محمد الوشيحي

سكرانة

فوضى، واستعراض عضلات، واندفاع البعض لتسجيل اسمه على أكبر مساحة من العَلَم، كما يفعل عساكر الرومان عندما ينتصرون في معاركهم. هذا ما تفعله أغلبيتنا البرلمانية هذه الأيام.
أكرر وسأظل أكرر وألتّ وأعجن ما قلته: في السياسة، كما في المعارك العسكرية، يجب أن يبتعد القائد العسكري، أو يُمنع عن اتخاذ القرارات، فور انتهاء المعركة مباشرة، إلى أن يستفيق من نشوة النصر أو سكرة الفوز، فللنصر سكرة مدمرة تفوق سكرة الخمرة، يفقد معها المنتصر عقله، فيتمادى ويظن أنه الإسكندر المقدوني، وقد يتمادى أكثر فيحسب أنه جنكيز خان، صاحب أقوى جيوش العالم وأشرسها، فتتوزع قواته وتنقسم على نفسها فتُهزم شر هزيمة وتُسحق شر “سحقة”، واسألوا أخانا أدولف هتلر، الذي كان يقرر الهجوم على الدولة الأخرى فور انتصاره على الدولة الأولى، كل ذا بسبب نشوة النصر، إلى أن انتهى به المقام مثل العجوز التي لا تجيد سوى الولولة ونثر التراب على الرأس. وأخشى على أغلبيتنا من الولولة ولطم الخدود بسبب نشوة النصر.
وكما أن المعارك السياسية نسخة طبق الأصل من المعارك العسكرية، كذلك هي نسخة من التجارة وفنون التجارة، والتجارة تحتاج إلى إنسان بعقلين ومعدتين وقولونين، إذا تلف أحدهما اشتغل الآخر مباشرة، وأنفين، يستنشقان المكسب والخسارة من على بعد، ومرارتين، ومن كل شيء اثنين، أو أكثر. التجارة كالصبية لا تهوى الخفيف، بل تبحث عن الواد التقيل، الذي يمتلك حبالاً طويلة من الصبر و”الثقل”.
وأغلبيتنا البرلمانية بنصف معدة ونصف عقل ونصف قولون ونصف أنف ونصف مرارة، ولا تجيد التجارة، ولا تتقن الغزل ولا التعامل مع الصبايا، ولا هذا ولا ذاك. هي أغلبية، كما اكتشفت، تجميع صيني، وبلا كفالة من المصنع، ما إن يشاهد أحدهم، أو قل بعضهم، الميكروفون، حتى يصرخ: سأقدّم استجواباً لفلان بن علان، وسأحتل شمال كاليفورنيا، وجنوب جبال الأورال، وغرب المنقف، فقط بسكين المطبخ! يقول ذلك وهو يلعق الدم ويرفع لثته ليرينا أسنانه. يا عمنا “تيمور لنك” ارفق شوي حماك الله، واحرص على النساء والأطفال والأسرى ودور العبادة.
وأجزم أن أول استجواب يجب تأجيله هو استجواب كتلة الشعبي لوزير المالية مصطفى الشمالي، حتى وإن وافقت الأغلبية عليه وقررت استعجاله لقطع الطريق أمام بعض القرارات الكارثية، وكذلك استجواب النائب النقي الصيفي الصيفي لوزير الشؤون، وهو الوزير الذي يحفظ عن ظهر قلب تعاليم كتاب “بو جعل”، وغيرهما من الاستجوابات. يكفي أن تجتمع اللجنة التنسيقية للأغلبية برئيس الحكومة وتحذره، باسم الأغلبية، من كيت وكيت وكيت، وأجزم أنه سيوافق “بلا مهر”، وسيأتيها رده: “شبيك لبيك”. وانتهينا. ولا حاجة إلى أن ترينا الأغلبية لثتها لنكتشف شراستها وقدرتها على خوض الحروب، فدماء القتلى في المعارك السابقة تكفي لإقناع كل من لا يقتنع.
يا أيتها الأغلبية، إن خمرة النصر قد أسكرتكِ فترنحتِ، فاهرعي إلى أقرب “دوش” لتضعي رأسك تحته، واحرصي بعده على تناول قدح كبير من القهوة السوداء. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *