سامي النصف

«الرنغا» اليابانية ومدينة الشعر والجمال الإيطالية

  في عالم يمتلئ بالنزاعات السياسية والاضطرابات الأمنية والفواجع الاقتصادية، بات الشعر والثقافة والفكر والأدب الدافع الرئيسي للسلام والإشعاع الحضاري الذي يوحد امم الأرض ولا يفرقها، ويعطي مجالا لأرق وأفضل المشاعر الإنسانية للانطلاق والظهور لتحل محل أبغض وأبشع المشاعر كالحقد والبغضاء والكراهية التي تؤدي الى الحروب والكوارث.

***

حضرت خلال اليومين الماضيين في مدينة «فيرونا» الإيطالية الساحرة التي تشتهر عالميا بقصة الحب الخالدة بين روميو وجولييت، فعاليات أكاديمية الشعر العالمي التي يضم مجلس إدارتها كبار الشعراء في العالم والتي يرأسها الأديب الكويتي عبدالعزيز البابطين والتي كان من رؤسائها السابقين الرئيس والشاعر السنغالي الراحل ليوبولد سنغور، وحفل توزيع جوائز مهرجانها الحادي عشر الذي حضره جمع كبير من الشخصيات الأدبية والسياسية الإيطالية والأوروبية والعالمية.

***

وقد حاز جائزة الشاعر «كاتلو» وهو اكبر شاعر لاتيني كل من الشاعر الأديب مونتاني الحائز جائزة نوبل للآداب، والشاعر والدكتور عبدالعزيز الخوجة وزير الثقافة والإعلام السعودي وهو اول عربي يحوز تلك الجائزة الأدبية العالمية الرفيعة المستوى، وقد ألقى الصديق عبدالعزيز البابطين كلمة معبرة جدد من خلالها البيعة للشعر كأمير أمراء الفنون وملك ملوك الإبداع، ومما أوضحه ضمن كلمته كيف كانت ومازالت الصحراء بنقائها وصفائها معينا لا ينضب للشعر العربي، خاتما كلمته بالآية الكريمة: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) لإظهار ان الإسلام دين محبة وسلام يعتمد على الكلمة الطيبة المثمرة للتواصل مع الآخرين.

***

وقد ختم الحفل بعمل أدبي رائع هو إلقاء قصيدة «الرنغا» وهي فكرة للأديب البابطين طلب خلالها قبل عام من أكاديمية الشعر ان تكتب قصيدة عالمية واحدة بلغات مختلفة تدعو للسلام بين الأمم ينظمها كبار الشعراء في القارات الخمس تستوحى من التراث الياباني، وقد شارك في الكتابة والإلقاء كل من عبدالعزيز البابطين من الكويت وياشرو تسموتو من اليابان وناتالي هاند من اميركا وجايا سافج من استراليا ولويجي ناسي من ايطاليا وليبو اوديكا من نيجيريا، وتلا ذلك حفل موسيقي راق مس شغاف القلوب شارك فيه عازفون من عدة دول.

***

وهناك فكرة تدرسها مؤسسة عبدالعزيز البابطين مع شخصيات عربية بارزة في أوروبا، وعلى رأسها الدكتور المثقف محمد نادر عزيزة لخلق جائزة إبداع تقام كل عام في جزيرة صقلية الإيطالية باسم الشاعر العربي ـ الإيطالي عبدالجبار بن حمديس الصقلي المولود في سرقوسة الإيطالية والمتوفى في مايوركا الإسبانية والقائل «ذكرت صقلية والأسى يهيج تذكارها، فان كنت خرجت من جنة فاني أحدث أخبارها»، ونرجو ان يلقى هذا المشروع الواعد الدعم والمؤازرة من الجهات المختصة في الدولة.

***

آخر محطة:

(1) الشكر الجزيل للقنصل العام التونسي في ميلانو الرائع فوزي الورتاني ومساعده علي المحمودي وللدكتور التهامي على الجهد المميز الذي قاموا به إبان إقامتنا في فيرونا، وليس غريبا على الأحبة التونسيين هذا الود والحميمية لإخوتهم في الكويت والشكر موصول لممثل «كونا» في إيطاليا الأخ مهدي النمر.

(2) نغادر اليوم الى بلد الشعر الشابي والتراث القرطاجي والقيرواني والروماني تونس الخضراء للقاء القيادة السياسية هناك.

حسن العيسى

مرة ثانية وثالثة… وين رايحين؟!

