البعض يعتقد أن الولاء للأوطان ثابت لا يتغير، أي أن معدل الولاء لا يرتفع ولا ينخفض. وهذا غباء بواح وهبلٌ ذحاح.
ببساطة… الولاء، وقبله الإيمان، يرتفع وينخفض، لا بل قد يتلاشى ويتطاير كدخان السيجارة في الهواء. وكما أن هناك مَن يكفر من المؤمنين ويقدم على أفعال كفرية تخرجه من دائرة الإيمان، هناك من المواطنين من يقدم على أفعال تخرجه من دائرة الولاء لوطنه.
وأجزم أن نسبة ليست بالصغيرة لا ولاء في قلوبها لوطنها، والناس تعرفهم وتعرف “جرّتهم على القاع” وتفاصيل تفاصيلهم. خذ عندك مثالاً التاجر الذي يسرق مشاريع البلد ويغش في عقودها وأوامرها التغييرية. وخذ النائب الذي يقبض الزقوم مقابل تصويته لحساب أعمامه كبار اللصوص. وخذ عندك الوزير أو الوكيل الذي يعتبر الوزارة، في قرارة نفسه، “شركة ذ. م. م”، يحق له بيع بعض أسهمها وتوريثها وإهداؤها لمن أراد. وخذ الإعلامي الذي يسعى، عبر تزوير الحقائق والمعلومات، إلى عرقلة لجان التحقيق المشكلة للبحث في فساد “العهد البائد الفاسد”، وخذ وخذ وخذ…
والأمر ليس مقصوراً على الأشخاص بل يتعداه إلى المؤسسات، وأهمها جمعيات النفع العام التي تحول بعضها إلى قفازات يرتديها اللصوص لإخفاء بصماتهم من على خزانة الدولة. وأرجو أن تتلفتوا يميناً ويساراً يرحمني ويرحمكم الله قبل أن تسألوني: “أيّها تقصد؟”.
وأحسب أن على الحكومة والبرلمان ووسائل الإعلام والتجار الشرفاء وكل ذي قدرة أن يَصدقوا مع أنفسهم قبل أن يصدقوا مع الناس، وأن يجيبوا، وهم في الغرف المغلقة، عن السؤال الأهم: “هل انخفض معدل الولاء للوطن بين المواطنين؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فما هو السبب وما الحل؟”، أكرر أتمنى عليهم أن يجيبوا عن السؤال بصدق كامل، والصدق أحياناً أشد إيلاماً من ضرب الرأس بالفأس، وأتمنى قبل ذلك وبعده أن يتركوا الكليشيهات المعتادة: “نحبها بغبارها وبكوسها وبطوزها” وبقية كليشيهات الترالاللي.
ولا أظنني سأقتنع بسهولة، ولا حتى بصعوبة، إن ادعى أحدهم أو زعم أن الكويتيين لا يعانون شحاً في الولاء لوطنهم، و”مابون شيء” كما يقول اللبنانيون، فنظرة واحدة إلى أي دولة أوروبية غربية أو جنوبية (أي دولة هناك، أغمض عينيك وضع أصبعك على أي دولة) ومقارنة مسؤوليها بمسؤولينا ونوابها بنوابنا وتجارها بتجارنا وإعلامها بإعلامنا وشعبها بشعبنا، سيثبت بما لا يدع حاجة إلى شهود أربعة أن النتيجة تُبكي الحجر قبل البشر.