احمد الصراف

جبل الجليد

معلوم ان مغريات الحياة ومباهجها يمكن ان تليّن اكثر المواقف صلابة، خاصة ان كان صاحبها يشكو من حرمان مزمن، ويبدأ اللين عادة مع وصول المحروم، وخاصة ان كان مغاليا في تدينه، إلى السلطة. هنا نجد انه يدخل في صراع بين ما يتطلبه مظهره الخارجي منه، وسابق المغالي من آرائه، وبين المغريات التي اصبح باستطاعته الحصول عليها بحكم وضعه الجديد. هنا لا يجد امامه غير الكذب والرياء!
قصة او حالة النائب السلفي المصري، عضو حزب النور، انور البلكيمي لا تختلف عن قصص غيره من المتصدين للدعوة والنصح والارشاد، ممن «وصلوا»، ولا يزال طعم الحرمان القديم قابعا تحت ألسنتهم، فقد اضطر هذا النائب ليس إلى تلفيق قصة قيام جماعة بالاعتداء المسلح عليه، وسلب مائة الف جنيه منه فقط، ان بسبب مواقفه او لغير ذلك، بل وقام بالتستر على فعل يمنعه «جديد» تدينه من القيام به اصلا، وقام بكل ذلك بغباء مفرط ومتوقع، وهذا ما سبق ان اثبتته التجارب من افتقاد المغالين في مواقفهم لما يكفي من «الآي كيو»، حيث روى حادثة سهلة الانكشاف، وكان بإمكانه الادعاء بسقوطه في الحمام على وجهه وكسر عظمة انفه مثلا، ولكنه لفق قصة الاعتداء، لكي يضرب عصفورين بحجر، اولا لكسب تعاطف الناس معه، وثانيا للتغطية على فعل محرم، فحزبه السلفي يحرم التلاعب بـ«خلقته»! ولكن الشيخ انور بعد ان اصبح عضوا في مجلس الشعب، واصبحت مباهج الحياة في متناول يديه، اراد ان يكون في «اجمل» صورة، وان يتجمل استعدادا للمرحلة الجديدة، وقصة ضابط الشرطة المصري، في آخر ايام عهد مبارك، الذي تحول الى داعية سلفي في اول ايام المجلس العسكري، ليست بعيدة عن الذاكرة، ولا استبعد ان تكون الغالبية لدينا ولديهم من طينته وإن بأشكال مختلفة.
قصة انور البلكيمي هي مثال صارخ على الوصولية والتلاعب بمعتقدات وعواطف العامة التي لا يعرف كثيرون منهم الفرق بين العود وحرف الالف، والذين اعطتهم «الاقدار» حق فرض من تراه علينا كمشرعين، وهؤلاء لن يكتفوا بتشكيل عقولنا على مقاسات عقولهم، بل وباشروا التخريب منذ اول اجتماع عقدوه في مزرعة لتحديد اولوياتهم كأعضاء في مجلس الامة الكويتي، ولم يكن غريبا ان جميع تلك الاولويات لم يكن بينها اي مشروع انمائي اقتصادي حيوي او صحي او تعليمي!
المهم ان حزب السلف المصري، بهيئته العليا، اكتفى باستقالة نائبه والاعتذار لما سببه موقفه المضحك المبكي من احراج للسياسيين والمسؤولين، الذين قاموا بزيارة النائب في المستشفى، وتناسى الحزب ان «انور بيه»، الذي طار منه لقب الشيخ، لم يكن غير رأس جبل الجليد الذي يختفي تحت مياه آسنة! والمستقبل القريب سيكشف اننا كنا على حق، وان من اختارتهم الجماهير لحكمنا لا يشكون من شيء اكثر من الخواء، والخوارة التي شاهدناها في طريقة الادارة «الخالدة» لإحدى جلسات مجلس الامة الكويتي الاخيرة، خير دليل!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