أين سيصب غضب الناس المستهلكين غداً، بعد ثورة الإضرابات التي عمت تقريباً معظم جيوش موظفي الدولة، وأخطرها إضراب نقابة الجمارك والموانئ! هل سيلوم الناس الحكومة التي لم تتفهم مطالب المضربين حين ظلمتهم في توفير زيادات الكوادر، ولم تراع “العدالة والإنصاف” في توزيعها، كما يقول مضربو الجمارك اليوم، أم أن السخط الشعبي القادم سيكون ضد النقابات المضربة، ومعهم النواب المتهمون بالتحريض على الإضرابات! أم أن الإدانة ستكون ضد الفريقين الحكومي والنقابي- النيابي مجتمعين بعد أن تهنا في دوامات الفشل في إدارة أمور الدولة، وأصبحت الأطراف جميعها حكومية أم نيابية تتكسب من الفشل المزمن وتلقي باللوم على الآخر، لتحقيق طموحات سياسية يدفع ثمنها الناس البسطاء.
الدولة الآن تختنق يوماً بعد يوم، فلا تصدير لسلعة النفط اليتيمة، وهو مصدر رزق الدولة الوحيد، ولا استيراد للسلع الغذائية وغير الغذائية التي ستؤلم بشدة التجارة في الدولة، إضافة، وقبل ذلك، الناس المغلوبون على أمرهم في دولة السير على البركة. لكل طرف حججه وأسبابه في أخطر أزمة “حياتية” تواجه الدولة اليوم منذ الاحتلال الصدامي، ولست أبالغ في هذا الوصف، فذكريات الوقوف في طوابير ممتدة أمام الجمعيات التعاونية وتخصيص “ريشن” محدد لكل عائلة من المواد الغذائية مرت علينا بسوادها وقلقها أيام الاحتلال. الحكومة تقول إن مثل تلك الزيادات التي “افتلتت” حبات سبحتها من يوم إقرار زيادة عمال النفط، وقال وزير النفط يومها البصيري في الحكومة السابقة إن مثل تلك الزيادة لن تكلف الدولة ديناراً واحداً! ثم زيادة المعلمين… ثم العاملين في الفتوى “ربما قبل المدرسين”، وبعدها انفتح سيل الكوادر من غير حساب، والتي سترهق ميزانية الدولة في المستقبل، ولم يبالغ الاقتصاديون حين قالوا إن الدولة ستكون عاجزة عن توفير الرواتب بعد نحو ثماني سنوات مالم تبلغ أسعار النفط 300 دولار للبرميل! بينما يؤكد المطالبون بزيادات الكوادر، إنه إضافة إلى غياب العدالة في توزيع الكوادر، فإن تكاليف المعيشة ارتفعت أكثر بكثير من حدود الرواتب، ولم يعد بالإمكان السكوت عن هذا الظلم مع مماطلة الحكومة في توفير أبسط إمكانات العيش الكريم.
ما العمل الآن، فكل فريق “راكب راسه”، والمضربون يقولون إن الحكومة لا تفهم غير لغة الإضراب، والمهم “أنا” وجماعتي مادام الوقر قد أصاب الآذان الحكومية، فلم تعد تسمع شيئاً، ولا تنصت لغير الفعل بالتحرك وشل الدولة بالإضراب. أما الكلام “القوي” من الحكومة بأنها ستستعين بجهازها العسكري للقيام بعمل المضربين، فهذا مجرد كلام “مأخوذة زبدته”، فيبدو جلياً أن جهازها العسكري ليس له الدراية والإمكانيات للقيام بدور موظفي الجمارك وغيرهم. فهذا الجهاز تدرب فقط لقمع المظاهرات، وملاحقة البدون، وإرهاب المغردين، وقمع حرية التعبير في وسائل الإعلام حين تخرج عن طوع قانوني النشر والجزاء بكل موادهما “الدراكونية”، أو حين تصل وشايات المحتسبة الانتهازيين من المزايدين على طرح الجماعات الأصولية إلى النيابة العامة ضد أصحاب الفكر والقلم…!
من جديد أكرر عنوان “وين رايحين”، وماذا سنصنع مع حكوماتنا ونقاباتنا فقد ضاعت الحسبة؟، ولن نقول “الشيوخ أبخص”، ولا نوابنا أبخص، ولا أحد أبخص، فأيام مغبرة أمامكم، وغبارها قد أعمى العقول عن رؤية نور الحقيقة والعدالة.

