على الرغم من سواد الجبل الذي تشكله إطارات منطقة «رحية»، لكنها تمثل رأس جبل الجليد الذي يخفي تحته كل مآسينا وعجزنا وهوان حالنا على الرغم من تخمتنا «النقدية»! فبالتمعن في الوضع نجد أنه يمثل الكيفية التي تبدأ فيها الأنظمة والدول بالانهيار والتحلل ببطء، ولكن بصورة مستمرة. لا أحاول أن أبدو يائسا ومأساويا في مقالي هذا، ولكني سأقول الحقيقة كما أراها. فجبل الفساد هذا، المكون من 8 ملايين إطار، بدأ بالتشكل بداخل مجلس الوزراء عندما قام بتسليم مقاليد التعليم للاحزاب الدينية فعاثت فيها تخريبا وأبعدتها عن قضايا المواطنة والبيئة والديموقراطية والمحاسبة والمسؤولية والعقاب والثواب ومواد الدستور وحقوق الإنسان، وأخذتها الى كهوف الجهل والتخلف، فجاءت مخرجات مدارسنا، وبالتالي مخرجات انتخاباتنا، متخلفة بكل ما في الكلمة من قسوة، فلو لم نكن كذلك لكانت الوحدة الوطنية في بلد صغير وجميل كالكويت تعني شيئا غير ما هو حاصل الآن! ولو لم نكن متخلفين لما كنا طائفيين، ولو لم نكن كذلك لما شغلتنا أشكال قبور الغير، ولا الرغبة في هدم الكنائس ولا في كل هذه الحماسة لإقرار قانون لا مثيل له في العالم يجيز قطع رقبة من يخطئ في لفظ أو كلمة لا تعجبنا! لقد وقع نظر عشرات آلاف المواطنين والمسؤولين على منظر جبال إطارات رحية، من دوريات «الداخلية» وسلطات البلدية ومشرفي النظافة و«ضباط» إطفاء ومسؤولي بيئة ووزراء ووكلاء وأطباء صحة وغيرهم، ولم يتحرك ضمير أحد ليسأل: لماذا تبقى هذه القنبلة من دون تفكيك؟! وقد سبق ان كتبنا قبل سنوات عن الموضوع، ولكن من يقرأ؟! حدث ذلك لأننا شعب في غالبيته متخلف، وتخلفنا سببه تخلف مناهجنا، ومناهجنا في روحها تطالب باغتيال أو على الأقل اسكات كل صوت وفكر حر، وليس هناك بالتالي ما نجنيه ونحصده غير الخيبة والعودة الى الوراء، والاهتمام بهوامش الأمور من طول لحية وقصر رداء وشكل نقاب ولون حجاب، وصراع السلف والإخوان على المساجد ومعسكرات التدريب وجيوب المواطنين وقلوبهم، وهي الأمور التي في غالبيتها محور اهتمامات ندوات بعض مرشحي الجهراء وغيرها، وليس تخلف مدارسنا وخطورة بيئتنا ونقص خدماتنا! حدث ذلك في الجهراء، التي كانت قبل 92 عاما رأس الحربة في التصدي لجحافل التخلف، ولكن هؤلاء عرفوا أن تخريب المناهج والعقول أكثر فعالية وقوة من ضرب السيوف على الرقاب.
يقول صاحب الشركة التي تمتلك الإطارات، («الوطن» 4/21): هذا الحريق ليس الأول، ولولا الاعلام لما انتبه له أحد، وهو متعمد، فهناك صراع وتناحر بين أطراف غير واضحة، ولكن أياديها واضحة ولهم سلطة ونفوذ ويتبعون جهات حكومية، والبلدية رفضت إجبار شركة الحراسة على تركيب كاميرات، وفق العقد المبرم (!!) ولو قامت الحكومة بالتحقيق في هذا التصريح الخطير، وفي مسؤولية الجهات المعنية بالمشكلة لتطلب الأمر فتح سجن جديد لاستيعاب أعداد المقصرين، ولكن يبدو أن الوقت قد تأخر كثيرا، وهي الجملة التي قالها البروفيسور البريطاني الذي جاء للاشراف على علاج اللاعب الدولي سمير سعيد، بعد أن تبين له أن «الاسعاف» استغرقت ساعة ونصف الساعة للوصول الى المصاب ونقله الى مستشفى العدان، وكيف أن أجهزة التنفس وشفط الدم فيها كانت لا تعمل، ولو كان الوضع غير ذلك لكان هناك أمل في أن يكون سمير سعيد، وغيره من عشرات الضحايا بيننا الآن، ولكان الوطن برمته في غير حال!
أحمد الصراف