رفقاً بهم…

مهما ارتفعت أسوار السياسة والصفحات السياسية والمانشيتات السياسية الساخنة، لا يمكن أن تحول بيني وبين قراءة الصفحات الأدبية في الصحف، خصوصاً في هذا الجورنال. مازلت من عشاق هذا اللون من الصحافة، ومن عشاق كتابات الزملاء في قسم “ثقافات”. ويتباكى عشاق الأدب الصحافي العربي على المجد الذي كان، ويلطمون حزناً على الملاحق الأدبية التي كانت تزيّن الصحف، ويحثون الرمل على رؤوسهم بكاء على رؤساء الأقسام الأدبية في الصحف في غابر الزمان، ويندبون الحظ ويلعنونه إذ جعلهم عرباً، وزرعهم في مجتمعات لا تحب الأدب ولا الأدباء. هم لا يعلمون أن البريطانيين والأميركان تحولوا إلى “عربان” وتخلصوا، مثلنا، من الأقسام الأدبية في صحافتهم لدواعي التوفير. فقبل فترة شاهدت برنامجاً عن الصفحات الأدبية والملاحق الأدبية في الصحف العالمية العريقة، وفيه تحدث المذيع البريطاني بحزن على المجد الأدبي الذي هو على وشك الانقراض، كالوعل الإفريقي. كان يتحدث عن الصحف العريقة لا التابلويد، مثل “الفايننشال تايمز” و”ديلي ميل” و”الإندبندنت” ووو… وتقفز صحف أميركا لتزاحم صحف بريطانيا في عربة “الدول قليلة الأدب”، بعد أن تآكلت الملاحق الأدبية في أهم صحفها، ومنها “لوس أنجلس تايمز”. على أن صحف فرنسا مازالت تستر جسدها بقطع صغيرة من ملابس الأدب، وإن كانت فوق الركبة، بعد أن كانت تجرها خلفها كعرائس أوروبا في ليالي زفافهن. ورغم ارتدائها الـ”ميني جوب” فإن الصحف الفرنسية تعتبر أكثر حشمة من بقية شقيقاتها الأوروبيات اللاتي اعتدن المايوهات وحفلات التعري (في الصحافة الألمانية تفسح صفحات الأدب المجال أمام صفحات الفنون والاقتصاد والرياضة. على ذمة المذيع وبرنامجه). وصدّق أو افعل مثلي ولا تصدق، في الوقت الذي يتناقص فيه عدد الصفحات الأدبية في صحف العالم، يتزايد عدد الصفحات تلك في الصحف الصينية، باعتبار الأدب لا يجلب المتاعب ولا يقود إلى السجون، في بلد يضم شعباً من الجواسيس والمخابرات. وأن تقطع، هذه الأيام، المحيط الأطلسي سباحة على ظهرك الكريم، أسهل من أن تحقق شهرة على ظهر الأدب، بعد أن تحول الأدب إلى “رجعية وتخلف”، وقريباً قد تصبح كلمة “أديب” شتيمة يعاقب عليها قانون السب والقذف. وكان العرب قديماً يتواصون بالرفق بالقوارير (الصبايا)، وسيتواصون قريباً بالرفق بالأدباء وعشاق الأدب.

حسن العيسى

استجواب بلا معنى

أولى بالنائب صالح عاشور أن يقدم استجوابه كمذكرة دفاع للمحكمة الجزائية التي ستنظر في اتهامات الإيداعات والتهم الموجهة إليه بالتحديد، والذي أتمنى شخصياً أن يخرج منها بريئاً، أما أن يقدم مثل هذا الاستجواب لرئيس الحكومة الجديد الذي ليس له أي علاقة بما قد ينسب إلى رئيس الحكومة السابق الشيخ ناصر المحمد، فهذا لا معنى له الآن، وليس استجوابه، وهو حق له لا ينازعه فيه أحد، إلا من قبيل ذر الرماد في العين، وكأنه يقول: أنا بريء من التهم الموجهة، وأزيد بأنني سأتقدم باستجواب “لغير المسؤول” لإظهار حقيقة براءتي! فاستجواب النائب صالح عاشور في حقيقته وسيلة دفاع ارتدت ثوب الهجوم، وليس هذا ما ينتظره الناخبون الذين وثقوا به وصوتوا له، كي يكون الوحيد الذي وصل إلى كرسي النيابة من بين النواب السابقين الذين يقدمون الآن للمحاكم المختصة بتهم غسل الأموال “ظاهرياً” أو قبول الرشا السياسية واقعاً. كان يفترض بالنائب عاشور أن ينتظر بداية نتائج التحقيق الذي تجريه النيابة العامة، أو يتمهل حتى يصدر الحكم النهائي من المحكمة المختصة ويكون عنواناً للحقيقة، لكن أن يسارع في لعبة سياسية خاوية من أي معنى بتقديم مثل هذا الاستجواب فهو عمل لا جدوى منه، وإضاعة لوقت المجلس والحكومة، بينما الناس ينتظرون من هذا المجلس، وتلك الحكومة بالتحديد الكثير من الإنجازات الحقيقية على صعيد دولة القانون والتنمية في وقت حرج يتهدد الدولة أخطار تبديد مالي وترضيات سياسية للصغار والكبار على حساب مستقبل مجهول النهاية. مصير مثل هذا الاستجواب، الذي يتصور البعض أنه أوقع الأغلبية البرلمانية في حرج معروف، ومحكوم عليه بالفشل مقدماً، وقد يفهم منه أنه عرقلة لمشروع تشكيل لجنة تحقيق برلمانية خاصة تحقق في قضية الإيداعات التي يفترض أن تحسم الأمر في جانب المسؤولية السياسية للحكومة السابقة في ما لو كان هناك مكان لقيام هذه المسؤولية لحكومة غير موجودة دستورياً، ويبقى آخر الأمر الشق الجزائي في تهم الرشوة- إن صحت مثل تلك التهم- والتي هي من اختصاص سلطة القضاء من غير جدال. ما يثير الشك في مرامي النائب صالح عاشور من هذا الاستجواب هو موقفه السابق في رفضه استجواب الشيخ ناصر المحمد في الموضوع ذاته، وها هو اليوم يقدم ما رفضه بالأمس بقوة، فما الجديد الذي طرأ الآن غير إصرار النائب عاشور على تأكيد براءته مسبقاً بعمل سياسي هو استجواب رئيس مجلس الوزراء، وقد يكون له أغراض أخرى لا ندري بها، ربما ستؤثر في سير التحقيق القضائي الذي يجرى الآن. فهل يريد النائب أن يصطاد عصفورين بحجر واحد! الله العالم، لكننا لا نملك غير افتراض حسن النية عند النائب في استجوابه، وإن كان مثل هذا الافتراض لا يقدم ولا يؤخر في مآل الأمور.

