كنا صغاراً عندما لمعت فكرة في ذهن صديق “لماذا لا يتم اختراع مكواة تكوي الثياب (ع الواقف) دون الحاجة إلى وضعها على طاولة؟”، وطورنا الفكرة، في الجلسة ذاتها: “لماذا لا يكون في جيب كلّ منا مكواة يمكن طيّها، تُستخدم لكي الملابس وهي على أجسادنا، في حال سقط عليها، في مكان عام، كوب شاي، مثلاً، أو عصير أو أو أو؟”…
ودارت الأيام، وفوجئنا بأن المكواة التي تكوي الثياب ع الواقف تم اختراعها منذ “زمن جدي” لكنها لم تصل إلينا، تماماً كما أن الكي على الناشف لم يصل إلينا إلا قبل عقدين من الزمن أو ثلاثة، في حين أنه موجود في أميركا منذ نهايات القرن التاسع عشر! ولا أدري هل تم اختراع مكواة يمكن طيها ووضعها في جيوب ثيابنا، أو حتى في سياراتنا، تُستخدم عند الحاجة، أم لا؟
لم يبق شيء لم يُكتشف، وعنترة العبسي يستهل معلقته بـ”هل غادر الشعراء من مُتردَّمِ؟”، أي هل ترك الشعراء الأولون للآخرين شيئاً يمكن أن يتحدثوا عنه؟ والإجابة “نعم كبيرة”، فها هم الشعراء المعاصرون يرتقون شاهقاً إثر شاهق، وسيخلفهم شعراء يجدون “مليون بل تريليون متردم” يمكن الحديث عنه.
ولا أسوأ ولا أبشع من الاختراعات الصحافية، سحقاً لها، وأتساءل اليوم: “إذا كانت الصحف الإلكترونية قد سحبت الأضواء من الصحف الورقية، ولم تذر لها إلا “الحرس القديم” من القراء، عشاق التصفح الورقي باستخدام اليد وفنجان القهوة… ودخل “تويتر” على الخط وسحب قراء الصحف الإلكترونية… فما الوسيلة الجديدة التي ستسحب الناس من تويتر؟ وهل سيجري على الفضائيات ما يجري على الصحف؟ كيف؟ وما هي الوسيلة التي ستلتهم أنصار الفضائيات وتتركها كالزوجة الأولى؟…”.
الأسئلة كثيرة وإجابتها واحدة “لا أدري”. الأمر المؤكد هو أن “التكنولوجيا أنانية”، تستحوذ وتقصي الآخر، بل هي كالوباء تقتل البشر، وتقطع الأرزاق، وتدفعنا إلى حك الأعناق. وكانت مطابع الصحف تحتاج إلى “أمم” من البشر، لكل منهم وظيفته، واليوم تدور المطابع بضغطة زر واحدة، وكانت الفضائيات، إلى وقت قريب جداً، تحتاج إلى “شعوب وقبائل” من الفنيين، وجاءت التكنولوجيا فأبادت هذه الشعوب وأفنت القبائل! بل حتى الطائرات المقاتلة، قررت شركاتها الصناعية الاستغناء عن الطيارين واستبدالهم بالتكنولوجيا، وبعد سنوات ستختفي وظيفة “طيار مقاتل”، كما اختفى “ساعي البريد” الذي ينقل الرسائل الورقية، إلا في حالات نادرة، وكما اختفى واختفى واختفى…
وعسى ألا أموت قبل أن أرى “تويتر” ميتاً والصحف الورقية ترقص فوق جثته، وتتقاسم إرثه مع شقيقتها الإلكترونية. آمين.
اليوم: 26 أبريل، 2012
قول غيرها يا شيخ!
ياالله تخلف علينا، دار أوبرا في الكويت مرة واحدة!
أين نحن الآن في حلم ولا بعلم!! وزير الإعلام الشيخ الشاب محمد عبدالله المبارك، الذي تهمس لنا هيئته بأنه من بطن أهل الحداثة و”العصرنة” ويقدر الفن والأدب، وليس هذا بغريب على مَن تكون والدته الشاعرة الكبيرة سعاد الصباح، شيخنا الشاب زف إلينا قبل يومين خبر عزم الدولة على إنشاء دار أوبرا! ومع أن مثل هذا الوعد الحكومي ليس جديداً، فقد وعد به المرحوم الشيخ سعود الناصر حين كان وزيراً للإعلام في منتصف التسعينيات، وكان من المتصور أن في الشيخ سعود الناصر الحاسم إزاء رفضه للفكر الأصولي المُحنَّط، القدرة على تحقيق وعده، إلا أن الواقع كان أقوى من حلمه، ولم يستطع أن يحقق وعده، فحتى في تلك الأيام كان مشايخ النهضة الكويتية “يحلون ويربطون” ويشكلون الوعي العام الشعبي مثل العجين الرخو.
ماذا عن يومنا الكئيب؟ وأي وعد وأي حلم يقظة مضحك ينطق بهما الشيخ محمد المبارك؟! هل كان يسخر منا؟ أم كان ساهماً في عالم الأوهام؟!
كيف ستصمم دار الأوبرا؟ على شكل بيوت الشعر كي تصبح أكثر اتساقاً مع جفافنا الصحراوي؟ أم أنها ستكون مثل دور الأوبرا في الدول الأوروبية، ومن سيحيي لياليها؟ وأي صوت “أوبرالي” سيلعلع فيها؟ وأي فرق باليه سترقص على أنغام موزارت الشرقاوي وفرانس لست وهو يجر الربابة؟! الله يحفظك يا شيخ ويحرسك من العين الحارة… إلى مَن تسوق كلامك؟! ومن سيصدق وعدك في مثل حالتنا الاجتماعية المحصورة بمشاريع قوانين الحشمة والبوليس الديني وملاحقة النساء “العاريات” في جزيرة كبر ومداهمة أوكار المقاهي النسائية؟!