احمد الصراف

سنة المجلس والإساءة للتاريخ

ورد في مقال زميلتنا أو زميلنا «الكويتي» في 2/20 التالي: لتستمر احتفالاتكم العام تلو الآخر، ولكن هل كل الذين ينشدون باسم الكويت ويتغنون بها يعرفونها، وهل كتب تاريخ الكويت بشكل كاف، متخصص ومنهجي؟ وهل الاكتفاء بتسجيل الأحداث والشخوص يعطينا تاريخا، أم أن التاريخ يكون بتجميع الصور الشخصية والوثائق في كتاب؟ وقد لفتت هذه التساؤلات نظري، وإلى ما يقوم به بعض «الأكاديميين» من محاولات لـ «مط» بداية نشأة الكويت لبضع سنوات، وكأنها ستضع حدا بين حقنا في الوجود من عدمه، متناسين أن دولا كثيرة تفوقنا قوة ومنعة ولحمة وأفضل منا بكثير، مثل سنغافورة، وغيرها، والتي لا يتجاوز تاريخها وكل وجودها المائة عام، أصبحت بالرغم من ذلك واحدة من أفضل اقتصاديات العالم، وأكثرها استقرارا بفضل ديموقراطيتها واستقامة أنظمتها الإدارية والقضائية والسياسية ونظافتها، علما بأن شعبها يتكون من ثلاثة أعراق متنوعة في دياناتها ولغاتها وثقافاتها، فبينهم هنود هندوس، وصينيون بوذيون، أو لا دينيون، وملاويون مسلمون! وبالتالي العبرة ليست بطول تاريخ بلد ما وعرضه، بل بما يمثله للعالم من اتحاد ومنعة وكرامة، ومدى تمتع مواطنيه بالحرية والكرامة وبخيرات وطنهم، ومشاركتهم في الحراك الإنساني العالمي.
نعود لمقدمة المقال ونقول ان جهود غالبية المهتمين بتاريخ الكويت، وأكثرهم يعتبرون انفسهم معنيين بالأمر بحكم القدر، تجنبوا، لأسباب معروفة، التطرق بإسهاب لفترة مهمة، بالرغم من قصرها، وهي فترة تأسيس أول مجلس أمة تشريعي في الكويت، والتي لم تستمر لأكثر من ستة أشهر، أكتوبر 1938 – مارس 1939 (2 جمادى الأولى 1357 – 25 شوال 1357)، بعد قرار الشيخ أحمد الجابر، حاكم الكويت وقتها، حل المجلس! ويعتبر الكتيب الذي أصدره المرحوم خالد سليمان العدساني، سكرتير ذلك المجلس، عام 1947 بعنوان «نصف عام للحكم النيابي في الكويت» المصدر الأكثر دقة لوصف تلك المرحلة، وما صاحب تأسيس المجلس من أحداث جسام. كما تطرق فيه للظروف التي دفعت الشيخ أحمد الجابر لحل المجلس، الذي كان يرأسه الشيخ عبدالله السالم. يتكون الكتيب من 50 صفحة تقريبا، وطبع عام 1978 في مطابع «فهد المرزوق الصحفية»، وتصدره الإهداء المميز التالي: مولاي صاحب السمو أحمد الجابر الصباح. في عهدك السعيد المجيد بدأت هذا الإنشاء الرائع الفريد، فلئن حالت دون اتمامه الظروف، فلقد اقترن على كل حال جلا ذكره بجلال اسمك، واتسعت لمداه بوادر طيبة من رحابة صدرك وسعة حلمك فإذا نظرت إليه نظرة العطف والرضا وجدت انه بهما يقين. كما يوجد كتاب آخر ينسب للشخصية نفسها بعنوان «مذكرات خالد سليمان العدساني»، ومكون من 141 صفحة ويحتوي على تفاصيل اكثر عن تلك المرحلة، ومراجعتي لوزارة الإعلام بينت أنه غير مدرج ضمن قوائم المنع. ومساهمة منا في اماطة اللثام عن جزء مهم من تاريخ الكويت، بالرغم من تعرض بعض مواد المذكرات بالنقد الشديد لمواقف البعض ولجماعة انتمي لها، وليس في ذلك ما يسيئني شخصيا طالما أنه جزء من تاريخ وطني، فإنني أعرض إرسال النصين بالإنترنت لمن يرغب.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