احمد الصراف

تغير الأفكار والمعتقد

أرسل الزميل العراقي عبدالخالق حسين ايميلا تضمن مقالا تنويريا بعنوان «لماذا يغيّ.ر المثقفون قناعاتهم؟». وذكر فيه أنه سبق أن تطرق لهذا الموضوع في مقال نشر قبل 7 سنوات رداً على مقال كتبه السيد نجم عبدالكريم، في صحيفة «ايلاف» الالكترونية، تهجم فيه على المثقفين والليبراليين، لدأبهم على تغيير مواقفهم! وقد استوقفني مقال الزميل حسين وجعلني أفكر في الكثير من مواقفي القديمة ومقارنتها بالحالية، فوجدت، بالرغم من اتفاقي مع ما ذكره من أنه ليس عيبا على المثقف، ان كنت مثقفا، تغيير مواقفه وآرائه، بأنني قلما تغيرت سياسيا ودينيا وفكريا منذ نصف قرن تقريبا! فوفق ما تسعفني ذاكرتي فان أغلب آرائي في الحياة صمدت بشكل عام، وخصوصا في ما يتعلق بالمرأة ومكانتها وحقوقها. اما سياسيا فلا شك أنها تبدلت وتغيرت مع الوقت، فقد شاركنا الكثيرين في «شبه عبادة» عبدالناصر. كما ساهمت بساطة الحياة السياسية التي كنا نعيشها في ستينات وسبعينات القرن الماضي في جعل آرائنا أكثر ثباتا، فانتماءاتنا الحزبية كانت هامشية، واقرب للترف الفكري، عكس ما كان الحال عليه في دول كالعراق وسوريا ومصر وحتى لبنان والأردن، وبالتالي لم يتقلب المثقفون بغالبيتهم أو حتى انصافهم من حزب لآخر أو من عقيدة سياسية لأخرى بشكل مكثف، ولم تعرف الكويت السجون السياسية أو سجناء الرأي الا نادرا! ولكن مع هذا يمكن القول إن التغيير طال الجانب الديني عند الكثيرين، فنسبة من تقلبوا من جانب الى آخر كبيرة حقا، فقد رأينا كيف انقلب السكير والشرير الى داعية يضع على رأسه شرشف سرير، وكيف حدث العكس أيضا، ولكن من غير شرشف ولا سرير! كما نجد أن التغيير طال افكار وآراء الكثيرين من قضايا كالثورة الايرانية ومن صدام حسين، ومؤخرا من السيد حسن نصر الله، الذي انقلبت آراء الناس فيه من حب، لبغض، لوله، لكراهية! وهنا نجد، كما ورد في رسالة الزميل حسين، أن لا بأس، الى حد ما، من قيام فرد بتغيير مفاهيمه او مواقفه متى ما ظهرت له حقائق جديدة لم يكن يعلم بها، ولكن يصبح الأمر انتهازيا متى ما كان التغيير من أجل تحقيق مصالح شخصية، وهذا ما رأيناه في مصر اخيرا عندما تحول ضابط الشرطة السابق الى داعية سلفي ومرشح لعضوية مجلس الشعب!
ولتأكيد أن التغيير يعني التطور وأن لا شيء ثابتا في الكون استشهد الزميل بمقولات لمثقفين وفلاسفة كبار، يؤكدون فيها ضرورة تغيير المثقف لـ «جلدته» متى ما تطلب الأمر ذلك، فالفيلسوف البريطاني برتراند رسل يقول: أنا لست مستعداً أن أموت في سبيل أفكاري لأنها قد تتغير. وعن الأديب فكتور هوغو: «انه لثناء باطل أن يقال عن رجل ان اعتقاده السياسي لم يتغيَّر منذ أربعين سنة، فهذا يعني أن حياته كانت خالية من التجارب اليومية والتفكير والتعمق الفكري في الأحداث، انه كمثل الثناء على الماء لركوده وعلى الشجرة لموتها». وفي قول لعلي الوردي، المفكر وعالم الاجتماع العراقي: «الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام. والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد». وفي قول آخر له: «كلما ازداد الانسان غباوة ازداد يقيناً بأنه أفضل من غيره في كل شيء»! ألا يذكرنا القول الأخير بالبعض منا؟

