كذاب ابن نصاب من يدعي أن الكويتيين كلهم شعب من الأتقياء، يلمع لشدة نقائه وصفائه. ومجنون ابن ملعون من يظن أن الكويتيين على درجة واحدة من الوطنية وحب البلد.
صحيح أن غالبية الشعب من الشرفاء والأحرار، لكن الصحيح أيضاً، كما هو حال بقية الشعوب، أن جزءاً من الشعب لا يعرف الشرف ولم يسمع عن الحرية ولا يعرف شكلها.
لذا، لذا فقط، خرجت هذه التشكيلة من النواب التي أجزم أنها التشكيلة الحقيقية للشعب الكويتي؛ فهناك المتدين، ممثلاً للمتدينين، وهناك النائب المهموم بحقوق البسطاء، ممثلاً للبسطاء ومصالحهم، والتاجر، ممثلاً للتجار ومصالحهم، والسافل، ممثلاً للسفلة وأهدافهم، والشجاع، ممثلاً للشجعان، أو على الأقل لمحبي الشجاعة، والوطني، ممثلاً للوطنيين، واللص، ممثلاً للصوص والحرامية متسلقي الجدران أنصاف الليالي، ووو…
والاستعباط، والادعاء بأن أحداً من الشعب لا يمكن أن ينحط أو يسرق أو يخون هو ضحك على الشوارب واللحى.
هذه هي الديمقراطية، وهذا هو الشعب الذي استهزأ به أحد كبار السن من البسطاء، عندما سأل ابنه مذهولاً: “المسؤولون يتغزلون بالشعب، ويقسمون أنهم يسهرون لحمايته، ويخدمون مصالحه، ويهمهم رضاه، ووو… (اهيب) يا الشعب ما أقواه وما أعلى شأنه! مَن هو الشعب هذا؟”، فأجابه ابنه: ” الشعب هو أنت وأنا وأمي وخالي وعمي وجيراننا وأبو مبارك وعياله وبناته وأبو يوسف وعياله وبناته وبقية الناس”، فكان الرد من الأب مختصراً: “أمك طلعت هي الشعب… يا خرطي”.
وأجزم جزماً مغلظاً أن التشكيلة البرلمانية الحالية هي الأقرب للتمثيل الحقيقي للشعب، وهي الأصدق.
ولك أن تتخيل أن ينتخب الشعب خمسين نسخة من محمد هايف، مثلاً، أو محمد الصقر، أو مسلم البراك، أو نبيل الفضل، أو أو أو… فهل كنا سنقتنع أن الانتخابات كانت مرآة حقيقية للشعب؟ الجواب، حتى قبل أن تُنهي سؤالك: لا طبعاً، أو طبعاً لا، أيهما تحب.
على أن مرآة الدائرة الواحدة، بنظام انتخابي معين ومدروس، ستكون أكثر وضوحاً ونظافة من غيرها من المرايا.
وعسى أن أموت قبل أن يُقر قانون يسمح بـ “الكوتا” (أي عدد معين من الكراسي في البرلمان) لكل فئة من الفئات التي ذكرت، كما هو الحال في انتخابات برلمان مصر، عمّال وفلاحون، أو في بعض الدول الأوروبية التي تمنح الشواذ كوتا في الحكومة، وأظن في البرلمان كذلك! وعسى أن يكبّر على جثتي أربعاً أبنائي والمشيعون قبل أن أقرأ خبراً في صحيفة: “البرلمان يوافق على تخصيص كوتا للسفلة، بواقع مقعدين”… آمين.
اليوم: 10 مايو، 2012
الظاهرة الجويهلية
هناك نصف مليون “جويهلي” في الدولة، معظمهم يردد بإيمان مطلق أن “الكويت للكويتيين”، وكأن الكويت أضحت غير مملوكة للكويتيين، ماذا تعني الكويت للكويتيين في الثقافة الجويهلية غير رفض الكويتيين “الجدد” في مضمون خطاب نائب الأمة، فـ”الإيرانيون والعراقيون واللفو والهيلق والطراثيث على الجنسية الكويتية” (من خطاب نائب الأمة الجويهل) كلهم عند الجمهور الجويهلي لا يستحقون شرف الجنسية، فهم “دخلاء” على الجنة الكويتية التي يجب أن تكون حصراً بنعمها وخيراتها “الزائلة” لـ “أبناء الديرة”! ماذا قال حضرة النائب بحق “اللفو والهيلق والطراثيث” غير الإفصاح عما في صدور الكثيرين من الكويتيين، فاستبعاد هؤلاء “اللفو والهيلق” رغم جنسياتهم الكويتية مسألة واجبة في دولة “الرايخ الثالث” الكويتية.