لماذا «البدون» محبطون؟

طوال اكثر من نصف قرن لا تزال قضية «البدون» في مربعها الاول، اي لم تغادر حيز اللجان التي شُكلت لتكون مقبرة لأي حل. فالنظرة لــ«البدون» لا تتعدى كونهم يدا عاملة رخيصة يستفيد منها التاجر، وركيزة مهمة للجيش والامن تستفيد منها الدولة، ولكنها ترفض منحهم حق المواطنة، لان ذلك ــــ في نظر من يملك القرار او القريبين منه ــــ يشكل خطرا على النسيج الاجتماعي ويزيد من الأعباء المالية على الدولة!
وعودة الى عنوان المقال، أسباب الاحباط كثيرة:
– ان الحكومة التي كانت مسؤولة عن تطبيق قانون تجنيس الألفين سنوياً من «البدون» استغلت هذا القانون في تجنيس الوافدين تحت مفهوم الخدمات الجليلة، مع العلم بان القانون كان لحملة احصاء 65 من «البدون»، فكيف يثق «البدون» بمن اغتصب حقهم وأعطاه لغيرهم؟
– ان وعود الحكومة بالتجنيس والحقوق المدنية كانت ابر بنج تعودت عليها أجساد «البدون» واذهانهم، فلم تعد تؤثر فيهم وباتوا لايصدقونها. وان الوعود التي تأتي باوامر عليا في اكثر من مناسبة لا تنفذ!
– ان حل قضية «البدون» يعرفه الجميع ولم يعد خافيا على احد، ولي الشرف ان اكون من اوائل من طرح هذا الحل في مجلس الأمة قبل اكثر من خمسة عشر عاما، وهو التصنيف الذي ذكر أخيراً في اكثر من مناسبة، لكن الواضح ان هناك من لا يريد لهذه المعضلة ان تحل! حتى وصل «البدون» الى الجيل الخامس ولا حل لهم!
– ان اسناد حل القضية الى اشخاص عُرف عنهم محاربتهم لفكرة تجنيس «البدون» او ان يكون التجنيس جزءا من الحل هو من اسباب تأخير الحل.
– الآن مطلوب حل انساني سريع وفوري لهذه الفئة يسير بالتناوب مع الحل الجذري الذي ذكرناه، ان كنا نريد تحسين صورة الكويت في المحافل الدولية ونظهر للعالم باننا دولة حضارية.
ختاما، لا بد من ان اشكر الاخ صالح الفضالة على اسلوبه في العمل في جهاز «البدون» والذي يظهر جدية غير مسبوقة لحل هذه المعضلة، لكن يبقى على ابو يوسف ان يدرك انه يتعامل مع جهات عدة، فيها ممن ذكرنا من خصوم حل قضية «البدون» الكثير!
قال صلى الله عليه وسلم «الظلم ظلمات يوم القيامة».

عادل عبدالله المطيري

استجواب خلط الأوراق

أن ترفض استجواب الإيداعات السابق الذي وجه الى رئيس الحكومة السابقة «كيفك»، ولكن أن تتقدم باستجواب لذات الموضوع إلى رئيس الوزراء الحالي وغير المعني بقضية التحويلات والإيداعات، فلا أرى له أي مبرر، خصوصا أنك من ضمن المتهمين بقضية الإيداعات.

ربما يحاول النائب عاشور استخدام دفاع الحكومة وردودها على الاستجواب كحجة قانونية له في القضية أمام المحاكم مستقبلا، فهي التي حولته إلى النيابة العامة، وسياسيا لو تكلم بعض نواب المعارضة السابقة مدافعا عن الحكومة الحالية فإن النائب عاشور سيستغل موقفهم لصالحه أيضا سياسيا!

إذن يبدو أن الهدف من الاستجواب هو خلط الأوراق، والمفارقة العجيبة أننا سنجد بعض المتهمين من النواب ربما يتحدثون مؤيدين للاستجواب وكتاب عدم التعاون!

بينما سيقف كمعارض للاستجواب نواب كانوا ينادون باستجواب الرئيس السابق على نفس القضية قد يعتقد البعض انه بذلك الفعل سيحرج الاغلبية البرلمانية وسيظهرها بمظهر المتناقض، بينما الحقيقة هي أن الأغلبية كانت تريد محاسبة المسؤولين المعنيين بتلك القضايا في الحكومة السابقة، وكشف المتورطين من كبار المسؤولين والنواب آنذاك، اما الآن وفي ظل حكومة جديدة ورئيس جديد، لابد من عمل لجنة تحقيق برلمانية لتلاحق المسؤولين الحالين او الذين استقالوا هربا من المسؤولية وكذلك المتهمين من اعضاء الحكومة ومجلس الامة السابقين لتقديمهم للعدالة، وهذا بالطبع لا يتحقق بالاستجواب!

في النهاية أتمنى على الأغلبية وكما تمسكت بمبادئها أو لاءاتها الثلاث «لا للتأجيل أو الشطب او السرية» ان تتقدم بمشروع لجنة التحقيق في الايداعات والتحويلات بعد مناقشة الاستجواب مباشرة لتجبر الحكومة على تمريرة والا انها ستجد نفسها مجبرة علي تأييد كتاب عدم التعاون اذا قدم!

 

سامي النصف

دور رئاسة البرلمان في باقي البلدان!

  لا نكل ولا نمل من الحديث عن حجم المفاهيم والممارسات الخاطئة ضمن لعبتنا الديموقراطية ومن ذلك دور رئاسة البرلمان التي لا تأخذ الشكل ذاته في برلمانات العالم الأخرى (كحال الاستجوابات) فالجميع يتذكر على سبيل المثال اسم قيادات السلطة التنفيذية من رؤساء دول ووزارات في أميركا وبريطانيا وألمانيا.. الخ، ولكن لا أحد يعلم أسماء رؤساء السلطات التشريعية فيها.