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

شهر

– المطالبة وإقرار إلغاء حفلات “هلا فبراير”. المادة (14) من الدستور… “ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون وتشجع البحث العلمي”.
– المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور الكويتي لتكون الشريعة المصدر الوحيد للتشريع. المادة (175)… “لا يجوز اقتراح تنقيح الدستور ما لم يكن التنقيح خاصاً بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة”.
– المطالبة بإغلاق أي نشاط تجاري يسوّق منتجات لعيد الحب. المادة (18) من الدستور… “الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون”.
– المطالبة بإزالة الكنائس. المادة (35) من الدستور… “حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب”.
– المطالبة بأن تدفع الدولة من الأموال العامة فوائد قروض المواطنين للبنوك أيا كان سبب القرض. المادة (17) من الدستور… “للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن”.
– المطالبة بأن تفرج النيابة عن متهمين في قضايا مختلفة. المادة (163) من الدستور… “لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل”.
– المطالبة بإغلاق وسائل إعلامية. المادة (36) من الدستور… “حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون.
– عدم التطرق إلى تقصير الدولة في قطاع الرياضة وتمرد بعض أبناء الأسرة على القانون رغم الخروج من تصفيات كأس العالم. المادة (10) من الدستور… “ترعى الدولة النشء وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي”.
تلك هي محصلة 30 يوماً من عمر المجلس الجديد ومدى تعارض تحركات أعضائه مع دستور الدولة ونظامها الأساسي العام. مع التنويه أن عمر مجلس الأمة الكويتي هو 4 أعوام أي 1460 يوماً.
خارج نطاق التغطية: تعدى على القانون مدة تفوق العامين واحتل مرفقاً عاماً مدة تفوق العام، وأنهى مسيرة جيل شاب كامل كان يطمح إلى تمثيل الكويت أفضل تمثيل، ولم يحترم النصوص ولم يقدّر أن القانون فوق الجميع ولم تحاسبه الحكومات المتعاقبة، ولم يجرؤ نائب إلى اليوم على التعرض لطلال الفهد ووقف تلاعبه بسمعة الكويت، حتى دكتور عبيد لم يتكلم!

سامي النصف

الخليج مشغول بالعمل ونحن بالجدل.. العقيم!

  يروى أن ستة أصدقاء خرجوا في رحلة الى الغابة، وبينما هم ساهرون سمعوا صوت أسد جائع يقترب من خيمتهم، فبدأ خمسة منهم يلبسون أحذيتهم الرياضية، بينما بقي السادس على سريره جامدا لا يفعل شيئا حتى قارب الأسد الجائع الباب، فسألهم زميلهم الكسول: لماذا تلبسون أحذيتكم الرياضية، ألا تعلمون يا أغبياء أنكم لن تسبقوا الأسد؟! فأجابوه بصوت واحد: نعلم ذلك يا ذكي، ولكننا نلبس الأحذية كي نسبقك أنت ليتسلى الأسد الجائع بك!

***

يمكن تشبيه الأصدقاء الخمسة بالدول الخليجية الشقيقة التي أضحت ورش عمل جادة تطور البشر وتعمر الحجر، بينما يمكن في المقابل تشبيه صديقهم الكسول السادس بدولتنا الفتية التي استبدلت، ومنذ عقود، العمل الجاد بالجدل واللغو والأزمات السياسية المتكررة، والتي أصبح أبطالها الكبار وقدوة أبنائها الصغار لا العقلاء والحكماء والجادين والمنجزين، بل الأكثر سفها وسخفا وحمقا والأقل عملا وإنتاجا والأكثر لغوا وجدلا وصياحا وصراخا.

