لا يصح أن تكون الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان مكاناً لـ”الرزة” وتحقيق وجاهات اجتماعية، أو أن يتصور أن فوز السادة أعضاء مجلس إدارتها الجديد هو تكريس لعملية انتقام من الأعضاء السابقين، وبالأخص الزميل علي البغلي ومواقفه السياسية التي كان يعبر عنها في كتاباته اليومية، والتي باجتهاد الكثيرين أو القليلين لم تكن متسقة مع ما يجب أن يكون عليه الفكر المفروض لرئيس جمعية ليس لها من هم غير قضية حقوق الإنسان.
مجلس الإدارة الخاسر لم يكن محصوراً في شخص رئيسه، وقدم أعضاؤه الكثير لقضايا حقوق الإنسان، وأخص منها قضية البدون على سبيل المثال.
فقضية حقوق الإنسان أسمى من علي ومن الجمعية ومنا كلنا، وأهم ما يجب أن نحشره في رؤوسنا وأن يكون دستوراً غير مكتوب للجمعية هو النأي بالجمعية عن التجاذبات السياسية، وألا تكون ساحة للصراعات السياسية والاجتماعية أياً كان وصفها؛ حضر- قبائل، سنة- شيعة، إسلاميون – علمانيون، حكوميون- معارضون، فقضية الجمعية الأولى والأخيرة هي كلمة “الإنسان” بالمطلق، بحقوقه وحرياته كما وضع إطارها العام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية، وبصرف النظر عن أصله وفصله أو معتقده الديني.
عزل “الرأي السياسي” الذي يخضع لمصالح واجتهادات متغيرة ومتناقضة هو أولى أولويات ما يجب أن تنتهجه الجمعية، ومن المحزن ما قرأته من تعبيرات عن مشاعر “الشماتة” والانتشاء بلحظة الفوز من بعض المتحمسين للقائمة التي فازت والتي لم تضم امرأة واحدة، وخلت من أي وجود شيعي، فهل أفهم أن الأغلبية في الجمعية العمومية التي صوتت للقائمة الفائزة لها مواقفها ضد المرأة وضد الشيعة! إذن أي حقوق إنسان وأي “بطيخ” معفن نتحدث عنه الآن إذا كانت تلك قطرة في أول الغيث للجمعية؟
يبدو أن الجمعية أضحت مرآة عاكسة لنتائج انتخابات مجلس الأمة الأخيرة والفكر المهيمن في المجتمع الكويتي اليوم، لننتبه هنا، فما يصح للبرلمان لا يصح لغيره من مؤسسات المجتمع المدني، فالمجلس هو نتاج عمل سياسي بداية ونهاية، بينما جمعية مثل حقوق الإنسان يجب أن تكون نتيجة إيمان أخلاقي سامٍ بحقوق الإنسان أولاً، وبمبدأ المساواة ثانياً.
أسئلة كثيرة تدور في رأسي الآن عن أولويات مجلس الجمعية الجديد، هل سيكون منها أوضاع البدون، والخدم، والعمالة الأجنبية وحقوق المرأة التي يجب عدم حصرها في “الانتخاب والترشيح”، كما قد يفهم يتامى عقيدة “أنا الخليجي”.
هل سنرى أعضاء من الجمعية في منطقة تيماء كـ”غيتو” البدون يضربون به في اعتصاماتهم، ثم يزج بهم في المحاكم الجزائية كلما عبروا بصورة سلمية عن تطلعاتهم في المساواة والكرامة؟!
هل سنسمع لهم ضجيجاً رافضاً وحركة دائبة لا تتوقف تنتصر لحقوقهم كما كانت تفعل مها البرجس التي خسرت في الانتخابات وخسرتها قضية “الإنسان”؟!
وهل سنشاهد صوراً في الجرائد لابتهال الخطيب وهي تذرف دموع الحزن في معمعة عمليات تأديب البدون؟!
هناك الكثير من الأسئلة. كم أحلم أن أرى تمنياتي لقضايا حقوق الإنسان تصير واقعاً حياً، وليست أوهاماً فارغة.