صادف يوم 14مارس الماضي ذكرى عودة روح الله الخميني إلى إيران قادما من منفاه في فرنسا عام 1979، وبهذه المناسبة قامت السلطات هناك بترتيب حفل استقبال في مطار طهران لتجسيد لحظات وصول آية الله، واستخدمت في ذلك صورة من الورق المقوى له يحملها جنديان ويقومان بانزالها بكل مهابة من الطائرة، ثم يقومان، وهما حاملان للصورة باستعراض حرس الشرف. ثم اقيم بعدها مجلس «صوري» للخميني، جلس فيه كبار المسؤولين، في وقار جم، أمام الصورة، وكأنهم جالسون امام «الفقيه» نفسه! ولكن لو نشر «الملالي» صورا فوتوغرافية، أو فيلما وثائقيا عن الأيام الأولى لعودة الخميني، لوجدنا أن الكثيرين، إن لم يكن جميع من كانوا حوله يوما قد اختفوا قسرا أو ماتوا اغتيالا أو سجنا أو نفيا، لعدم رضاه عنهم. ولو تمعنا في المبادئ «السامية» التي قامت الثورة من أجلها لوجدنا أن لا شيء قد تحقق بصورة كاملة أو قريبة من ذلك على أرض الواقع! فالثورة جاءت لتنصر المظلوم، ولكن عدد المظلومين اليوم في إيران أكثر مما كان عليه في عهد الشاه الفاسد، والسجون اليوم مكتظة بعشرات الآلاف، بينهم نسبة عالية من المعارضين السياسيين. ولو قلنا ان الثورة قامت لرفع مستوى معيشة الشعب لوجدنا مدى هراء هذا القول، فأعداد متزايدة من الإيرانيين يريدون الهجرة لشح الوظائف، حتى قبل توقيع العقوبات. ولو قلنا ان الثورة أتت لتقضي على ظلم وفساد «السافاك»، لوجدنا أن نظام المخابرات القديم لا يزال ساريا بكل اجهزته ولم يقصَ ويقتل غير قادته. كما أن الثروات الكبرى التي صودرت ووضعت تحت إدارة مؤسسة خاصة لتنميتها ضاعت في غالبيتها في ظل نظام مهترئ، بعد أن فشل رؤساء المؤسسة وغالبيتهم من الملالي في إدارة مئات المصانع والمؤسسات الناجحة، بعد مصادرتها من اصحابها، والذين ربما كانوا أكثر فسادا ولكنهم كانوا حتما أكثر دراية بمشاريعهم!
إننا لا نسرد كل هذا للتشفي من احد أو جهة أو مهاجمة نظام ما، بل لنقدم للمتكالبين على رؤية الدولة الدينية في بلادنا نموذجا لما ستكون عليه الحال عندنا وعند غيرنا إن تحكم رجال الدين، غير المؤهلين اصلا وفصلا وعقلا وتركيبة، في مفاصل الدولة والإصرار على إدارة الاقتصاد والجيش والصناعة وحتى الفيزياء النووية. فالعملية لا علاقة لها بالنزاهة والخلق الطيب والسيرة الحميدة، على افتراض توافرها في رجال الدين، بل الأمر يتعلق بقدرات وخبرات تفوق ما لدى هؤلاء بكثير. وأوضاع دول مثل تونس ومصر وسوريا وحتى ليبيا، بشريا وماديا وموارد، ليست بأحسن من وضع إيران في شيء، ومع هذا فشل النظام الديني فيها، القائم اساسا على تحكم رجال الدين في كل مرفق، فشل على مدى أكثر من 30 عاما في تحقيق شيء عجز نظام الشاه السابق والتالف في تحقيقه، وسيستمر النزيف المادي والبشري والخلقي في إيران حتى سقوط النظام بالقوة، أو تآكله من الداخل، ولا نحتاج لننتظر طويلا لنرى النهاية! أما أولئك الذين يعتقدون بوجود ديموقراطية في إيران فهم واهمون، فالنظام بأجهزته الرقابية لا يسمح بترشح اي فرد إن لم يكن «المرشد الأعلى» شخصيا راضيا عنه، وبالتالي فهو نظام دكتاتوري لأنه يستخدم الدين في الحكم والاستمرار فيه، باسم «الشرعية الدينية»، عن طريق خداع الغالبية الساذجة، وهذا ما يسعى «الإخوان المسلمين» الى تحقيقه في أكثر من بلد، ولهؤلاء مرشدهم الأعلى، كما أن أحد كبارهم صرح في ندوة اخيرا بأن عينهم على منصب رئاسة الوزراء!
أحمد الصراف