***

وقد تسبب المسار الجاد للأحبة والأشقاء من الدول الخليجية خلال الأربعة عقود الماضية، وتحديدا منذ منتصف السبعينيات، في تقدمهم السريع وتجاوزنا في النهضة والتقدم بمراحل عدة، بينما تسبب انشغالنا الدائم بالمعارك السياسية التي لا تنتهي في تخلفنا واستفرادنا دون غيرنا بالأزمات الأمنية (الغزو والتفجيرات وخطف الطائرات) والاقتصادية (المناخ وكوارث البورصة المتكررة) والسياسية الخطيرة القائمة حتى اليوم دون أن نرى أمورا مشابهة لديهم.

***

ومازال شعبنا الطيب وبذكاء شديد تحسدنا عليه أمم الأرض الأخرى، ينجح ويرفع على الأكتاف أبطالنا الزائفين المهددين والمتوعدين الكويت وشعبها (الواعي) بإيقاف حالها عبر الأزمات والاستجوابات والمسيرات والاعتصامات والإضرابات المتتالية، ويعادي شعبنا الطيب حتى النخاع من يطالبنا بالهدوء والتفرغ للعمل لا للجدل.. وهيك ناس بدهم هيك أبطال.. مؤهلين ومدربين لتدمير وتخريب حتى بلد بحجم الصين!

***

آخر محطة:

(1) أولى خطوات الإصلاح والنهضة هي ضرورة أن ينقلب رأسا على عقب «المزاج العام» الجاهل والمؤيد للتأزيم والاستجوابات والتناحر الدائم، دون أن يعي المناصرون ما في ذلك من خطورة شديدة عليهم وعلى وطنهم ومستقبلهم، الى مزاج عام واع جديد، يرفض ويمج ويعادي التأزيم والمؤزمين سواء كان من الأغلبية أو الأقلية لا فرق، فالضرر القائم والقادم لا يميز بين زيد أو عبيد!

(2) البلد أصبح وبحق كالسفينة التي تتقاذفها الرياح وترمي بها من صخرة الى صخرة.. إن نجت نجا الجميع، وإن غرقت.. غرق الجميع!

