في التصويت على مشروع قانون الإعدام لمن يطعن في الرسول أو الذات الإلهية سكت النواب المحسوبون على التقدميين- أعتقد أن كلمة تقدميين كذبة كبيرة صدقناها بغباء- في النقاش حول مشروعية مثل تلك المادة “الدراكونية”، ثم صوتوا عليها كما وردت، ضاربين عرض الحائط بكل أدبيات العقل والاتزان في العملية التشريعية… هل تدرون ماذا حدث؟! حشرهم النائب جمعان الحربش في خانة من لا يصوت على المادة فهو محسوب على “الملاحدة الجدد”، أي أنه يرضى بالطعن في الرسول أو الذات الإلهية… وحدثت الطامة حين صدق هؤلاء تهديدات الحربش والقوى الدينية الحاكمة بأمر الاستبداد!
لم يقف نائب واحد من أشباه التقدميين، الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، ليسأل من صاغ تلك المادة ما إذا كان المقصود بها الدفاع عن الرسول والذود عنه من سفه السفهاء أم هو إعلان الانتصار النهائي لدعاة الدولة الدينية الاستبدادية، وتم ترك موضوع مادة العقوبة للنواب الشيعة دون غيرهم ليعترضوا عليها من أبواب الفقه الجعفري- كما كتب فاخر سلطان في الوطن- لا من أبواب مرامي التشريع حين يكون أداة للتقدم والحريات. تصور “نوابنا” أن المقصود بالتشريع هو تلك الشراذم الفاقدة لحس المسؤولية، وتتعدى على معتقدات الغير! أو أنها معركة “الشيعة” وحدهم فما شأنهم بما يحدث! وما علاقتهم بالأمر؟!
يا حسرة عليكم، وعلى هذه الديمقراطية السوداء حين تقتل الحرية باسم الحرية، وحين تصادر المعتقدات الإنسانية باسم المعتقدات الإنسانية، وحين تشوه مقاصد الدين باسم الدين، وحين تسلق التشريعات من أجل إرضاء نهم دعاة الرأي الواحد والنهج الواحد وجماعات “البعد الواحد”.
المقصود بذلك التشريع ليس كما روج له دعاته بأنه للحفاظ على اسم الرسول والذات الإلهية، المقصود في الحقيقة أنتم ونحن وبقية خلق الله، لا فرق بين مؤمن وملحد ومسلم وغير مسلم! المقصود مصادرة وجودكم وتفكيركم، وفرض الرؤية الواحدة للدنيا من قبل حماة الدين كما يزعمون، كي تصبحوا (ونصبح معكم وقبلكم) في النهاية عبيداً في أسواقهم يتاجرون بحرياتنا وبعقولنا كما يريدون بثمن حماية الدين والمعتقدات… في تشريعهم عودة مخيفة لمحاكم التفتيش الإسبانية في نهاية القرون الوسطى حين هدد المسلمون واليهود: إما تغيير دياناتهم أو الخضوع لأبشع أنواع التعذيب بنبش صدورهم أو الطرد من قشتالة.
لنقف هنا قليلاً، هل تتذكرون المرحوم د. أحمد البغدادي، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الكويت، أعرفه جيداً، كان أكثر تديناً والتزاماً بالشرع من الكثيرين من دعاة أيامنا المظلمة ومن الانتهازيين الراكبين فوق الموجة الدينية والمتربصين بحرية الكلمة والفكر… أحمد البغدادي كتب كلمة واحدة في مقال بحثي طويل عام ٩٩ فسرته المحكمة، بعد بلاغ من أحد المحتسبة في ذلك العام، بأنه إساءة إلى الرسول، وحكم عليه بالسجن، وقضى أسبوعين في سجن طلحة، وأفرج عنه بعفو أميري من الأمير الراحل جابر الأحمد.
من أجل كلمة واحدة وفي اجتهاد قانوني لمحكمة الموضوع قد يختلف معه الكثيرون زج بالبغدادي في السجن، فماذا سيحدث اليوم أمام حفل المزايدات واحتفالات قيام الدولة الدينية… هل ستنبشون قبر أحمد لتعلقوا رفاته على مشانق طيشكم وتهوركم التشريعي؟ اتقوا الله في وطنكم وفي مستقبله الضائع بسببكم وبسبب غياب أولوياتكم وجهلكم بالحضارة والثقافة وحقدكم الدفين وكراهيتكم للغير.