***

فرئاسة البرلمان في جميع البلدان الأخرى لا تختلف عن مكانة النواب الآخرين ولا تملك صلاحيات مشابهة لصلاحيات رؤساء السلطات التنفيذية والقضائية على مرؤوسيهم بل توضع رئاسة البرلمان في كثير من الدول ومنها كندا في المرتبة الرابعة بروتوكوليا بعد حاكم الولاية ورئيس الوزراء ورئيس السلطة القضائية.

***

ولا ينص الدستور الأميركي حتى على ان يكون رئيس مجلس النواب عضوا في البرلمان، كما يرأس مجلس الشيوخ الذي قد تكون أغلبيته المطلقة من الحزب الجمهوري نائب الرئيس الذي قد يكون من الأقلية الديموقراطية، كما يرأس نائب الرئيس الجلسات المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ ممن قد تكون أغلبيتهم جمهوريين كذلك ويذكر أشهر رئيس لمجلس النواب الأميركي تيدفوللي في كتابه «كل السياسات محلية» أن الدور الرئيسي للرئيس هو العمل الدؤوب مع نواب الحزبين (الأكثرية والأقلية) للوصول لتفاهم مشترك يسهل عملية إصدار التشريعات، ولم يقل ان دوره هو إظهار انحيازه لأحدهم والعمل مع طرف واحد في البرلمان، وفي هذا السياق تعتبر كل السياسات في الكويت شخصانية لا .. محلية!

***

وفي الديموقراطية الأقدم في العالم «يتفق» الحزبان البريطانيان الرئيسيان عادة على شخص رئيس البرلمان والذي قد يكون من حزب العمال على سبيل المثال، وفي الانتخابات اللاحقة لا ينزل حزب المحافظين منافسا له في دائرته لضمان نجاحه واستمرار رئاسته للبرلمان الذي يمكن ان تكون الانتخابات قد جعلت أغلبيته من الحزب المنافس دون ان يؤثر ذلك على احتفاظه بكرسي الرئاسة كي يمكن له ان يطبق اللوائح والعقوبات بحق النواب بدلا من ان يكون أسيرا لأصواتهم.

***

وفي مصر أعيد انتخاب أحمد فتحي سرور 21 مرة ولم ينافسه أحد من الحزب الحاكم رغم وفرة وكثرة القيادات البارزة فيه، وفي لبنان بقي نبيه بري رئيسا لمجلس النواب لـ 22 عاما رغم ان قوى 14 آذار بقيادة الحريري كانت لها أغلبية مريحة في البرلمان إبان انتخابات الرئاسة السابقة، وفي جميع تلك الحالات يفرض المنصب إظهار الرئيس حياديته بين الأعضاء تطبيقا لنصوص الدساتير التي تحث على المساواة في الحقوق والواجبات ولكونهم كغيرهم ممثلين للشعب.

***

آخر محطة: من كل ما سبق وللصالح العام نصل للحقائق والتوصيات التالية: ضرورة ان يتموضع موقع رئاسة المجلس الى الوسط أي بين الأكثرية والأقلية وبين المجلس والحكومة وان يحسب تحركه بميزان الذهب. سبق أن جرب نهج الانحياز وتحديدا في يونيو 86 عندما سمح بتقديم 4 استجوابات في يوم واحد فحل المجلس بعدها بأيام قليلة حلا غير دستوري. يفرض كرسي الرئاسة على من يتسنمه ان يكون ودودا مع الجميع وألا يخاصم أحدا من النواب أو المسؤولين أو الإعلاميين أو حتى الخصوم السياسيين السابقين وان يكون مبادرا دائما لإصلاح ذات البين بين النواب.