احمد الصراف

الأثر والتراث

طلبت المُدرّسة من تلاميذها كتابة اسماء جميع زملائهم في الفصل على ورقة، وترك فراغ بين الاسم والآخر لكتابة خصال وحسنات كل واحد منهم، وان يسلموا أوراقهم لها لتعيدها لهم في اليوم التالي، وهنا قامت المُدرّسة بتفريغ ما دوّنه كل طالب عن الآخر على أوراق جديدة تتضمن كل واحدة ما كتبه زملاؤه عنه، وقامت بإعطاء كل واحد كشفه الخاص الذي تضمن الخصال الطيبة التي اعتقد الآخرون بوجودها لديه أو لديها، ولاحظت المُدرّسة أن خلال لحظات ارتسمت ابتسامات عريضة على وجوه الكثيرين منهم، مصحوبة بهمهمات ودهشة بيّنت أن الغالبية التي لم تكن تعرف مكانتهم في نفوس غيرهم وما كانوا يعنونه في عيونهم وطيب خصالهم، وكان البعض يعتقد أن لا أحد يهتم به، أو أن له كل تلك المكانة في قلوب كل ذلك العدد!
لم تسمع المُدرّسة بعدها بآثار تلك التجربة، فقد ادت دورها وأدخلت الفرحة على قلوب طلبتها، وأصبح تاريخا بالنسبة لها. بعد سنوات انتشر في المدينة الصغيرة خبر مقتل أحد أبنائها في حرب فيتنام، ولما كان أحد طلبة تلك المُدرّسة ومن المميزين لديها، فقد قررت زيارة بيته لتقديم واجب العزاء لوالديه. وهناك اقترب جندي وسألها إن كانت مُدرّسة زميلهم القتيل، وعندما هزّت رأسها بالإيجاب قال لها إنه كان دائم الحديث عنها! وبعد انتهاء مراسم الدفن ذهب الجميع للقاء «تأبيني» في أحد المطاعم، وتواجد هناك اصدقاء الجندي الفقيد ووالداه، وبعض زملاء دراسته، وتقدم والد الجندي وقال لها: أريد ان اريك شيئا وجد في محفظة ابننا، ربما بامكانك التعرف عليه. وعندما فتحت المدرّسة الورقة المطوية بعناية، بالرغم من أطرافها المهترئة، فوجئت بأنها الورقة نفسها التي سبق ان أعطته إياها وزملاءه الآخرين، والتي احتوت على كل الخصال الجميلة التي رآها الآخرون فيه! وهنا قالت أم الجندي بأنهم يدينون بالشكر لها لدورها الإيجابي في حياة ابنهم، وأن ابنهم كان يعتز بتلك الورقة ويعتبرها ذخرا. وهنا تجمع بقية زملاء الجندي حول المدرّسة، وقال أحدهم بانه لا يزال يحتفظ بالورقة في درج مكتبه العلوي، وقالت زوجة أحد طلبتها إن زوجها طلب منها أن تضع الورقة في ألبوم زواجهما. وقالت أخرى انها تحتفظ بالورقة في محفظة يدها، وانها تطالعها كلما شعرت بالحاجة لرفع معنوياتها، وأنها تعتقد بأن الجميع احتفظ بورقته تلك بطريقة او باخرى، وهنا لم تتمالك المدرّسة الموقف وجلست على اقرب كرسي وانخرطت في بكاء صامت!
الرسالة هنا واضحة، وهي أننا يجب ان نحرص على أن نخبر الآخرين بمشاعرنا ومحبتنا لهم، وأنهم مميزون في حياتنا، فقد يأتي وقت لا نجدهم فيه حولنا لنخبرهم بمدى حبنا لهم. والأمر الآخر أننا كشعوب «متخلفة قسرا» قلما نهتم بتراثنا والقديم من آثارنا، فهذا ما لم نعتد عليه، أو نتعلمه، إن بسبب تراثنا المتخلف أو سيطرة ثقافة الصحراء على عقلياتنا، وبالتالي خلت مناهج الدراسة من مواد تتعلق بغرس قيم المحافظة على التراث والآثار في نفوسنا، فأصبح كل شيء في حياتنا مؤقتا كاشكال تلال الرمال! ومن زار المقدس من الأماكن الأثرية، فوجئ بكم التدمير والإزالة التي طالت تلك الأماكن، وجعلت من المستحيل الاستدلال على أي بيت أو محل طالما تحدث التاريخ عنه، حدث ذلك ولا يزال بالرغم من الدور الذي لعبه هؤلاء في أولئك الذين كان لهم دور في تغيير مجرى التاريخ البشري والديني، وفهمكم كاف، ففي الفم ماء.. كثير!

أحمد الصراف

سامي النصف

كم نائماً بيننا؟!

الحرب خدعة ويروي لنا التاريخ العالمي خدعة حصان طروادة ومثلها في التاريخ العربي خدعة المنتقم قصير بن عدي اللخمي الذي جدع أنفه ليصل إلى حصن الملكة الزبّاء المنيع ويتقرب منها لتدخل بعد ذلك على الحصن الجمال المحملة بالرجال على انها بضائع وهدايا فلم تجد ما تفعله الزباء بعد ان خرج بينهم عمرو بن عدي المطالب بدمها إلا ان تتجرع السم من خاتمها وتقول مقولتها الشهيرة التي أصبحت مثلا معروفا حتى اليوم.. «بيدي لا بيد عمرو»!

****

ومن الخدع المعروفة زرع «النائمين» لدى الأمم المعادية وقد صدر الشهر الماضي كتاب للمؤلفين جيرالد وليامز وسايمون نستون أسمياه «الذئب الرمادي هتلر وقصة هربه» ألمحا فيه إلى ان هتلر كان عميلا نائما لأصحاب المصالح وقد تم اخراجه بعد ان استنفد أغراضه إلى الأرجنتين، حيث عاش هناك ومعه ايفا براون حتى الستينيات!

****

وفي الأرجنتين زرعت اسرائيل وبذكاء شديد نائمها الشهير الصغير الياهو شاؤول كوهين الذي سمى نفسه كامل أمين ثابت وقد تبناه النائم الكبير أمين الحافظ الذي كان يعمل ملحقا عسكريا في السفارة السورية قبل ان ينتقل إلى دمشق وينقل الياهو كوهين معه، حيث أصبح الحافظ وزيرا للداخلية وقائدا للجيش وأمينا عاما لحزب البعث ورئيسا للوزراء ثم رئيسا للجمهورية في الفترة القصيرة الممتدة من 1963 إلى 1966 وكان من ضمن أعماله تسريحه 600 ضابط سوري مما أعد وجهز الجيش السوري لهزيمة 67 النكراء، اضافة الى قيامه بمذابح غير مسبوقة حتى ذلك الوقت في حمص وحماة وإدخاله دباباته لساحة المسجد الأموي مما تسبب في سيلان الدم أنهارا في الشوارع حتى شوهدت تناكر المياه تغسلها ليلا، وقد انتهى الحافظ معلما ومدرسا لصدام بعد ان انتقل الى بغداد بعد انقلاب صيف عام 68 وبقي هناك حتى سقوطها عام 2003 عائدا الى دمشق حيث توفي عام 2009 عن عمر يناهز الـ 90 عاما.

