عادل عبدالله المطيري

استجواب سيئ السمعة

  عندما تخلط الأوراق في الساحة السياسية لدرجة غير مقبولة مطلقا، تصبح القضايا الكبيرة والمستحقة والخطيرة في يد من لا يؤمن بها، بل من كان يجاهر بكفره بها، وعندما تنقلب الأمور ويصبح الرأس موضع القدم والعكس صحيح.

وضمن مسلسل العبث السياسي أو «سيرك الأقلية البرلمانية» إصرار النائب الجويهل على استجواب وزير الداخلية على خلفية مواضيع عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، قضية مقتل المغدور به (الميموني)، بالرغم من ان الجريمة ارتكبت في عهد وزير الداخلية السابق وهو الصديق للجويهل، والذي دافع عنه سابقا بكل شراسة، رافضا حتى التشكيك في إجراءات وزارة الداخلية آنذاك، بل وشن هجوما عنيفا ضد قضية الميموني.

والآن ينقلب الجويهل على قناعاته، باستجواب الوزير الحمود على نفس القضية، وهذا الاستجواب أرى أنه لا يتجاوز مواصلة الحملة العنيفة التي بدأها الجويهل على شبكة التواصل الاجتماعي ضد وزير الداخلية منذ تعيينه، لا لشيء سوى أن وزير الداخلية ليس من الشخصيات الوزارية التي يمكنها أن تنشئ علاقة صداقة مع نوعية النائب الجويهل.

من الخطأ السكوت عن التخبط السياسي الذي تقوم به بعض الشخصيات، فعملية التغيير من الموالاة إلى المعارضة السياسية أمر مشروع، ولكن غير اللائق سياسيا أن يستجوب بعض النواب الحكومة على قضايا هم مرتبطون بها أصلا، مثال استجواب الإيداعات المالية، او استجواب الإعلام، وأخيرا استجواب النائب الجويهل، وهذا الاستجواب الأخير سيئ السمعة إلى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الذي عرف عنه «حسن السمعة»، ربما يتطرق فيه المستجوب إلى مواضيع تسيء إلى سمعة الكثير من الأحياء والأموات على السواء.

محمد الوشيحي

الجويهل… يرسخ العادات

لو كانت هناك نقابة للمبذرين، إخوان الشياطين، لكنت نقيبها الذي لا يتزحزح عن كرسيه إلا بعد تدخل عزرائيل، ورغم ذا، لا أظنني على استعداد لتبذير وقتي ووقتكم في استجواب الجويهل لوزير الداخلية، وهو استجواب أشبه بالمطبة التي لا تأخذ من وقتك إلا نتفة، ولا يتطلب التعامل معها إلا تخفيف السرعة قليلاً، قبل معاودة السير بالسرعة السابقة ذاتها. ولولا الحياء لقلت إن استجوابه لا يرقى حتى إلى أن يكون مطبة أصلاً، ولا يتجاوز مستوى وتأثير “عيون القط” المتناثرة في الشوارع، التي أسماها الشاعر ضيدان بن قضعان “مطبات طرررط”، في حين أن استجواب الأغلبية يعادل ويفوق متانة جدران الملاجئ، تصطدم به سيارة الوزير فتتهشم، وتمتنع شركات التأمين عن تعويضه.
ولن أضرب الودع كي أدرك أن الشمالي، وزير المالية، أصبح منصوباً بالفتحة، كخبر كان “كان الشمالي وزيراً” وعلى من يرغب في “وراثة” كرسيه الإسراع بتلميع نفسه منذ اللحظة. خلاص. قُضي الأمر.
على أن استجوابات الأقلية ضرورة طبية للوزراء، تماماً كالأمصال المضادة للأمراض. والأمصال، كما تعلمون، هي كميات قليلة من البكتيريا المسببة لمرض ما يُحقن بها الجسم ليشكل درعاً واقية أمام المرض ذاته. وأجزم وأزعم أن الوزير الذي استجوبته الأقلية ونجا، أو ستستجوبه وينجو، قد بنى قلعة يصعب حتى على تيمورلنك وجيوش التتار دكها بمنجنيقهم العظيم، مالم تقرر الأغلبية خلعه كضرس العقل. مع التأكيد على جملة “مالم تقرر الأغلبية”.
وأشعر أن البعض، من داخل المجلس وخارجه، يسعى إلى اظهار الاستجواب كالعجوز الأرملة، لا حول لها ولا هيبة ولا قوة، ويحرض الأطفال على السير خلفها ورجمها بالحجارة لإهانتها، ناسياً، هذا البعض، أو متناسياً، أن السيف وحده لا يخيف، ما لم يكن في يد من يجيد التعامل معه، وكم من سيف اشتكى الجفاف، وصلى صلاة الاستسقاء بحثاً عن قطرة دم واحدة، في الوقت الذي غرق فيه سيف عنترة في بحار من الدماء. فيا سيداتي سادتي، لا تخشوا السيف ولا تستهينوا به، بل اخشوا حامله أو استهينوا بحامله واحتضنوا وسائدكم وناموا، كما في استجواب الجويهل للحمود.
وتسألني عن محاور استجواب الجويهل، فأجيب: “هو استجواب قائم على محاسبة الحمود بما فعله ذوو القربى من الوزراء السابقين”، وفي عادات القبائل العربية، يتحمل المرء جرائم قريبه. والجويهل باستجوابه هذا إنما يرسخ عادات أجدادنا التي يحفظها جيداً، بدءاً من نوعية القهوة وليس انتهاء بالقصاص من أقرباء الجاني إذا تعذر العثور عليه.