احمد الصراف

درس أفريقي جميل

يعتبر مو ابراهيم شخصية أفريقية وعربية نادرة، وبالرغم من أنه نشأ في بيئة معادية للنجاح إلا أنه استطاع مد أذرع شركته إلى 14 بلدا أفريقيا، وحقق ثروة كبيرة ببيعها لشركة هولندية، والتي قامت بدورها ببيعها لـ«زين» الكويتية، ويقول «مو» إن السبب في تخلصه من الشركة هو شعوره بأن البنوك العالمية على غير استعداد لتمويل أو اقراض خططه التوسعية لعدم ثقتها برجال الأعمال الأفريقيين.
وقد برز مو ابراهيم في السنوات القليلة الماضية على المسرح الانساني العالمي من خلال جائزته السنوية الكبيرة البالغة قيمتها 5 ملايين دولار، متبوعة بمبلغ 200 ألف دولار تدفع سنويا للفائز مدى الحياة، وهي الاكبر على المستوى الشخصي في العالم، والمخصصة لأي رئيس أفريقي يختار التنازل طوعا عن السلطة، إن قبل أو بعد انتهاء ولايته، وقد فاز بها أخيرا بدرو فيرونا بايرز Pires الرئيس السابق لــ «الرأس الأخضر»، الجمهورية التي كتبنا عنها قبل فترة، واشتهر بايرز بدوره في مقاومة الحكم البرتغالي لبلاده، وتحريرها في العام 1975، واصبح أول رئيس وزراء لها حتى 1991، ثم عاد بعد سنوات ليصبح رئيسها، ويحقق لها استقرارا سياسيا قل نظيره في القارة الأفريقية، وتمكن من تحقيق تقدمها الاقتصادي واستقرارها ونجاح السياحة فيها. كما يسجل له رفضه كل محاولات ثنيه عن الاكتفاء بدورتين رئاسيتين، كما ينص الدستور، واستعداد المشرعين لتغيير مواد الدستور لمصلحة بقائه في السلطة لفترة ثالثة.
ويقول مو ابراهيم إنه خصص تلك الجائزة لشعوره بحاجة أفريقيا الماسة إليها، فمن أكبر مشاكل القارة أن نسبة كبيرة من زعمائها يأتون من مناطق قبلية فقيرة، وما ان يصلوا وتبهرهم مباهجها يستولي عليهم الخوف من فقدها، والحرمان من السلطة والعودة إلى حياة الفقر، فبالتالي يتشبثون، بعد انتهاء ولايتهم، بالحكم باستماتة.
وعندما سئل الفائز الأخير، (بايرز) عن الكيفية التي سينفق بها قيمة الجائزة، قال إنه سيصرفها على تأليف ونشر كتاب عن قصة الصراع لتحرير وطنه، وكيفية تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي. والسؤال، كيف اصبح حتى رؤساء افريقيا، الذين طالما سخرنا من انقلاباتهم المتكررة، أفضل منا بكثير؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

خذوها مني… عينٌ وربع

أثناء الحرب الدامية في أميركا بين الهنود الحمر – سكان أميركا الأصليين – والغزاة البيض، قال مستشار الحرب لجيش الغزاة جملة حملها القادة العسكريون على محمل من الجدية يليق بها: “مصيبتنا ليست في هذه الجموع، مصيبتنا في تلك المجموعة الصغيرة”. كان يتحدث عن المجموعة الصغيرة التي تحيط بقائد قوات الهنود الحمر “الثور الجالس”، وهي مجموعة مشكّلة من عدد من الانتحاريين، الذين تطوعوا للالتفاف من خلف جيش الغزاة ومهاجمة مراكز القيادة، بهدف إشغالها عن إدارة المعركة، بعد أن يقسم الواحد من الانتحاريين هؤلاء أمام زملائه على ألا يعود إليهم مرة أخرى. وكان لا يعود.
قال مستشار الحرب في جيش الغزاة جملته تلك، وأردف: “يجب أن نتعامل معها قبل أن تتعامل معنا”. وبالفعل تم ذلك، وكانت خطته واحدة من أهم أسباب هزيمة الهنود الحمر.
ولو كنت أنا مكان السلطة أو الحكومة ما كنت انشغلت بالبرلمان وتفاصيله و”جموعه” وتجاهلت “الحراك الشبابي الصامت”، الواقف هناك، والذي يسعى إلى “بتر” المعادلة السياسية الحالية و”زراعة” معادلة سياسية أخرى تحل محلها، شبيهة بالمعادلات السياسية الأوروبية، بهدف تحويل الكويت إلى “إمارة دستورية”، يرأس حكومتها مواطن من خارج الأسرة الحاكمة، مع بقاء الحكم، بالطبع، محصوراً في الأسرة الحاكمة، في ذرية مبارك الصباح (مبارك الكبير) تحديداً كما نص الدستور.
أقول، لو كنت مستشاراً للسلطة لنصحت بأن يتم تخصيص أقل من عين واحدة لمراقبة البرلمان وخطواته؛ ثلاثة أرباع عين واحدة تكفي وتزيد. أمّا العين والربع، أو بقية النظر، فتركز على “تلك المجموعة الصغيرة من الشبان” التي تركت الصدام يدور، والتفّت من خلف الصفوف لفرض سيطرة الشعب على القرار السياسي.
لن أطلب، لو كنت مستشاراً للسلطة، قمع هؤلاء الشبان أبداً، ولا إخراس ألسنتهم وقطع الهواء عنهم، بل الجلوس معهم للتفاوض وتخفيض سقف مطالبهم، باستخدام المناورات السياسية والخطط الاستراتيجية، وأولها عدم المكابرة.
وها هي “ذقني” أمامكم، معشر القراء، وأعلن استعدادي لمسحها من الخريطة، بعد أن أمسح “شنبي” وحاجبيّ الكريمين، إذا لم يكن الانتصار حليفاً للشبان، عاجلاً أم آجلاً. أقول هذا والأدلة تتزاحم أمام عيني… منها، وهذا الأهم، إيمان الشبان التام بقضيتهم، وإخلاصهم لها، وعزيمتهم التي تخجل عزيمة البحارة، وصبرهم الذي يمكّنهم من التصدق بكميات منه للفلاحين دون أن ينقص أو يتأثر، ودهاؤهم القتالي، وخبرتهم التي اكتسبوها من الحروب السياسية السابقة مع السلطة، ومن خلفهم التأييد الشعبي الذي يتكاثر يوماً بعد يوم لمسعاهم، إضافة إلى نشرات الأخبار التي تنقل ما يدور في العالم من سيطرة الشعوب على مقاليد الأمور، فتبث فهم روح الحماسة… في مقابل سلطة تعاقدت مع “الوقت” على حمايتها، واعتبرته من القوات الصديقة! وأحاطت نفسها بمستشارين، يدّعون أنهم “أحفاد روميل” في الدهاء، في حين لا يستطيعون تسويق “علكة”، مجرد علكة، للشعب، فما بالك بالرؤى السياسية، ولا يجيدون إلا الغمز بالعين اليسرى.
وكنت سابقاً قد أعلنت “انتصار الأقلية المعارضة” عندما كانت في لحظات ضعفها، استناداً إلى إيمانها بقضيتها، وإخلاصها لها، في مقابل “أغلبية” تعرف قوافل الشام واليمن ما الذي يجمعها ويفرقها.
راقبوا معي ما الذي سيفعله الشبان، تحت غطاء ضوضاء البرلمان، وسترون بأنفسكم النتائج قريباً. لم أقل جداً.