أراهنك يا شيخ لو حدثت معجزة “بناء الأوبرا” لخصصت لحفلات المسابقات الدينية وتوزيع الجوائز على المبدعين منهم! لا أعتقد أنك يا شيخ “مثلهم” أقصد “الإنتلكجول” الخليجي والكويتي الذي يختزل الحضارة والثقافة في أسمنت ماديات أطول عمارة وأكبر مجمع تجاري وأوسع شارع وأكثر الكروش استدارة، وعليك الحساب في تعداد منجزاتنا ومساهماتنا للفكر الإنساني، أتصور أنك تدرك أنه في مثل حالة “الكسافة”، التي نتجرعها كل لحظة تمضي من العمر من كؤوس الملل والفراغ والسأم في الكويت التي كانت بالأمس جميلة واليوم أضحت تشبه إطلالة وجوه مشايخنا البهية، يصبح الكلام عن المسرح والأدب والثقافة والفنون بمجملها بدعة وفجوراً من صنع الشيطان، ومستقره جحيم مجلسنا النيابي.
دار أوبرا… في الكويت وفرقة “بولشوي” ترقص “الفريسة”… قول غيرها يا شيخ!
مكيف ومسواك
مرّت سنوات على تأسيس ما يسمى بـ«مجلس العلاقات الاسلامية المسيحية» الذي تدير ولائمه وحفلاته مجموعة من المهتمين بتقارب الأديان! وأعتقد أن آخر أنشطة المجلس الهلامي الأهداف، الذي لن يتمكن يوما من تحقيق شيء مفيد، المشاركة في ندوة في طهران وأخرى في قم، قم مرة واحدة؟ وكان ذلك قبل بضعة أشهر، ومن يومها وقعت أحداث جسام وصلت فيها أحزاب شديدة التطرف دينيا إلى سدة الرئاسة والتشريع، ساعية لتطبيق الشريعة في أكثر من بلد عربي. كما تم في الفترة نفسها حرق كنائس في تونس ومصر، وبالذات العراق، وأخيرا في سوريا. وقبل وبعد ذلك تأسست «بوكو حرام» في نيجيريا، وشباب الصومال، ونهضة اسلام «مالي»، وغيرها من المنظمات الكارهة لكل شيء التي لم تتردد في قتل وحرق كل رمز مسيحي. كما صاحب ذلك دفع مواطني دول عدة، ومن المسيحيين بالذات، الى ترك أوطانهم والهجرة، بكل خبراتهم وثرواتهم! كما طالب نواب في الكويت بهدم كنائسها، وهي التي وجدت قبل أن يوجد بعضهم في الكويت، وأيدتهم في ذلك فتوى سعودية! وخلال الفترة نفسها توفي البابا شنودة، وكانت مواقف البرلمان المصري ودعاة الاخوان والسلف من هذا الرجل الكبير الذي كانت له قدسية لدى ملايين الأقباط، مخجلة، ومدعاة للرثاء، ولم يتردد دعاتهم في شكر ربهم لموت الرجل! وقد وقعت كل هذه الأحداث وجماعة مجلس العلاقات الاسلامية المسيحية، ولجان حواره، وكأنها لا هنا ولا هناك، وربما أثرت تخمة أحاديث اجتماعاتهم وما تناولوه من طيب الطعام، من محلل ومحرم، في مؤتمرهم الأخير على ذاكرتهم، فنسوا واجباتهم امام كل هذا العنف والتطرف الذي يفتقد كل فهم وادراك لمعنى العلاقات الانسانية بين الأمم والشعوب وضرورتها لاستمرار الحياة على هذا الكوكب، وبالتالي لم يساهم المركز في شجب أي من أعمال العنف والكراهية تلك، ولا شارك، وفق علمنا، في تقديم التعزية لضحايا هذه الأحداث الطائفية والعنصرية الدينية التي وقعت في الأشهر الخمسة أو الستة الأخيرة في مصر وسوريا والعراق وتونس، وعدد من الدول الأخرى، ولو بتصريحات صحفية، وبالتالي لا أعلم حقا سبب وجود مثل هذا المجلس، الذي لم يحقق ولن يحقق سوى الفشل، وسبب فشلهم يكمن في فشل المسلمين في التوحد، فهم متفرقون وأحوج من غيرهم الى مجلس علاقات اسلامية سني سني، وآخر شيعي شيعي، قبل أن نقفز الى تقريب المسلمين بغيرهم.
من جانب آخر، يطلب قادة «الاخوان» والسلف من جموع المسلمين الاقتداء بهم في مظاهرهم الخارجية، من كي الجبهة أو فركها مرارا للحصول على «زبيبة»، وحف الشوارب وإطلاق اللحى أو تشذيبها على طريقة الاخوان، وان ينتفوا «شعر الابط» ولا يحلقوه، وأن يقصروا أطوال أرديتهم، وأن تغطى الرؤوس بقحفية أو بغيرها، مع عقل وعقال، ويستحسن بغيرهما، وأن يتبعوا الأصول عند الاستنجاء! وهذا يعني دعوتنا لترك كل ما هو عصري في حياتنا، وتقليدهم في كل شيء! ولكننا نجدهم في الوقت ذاته مقبلين، وبشراهة، على كل مستجدات العصر وأدواته ووسائل اتصاله وما وفرته التكنولوجيا الحديثة، فلمَ اذن يريدوننا أن نكون معهم ومثلهم، ولا يريدون أن يكونوا معنا ولا مثلنا!
أحمد الصراف