الدروس.

لقد بدلت رياح الثورات تضاريس الأنظمة السياسية من حولنا، لدرجة اننا لم نعد نستطيع ان نجزم بمن سيأتي في الحكم هناك وكيف سيحكم؟ كل شيء في منطقتنا يتغير لدرجة اننا لم نعد نعرف محيطنا جيدا!

حتى في إقليمنا الخليجي الملتهب طرأت الكثير من التغيرات العميقة في موازين القوى والتحالفات، وخاصة بعد ان اصبح الغريمان التقليديان (العراق وإيران) حلفاء استراتيجيين بل توأمين سياميين!

ولا نزال نحن «الأشقاء الستة» نتحدث عن فكرة الاتحاد وكأنه من الكماليات السياسية وليس ضرورة استراتيجية ملحة جدا. دائما ما نستذكر «محاسن الوحدة» ولكننا نخشى كثيرا على «مكتسباتنا الوطنية» ونتناسى ان التحديات الاقليمية قد تعصف «بوجودنا بأكمله» وليس فقط بعض المكتسبات السياسية هنا وهناك!

من أجل بقاء دول «الخليجي» على ضفاف الخليج المتلاطم يجب الإسراع في تطبيق الاتحاد الكونفيدرالي، لقد أصبحنا صغارا جدا في ميزان القوى الجديد ولابد لنا أن نتحد لننشئ قوة إقليمية توازي القوى الأخرى بالمنطقة وتردعها!

ان الاتحاد هو الحل الأسلم من زاوية الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي، والأمن القومي هو الأساس في أي تنمية وإصلاح سياسي واقتصادي وبدونه لا سيادة ولا ديموقراطية ولا اقتصاد.

حتما ان آليات الاتحاد الكونفيدرالي ستكون قادرة على معالجة الأوضاع السياسية الخارجية والامن والاقتصاد الكلي لدول الاتحاد، ولكنها وبالضرورة لن تتطرق الى مشكلات السياسة المحلية العالقة بين الحكومات وشعوبها، لأن حلولها ستبقى دائما من الشأن المحلي والوطني، ويجب ان تعالجها وفقا لآليات الاصلاح السياسي المعتمدة في الدولة نفسها، وبحسب خيارات شعبها وطموحه بعيدا عن الآخرين.

 

محمد الوشيحي

الإعلام… المضحك المبكي

في كوكب الأرض كله، من الجلدة إلى الجلدة، هناك قاعدة ثابتة راسخة: “الساسة تحت رحمة سيوف الإعلاميين”. والإعلاميون هنا بجزءيهم؛ سواء كانوا مرتزقة من “ذوي الكابات الزرقاء” -كما كان يُطلق على المرتزقة الأفارقة الفرنسيين- أو كانوا أحراراً صادقين.
على أن تأثير إعلاميي الكابات الزرقاء يأتي دائماً بنتائج معاكسة لرغبات أصحابها ومخالفة لمخططاتهم، فالبضاعة التي يذمونها يرتفع سعرها، وتلك التي يمتدحونها ينخفض سعرها، وكلنا يتذكر ما فعلته بعض وسائل الإعلام بالرئيس السعدون وفيصل المسلم والحربش والبراك والطبطبائي وغيرهم قبل فترة، والنتيجة كانت ارتفاع أسهم هؤلاء إلى الحد الأعلى في قلوب غالبية الناس.
في حين أن الإعلام الحر الصادق عندما يدهن “سبطانة” مدفعه و”يزيّتها” ويمسح زجاج بوصلته، مباشرة يرفع الساسة عيونهم إلى السماء وأيديهم بالدعاء: “اللهم سلّم سلّم.. اللهم حوالينا لا علينا”.
على أن أسلحة الإعلاميين ليست متشابهة، فهناك من لا يسمع صوته حتى عياله الجالسون في الصالة، وهناك من إذا كتب سطراً أو قال جملة، ولو كانت مختصرة، تناقلتها قوافل اليمن والشام، وتساقطت “غُتَر” (جمع غترة) بسببها وارتسمت البسمات على وجوه الأيتام وأمهم الأرملة.
وكان الشاعر “الساخر الشاخر” بيرم التونسي، كما كان يسمّيه تلميذه الساخر الأعظم محمود السعدني، يكتب مقالات كالزلازل، تهتز لها أركان “السراي الحكومي”، وكان غيره يقدح أو يمدح ولا يسمع صوته حتى حليلته أو خليلته التي تشاركه البيت. أما مقالات السعدني فكانت كالعاهات المستديمة التي يصاب بها المسؤول فلا يشفى منها إلى أن يموت.
وكان رحمه الله (أتحدث عن السعدني) يجلب القلق لأصحاب الصحف التي يكتب فيها، لذا لم يكن يعمّر في الصحيفة الواحدة أكثر من أشهر معدودة، وهذا ما جعله يتنقل بين أربع عشرة صحيفة في غضون سنوات قليلة، الأمر الذي دفع أنصار الحكومة إلى تشبيهه بالراقصة التي تتنقل بين المسارح! كل هذا لأنه حر يكتب ما يريده هو لا ما يريده رؤساء التحرير.
وكنت أتفادى الحديث عن مقالات زميل لطالما سألني: “ما رأيك بمقالاتي؟”، وليته يسكت بعد السؤال ولا يردفه برفع السبابة والحاجبين: “أجبني بشفافية أبا سلمان”، وبعد أن “فاض بيّه ومليت” اضطررت إلى الإجابة عن سؤاله بسؤال، من باب “وداوها بالتي كانت هي الداء”: “هل أضحكَت مقالاتك مؤيديك وأبكت معارضيك؟ إذا كان الجواب “لا” فلا تُضع وقتك في ما لا ينفع ولا يضر، وتفرغ لقوت عيالك في أرض أخرى بعيداً عن أرض الصحافة”.
وللساسة أقول ما قاله أتاتورك للقوات البريطانية التي كانت تحتل بلاده، فأعلن بدء الاستعداد لحرب التحرير، فأرسلت بريطانيا إليه رسالة منها: “نحذر تركيا من استفزاز بريطانيا”، وعندما قرأ الرسالة شطب كلمة بريطانيا وكتب فوقها تركيا، وشطب كلمة تركيا وكتب فوقها بريطانيا، وأعاد الرسالة ذاتها إليهم بعد أن أصبحت الجملة كالتالي: “نحذر بريطانيا من استفزاز تركيا”.