حسن العيسى

وين رايحين؟

كانت أمس الأول جلسة خيبة للبرلمان، وبالتأكيد ستلحقها من دون حساب جلسات خيبات أكثر وأكثر، مادام تمترس هذا المجلس بالنهج الطائفي والتخندق في بؤر تصفية حسابات قديمة ورد ديون مستحقة من المجلس الماضي، أي المجلس التابع لحكومة الشيخ ناصر المحمد. يفترض أن هناك فكراً قانونياً كحد أدنى يقدم المشورة لأعضاء المجلس، هذا بالإضافة إلى الأعضاء الحاليين من رجال القانون، وكان أولى أن يعلم مكتب المجلس أن تغيير صيغة البلاغ المقدم إلى النيابة عن اقتحام أو إتلاف مرفق عام إلى “دخول” ذلك المرفق بمعية وقبول أعضاء في المجلس لن يغير شيئاً من “تكييف الواقعة” التي قدم فيها البلاغ أساساً، فلن يقرأ القاضي الفروقات اللفظية التي أملتها اعتبارات السياسة بين البلاغ الأول لمكتب المجلس القديم المتهم بالتبعية لحكومة الأمس، وبلاغ “الصفح” الثاني، وعفا الله عما سلف، لمجلس الأغلبية الدينية، فهناك الوقائع من شهود وصور فوتوغرافية وهي التي ستملي على القاضي قناعاته في النهاية، أو يفترض ذلك، وعلى ذلك فلا جدوى من تعديل مفردات البلاغ من قبل مكتب المجلس قانوناً، إلا أن للسياسة اعتبارات تبناها المكتب مسايرة لحكم الأغلبية البرلمانية، ولها عذرها في الاعتبار السياسي، فالذين دخلوا أو اقتحموا المجلس ومن شايعهم هم أغلبية أعضاء مجلس اليوم.
وقد يفهم من ذلك أن فيها بعض التجاوز للسلطات، وتدخلاً في أعمال القضاء، فبمجرد تقديم البلاغ، وليس الشكوى، لم تعد الواقعة ملكاً للمبلغ، وإنما تبقى تحت هيمنة السلطة القضائية، لكن للسياسة اعتبارات لا يفهمها حكم القانون. من جهة أخرى، لم يكن هناك داع لمعركة الديكة في الجلسة بين الأغلبية الحاكمة للمجلس والأقلية (التي كانت أغلبية بالأمس) حين وضعت الأخيرة الأعلام السوداء أمامها احتجاجاً على بلاغ الصفح الثاني، فهذا حقهم في التعبير عن رأيهم، في الوقت الذي تضيق فيه يوماً بعد يوم حرية التعبير في الدولة ببركة الفكر الأصولي المهيمن في مجلس النواب ومسايرة الحكومة له، ولا علاقة بين العلم الأسود والموالاة للمذهب الجعفري هنا، فوضع العلم الأسود مجرد عملية رمزية للاحتجاج، ولا أكثر من ذلك، ولن يختلف الأمر لو وضع المعترضون وشاحاً أسود، إلا أن الفهم المذهبي القاصر عند بعض النواب شطح بهم إلى ما لا يمكن أن يقبله العقل أو المنطق، فكان الهمز والغمز في الآخر الذي لم يكن له أي مبرر.
الدولة تنتظر الكثير من نواب اليوم، فالتحديات في المنطقة بين احتمالات حرب إيرانية- أميركية أو ضربة إسرائيلية للمفاعلات الإيرانية، وقبلها الحرب الأهلية المأساوية في سورية وانعكاساتها على الساحة الكويتية كل ذلك أهم وأكبر من أن تضيع سلطة التشريع أولوياتها في تصفية حسابات قديمة، وجر البلد إلى تحزب مذهبي وديني منغلق على ذاته يرفض الآخر. وفي الداخل هناك معارك الكوادر والميزات المادية لمعظم النقابات والتي تقود من إضراب إلى آخر يضرب اقتصاد الدولة في الصميم، ويتعين أن يقرأ المجلس والحكومة معاً هذا الأمر ليتم التوازن بين اعتبارات العدالة والإنصاف، من ناحية، في تقرير المزيد من الكوادر، واعتبارات إرهاق ميزانية الدولة بتلك الكوادر من ناحية اخرى. ليس هذا وقت الجدل والعراك في جنس الملائكة، ولا أحد يريد أن تضيع الدولة وحلم الأجيال في الرخاء والتنمية الحقة حين نغرق في مستنقعات القلق لما يجري اليوم، فارتقوا بخطابكم السياسي، واسألوا أنفسكم: “وين رايحين”؟!

