ليس هناك بين العرب من هو أكثر تميزاً من الشعب اللبناني. فبالرغم من صغر مساحة بلدهم وقلة عددهم، من غير المهاجرين منهم، فإننا نجد أنهم الأكثر إبداعاً في أكثر من مجال، حتى في حروبهم الأهلية، وما أكثرها على مر التاريخ، كانوا الأكثر تميزاً بدمويتهم وعنفهم ودمهم ودموعهم، كما هم في كرمهم ومحبتهم. ولو نظرنا لقصص النصب والاحتيال التي رويت عنهم، والتي لا تخلو منها أمة، لوجدنا هنا أيضا تفردا واضحا معجونا بطرافة وذكاء عجيبين، ولخص الصديق عماد محمود كل ذلك بقوله: «كل شي بينعمل، بدّو ينعمل مضبوط»! والطريف ان من السهل ملاحظة الفتاة أو الشاب اللبناني بين أي جمع متنوع، إن من خلال طريقة الاهتمام بالمظهر الخارجي او بطلاقة اللسان والتحدّث بأكثر من لغة، ومعروف أن اللبناني هو الوحيد الذي يستعمل 3 لغات في سؤاله عن الصحة، حيث يقول: هاي، كيفك؟ سفا؟ كما تعرف عنهم تلقائيتهم في التصرف من دون قيود كثيرة. كما لا ننسى أن لبنان أعطى العالم الكثير من العلماء والمثقفين، وأبدع اللبناني في ميادين الجمال والأدب والفن، بطريقة لم تستطعها غالبية، إن لم يكن كل الدول العربية الأخرى، مقارنة بحجمها طبعا! وكل هذا لم يأت. عبثا، بل يعود أساسا للتعدد والتنوع الثقافي والديني والمذهبي وحتى الإثني لشعبه. ولو تم تقسيم لبنان لدول أو كانتونات منفصلة ومستقلة عن بعضها على أسس دينية ومذهبية وعرقية، لاختفت ملامح «الشخصية اللبنانية» المحببة والمبدعة خلال أقل من نصف قرن! وهذا التنوع هو، ولا شيء آخر، الذي أعطى الشخصية اللبنانية مميزاتها وتكوينها المنفرد، الذي أصبح عنوانا للذوق والمحبة والكرم وحب الحياة و«فن» الاستمتاع بها.
لا أدعو هنا حتما الى تقليد الشعب اللبناني في كل شيء والاقتداء به، فهذه أمور تعود لكل فرد، وليس بالإمكان إجبار أحد عليها، أو تغييرها بمقال أو حديث، ولكن ما أهدف للوصول إليه هو أننا لا نستطيع أن نعيش منفردين في العالم ونعتقد بأننا الفئة الناجية، وأن طعامنا هو الأفضل ولباسنا هو الأنسب وعاداتنا هي الأصح وتقاليدنا هي الأجمل، ففي العالم تنوع كبير وعظيم، ومن الغباء عدم الاستفادة منه والنهل من موارد كل هذا التعدد والتنوع، فالبشر إخوة متحابون، ولا يمكن معرفة ما تعنيه المشاعر الإنسانية من أهمية إلا بتقبل الآخر أولا، ومن ثم تجربة العيش معه بسلام.
أحمد الصراف