حسن العيسى

شيلمهن

الدعوى المباشرة بعدم دستورية القوانين ليست جديدة في تاريخ المجالس النيابية، على ما أتذكر، فقد قدم مثل ذلك المشروع في مجلس ٩٢ أو ٩٦ من النائب السابق عبدالعزيز المطوع، ولم يكتب لمساعيه النجاح، والآن يتقدم النائب محمد الصقر من جديد لإحيائه بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد تدهور العمل التشريعي حين هيمنت روح العصبية والتزمت والانغلاق الحضاري على ممارسات المجلس، وأضحت مشاريع القوانين ردود فعل خرقاء تهدف إلى المزايدة على عواطف الغضب الديني للجمهور، واستثمارها على حساب العقلانية المفترضة في روح الدستور وفي القوانين بصفة عامة، ولم يكن مشروع عقوبة الإعدام للمسيء للرسول والذات الإلهية غير قطرة من محيط فوضوية التشريعات الانتقامية والمتشفية من القلة.
في الدعوى المباشرة بعدم دستورية قانون ما ليس على الفرد الواعي أن ينتظر حتى يطبق عليه هذا أو ذاك القانون اللادستوري، فيدفع بعدم دستورية القانون، ويتعين على المحكمة التي تنظر الموضوع أن توقف النظر في الدعوى، وتحيل “الدفع” للمحكمة الدستورية إذا وجدت أن هناك جدية ما في الدفع بعدم الدستورية، أيضاً دعوى عدم الدستورية كما يجري العمل الآن هي حكر على المجلس النيابي أو الحكومة، وهما بثقافتهما القانونية أبعد ما يكونان عن الدستور. هنا في دعوى الإلغاء المباشرة يتحرك الإنسان أو الجمعية أو النقابة (على حسب المشروع) الذي يرى عدم دستورية مادة ما من تلقاء نفسه وبطريق الدعوى المباشرة، وليس عليه انتظار “دورة مركب” طويلة حتى ينصفه الدستور من جور قانون ما.
بينما أكتب الآن هذا المقال خطرت ببالي نكتة “شيلمهن” العراقية عن صور صدام حسين، وكيف يمكن تجميع صوره التي كانت في كل زاوية وكل بيت في عراق صدام بعد رحيله، كصور صدام يمكن القول دون مجازفة “شيلمهن” عن تلك القوانين اللادستورية بدولة “إلا الدستور”، ويا ترى ماذا بقي لنا اليوم من دستور ٦٢ غير فتات من ورق. ليست بعض مواد قانون أمن الدولة التي تحرم نشر إشاعات في الخارج بغرض تقويض النظام الاجتماعي والسياسي… إلخ هي التي عليها علامة استفهام دستورية، أجزم بأن معظم قوانينكم غير دستورية، غير قوانين أمن الدولة فهذا تحصيل حاصل بعدم دستورية معظم موادها، لنا مثلاً في قانون المطبوعات والنشر حين صادر حرية الفكر والتعبير، وإلى كثير من المواد في قانون الجزاء والإجراءات الجزائية التي تجيز حبس المتهم أربعة أيام دون تهمة ثم ٢١ يوماً بناء على أمر النيابة وليس قاضي التحقيق (ليس له نظير في القانون الكويتي)، ولكم أن تعدوا وتحسبوا صور صدام الكثيرة في قوانين الدولة! فهل يعقل أن دولة تدعي أنها مدنية وتحتكم للدستور تحرم النظر في قوانين الجنسية والإبعاد ودور العبادة؟ وهل نتخيل أن دولة تشرع بحظر منح الجنسية لغير المسلم على ما حدث في مجلس ٨١، وكان الحظر من بركات الفكر السلفي أيامها، ولم يعترض عليه في البداية غير المرحوم جاسم الصقر؟! ليس هذا وقت عد الثقوب الكبيرة في تشريعاتنا اللادستورية، فكلمة “شيلمهن” تعني أن جمع تلك النفايات التشريعية يكاد يكون نوعاً من المستحيل، كي ننتهي اليوم “بدساتير من ورق”- تعبير الكاتب الأميركي جوناثان- لا تقدم ولا تؤخر، أكثر من ذلك يمكن أن نتصور أنه حتى دستورنا الذي يتسابق دعاة “الحرية” إلى تعديله يمكن أن نصمه باللادستورية، فحين ينص الدستور مثلاً في المادة ٣٥ “… حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب…”، العبارتان الأخيرتان تخول المشرع أن ينفي مبدأ حرية الاعتقاد تماماً، فعلى أي حرية اعتقاد يتحدث المشرع الدستوري؟ وليست كلمة عدم دستورية الدستور من عندي، بل من الثقافة القانونية في دول تحترم دساتيرها، ويكون مقياس الدستورية معايير العدالة والقانون الطبيعي، وبكل تفسير يأتي به المشرع أو المحكمة في تلك الدولة تضاف لبنة أخرى لمزيد من الضمانات الدستورية… هل تجدون في الدستور الأميركي وتعديلاته مثلاً ما يقابل نص المادة السابقة… لنترك نقد بعض مواد الدستور الكويتي إن بقي منه شيء ما، ويبقى الأمل أن يشرع النواب الدعوى المباشرة بعدم الدستورية، مقابل أن تتوطد الثقافة الدستورية الإنسانية عند رجال القانون قضاة أو محامين وعند كل مهتم بحقوق الإنسان.