****

وقد تدثر النائم كامل امين ثابت برداء الوطنية وتطرف فيها حتى رشحه رئيس الجمهورية أمين الحافظ نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع وهو أمر كان سيتم لولا الصدفة البحتة حيث تم اكتشافه بعد ان اشتكت السفارة الهندية الملاصقة لبيته من التشويش الذي تتعرض له أجهزتها ليلا، وقد سارع الحافظ بإصدار حكم إعدام ضد كوهين وتنفيذه تطبيقا لشعار.. الأموات لا يتكلمون ولا يفضحون!

****

ومعروف ان «النائمين» في لبنان والعراق وفلسطين ومصر وليبيا والسودان واليمن وغيرها هم من دمروا بلدانهم، كما يقال ان ميخائيل غرباتشوف هو نائم آخر تسبب في تفكيك الاتحاد السوفييتي، فهل خلق الكويتيون من طينة مختلفة تجعلهم يعفون عن المغريات كالمال وغيره ام ان حالنا كحال الآخرين ومن ثم فبيننا نائمون كثر يظهرون خلاف ما يبطنون ويدمرون الدين والوطن تحت الشعارات الدينية والوطنية؟!

****

آخر محطة: هل ما نشهده من تخريب سياسي واقتصادي واجتماعي وفتن مذهبية وفئوية يومية وضرب لهيبة الدولة واثارة للأحقاد واضعاف للأمن هو غباء مطلق يقوم به السذج من الساسة ام انها امور مقصودة يقوم بها عن عمد النائمون بعد ان تم ايقاظهم للعب أدوارهم؟!

حسن العيسى

مذهبنا اسمه الكويت

نقل نواب الأمة حرب النظام السوري ضد شعبه إلى قاعة عبدالله السالم، ومثلما تتجه المعارك في سورية إلى الحرب الأهلية الطائفية، وفي الحروب الأهلية هناك دائماً وكلاء للخارج يصبون الزيت على نيران الكراهية في المجتمعات القبلية الطائفية، “شرفنا” ممثلو الشعب هنا في الكويت بإشعال حروبهم الطائفية في ما بينهم، حرب القبيلة السنية ضد القبيلة الشيعية، وإذا كان هؤلاء النواب قد أرادوا التعبير عن مشاعر العصبيات الدينية المذهبية لقواعدهم الانتخابية، فكان أولى بهم أن يرتقوا بخطابهم في البرلمان عن اللغة المعيبة التي سادت جلسة الخميس الماضي. بداية لم يكن هناك حاجة أساساً إلى أن يتصدى بعض النواب الشيعة بالدفاع عن النظام في سورية في ما بدا لهم أن هجوم الأغلبية الدينية السنية على نظام الأسد هو هجوم على الطائفة الشيعية بصورة مبطنة ولهم بعض الحق في ذلك، وليس كل الحق، فمثل تلك الدكتاتورية العائلية الحاكمة في سورية لا تستحق أي دفاع عنها، إلا أن النائب  جمعان الحربش بدوره لم يكن موفقاً في ردوده “لكم مذهبكم ولنا مذهب”، فمثل تلك العبارة ليست مسيئة بحق الشيعة فقط وإنما بحق الكويت كوطن يجمع كل أبنائه في وعاء واحد بصرف النظر عن أصولهم أو مذاهبهم. هنا تبرز حقيقة الأصولية الدينية حين تطرح جانباً الانتماء الوطني وتقدم الانتماءات المذهبية عليه، وهي انتماءات قبلية في جوهرها ترفض كل فكرة لمفهوم الدولة الأمة، وهذا هو المرض السرطاني الذي يسري في معظم “دولنا” العربية في ربيعها المجهولة نهاياته.   الحكومة تدرس الآن تقديم مشروع قانون “للوحدة الوطنية”، ومثل تلك المشاريع إن أقرت فلن تكون غير خنجر آخر في خاصرة حرية التعبير، فالوحدة الوطنية لا تخلقها القوانين، وإنما تتراكم في ضمائر أبناء المجتمع وفي ذاكرتهم الجماعية وتقوم على مبادئ المساواة والعدالة بين المواطنين، فلنكف عن اختلاق مشاريع قوانين هي ردود فعل تضر ولا تنفع، وليكن مذهبنا واحداً اسمه الولاء للوطن.