في الأدب الجويهلي تعتبر التابعية السعودية عند الكثيرين أو القليلين من أبناء القبائل سبباً للحرمان من الجنسية الكويتية، فقانون الجنسية يمنع ازدواج الجنسية الكويتية مع أخرى، حتى لو كان ذلك الفرد الذي هو من أصل سعودي ليس له الحق في رفض “التابعية”، حسب النظم السعودية على نحو ما فهمت، كما ليس من حق الكويتي المولود في الولايات المتحدة أو تكون والدته أميركية أن يرفض الجواز الأميركي، ولم يكن الزج بالكويتيين الأميركان عند الجويهل إلا حركة «حاوي» بثلاث ورقات وتضليل وذر للرماد في العين، والمقصود بطبيعة الحال هم “المزدوجون” من التابعية السعودية، الذين غيروا معالم البلد وغيروا هويتها التاريخية، وفق الأدبيات العنصرية المتعالية. ماذا يريد الجويهل وأنصاره، هل يريد سحب الجنسية عن هؤلاء ورميهم في صحراء الربع الخالي، أم حشرهم مع “البدون” في مأساتهم كي يصبح سكان الديرة “أهل سبارطة” في القرن الواحد والعشرين؟
الثقافة الجويهلية ولو ارتدت ثوب “المدنية الحضرية” أضحت وباء يسري في الجسد الكويتي لا يفرق بين ابن الحضر وابن القبيلة وابن الطائفة، اسمه وباء الفاشية. في بدايات القرن السابق ومع صعود نجم الحزب الفاشي الذي تبنى مفكروه “مبدأ الوحدة الوطنية” كسلم للنهوض بالحزب لاحظ المفكر الإيطالي الكبير غرامشي أن “الطليان قساة، يخلون من العاطفة والإحساس بالغير” وصدقت ملاحظة ذلك المفكر الماركسي حين اكتسح الحزب الفاشي الانتخابات!
الظاهرة الجويهلية لا يصح قصرها على صاحبها وأتباعه، فكل فكر يقوم على استبعاد الآخرين أياً كانوا نساء أو بدوناً أو ليسوا من أصحاب الحظوة هو بالنهاية مرض جويهلي بالصميم، وحين يقدم بعض النواب منهم خالد السلطان والعميري ومرداس مثلاً اقتراحاً بقانون بقصر وظيفة القضاء والنيابة على المسلم الذكر…! ويقصدون حرمان المرأة من تولي تلك المناصب فهم يظهرون الوجه الآخر للعملة الجويهلية… وهي عملة مثقوبة صدأة… وليسأل حكامنا أنفسهم: في أي مصنع سلطوي تم صكها وترويجها؟!
شبّعناهم شتايم شبّعونا طراقات
بالرغم من انتمائنا، والبعض الآخر، للتيار التخلفي(!)، فإن ذلك لم يمنع «التيار التقدمي»، وهو فصيل منبثق عن حركة سياسية يسارية، من دعوتنا لحضور حلقة نقاشية تتعلق بالنية لتعديل المادة 79 من الدستور، بحيث يضاف إليها نص يفرض تماشي أي قانون يصدر مستقبلاً مع الشريعة قبل إقراره، وهذا يعني وضع جهة «افتاء ما» فوق الأمة! وقد أسهب منظمو الحلقة في شرح مخاطر اقتراح التعديل والتحذير من إقراره، وتحميل جهات ما المسؤولية، وضرورة عدم المساس بالدستور أو العبث به، وشرح التعقيدات التي ستنتج إن أقر القانون! وبالرغم من خطورة الموضوع والحاجة للتصدي له بقوة، ليس فقط لأن إقراره يعني القضاء كلياً، وإن بصورة غير مباشرة، على الدولة المدنية ودستور 1962، فإن الحضور، وأنا منهم، كان أكثر من قليل في عدده، وهزيلاً في قوته، وأقل ضعفاً حتى من بابا روما عندما «احتج» على احتلال هتلر لبولندا، وبالتالي لم يمتلك حضور الندوة غير التنفيس عما بداخلهم وتحميل السلطة كامل المسؤولية، وليذهب كل لبيته وأسرته!
ثلاثون عاماً، ونحن نكرر الأقاويل نفسها، ونطيل في سرد الأحاديث نفسها، ونبيّن المصاعب نفسها، ونشرح الظروف نفسها، ومع هذا لم نتقدم يوماً خطوة، ولا خطوة فعالة واحدة، أو نسعى بجدية إلى جمع كل هذا الشتات المسمى بمؤيدي الدولة المدنية من تقدميين واشتراكيين وليبراليين وعلمانيين، أو من يفضل «الوطنيين المعارضين لتسلط القوى الدينية وهيمنتها على مجلس الأمة والقرار السياسي»! ثلاثون عاماً، والزعامات التاريخية، التي يصعب على أي كان إنكار دورها الكبير وتضحياتها ومقاومتها الشرسة لكل مغريات السلطة والجاه، لا تزال ترفض ترك مقاعدها، وربما كان الأمر يهون لو أنها لم تعارض أصلاً في وحدة الصف والذوبان في هياكل تنظيمية أكبر! ثلاثون عاماً، ونحن نجتمع ونتكلم ونوصي وننصح ونطالب، ولا شيء يتحقق في نهاية الأمر. ثلاثون عاماً، ونحن نلوم السلطة، ونعلم يقيناً أن قوة الآخر تكمن في ضعفنا، والسلطة في أي مكان في العالم تقف مع الجهة الأقوى والأكثر تنظيماً، فمتى كنا منظمين، دع عنك أقوياء، في الثلاثين سنة الأخيرة؟ ثلاثون عاماً، لم نتعلم فيها غير الشجب والاستنكار والاحتجاج والرفض والتحذير، ثم لا شيء!
الطريف في الموضوع كان التعقيب الذي أدلى به السيد محمد عبدالقادر الجاسم، حيث ذكر ما معناه أن هناك مبالغة في التخوف من موضوع التعديل الدستوري، ومن الدولة الدينية ومن سيطرة الإسلاميين على المجلس، وأن لا مبرر لكل هذا الهلع والجزع!
***
• ملاحظة: سنتغيب عن الوطن لفترة طويلة، ولكن المقالات ستستمر.
أحمد الصراف