حسن العيسى

حين يغيب سانتا كلوز

هذه المرة صندوق النقد الدولي يحذر من أن الكويت ستستنزف جميع مدخراتها المالية من إيرادات النفط بحلول عام ٢٠١٧، أي بعد خمس سنوات من الآن.
ومن هذه اللحظة التي تبدع فيها –على سبيل المثال- كتلة التنمية بمشروعات قوانين الحشمة، وحظر “بكيني مايوهات” جزيرة كبر، وتحذير الجامعات الخاصة من حفلات الاختلاط في “كباريهات” حفلات التخرج، كما شرعت تلك الجماعة “التنويرية”، بالتحالف مع كتلة الأغلبية وبتواطؤ من المحسوبين على التقدميين مع استثناء محمد الصقر، بإقرار عقوبة الإعدام لجرائم الإساءة إلى الرسول، وبطبيعة الحال قائمة المشاريع المنقذة للاقتصاد في الطريق بعقول طلاب الراحل كينز من “فلتات” المجلس وحكومة شعار “حاضرين لطلبات المجلس”، من هذه اللحظة (الآن)، التي تمضي وتصبح ماضياً، سنشهد بعد خمس سنوات عجز الدولة عن توظيف القادمين لسوق العمل، وسنشهد بطالة متنامية، مع توقف عن مشروعات البنية التحتية، من دون الاخلال، بطبيعة الحال بحقوق المؤلفة قلوبهم -في أسهم البقية الباقية من رثاثة الميزانية، وأيضاً من دون المساس بنفقات الجهاز الأمني لمواجهة أعمال الشغب القادمة لا محالة حين يصبح حال الدولة من حال دول مثل اليونان والبرتغال، إن لم يكن مثل حال مصر أو اليمن أو أي من دول “الجوع” العربي.
هو صندوق النقد الدولي الذي يقرع الجرس هذه المرة، وليس جاسم السعدون أو غيره من رجال الاقتصاد الذين بحت أصواتهم، ولم يجدوا غير الطرش واللامبالاة من حكومات ومجالس “عش ليومك فقط”، الحكومات لاهية بتوزيع الكعك على ربعها والمقربين، والمجالس النيابية مشغولة بملاحقة الفساد عند كبار رجال الدولة، وقبل ذلك تغرق تلك المجالس وبمشاركة من حكومات الحصفاء الناس بهدايا الكوادر والزيادات المالية للمستحقين وغير المستحقين، ولا فرق بين الاثنين غير عشوائية الاختيار، المهم أن يتبلد وعي البشر من مخاطر الغد، وهكذا يتم الاقتصاص العادل من الذين سبقوا في بلع كعك الدولة، والمقصود تجار اليوم ووكالاتهم عند ثوار مجلس طبقات الشعب، والإنصاف في الثقافة النفطية يعني المساواة في الغنم حتى آخر فلس من الميزانية المثقوبة، وهو دائماً غنم بلا غرم في دولة “سانتا كلوز” الكويتية.
بعد خمس سنوات لن يجد سانتا كلوز (بابا نويل) شيئاً في كيسه الأحمر كي يوزعه كهدايا لأطفال الكويت في أعياد ميلاد الدولة، مساكين أطفالنا فقد حكم عليهم الآباء بالضياع والعدم، ماذا سنفعل حينها، فسانتا كلوز سيغيب من آبار نفطنا، وليس لنا من موارد أخرى غير لحى ممتدة للكثيرين من طالبان الدولة، وهؤلاء لا يعرفون كيف يوزعون “الهدايا”، فهم لا يحملون على ظهورهم غير المواعظ والعصي، ماذا سيفعل أطفالنا غداً، هل سيفكرون مع العسر بطريقة إبداعية كأن ينشئوا مصانع للغزل والنسيج ينسجون من لحى حزب “ويحك يا هذا” الحاكم بأمر الانغلاق، بطانيات وبلوفرات يصدرونها للخارج، وينافسون بها الصوف الكشميري… سيكون صوفاً ممتازاً بلون الحناء الضارب للأحمر الباهت، أو باللون الأسود الداكن والمغم كحياتنا الاجتماعية اليوم… ماذا سيفعل أطفالنا غداً! فنحن لم نفعل شيئاً لهم.