احمد الصراف

اليوسفي والتحدي الكوري

يتحدث الكاتب والباحث مالكولم كلادويل الصحافي في «نيويورك تايمز»، في كتاب له بعنوان «The Tipping Point»، عن لحظات في حياة أفراد ومؤسسات وشركات طرأ فيها انقلاب كبير، قلب مقاييس كثيرة وادى ذلك إلى نشوء أو اختفاء منتجات أو ثروات هائلة خلال لحظات! ومن تجربتي الشخصية أجد أن المثال ينطبق على كثيرين في الكويت، ومنهم المرحوم عيسى اليوسفي! فقد عرفت هذا الإنسان الكبير والكريم، وأنا طفل، من خلال صداقته لوالدي، وكنت في منتصف خمسينات القرن الماضي ازور محله الصغير الواقع في السوق الداخلي، مركز غالبية تجار الكويت وقتها، ومنهم وكلاء كثير من الأجهزة الكهربائية الاميركية والأوروبية المعروفة مثل: وستنغهاوس وباي وغيرهما. ووفق ما فهمت وقتها أن مندوبا لشركة اجهزة كهربائية يابانية انتهت به قدماه المتعبتان إلى محل المرحوم اليوسفي، بعد أن يئس من ان يجد من يقبل بأن يكون وكيلا لمنتجات شركته في الكويت. والسبب ألا أحد وقتها كان على استعداد لأن يقبل بمثل هذه المغامرة، فقد كانت المنتجات اليابانية «مضحكة» في سرعة تلفها، وكانت مصدر سخرية، مقارنة بمتانة مثيلاتها الأوروبية والأميركية. ولكن اليوسفي قبل التحدي، وكانت تلك نقطة الانقلاب، او التحول في حياته، فذلك البائع لم يكن غير ممثل شركة «باناسونيك» العملاقة!
ما واجهته المنتجات اليابانية من صعوبة في تقبل المستهلك لها واجهته البضائع الكورية بعدها ببضع سنوات، مثلها مثل منتجات هونغ كونغ والصين، ومن يصبر قليلا سيجد ان منتجات هذه الدول ستغرق جميع الأسواق لا محالة في المقبل من السنوات. ولكن ما يهمنا هنا هو الحديث عن «المعجزة الكورية»، فخلال أقل من 50 عاما، وبعد حرب أهلية طاحنة فقدت فيها كوريا أكثر من مليون قتيل وجريح، بدأ بناء الدولة من تحت الصفر بكثير، وبالرغم مما تبع توقف الحرب من انقلابات عسكرية واغتيالات وفضائح، فإن الكوريين، بالرغم من تاريخهم المتواضع، وعدم تبنيهم لأي رسالة سماوية، اثبتوا للعالم ان المحك ليس الثراء ولا السمعة ولا التاريخ «الحضاري»، بل الإنسان، وأن المواطن لا يمكن أن ينتج خيرا إن لم يشعر أن له دورا في بناء الدولة، وليس «فردا من الرعية»، وبأنه سيبقى على الهامش إن انتظر معجزة من السماء لكي تنتشله من مشاكله وحروبه وبؤسه. وقد اعتمدت كوريا في تقدمها المستمر على مدى نصف قرن على عاملين، مناهج دراسية علمانية صرفة، تعتمد على المنافسة الشرسة، وثانيا قوة عمل مدربة بمستوى عال، وهما مفتاحا النجاح لأي مجتمع صناعي.
وقد بدأ التسارع في التقدم قبل عشرين عاما فقط عندما انتخبت كوريا اول رئيس مدني لها عام 1992، في أول انتخابات حرة بعد ثلاثين عاما من الاضرابات والاعتصامات والانقلابات، ومن هنا بدأ التطبيق الفعلي لليبرالية، ومنها حدثت نقطة التحول الحديثة مع حريات النشر والتعبير والتجمع، فبغير شعب حر لا يمكن بناء دولة حديثة! والكلام لكم يا نواب مجلسنا الذين حضرتم إلى المجلس، وفي جيب كل منكم أقلام شطب وكمامات خنق وأصفاد وسلاسل تريدون بها القضاء على حرية التعبير، وتغطية العيون وربط الأيدي وإغلاق العقول، ومنع حتى التفكير، طاح حظهم!

أحمد الصراف