هذه اللحظات، أو اللحظات هذه كما تقول لغتنا، أجمل من الصبايا الحسان. أقصد اللحظات ذاتها. عليّ النعمة لا أدري أيها أغازل وأنظم قصائدي فيها، ولولا وصول السرية الأولى من الشعيرات البيض إلى رأسي لتتفقد الأوضاع قبل أن تستدعي بقية قبيلتها، لولا ذلك لوقفت على الناصية ورحت أتبسم في وجه هذه اللحظة، وأنثر معسول المفردات على تلك.
يا الله يا الله يا الله.. أنت تعلم أنني من الرجال الذين يُصابون بالصداع إذا ما رأوا حُسن حسناء لا يقاوم، فكيف بحسناوات فاتنات، يتبارين بالغنج والدلع والأنوثة. اللهم لا تشفني ولا تعافني من صداعي.
وكنا نعيش في بيت واحد مع حكومة شعثاء المخبر، كئيبة المنظر، وبرلمان أغبر، لا يهمه إلا الدفاع عن الحكومة، وجمعُ الغنائم، والسطو على أموال اليتامى وقوت الأرامل الثكالى. واليوم ذهبت الحكومة إلى حيث ألقت رحلها الهانم أم قشعم، هي وابنها قشعم، البرلمان الكسيح القبيح، وجاءتنا حكومة، لا أقول فاتنة، لكنها على الأقل أجمل من أم قشعم وأعقل، شعرها مسدول، وجسمها مقبول، ووجهها “مابو شي” كما يقول اللبنانيون، وجاء معها برلمان عفيّ فتيّ، يرقص على زنده الأسد الإفريقي، وجاء إلينا بالاقتراحات الباهية الزاهية، فهنا مشروع بتعديل قانون الانتخاب، وهناك مشروع بقانون لبناء المدن الجامعية والطبية، وفي الجهة اليمنى دراسات لتطوير نظام القضاء، وفي الجهة اليسرى فكرة تنظم المناصب والكراسي، وفي الخلف لجان تحقيق تقطع يد السارق المارق، ومعها لجنة للتحقيق في مصادر تمويل وسائل الإعلام، ووو…
يا الله يا الله يا الله، واليوم يتقدم النائب فيصل اليحيى بتعديلات دستورية يُحيي بها أحلام مؤسسي الدستور، ومعه، أو قبله، أعلنت كتلة التنمية والإصلاح، كذلك، نيَّتَها تقديم تعديلات دستورية منجنيقية، تدك الأسوار وتهدم الجدار تلو الجدار، لا لهو فيها ولا لغو. وكنا نقول ببكاء “وُئدَ الدستور” فبتنا نقول ببهاء: “وُلدَ الدستور”.
وبين هذا المقترح وذاك المشروع وتيّاك الفكرة، يَصِل نوابنا (قلت نوابنا ولم أقل نواب الحكومة) الليل بالنهار، فيربطون ذيل هذا اليوم برأس الذي يليه، متجاهلين صفير الصراصير وعريرها.
وأظن أن البرلمان هذا هو الأخطر على الفاسدين في السلطة وأتباعهم. هو الأخطر لا شك. هو الأخطر لأنه رفع شعار “ضحكنا معكم على أنفسنا ببلاهة وبما فيه الكفاية، واليوم انتهى وقت الضحك والمزاح”.
وأجزم أن الكويت لا تحتاج إلا إلى سنتين لا أكثر لتتعافى من تشوهات السنين الماضية وحروقها وكسورها، قبل أن تشترك في نادٍ رياضي وتمارس ألعاب الأكروبات، وتستعيد لياقتها، وتنضمّ إلى السباق إلى جانب الدول المحترمة.
وآه ما أجمل هذه اللحظات وأبهاها وأحلاها، وآه ما أجمل الصداع.
اليوم: 1 مايو، 2012
نصيحة شيري
لم استخدم الفيسبوك والتويتر او الواتس أب، وغير ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حلقة من TED تحدثت الاختصاصية الاجتماعية Sherry Tuckle عن وسائل الاتصال الحديثة هذه، وقالت ان قوتها لا تكمن فيما يمكننا القيام به بل فيما سنكون عليه، اي بقدرتها على تشكيلنا وتغيير عاداتنا، وغالبا ضد رغباتنا ومن دون علمنا! وقالت ان من السهل ملاحظة قيام البعض، في الندوات والمحاضرات وحتى اجتماعات مجالس الادارة وجلسات البرلمان ومناسبات تقبل او تقديم العزاء بالانشغال عما حولهم باستخدام الهاتف النقال، وتقول ان ما يحاوله هؤلاء هو الهرب من واقعهم، والانتقال بافكارهم واجسادهم، ولو افتراضيا، لمكان آخر! وتقول إن هذه الظاهرة اصبحت اكثر انتشارا مع زيادة عدم اكتراثنا او اهتمامنا بالتواصل الشخصي او الجسدي مع الآخر، بعد ان اصبح الاتصال الالكتروني اكثر سهولة وأقل كلفة، كما ان الرسالة النصية تعطي مرسلها فرصة التراجع عما كتب، او شطبه او تعديله، ليصبح اكثر قبولا واقل او اكثر تأثيراً، كما انها لا تشي بحقيقة مشاعر مرسلها من فرح، ضيق، خوف او خجل، وبالتالي يصبح بالامكان التحكم بقدر اكبر بالنص، و ارتكاب اقل قدر من الهفوات، واخذ الوقت الكافي لقول المطلوب بجمل قليلة، وهذا يجعل المرسل يبدو بالصورة التي يود ان يبدو بها وليس كما هو في حقيقته، وهذا يحرم الآخر من اصدار الحكم عليه لانه لا يراه، وليس الحكم عليه، فلا نبرة صوت ولا ايماءة جسد!.
وتختتم محاضرتها بالقول إن علينا التوقف قليلا، والتفكر فيما يحدث لنا ومعنا، بعد ان اصبحنا نفتقد التواصل البشري، وانقلبنا الى روبوتات، وان بلحم ودم! وان نسعى لخلق لحظات نلتقي فيها مع من نحب وبعضنا بعضا في ركن محدد من البيت، او المكتب، ونتحدث خلالها وننظر في عيون بعضنا بعضا، وان نحرص، في لقاءاتنا تلك، على الا نحمل معنا اي وسيلة اتصال، حتى ولا اي هاتف ارضي او تلفزيون! كما علينا الا نضيع وقتنا في توقع الكثير مما تقدمه التكنولوجيا، فهي على الرغم من كل منافعها مخربة للعلاقات البشرية الحميمة، وعلينا بالتالي اخضاعها لنا وليس الخضوع لها!.
***
ملاحظة: نعتذر لكل مواطن شعر بأن مقال يوم الاحد المتعلق بمرتبة الكويت في الدرك 126 بين 132 دولة في الاهتمام بالبيئة قد «خدش» أحاسيسه المرهفة، ونخص بالذكر كبار موظفي البيئة، ونقول لهم إن الحقيقة اكثر سوءاً، فمرتبة الكويت هي 131 وتسبقها في الافضلية السعودية والعراق واستونيا وكازاخستان، ولا تزيد عليها سوءا غير روسيا، وهذا درك لم تصله الكويت في تاريخها، ودلالة واضحة على بدء العد التنازلي في انهيار مقومات الدولة واركانها! وللعلم، روسيا هي من اكثر دول العالم فسادا! ونترك لكم استنتاج ما تشاؤون
أحمد الصراف