احمد الصراف

جمال العطاء

مررت قبل سنوات بصديق يعمل في أحد المصارف لعمل ما، وهناك أخبرني عن وقوع حادث لصبية فلسطينية تسبب في احتراق اجزاء كبيرة من جسمها، وطلب مساعدتي! مددت يدي لجيبي واخرجت كل ما فيه، من دون أن أعد المبلغ، وقلت له: هذا كل ما لدي، أرجوك لا تعد المبلغ أمامي ولا تخبرني به، فقد يكون قليلا فأحزن، وقد يكون كثيرا فأحزن أكثر! ضحكنا معا، وتركته. وفي اليوم والساعة نفسهما، وعند مروري على صديق آخر التقيت بالأخ طلال ابن صديقنا الكبير المرحوم حسين الأمير، فقال إنه كان يبحث عني ليسلمني شيكا يتعلق بحصتي من بيع فكرة شركة كنا ننوي تأسيسها! شكرته وأعطيته عنوان البيت ليرسل الشيك، وفي المساء كان بانتظاري في البيت فاكس ومغلف، الفاكس كان عبارة عن صورة ايصال بمبلغ التبرع من صديقي المصرفي يعلمني فيه بأن المبلغ الذي تبرعت به هو 283 دينارا! أما المغلف فقد احتوى على شيك بمبلغ 280 ديناراً، لمصلحتي من حصتي في شركة نسيت موضوعها كليا!
وقبل أسبوع تقريبا، وبعد كتابة مقال «لوياك»، والذي طالبت فيه بالتبرع لها، وما ذكرت عن تبرعي لها بمبلغ من المال لدعم انشطتها، اتصل بي مكتب الصديق يعقوب ليطلب مني ارسال من يتسلم شيكاً بمبلغ يمثل حصتي من ناتج تصفية حساب تفليسة شخص مدين من أيام المناخ! وعندما تسلمت الشيك تبين لي أن ما تبرعت به لـ «لوياك» يقارب كثيرا المبلغ الذي وردني من تفليسة ذلك التاجر، والذي يعود لما قبل الاحتلال.
والحقيقة أن سعادتي بتسلم شيكي الصديقين لم تكن بمثل سعادتي وأنا أتبرع لمشاريع خيرية أو تعليمية أو فنية أو أدبية مثمرة، فالعطاء ليس بحجمه، بل وأيضا بطريقة تقديمه، مع كل ما يصاحبه من شعور عميق بالراحة والانسانية، ولا أكتب هنا من قبل المباهاة، بل لتشجيع أكبر عدد من القراء على العطاء لجهات مثل: لوياك وبيت عبدالله والجهات العديدة الأخرى التي تهتم بسيئي الحظ بيننا من معاقين وذوي احتياجات خاصة، وما أكثرها، فالعطاء جميل حقا. وبخلاف الفكرة السائدة، فانني أؤمن بأن الاعلان عن التبرع يحث الآخرين على القيام بالمثل، فالتبرع بسكوت، بالرغم من مثاليته، جميل، الا أنه غالبا ما يمر من دون تأثير ايجابي على الآخرين! تبرعوا، تبرعوا تصحوا.
***
ملاحظة: يقدم المخرج العالمي سليمان البسام، عرضا لآخر مسرحياته «ودار الفلك»، على مسرح الشامية الساعة 8 من مساء اليوم وحتى الجمعة.
الدخول مجاني ولكن يتطلب الحجز المسبق، هاتف 50800468.

أحمد الصراف