احمد الصراف

ثلاثية بصمات العرب

«كل الامم عرضت تاريخها للنقد الا العرب، وكل الامم نزعت القداسة عن تراثها الا العرب. وكل الامم تتطلع الى مستقبل يقطع مع مساوئ ماضيها الا العرب، فهم يرون مستقبلهم في عودة الماضي. كل الامم ترى ان الدين لله والوطن للجميع الا نحن، وكل الامم تجاوزت الفصل بين السياسة والدين الا نحن، وكل الامم تعشق الفنون والثقافة وتحترم المرأة الا العرب، كما يحرمون الفن ويؤسسون لثقافة القبور وغسل الموتى وتغليف المرأة. كل الشعوب تلد أجيالا جديدة، الا نحن نلد آباءنا وأجدادنا، وذلك بغرس طبائعهم فينا وحثهم على التمسك بها والحفاظ عليها!» (عبدالله القصيمي – رجل دين سابق ومفكر سعودي راحل).
***
عندما يعيش البشر في مناطق صحراوية قاحلة تفتقر إلى أساسيات الحياة فان سلب ونهب بعضهم البعض، عن طريق الغزو، يصبح الملاذ الأخير لاستمرار الحياة. وقد عاش جميع سكان الصحارى، والعرب منهم، آلاف السنين يغزون بعضهم البعض، وجاء الاسلام في جزيرة العرب، وانتشر الدين، وعندما استقرت الأمور تم توجيه قوة الغزو للخارج، اما للحصول على غنائم أو لنشر الدين. وربما كان الغزو تاريخيا السبب في نشوء القبائل، في ظل غياب حكومات قوية، أو ما قبل وجودها! فالقبيلة، بتقاليدها وقوانينها غير المكتوبة، هي الحامية للمنتسبين اليها، وهي أداة تنظيم العلاقة بينهم وبين الغير، وبالتالي يمكن القول إن بداية وضع العرب لبصماتهم «الثلاث» الخاصة على تاريخ العالم كانت مع الاسلام، واستمرت معه، ولا تزال. وجاءت البصمة الثانية مع نجاح العباسيين، قبل أواخر سنوات حكمهم في بغداد، في جعل بغداد عاصمة العالم في العلم، نتيجة سياسات التسامح القومي والديني التي اتبعوها، والتي كانت نتيجة لتلاحق وتلاحم خبرات وثقافات ديانات متعددة، مما ادى لأن تعطي بغداد البشرية نخبة من أفضل العلماء.
ثم جاءت البصمة الثالثة والأخيرة مع مرحلة الربيع العربي، غير متناسين بصمات كثيرة أخرى، وهي تسمية غربية جاءت تأسيا بربيع «براغ» عام 1968، ومحاولة دوبتشك الانقلاب على السوفيت! فالربيع العربي فرض نفسه على الخارطة السياسية العالمية، وأصبحت ثورات العرب وانتفاضاتهم والتغيرات السياسية الجذرية التي صاحبتها مادة دسمة للدراسة ولأجهزة مخابرات وموضوعا اعلاميا مهما! كما اصبح هذا «الربيع» يمثل هاجسا للكثير من الدكتاتوريات، حتى غير العربية، وأعتقد ان أثره سيستمر لفترة، فلم نر بعد نهايته! كما أن العالم، والشرق الأوسط بالتحديد، أصبح بعده غير ما كان عليه، ولن تعود أوضاعه لما كانت عليه، ولن تقبل الشعوب بأقل من الحرية والكرامة، فقد تهدم، ربما الى الأبد، حاجز الخوف! أما أولئك الذين يحاولون وقف عجلة التاريخ والعودة بنا للقرون الوسطى فطيشهم وطموحهم للحكم والثراء ورغبتهم في التمتع بالسلطة، وما يفتقدونه بشكل عام من قوة فكرية وأخلاقية وفلسفية، ستقضي عليهم في نهاية الأمر.

أحمد الصراف