اليوم: 17 أبريل، 2012
مؤامرة صلاح ووفاة سمير
يقول الزميل صلاح محسن لا توجد مؤامرة من دون توافر عناصرها، وقد يكون الضحية هو من وفرها، ويعني بذلك أن الحياة، بكل مستوياتها، لا تخلو من المؤامرات، ولكن علينا كأفراد ومؤسسات سد منافذ دخول المؤامرات، فهذه لا تأتي إلا عندما يكون المناخ في بلد، أو ظرف ما مهيئا ومشجعا لقيام المؤامرة. فلو امتلك شخص ثروة كبيرة وبدأ في تبذيرها، واستغل البعض الوضع لتحقيق أقصى المكاسب لأنفسهم من هذا التبذير فهل في الأمر مؤامرة، أم أن هؤلاء تآمروا على الضحية، أم أن سذاجة المبذر هي التي سهلت لهم ودفعتهم لمحاولة الاستفادة القصوى من الثروة الضائعة؟ فنحن جميعا نعيش في عالم يخلو من المثالية، وإن لم يتم استغلال سذاجة هذا الشخص من جهة فسيتعرض للاستغلال، وليس للمؤامرة، من جهة أخرى، وبالتالي نحن مطالبون جميعا بنشر الوعي والتوعية، وإنشاء المؤسسات غير الربحية التي تعنى بالمحرومين وقليلي الحظ، وأن تكون المناهج الدراسية متماشية مع التطور والعصر، ولا تتكلم عن «عادات وتقاليد» أهل الكهف، فعالمنا اليوم لا يرحم الجاهل الفاقد للمعلومة الحديثة! ولو نظرنا للشعوب التي تشتكي من وجود مؤامرات عليها لوجدنا أن نسبة التعليم فيها متدنية، ويسود أفرادها جهل كبير، والدليل على ذلك ان الحديث عن وجود مؤامرة في دولة كالنرويج، على الرغم من ثرائها وامتلاكها لمخزون نفطي هائل، أمر غير وارد، فلم لم تتآمر عليها بريطانيا مثلا وتسلبها ثرواتها، وهي التي لا تبعد عنها غير بضع مئات من الأميال، ولماذا تبحر جحافلها لآلاف الأميال لتتآمر على دولنا وتسلبنا خيراتنا ونفطنا؟ الجواب البسيط هو جهلنا وغباؤنا، وليس تآمر الآخرين علينا! وفي السياق نفسه يقول صديقي السوري إن ما يحدث في وطنه هو نوع من المؤامرة، وعندما سألته إن كان بقاء أسرة واحدة في الحكم لأكثر من 40 سنة مؤامرة أم لا رفض الإجابة. والطريف أن تنظيم الإخوان المسلمين كان دائم الشكوى من وجود مؤامرة غربية ضدهم تمنع وصولهم الى الحكم! وحيث انهم وصلوا للحكم، أو كادوا في أكثر من دولة عربية، فهل هناك مؤامرة غربية لإيصالهم للحكم؟ وهل سيعترفون بأنهم قبلوا بالتآمر عليهم ليصلوا الى الحكم؟ وكيف يصبح حرمانهم من الحكم مؤامرة وإيصالهم للحكم تعاونا وقبولا؟
***
• ملاحظة: في خضم كل هذا الشحن الطائفي الذي تعيشه البلاد، أتمنى على شيوخ الأسرة والنواب والوزراء، ورجال دين كل الطوائف والجميع المشاركة في تقديم واجب العزاء لأسرة رجل الأعمال، المرحوم سمير سعيد، الذي طالما أمتعنا بفنه الرفيع وخلقه العالي، وهي فرصة لنثبت للكل أن وحدتنا الوطنية فوق كل اعتبار، وأن نبيّن لوالدته ان حياة وحيدها، فلذة كبدها، لن تضيع سدى.
أحمد الصراف