احمد الصراف

من أين نبدأ؟! (2-2)

يتطرق ويتيكر في أحد فصول كتابه القيم للعلاقة «المريضة» بين المواطن والدولة بسبب دكتاتورية وسلطوية غالبية حكومات العرب الذين يتعاملون – غالبا – مع مواطنيهم على أنهم «رعايا»، وما عليهم سوى الطاعة والولاء مقابل ما يحصلون عليه من «خيرات»! وفي فصل آخر يتطرق بريان ويتيكر الى أهم القضايا، التي تواجه المجتمعات العربية، وهي المتعلقة بالسياسة الدينية Politics of God، وكيف اجتاح المد الديني المنطقة برمتها على مدى السنوات الثلاثين الماضية، بسبب «المرض العربي»، بعد أن اصبح المعتقد الديني يمثل لعشرات الملايين منطقة أمان واطمئنان في عالم ممتلئ بالشكوك واليأس. وقال ان اللجوء الى الدين بدأ مع الهزيمة النكراء التي أوقعها الاسرائيليون بالعرب في حرب 1967، ورماهم في أحضانه، وتعزز اللجوء الى الدين بعد الانتصارات التي حققها «المجاهدون الأفغان» على السوفيت الكفار، وما تبع ذلك من نجاح «حزب الله» في اخراج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان، وبالتالي تولدت قناعة لدى الكثيرين بأن النصر العسكري يمكن تحقيقه بالالهام الديني، وبالتالي أصبح الدين – كما يقول ويتيكر – هوية وانتماء وتضامنا في وجه القوى الخارجية المستبدة! ويقول الكاتب محذرا بأن اعتبار الدين هوية له مخاطر نفسية وسياسية كبيرة، كما أن المد الديني انتج «أنواعاً» جديدة من التدين الأكثر تطرفا في تفسيراته، وهذا جعل تقبل الآخر دينا وثقافة وفنا، أو حتى محادثة شفهية أكثر صعوبة. ويقول ان المساواة في الحقوق والواجبات لا يمكن أن تتحقق بغير الحرية الدينية، وهذا هو العائق الأكبر أمام أي تقدم ايجابي في المجتمعات العربية. كما أن حرية التدين تتطلب حيادية الدولة دينيا، أي فصل الدين عن الدولة، وهذا أمر لا بد منه لأي خطة اصلاح جادة.
كما يتضمن كتاب ويتيكر فصولا عن «الوساطة» والفساد الحكومي والرشى والعمولات غير القانونية، وهو كتاب – كما يبدو – جدير بالاطلاع على الرغم من مرور سنوات على نشره، واصبح اكثر أهمية مع الثورات العربية، التي جرت دولها لبرلمانات أكثر تخلفا وانغلاقا، ولو كان لدى مسؤولينا من يقرأ ويستنتج ويحلل لكان بالامكان الاستفادة من تجربة الأمة الايرانية مع الحكم الديني، ولكنهم يا ولدي لا هم هنا، ولا بالهم هناك.

أحمد الصراف